الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن "اليقين التام وانتفاء الوساوس هو الغالب على أنبياء الله سبحانه، وحصوله موهبة من الله تعالى، ويندر خلاف ذلك منهم؛ لحكمة الله تعالى، لو لم يكن إلا لتأسى المؤمنين بهم، وعدم انكسار نفوسهم"(1).
أما امتناع مواقعة الكبائر في حقهم؛ فهذا مما أجمعت عليه طوائف المسلمين، يقول في ذلك شيخ الإسلام:"هذا والقول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام وجميع الطوائف، حتى أنه قول أكثر أهل العلم وهو أيضًا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء، بل لم ينقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول"(2)
* * *
ثالثًا: ما يتعلق بالأحوال البشرية:
إن ما ذكره الصاوي في هذه المسألة يعد من أمثل الأقوال التي ذكرت فيها، فقد وافق قول الجمهور في جواز النسيان والسهو على الرسل وأنه ليس في ذلك ما يلزم منه النقص المحال في حقهم، بل قد يراد لحكمة تشريعية، كـ "إفادة علم وتقرير شرع"(3)، كما قال عليه الصلاة والسلام:(إني لأنسى أو أنسى لأسن). (4)
وذلك كالسهو الذي حصل له عليه الصلاة والسلام في الصلاة حيث صلى ركعتين في رباعية، فقد كان ذلك النسيان منه - عليه أفضل الصلاة والتسليم - سببًا لمشروعية سجود السهو، كما وردت بذلك الروايات الصحيحة المتفق عليها (5).
وفى أحد ما روى عنه إقرار منه عليه الصلاة والسلام بجواز السهو عليه، قال عليه الصلاة والسلام: (إنما أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون، فإذا نسيت
(1) العواصم والقواصم، لابن الوزير:(1/ 213). بتصرف يسير
(2)
مجموع الفتاوى: (4/ 319). وانظر: الشفا للقاضي عياض: (4/ 230).
(3)
الشفا للقاض عياض: (4/ 263) وانظر: فتاوى شيخ الإسلام: (35/ 101).
(4)
أخرجه الإمام مالك في الموطأ: كتاب السهو - باب العمل في السهو، وقال ابن عبد البر: لا أعلم هذا الحديث روى عن النبي مسندًا ولا مقطوعًا من غير هذا الوجه، ومعناه صحيح في الأصول:(1/ 100).
(5)
أخرجه البخاري في كتاب الآذان - باب هل يأخذ الإمام إذا شك بقول الناس، رقم الحديث: 714 ..
فذكرونى، وإذا شك أحدكم في صلاته، فليتحر الصواب فليتم عليه، ثم ليسلم، ثم يسجد سجدتين) (1).
وكان ما ذهب إليه في التفريق بين الأقوال والأفعال التبليغية بمنع النسيان في الأقوال دون الأفعال مسددًا موافقًا للصواب؛ فقد نقل الإجماع على ذلك الإمام النووي في شرحه لمسلم كما نقله القاضي عياض، يقول:"وذهب الأكثر من الفقهاء والمتكلمين إلى أن المخالفة في الأفعال البلاغية والأحكام الشرعية سهوًا وعن غير قصد جائز عليه كما تقرر في أحاديث السهو في الصلاة، وفرقوا بين ذلك وبين الأقوال البلاغية؛ لقيام المعجزة على الصدق في القول ومخالفة ذلك تناقضها، وأما السهو في الأفعال فغير مناقض لها ولا قادح في النبوة". (2)
وأما حصره لوقوع السهو بما بعد التبليغ، فقد يسلم له ولكن لا يمتنع مع هذا وقوعه قبله؛ لأن من قال بجوازه فإنه يشترطون أن الرسل لا تقر على السهو والغلط بل ينبهون عليه ويعرفون حكمه بالفور" (3)؛ وذلك لوجوب اتصافهم بالعصمة، كما تقدم، وأنها تتأكد عند ذلك على جهة الكمال.
* * *
(1) أخرجه البخاري في: كتاب الصلاة - باب التوجه نحو القبة، رقم الحديث:401.
(2)
الشفا للقاضى عياض: (4/ 263).
(3)
المرجع السابق: (4/ 265).