المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المناقشة: يستند هذا الدليل في مبدأ الاستدلال به عند الفلاسفة إلى - آراء الصاوي في العقيدة والسلوك

[أسماء بنت محمد توفيق بركات ملا حسين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: حياة الشيخ الصاوى

- ‌الفصل الأول: عصر الصاوي

- ‌(المبحث الأول): الحالة السياسية

- ‌الاضطرابات والقلاقل السياسية:

- ‌ مذبحة المماليك بالقلعة سنة 1811 م:

- ‌محاربة الدعوة السلفية:

- ‌ القضاء على الزعامة الشعبية والدينية بنفى عمر مكرم:

- ‌(المبحث الثاني): الحالة الاجتماعية

- ‌(المبحث الثالث): الحالة العلمية والدينية

- ‌الفصل الثاني: حياة الصاوى

- ‌(المبحث الأول): سيرته الذاتية

- ‌1 - اسمه ونشأته:

- ‌2 - صفاته وأخلاقه

- ‌3 -‌‌ شيوخهوتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌تلاميذه:

- ‌(المبحث الثاني): مكانته العلمية ومؤلفاته

- ‌مكانتها العلمية:

- ‌الحواشى العقدية:

- ‌الفصل الثالث: منهجه في تحري مسائل الاعتقاد

- ‌(المبحث الأول): مصادره في العقيدة

- ‌أولًا: مكانة العقل في التلقى:

- ‌ثانيًا: حجية الإلهام:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: مصادر التلقى:

- ‌ثانيًا: نقض دعاويهم في تقديم العقل:

- ‌ثالثًا: التناقض لازم لهذا المسلك:

- ‌رابعًا: حجية الإلهام:

- ‌(المبحث الثاني): منهجه في الاستدلال

- ‌أولًا: الاستدلال بقياس الغائب على الشاهد:

- ‌مناقشة:

- ‌ثانيًا: الاستدلال بالسبر والتقسيم:

- ‌ثالثًا: الاستدلال بالقياس المنطقي:

- ‌المناقشة:

- ‌ثالثًا: منهجه في الاستدلال بالقرآن والسنة:

- ‌أولًا: الاستدلال بالنص:

- ‌ثانيًا: الاستدلال بالظاهر:

- ‌المناقشة:

- ‌مسلك التأويل والتفويض:

- ‌ أولًا المراد بالمتشابه:

- ‌ ثانيًا: المراد بالتأويل:

- ‌الباب الثاني: (آراؤه في العقيدة)

- ‌الفصل الأول: (آراؤه في معرفة الله والاستدلال على وجوده)

- ‌(المبحث الأول): معرفة الله تعالى

- ‌(تمهيد)

- ‌طرق المعرفة

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌التقليد وحكم المقلد

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): الاستدلال على وجود الله تعالى

- ‌ دليل حدوث الأجسام

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌دليل الإمكان

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثاني: (آراؤه في التوحيد)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف التوحيد

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): دليل التوحيد

- ‌رأي الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): شهادة التوحيد ونواقضها

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثالث: (آراؤه في الأسماء والصفات)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): المسائل المتعلقة بالأسماء الحسنى

- ‌أسماء الله تعالى كلها حسنى:

- ‌أسماء الله تعالى توقيفية:

- ‌أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد:

- ‌ أسماء الله تعالى غير مخلوقة:

- ‌رأى الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): المسائل المتعلقة بصفات الله تعالى

- ‌أولًا: الصفات السلبية

- ‌ثانيًا: صفات المعاني

- ‌ثالثًا: الصفة النفسية

- ‌رابعًا: الصفات المعنوية

- ‌خامسًا: موقفه من الصفات الأخرى

- ‌ أولًا: صفة الرحمة والغضب والمحبة:

- ‌ ثانيًا الصفات الخبرية الذاتية:

- ‌الفصل الرابع: آراؤه في الإيمان

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): حقيقة الإيمان

- ‌رأى الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): العلاقة بين الإسلام والإيمان

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): الأسماء والأحكام

- ‌أولًا: حقيقة الإيمان، وبيان ما يناقضه:

- ‌ثانيًا: تحقيق الوعد مع وجود مسببه من الإيمان:

- ‌ثالثًا: تحقق الوعيد مع وجود المقتضى من الكفر:

- ‌رابعًا: موانع إنفاذ الوعيد لأصحاب الكبائر من المسلمين:

- ‌خامسًا: الرد على شبه الوعيدية:

- ‌سادسًا: موقفه من مخالفيه (دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:

- ‌الفصل الخامس: (آراؤه في الإيمان بالملائكة)

- ‌(المبحث الأول): الإيمان بالملائكة الأطهار

- ‌(المبحث الثاني) عالم الجن والشياطين

- ‌الفصل السادس: آراؤه في الإيمان بالكتب

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف الوحي

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بالكتب السابقة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌كلامه في التوراة:

- ‌كلامه في الإنجيل:

- ‌كلامه في الزبور:

- ‌مناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): الإيمان بالقرآن الكريم

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل السابع: آراؤه في الإيمان بالنبوات

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): مفهوم النبوة والرسالة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بالرسل والأنبياء

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌التعليق:

- ‌أولًا: المفاضلة بين البشر والملائكة:

- ‌ثانيًا: عصمة الأنبياء:

- ‌ثالثًا: ما يتعلق بالأحوال البشرية:

- ‌(المبحث الثالث): خاتم الأنبياء عموم رسالته

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أسماؤه الشريفة:

- ‌مكانته بين الرسل:

- ‌خصائصه صلى الله عليه وسلم

- ‌مظاهر الغلو فيه صلى الله عليه وسلم

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: أسماؤه الشريفة:

- ‌ثانيًا: قضية التفضيل:

- ‌ثالثًا: الغلو فيه صلى الله عليه وسلم

- ‌(المبحث الرابع): دلائل النبوة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌الفصل الثامن: (آراؤه في الإيمان باليوم الآخر)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف اليوم الآخر، وأدلته

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بأشراط الساعة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثالث): الموت، وحياة البرزخ

- ‌الروح والموت

- ‌حياة البرزخ

- ‌(المبحث الرابع): حقائق يوم القيامة

- ‌ المحشر وعرضات يوم القيامة

- ‌الجنة والنار

- ‌الفصل التاسع: (آراؤه في الإيمان بالقضاء والقدر)

- ‌(المبحث الأول): القضاء والقدر (تعريفه ومراتبه)

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: تعريف القدر:

- ‌ثانيًا: تعريف القضاء:

- ‌ثالثًا: مراتب القدر:

- ‌مرتبة العلم:

- ‌مرتبة الكتابة:

- ‌مرتبة المشيئة:

- ‌مرتبة الخلق:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌موقفه من الظلم:

- ‌المناقشة:

- ‌حقيقة الظلم:

- ‌(المبحث الثالث): أفعال العباد

- ‌أدلة القدرية والجبرية:

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: أفعال العباد وحقيقتها القدرية:

- ‌ثانيًا: الأسباب، وموقف الناس منها:

- ‌ثالثًا: أدلة رجح بها مذهب الأشعري، ورد بها على مخالفيه:

- ‌الأدلة السمعية:

- ‌الأدلة العقلية:

- ‌رابعًا: حقيقة القدر في الفكر الصوفي:

- ‌المناقشة:

- ‌ نظرية الكسب في الفكر الأشعري

- ‌الفصل العاشر: آراؤه في الصحابة والإمامة

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): الصحابة الكرام

- ‌أولًا: تعريف الصحابة:

- ‌ثانيًا: فضائل الصحابة:

- ‌ثالثًا الدفاع عن الصحابة:

- ‌التعليق:

- ‌ تعريف الصحابة:

- ‌فضل الصحابة:

- ‌الدفاع عن الصحابة:

- ‌(المبحث الثاني): الإمامة

- ‌تعليق:

- ‌أولًا: حكم تنصيب الوالي:

- ‌ثانيًا: ما تنعقد به البيعة:

- ‌صفات الوالي:

- ‌تعدد الولاة:

- ‌حق الإمام:

- ‌الباب الثالث: (آراؤه في باب السلوك)

- ‌الفصل الأول: (التصوف وآدابه)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): مفهوم التصوف

- ‌(المبحث الثاني): آداب التصوف

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أهمية اختيار الشيخ:

- ‌صفات الشيخ:

- ‌آداب السلوك:

- ‌أولًا: ما يتعلق بآداب اختيار العلم:

- ‌ثانيًا: الآداب المتعلقة بحق الشيخ:

- ‌الآداب المتعلقة بجماعة الطلاب:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: مكانة علم التصوف بين العلوم:

- ‌ثانيًا: صفات الشيخ:

- ‌آداب التلقي:

- ‌احترازات في التلقي:

- ‌أولًا: طاعة الشيخ:

- ‌ثانيًا: التبرك بالشيخ:

- ‌ثالثًا: ملاحظة الشيخ:

- ‌رابعًا: الاستغناء بالشيخ:

- ‌الفصل الثاني: (المقامات والأحوال)

- ‌تمهيد

- ‌تعريف المقام:

- ‌تعريف الحال:

- ‌(المبحث الأول): أقسام المقامات (عند الصوفية)

- ‌الفناء والبقاء:

- ‌الجمع والفرق:

- ‌أحكام البقاء:

- ‌مقام الجمع:

- ‌مقام الفرق:

- ‌(المبحث الثاني): منهج الصوفية في التأصيل للمقامات

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): وحدة الوجود ووحدة الشهود

- ‌أولًا: وحدة الوجود:

- ‌ثانيًا: وحدة الشهود:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: نقض وحدة الوجود:

- ‌موقف الصاوي:

- ‌ثانيًا: حقيقة وحدة الشهود:

- ‌(المبحث الرابع): الترقي في المقامات

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: عقبات الترقي:

- ‌ثانيًا: طريق الخلاص:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثالث: (الولاية والكرامة)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): حقيقة الولاية

- ‌ تعريف الولاية:

- ‌ حقيقة الولي

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌صفات الولي:

- ‌شرط الولاية:

- ‌الفرق بين الولي والدعي:

- ‌جزاء الأولياء:

- ‌طرق الولاية:

- ‌فضائل الأولياء:

- ‌زمن الولاية:

- ‌المناقشة:

- ‌حقيقة الولاية:

- ‌ معرفة الولي:

- ‌طرق الولاية:

- ‌فضائل الأولياء:

- ‌مدة الولاية:

- ‌المبحث الثاني: حقيقة الكرامة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الخاتمة

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌ ‌المناقشة: يستند هذا الدليل في مبدأ الاستدلال به عند الفلاسفة إلى

‌المناقشة:

يستند هذا الدليل في مبدأ الاستدلال به عند الفلاسفة إلى التصور المطلق للوجود، والذي ليس له حقيقة خارجة عن الذهن، مما يحكم بعدم كفايته في الاستدلال على وجود الله تعالى، فكل ما يقتضيه: تقسيم الوجود إلى واجب وممكن، أما من حيث التعين فلا يدل عليه، وهذا ما يدحض حجيته في الاستدلال على وجود الله تعالى، ويقرر عدم كفايته في هذا الأصل العظيم.

بيان ذلك: أن الدليل الصحيح الدال على وجود الله تعالى لا بد أن يدل على تعينه متصفًا بما لا يشاركه فيه أحد من صفات الكمال، مع دلالته على إثبات وجوده، وإلا لأدى ذلك الاستدلال إلى نقيض المراد منه، يقول شيخ الإسلام رحمه الله:"حقيقة قول هؤلاء نفى الوجود الواجب المباين للوجود الممكن، ونفى وجود الخالق المباين للمخلوقات، ونفى وجود القديم المباين للمحدثات". (1)

وهذا يرجع إلى أنه استدلال بالكلى، الذي لا وجود له إلا في الأذهان وهو مطلق الوجود على المتعين وهو الوجود الواجب المتحقق في الخارج، وهذا غير ممكن بطريقه؛ لأن دلالة الكلى على المتعين قد تفيد إثباته في العقل، ولكنها تقصر عن المراد الأسمى، وهو تعيينه بصفاته التي يحصل بها التمييز بين الواجب والممكن في الخارج، يقول شيخ الإسلام في بيان عدم جدواه:"فإن هذه الطريقة، وإن كانت صحيحة بلا ريب، لكن نتيجتها إثبات وجود واجب، وهذا لم ينازع فيه أحد من العقلاء المعتبرين، ولا هو من المطالب العالية، ولا فيه إثبات الخالق، ولا إثبات وجود واجب أبدع السموات والأرض". (2)

- وقد أعرض الفلاسفة عن الاستدلال بالحدوث - مع أنه يستند إلى مبدأ الإدراك الحسى إلى الاستدلال بهذا الدليل - حتى لا يخالفوا اعتقادهم بقدم بعض الموجودات كالأفلاك السماوية، فحصروا دلالة الممكن على الواجب بافتقاره إليه افتقار العلة إلى معلولها دون سبق زمان. (3)

(1) الصفدية: (2/ 19).

(2)

شرح العقيدة الأصفهانية: 42.

(3)

انظر: الدرء: (3/ 334) بدون إلزامات الأشاعرة في المقدمة التالية، لأنها فطرية، وسيأتي بيانه.

ص: 159

وهذا ما رده عليهم شيخ الإسلام رحمه الله وبين عدم صحته لمخالفته ما قد أجمع العقلاء عليه، يقول:"أما كون الممكن بنفسه له ذات يعتقب عليه الوجود والعدم، وأنها مع ذلك قد تكون قديمة أزلية واجبة بغيرها، كما يقوله ابن سينا وموافقوه، فهذا باطل عند العقلاء قاطبة من الأولين والآخرين، حتى عند ابن سينا مع تناقضه". (1)

- ومع مخالفة المتكلمين للفلاسفة في هذا، واستدلالهم بالإمكان على الحدوث، لاقتضائه سبق الممكنات بالعدم، كما بين الصاوى، إلا أن شيخ الإسلام يخطئهم في استخدام مصطلح الإمكان من حيث امتناع دلالته على المراد، ببيان أن الممكن ما كان معدومًا أما ما وجد فقد خرج عن الإمكان إلى الوجوب بالغير، فالمعروف في فطر الناس أن ما مضى من وجود وعدم لا يسمونه ممكنًا، وإنما يسمون بالممكن شيئًا يمكن وجوده في المستقبل وعدمه في المستقبل". (2)

هذا وقد سبقت الإشارة إلى أن الدليل حتى يتم به المقصود لا بد أن يتسم بالبيان والوضوح، وإلا خالف المراد منه، وهذا مما انتقده شيخ الإسلام رحمه الله على المتكلمين، حيث خالفوا السبيل المستبين إلى سبيل تتسم مقدماته بالطول والخفاء، واستخدام المصطلحات الفلسفية المبتدعة، مما جعل فهمه متعسرًا على الكثير، يقول:"فإن العلم بأن المحدث لا بد له من محدث أبين من العلم بأن الممكن لا بد له من واجب فتكون تلك الطريق أبين وأقصر، وهذه أخفى وأطول". إلى أن قال: "ومن استدل على الجلى بالخفى فإنه وإن تكلم حقًا فلم يسلك طريق الاستدلال. . . فإثبات الصانع بمثل هذه المقدمات لو كانت صحيحة كان الدليل باطلًا". (3)

وبعد التنبيه على وعورة هذه المسالك، وانقطاعها بأصحابها في الوصول للمراد الأسمى، يجدر التنبيه إلى بيان الطرق الشرعية، التي ذكرت في القرآن الكريم والسنة المطهرة، باعتبار كفايتهما في الاستدلال على أصول الدين جملة وتفصيلًا -

(1) الدرء: (3/ 337).

(2)

الدرء: (3/ 350).

(3)

انظر: شرح العقيدة الأصفهانية: 43.

ص: 160

كما بينت سابقًا - فإن طريقة القرآن الكريم في بيان هذا الأصل، تتفق وروح السماحة وإرادة الخير بالبشرية، التي تعد من أبرز سماته التي خصه الله بها.

فإن حديث القرآن عن معرفة الله تعالى، والاستدلال على وجوده ، يتسم بأنه خطاب موجه للفطرة المغروسة في النفس البشرية، فجل ما يفيده في هذا المجال هو تنبيه العقل لإدراك هذه الحقيقة الكامنة فيه إن غفل عنها، وغابت معالمها في نفسه، ومن ثم إلزامها بما يقتضيه هذا الإقرار من التزام بأوامر الشرع المطهر، فدليل الخلق والإيجاد، يعتمد على مقدمتين، دلالة كل منهما تستند إلى اليقين، وهما: أن ما يشاهد من الموجودات مخلوق، وأنه لا بد لكل مخلوق من خالق.

حيث ترتكز المقدمة الأولى على مبدأ الإدراك الحسى، وذلك أن العلم بحدوث المخلوقات، تقتضيه مشاهدة ما يطرأ عليها من وجود بعد عدم، ومن فناء بعد وجود، وقد دل القرآن الكريم على هذه الضرورة، بأحسن بيان وأوجزه، قال تعالى:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} .

وقال: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [يونس: 34].

وغيرها من آيات الذكر الحكيم، التي نبهت إلى حقيقة الخلق في هذه الموجودات المشاهدة، وإقرار الكافرين بها، فاستدلت بها دون أن تستدل لها على ضرورة وجود خالق مبدع لتلك المخلوقات.

- أما المقدمة الثانية لهذا الدليل، وهى ضرورة أن يكون لهذه المخلوقات خالقًا مبدعًا، فتعتمد على مبدأ السببية، الذي يعد من أسمى مبادئ التفكير البشرى الهادى إلى معرفة الله تعالى، وقد اعتمد القرآن الكريم في الاستدلال على هذا الأصل العظيم إلزام المخاطبين به، قال تعالى:{أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [النمل: 64].

حيث تدل هذه الآية الكريمة على وجوب أن يكون لهم خالق خلقهم من غير أنفسهم، ومن ثم إلزامهم بوجوب أن يكون هو الخالق الذي لا إله إلا هو.

ص: 161

وقد أتى هذا الإلزام بصيغة الاستفهام الإنكارى ليدل على فطرية هذه القضية واستقرارها في نفوسهم، بحيث يمتنع مخالجة الشك لها. (1)

يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله: "لا يخلو الأمر من واحدة من ثلاث حالات بالتقسيم الصحيح والأولى: أن يكونوا خلقوا من غير شيء، أي بدون خالق أصلًا.

والثانية: أن يكونوا خلقوا أنفسهم.

والثالثة: أن يكون خلقهم خالق غير أنفسهم.

ولا شك أن القسمين الأولين باطلان، وبطلانهما ضرورى كما ترى، فلا حاجة إلى إقامة الدليل عليه لوضوحه، والثالث هو الحق الذي لا شك فيه، وهو جل وعلا خالقهم المستحق منهم أن يعبدوه وحده جل وعلا". (2)

وعلى نفس مبدأ السببية يقوم دليل آخر، له ارتباط وثيق بدليل الخلق، وذلك من جهة اشتمال المخلوقات على ما هي عليه من الإحكام والإتقان، ومن ثم الاستدلال بذلك على وجود مبدع لها، أحكم وأتقن صنعها، يقوم هذا الدليل كسابقه على مقدمتين دلالتهما يقينية: أما المقدمة الأولى: وهى أن كل ما هو مشاهد من المخلوقات قد أحكم خلقه وأتقن، فتستند إلى الإدراك الحسى الذي يدرك هذه الحقيقة ويشاهدها دون أدنى شك.

وأما المقدمة الثانية، وهى أن كل ما أحكم صنعه وأتقن فإنه يدل على وجود بديع أبدعه، فتستند إلى مبدأ السببية، الذي يمنع أن يكون هذا الإحكام والإتقان قد وجد اتفاقًا بلا مسبب له، ومن ثم يلزم بوجود مسبب قادر على إبداع هذا الخلق وإحكامه.

والآيات التي تشهد لهذا الأصل كثيرة حتى عدها بعضهم في أكثر من ثمانين

(1) انظر: الرد على المنطقيين، لابن تيمية (253).

(2)

أضواء البيان للشنقيطى (4/ 398).

ص: 162

موضعًا، كلها تحث العقل على تدبر ما في هذا الخلق من عناية وحسن تدبير وتقدير ونظام، ففى بيان العناية وحسن التدبير، يقول الشيخ السعدى في تفسير قوله تعالى:{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [الشمس: 7]"فالنفس آية كبيرة من آياته التي يحق الإقسام بها، فإنها في غاية اللطف والخفة، سريعة التنقل والحركة، والتغيير، والتأثر، والانفعالات النفسية من الهمة والإرادة والقصد والحب والبغض، وهى التي لولاها لكان البدن مجرد تمثال لا فائدة فيه، وتسويتها على ما هي عليه آية من آيات الله العظيمة". (1)

* * *

(1) تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن: (1012). ولمزيد من التفصيل انظر مبحث الاستدلال على وجود الله في كتاب المعرفة في الإسلام، فضيلة الشيخ الدكتور: عبد الله القرنى.

ص: 163