الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حتى يتم بحول الله تعالى الوقوف على كل النقاط، ومن ثم مناقشتها في ضوء منهج السلف الكرام.
* * *
المناقشة:
لما كان التفريق بين القضاء والقدر مما لم يرد فيه قول ثابت بنص الكتاب والسنة؛ فقد اختلف العلماء في تحديد ذلك على أقوال عدة؛ فالأول: أنه لا فرق بينهما حيث صح إطلاق أحدهما على الآخر، مما يدل على عدم وجود مسوغ للتفريق.
الثاني: القول بالتوقف حيث امتنع التفريق بصريح الأدلة من الكتاب والسنة وعليهما المعول فيما شأنه التوقف (1).
الثالث: أنه يفرق بينهما، ولهم في توجيه ذلك الفرق عدد من الأقوال:
1 -
منها ما أورده الحافظ ابن حجر رحمه الله بقوله: "القضاء هو الحكم الكلى الإجمالى في الأزل، والقدر جزيئات ذلك الحكم وتفاصيله"(2).
2 -
ومنها ما ذكره بعض العلماء؛ من أن القضاء هو ما يتحقق وقوعه، أما القدر فهو مما يمكن توقف إنفاذه، فيكون القدر بمثابة العلم الأزلى، والقضاء المشيئة النافذة (3)، وهذا التفريق تبطله الأدلة التي دلت على أن كلا الأمرين قد يتغير فلا يقع، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يغنى حذر من قدر والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة)(4).
وكما ورد ما يفيد رفع القدر وتغييره فقد ورد أيضًا في القضاء فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تعوذوا بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء)(5).
(1) انظر: فتح الباري: (11/ 477).
(2)
فتح الباري: (11/ 477).
(3)
انظر: مفردات ألفاظ القرآن، للراغب الأصفهاني:407.
(4)
أخرجه الحاكم في مستدركه: كتاب الدعاء، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه: (1/ 492).
(5)
أخرجه البخاري: كتاب القدر - باب من تعوذ بالله من درك الشقاء، رقم الحديث:6616.
3 -
وقد ذهب الأشاعرة إلى توجيه آخر لذلك الفرق، يقول الإيجى: "واعلم أن قضاء الله عند الأشاعرة هو إرادته الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هي عليه فيما لا يزال.
وقدره: إيجاده إياها على قدر مخصوص، وتقدير معين في ذواتها وأحوالها" (1).
4 -
أما الماتريدية؛ فيعرف القضاء على مذهبهم؛ بأنه انقطاع الشيء وتمامه، وعليه فإن الطاعات والمعاصى كلها بقضاء الله، أي بخلقه وتكوينه.
وأما القدر؛ فهو عندهم على وجهين:
أحدهما: الحد الذي يخرج عليه الشيء، وهو جعل كل شيء على ما هو عليه من خير أو شر، من حسن أو قبح، من حكمة أو سفه.
والثانى: بيان ما يقع عليه كل شيء من زمان ومكان، وما له من الثواب والعقاب" (2).
ومع كل ما تقدم من آراء الصاوي وغيره من العلماء يمكن الخلوص إلى الجادة الوسط، وهى أن العلاقة بينهما شبيهة بالعلاقة بين الإسلام والإيمان، وهذا ما ذكره الصاوي على غير جهة الجزم.
وعليه فلا انفكاك لأحدهما عن الآخر، حتى إذا أفرد أحدهما بالذكر دخل فيه الثاني على جهة التضمن أو التلازم، ولا مشاحة في الإصطلاح.
لذا فإن "جماع القول في هذا الباب؛ أنهما أمران لا ينفك أحدهما عن الآخر، لأن أحدهما بمنزلة الأساس، والآخر بمنزلة البناء، فمن رام الفصل بينهما فقد رام هدم البناء ونقضه"(3).
* * *
(1) المواقف: (3/ 261).
(2)
تبصرة الأدلة، أبو المعين النسفى:(2/ 716).
(3)
معالم السنن للخطابي: (5/ 77).
مراتب القدر:
أما عن مراتب القدر فمن الملاحظ عند تتبعى لآرائه في هذا الباب أنه لم يتعمد جمعها ولا الترتيب فيها؛ إذ كل ما نقلته عنه إنما هي أقوال متناثرة جمعتها ورتبتها وفق المنهج المتبع عند السلف الكرام، وهذا ما يدعونى للوقوف عليها مرة أخرى ومن ثم تدارك ما فاته منها، ومناقشته في بعض القضايا المتعلقة بها:
أولًا: مرتبة العلم، فالله تعالى قد وسع علمه كل شيء، قال تعالى:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59].
وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أولاد المشركين، فقال:(الله أعلم بما كانوا عاملين)(1).
ومن ذلك ما ورد عن علي رضي الله عنه، حيث قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم جالسًا وفي يده عود ينكث به، فرفع رأسه فقال:(ما منكم من نفس إلا وقد علم منزلها من الجنة والنار)، قالوا: يا رسول الله؛ فلم نعمل؟ أفلا نتكل؟ قال: (لا، اعملوا، فكل ميسر لما خلق له)، ثم قرأ:{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} إلى قوله: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} (2).
فإنه مما لا شك أن هذا أصل عظيم من أصول الإيمان بالقدر، حتى كان المعول عليه في إبطال حجج الخصم من القدرية النافين.
ولا ريب في أن الصاوي كان موافقًا للحق حين أقر بأن العلم التام المحيط بكل شيء لا يعلمه إلا الله تعالى، وأن من اعتقد مماثلة علم النبي صلى الله عليه وسلم لعلم الله تعالى فقد كفر، ولكن هذا الاعتقاد ليس بكافٍ في إخراجه من دائرة الغلو الذي أوقعه فيه ميله إلى التصوف؛ إذ الآية صريحة في أن هذه الأمور مما اختص الله تعالى بعلمها
(1) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب القدر - باب الله أعلم بما كانوا عاملين، رقم الحديث:
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب القدر - باب كيفية خلق الآدمى: (16/ 197).
وأنه عليه الصلاة والسلام لا يعلم منها إلا ما كشف له، ومع هذا فلا يعد عالمًا بها على جهة التمام، فمن اعتقد أن النبي يعلم وقت الساعة فقد كفر، ومن اعتقد أنه عليه الصلاة والسلام يعلم ما تكسب كل نفس فقد كفر لأنه خالف ما هو معلوم بالضرورة من دين الإسلام، قال تعالى آمرًا نبيه:{قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} [الأنعام: 50].
وبهذا يعلم أن ما ذكره الصاوي من كونه صلى الله عليه وسلم لم يخرج من الدنيا حتى علم مغيبات الدنيا والآخرة؛ مما لا مستند له في الشرع؛ بل الأدلة تضافرت على إثبات خلافه، أما ما خرج به قوله صلى الله عليه وسلم:{لَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} ؛ بأنه على سبيل التواضع، أو العلم الذي لا أثر له في القدر؛ فغير مسلم، لأن الآية قد اشتملت على أمر متضمن لخبر، والخبر لا يصح فيه النسخ، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد دل قوله تعالى:{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل: 65]؛ على أن غيب الدنيا والآخرة مما اختص المولى تعالى بالإحاطة به، فلا يكون لغيره أبدًا، فكيف يصح نسبته لمن أمر بتبليغ هذا الخبر إلى الناس كافة؟
والذي نخلص إليه أن كل هذه التخريجات؛ هي من قبيل المغالطات التي لا أساس لها من الصحة، لذا فإن اعتقاد ما قصد بها يعد قدحًا في جناب التوحيد؛ لأن فيها نسبة الكمال الذي لا ينبغى إلا لله تعالى لأحد من البشر.
ثانيًا: مرتبة الكتابة؛ وتعنى أن الله تعالى قد كتب مقادير المخلوقات، وأصل الكتابة ما كتب في اللوح المحفوظ، قال تعالى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام: 38].
ومن السنة قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء)(1).
(1) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب القدر - باب حجاج آدم موسى: (16/ 203).
ويحسن بى من باب إتمام الكلام فيها أن أذكر ما يتعلق بها من مراتب مع مرتبة العلم، استنادًا لما ورد في ذلك من أدلة ثابتة:
- التقدير الأول: هو ما كان سابق لخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة؛ استنادًا للحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- التقدير الثاني: عند أخذ الميثاق من بنى آدم عليه السلام وهم في عهد الذر، قال تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172].
- التقدير الثالث: وهو التقدير العمرى للإنسان (1) ويكون عند حمل أمه به، بعد مضى أربعة أشهر؛ على الراجح من أقوال العلماء، وهذا ما دل عليه حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، حيث قال:(إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا، . .، ثم يبعث الله ملكًا فيؤمر بأربع: برزقه، وأجله، وشقى، أو سعيد. . .)(2).
- التقدير الرابع: وهو الحولى، ويكون في ليلة القدر، قال تعالى:{فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4].
- التقدير الخامس: وهو التقدير اليومى الذي دل عليه قوله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29]، وقال صلى الله عليه وسلم:(من شأنه أن يغفر ذنبًا ويفرج كربًا ويرفع قومًا ويخفض آخرين)(3).
ثالثًا: مرتبة المشيئة؛ وتعنى الإيمان الجازم بأن كل ما يجرى في هذا الكون فهو بمشيئة الله تعالى، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
قال تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ
(1) انظر: شرح العقيدة الطحاوية: 268.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب القدر - باب في القدر، رقم الحديث:6594.
(3)
رواه ابن ماجه: في تعظيم حديث رسول الله والتغليظ على من عارضه - باب فيما أنكرت الجهمية، رقم الحديث: 202: (1/ 116). وصححه الألباني في ظلال الجنة تخريج السنة لابن أبي عاصم، رقم الحديث: 301، وانظر: كتاب القضاء والقدر للشيخ عبد الرحمن المحمود.
رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا} [الكهف: 23، 24].
ومن السنة المطهرة قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال له: ما شاء الله وشئت: (أجعلتنى والله عدلًا، بل ما شاء الله وحده)(1).
فهذا الحديث واضح في الاستدلال لهذه المرتبة، وحجة قاطعة في إثبات أن الأمر كله راجع لمشيئته تعالى، فلا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه.
ويقوم مذهب السلف في الإيمان بهذه المرتبة على أساس التفريق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية، فليس كل ما أراده الله تعالى شرعًا يتحقق له النفاذ القدرى، وليس كل ما أراده قدرًا يكون مرادًا له في الشرع.
وبهذا يصح تقسيم الإرادة إلى: كونية وأخرى شرعية.
فالكونية في مثل قوله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة: 253].
والشرعية في مثل قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185].
وبذلك تكون الإرادة الكونية هي المرادفة للمشيئة القدرية النافذة المتحققة الوقوع، ولا يشترط فيها أن تكون مرادة لله تعالى شرعًا أي محبوبة مرضية له تعالى (2)، وعلى هذا الأساس يمكن تحديد علاقة الإرادة بالمشيئة بأن بينهما العموم والخصوص المطلق، فكل مشيئة إرادة، وليست كل إرادة مشيئة؛ لأن منها ما هو شرعى وليس شرعى وليس بقدرى، كما سبق بيانه.
وعليه يكون كلام الصاوي السابق في العلاقة بين الإرادة والأمر مخرجًا على هذا النحو؛ لأن في هذا التقسيم إعمالًا للنصوص الشرعية الدالة على أن الإرادة قد تطلق على ما هو مراد لله تعالى شرعًا لا قدرًا، كالآية التي ذكرتها من قبل: {يُرِيدُ
(1) سبق تخريجه: 445.
(2)
انظر: الفتاوى لشيخ الإسلام: (8/ 188).
اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ}، ولا داعى لما ذهب إليه من إخراج الإرادة هنا عن حقيقتها، ويكون الصواب فيها أن تبقى على ظاهرها، ويراد بها الإرادة الشرعية المقدرة وقوعًا في المؤمن دون الكافر (1).
وهذا ما يلزمه أيضًا في الأمر، فالذى يكون بينه وبين الرضا تلازم؛ هو الأمر الشرعي لا الكونى القدرى، فقد قسم العلماء الأمر على ضوء الآيات التي ورد فيها؛ إلى أمر شرعى: وهو المحبوب المراد لله تعالى شرعًا، إلى أمر قدرى: وهو ما نفذ منه دون اشتراط الرضا فيه.
والقدرى في مثل قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82]. وقوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16].
أما الشرعي ففى مثل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: 90]. وهذا ما يرد أيضًا في القضاء، "فإن القضاء يكون كونيًا وشرعيًا، وكذلك الإرادة، والأمر، والإذن، والكتاب، والحكم، والتحريم، والكلمات ونحو ذلك"(2) بدليل الكتاب والسنة.
رابعًا: مرتبة الخلق؛ وهي الاعتقاد الجازم بأنه ما من موجود بعد الواحد الأحد، إلا وهو خلق من خلق الله تعالى، ويدخل في ذلك أفعال العباد، فهى مخلوقة له سبحانه وتعالى (3).
قال تعالى: {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الرعد: 16].
وقال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96]
ووجه الاستدلال بهذه الآية هو التقسيم الوارد في معنى (ما): فإما أن تكون ما
(1) المرجع السابق: (8/ 341)، والتسعينية لشيخ الإسلام أيضًا:(2/ 632).
(2)
شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفى: 447.
(3)
سيأتي الحديث عنها مفصلًا في مبحث مستقل.
هنا مصدرية فيصير المعنى: والله خلقكم وعملكم، أو موصولة فيكون المعنى: والله خلقكم والذي تعملونه من أصنام، وكلا المعنيين بينهما تلازم، إذ يلزم من كونه تعالى خالقًا للصنعة؛ أن يكون خالقًا للفعل الذي أنتجها، وكذلك إذا كان خالقًا للعمل؛ أن يكون ما ينتج عنه مخلوقًا له (1).
ومن السنة أقوال المصطفى صلى الله عليه وسلم، والتى تدل على إرجاع الأمر لله وحداه، وأن كل خير منه، وأنه لا حول ولا قوة إلا به، قال عليه الصلاة والسلام لأبي موسى الأشعري:(يا عبد الله بن قيس ألا أعلمك كلمة من كنوز الجنة: لا حول ولا قوة إلا بالله)(2)؛ فلا تحول للعبد من حال إلى حال إلا بحول الله وقوته.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول عند حفر الخندق: (لولا أنت ما اهتدينا، ولا تصدقنا ولا صلينا، فأنزلن السكينة علينا، وثبت الأقدام إن لاقينا، إن الأولى قد بغوا علينا، إذا أرادوا فتنة أبينا)(3)؛ فنسب التوفيق لفعل الخير إلى الله، فلولا توفيقه، وتقديره الخير لنا لما اهتدينا، ولا تصدقنا، ولا صلينا.
وثبت أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (إن الله يصنع كل صانع، وصنعته). وقال الإمام البخاري في خلق أفعال العباد: "فأخبر أن الصناعات وأهلها مخلوقة"(4).
وقد أفردت الحديث عنها لعظيم ما تعلق بها من مسائل الشرع والتوحيد.
* * *
(1) انظر: تفسير ابن كثير: (4/ 19).
(2)
أخرجه البخاري في: كتاب القدر - باب لا حول ولا قوة إلا بالله، رقم الحديث:6610.
(3)
أخرجه البخاري في: كتاب الجهاد - باب حفر الخندق، رقم الحديث:2837.
(4)
خلق أفعال العباد: 25.