الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دل على هذه الحقيقة أمر الله تعالى عباده بتدبر آياته حيث قال: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82].
ومقتضى الأمر من الشارع الحكيم - كما هو معلوم - أن يكون الامتثال في مقدور المكلف، وعليه فإنه لا يمكن القول بأن صفاته تعالى مما لا يفهم له معنى وهذا ما كان عليه سلف الأمة الذين فسروا القرآن كله ولم يتوقفوا عند خبر من أخباره. (1)
-
ثانيًا: المراد بالتأويل:
يرجع التأويل في اللغة إلى: التفسير والبيان، والمرجع والمآل والحقيقة، والسياسة والإصلاح (2)
يرجع معنى التأويل في هذه الآية الكريمة إلى ما سبق بيانه من المراد بالمتشابه، فعلى القول بأن المراد به هو التشابه النسبى يكون معنى التأويل هنا هو: التفسير والبيان.
أما على القول بأن المتشابه المذكور في الآية هو ما يرجع إليه الأمر في حقيقته ومآله فيكون المراد بالتأويل هنا: الحقيقة والمآل (3).
ومن هذا العرض المختصر لمعتقد أهل السنة والجماعة في قضية الوقف في الآية الكريمة يتبين لنا ما هو أساس الخطأ في تصور الصاوى للقضية والذي كان دافعًا له لتبرير ما ذهب إليه سلفه من المتكلمين، حيث أعاد اختلاف المنهج بين السلف والخلف من المتكلمين إلى مسألة الوقف، فجعل طريقة السلف هي الوقف على لفظ الجلالة، مع أن هذه المسألة قد اختلف فيها منذ عهد الصحابة الكرام - رضوان الله تعالى عليهم - وكان منهم من رأى العطف - كما سبق بيانه - ومع ذلك لم يحمله هذا القول على انتهاج مسلك التأويل وفقًا لما ذهب إليه المتكلمون.
(1) المرجع السابق: (7/ 425).
(2)
انظر: تاج العروس للزبيدى: (7/ 214). والمفردات للأصفهانى: 31.
(3)
انظر: جامع البيان في تفسير القرآن، للطبرى:(3/ 184).
ومن جهة أخرى فإنه جعل علم الراسخين منطبقًا على ما ذهب إليه المتكلمون، فخالف بذلك الحقيقة الشرعية واللغوية للتأويل الذي ثبت حصوله لاهل العلم، إذ ينحصر مفهومه - عند السلف - في معرفة النصوص الشرعية، لانه قد أجمع - كما تقدم - على أن الحقيقة والمآل مما استأثر الله تعالى بعلمه فلا يدخل في علم الراسخين بحال.
ويكون بهذا قد حمل التأويل المذكور في الآية الكريمة على ما هو معهود عند المتأخرين وهو: صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى يحتمله لقرينة. (1)
ومعلوم أن هذا المفهوم مستحدث، ليس بعمدة في المسائل المتعلقة بأصل الاعتقاد، بل الواجب في مثل هذه المهمات هو الرجوع إلى أقوال الأئمة من السلف - رضوان الله تعالى عليهم - والاكتفاء بما ذهبوا إليه، وذلك لاعتمادهم على ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأقوال الصحابة والتابعين، واللغة العربية، فلا يجوز الخروج عن أقوالهم قدر أنملة في هذه المسائل؛ لأنها مبنية على الاتباع، فلا اجتهاد فيها بحال، وكل خروج عن ذلك هو في عداد البدع التي ذمها الشرع وحذر منها أيما تحذير.
هذا من حيث الجملة، وإلا فإنه ليس فيما أوردوه من النصوص ما يدل على وجوب صرفها عن ظاهرها على القول بالمجاز (2) - لأنهم اشترطوا وجود القرينة وليس ثمة قرينة إلا ما رأوه هم مما لا أصل له في الشرع يعتمد عليه في مثل هذه المهمات.
وقد أجمل شيخ الإسلام رحمه الله الشروط التي يجب توفرها حتى يصح تأويل النص وفقًا لما ذهب إليه المتأول في ما يلى:
(1) انظر: التعريفات للجرجانى: 77.
(2)
المجاز والتأويل عند المتأخرين وجهان لعملة واحدة فكل منهما إنما نشأ في أحضان الفكر الاعتزالى نتيجة لاعتقاد تعارض النقل مع العقل حيث وجدوا فيهما ما يسوغ لهم التمسك بما اعتقدوه من اليقينيات العقلية مع محاولة التخفى بستار اللغة تحت هذه المسميات المحدثة، على الرغم من بعدها كل البعد عن صميم المبادئ والمسلمات العقدية التي صورها لنا سلف الأمة رضوان الله عليهم بتسليمهم للنصوص الشرعية وإعمالها دون محاولة ايجاد مبررات للخروج عنها بلا أصل يرتكز على أساس من الشرع الحكيم وعليه فلا يمكن بحال الاستناد إلى مثل هذه المحدثات إلا بدليل قاطع يرجع الاعتماد عليه للتسليم بكل ما ورد في الكتاب والسنة فقط.
-: "بيان احتمال اللفظ للمعنى الذي ادعاه.
- وبيان الدليل الموجب للصرف إليه عن المعنى الظاهر". (1)
ولما كانت أدلة الأشاعرة لا تقوى على إثبات هذه الدعوى وتطرق إليها المنع لضعفها عن ذلك صارت مناقشتهم فيها من حيث التفصيل تتأتى من عدة اتجاهات، وهذا سيتضح عند مناقشة الصاوى فيما أورده من شبه في صفات الله تعالى (2).
ويبقى هنا التأكيد على وجوب ملازمة النهج السوى في التمسك بالكتاب والسنة المطهرة؛ اقتداء بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأطهار، إذ كل خروج عن طريقهم في هذا المسلك يؤدى إلى هدم الحقائق العقلية والدينية، لانه إذا ثبت انتفاء المعارضة بينهما فقد تأكد وجود التلازم والارتباط، بحيث يصير مؤدى أي طعن في الدليل الشرعي طعنا بطريق أولى في الدليل العقلى الذي سلم له القياد عند استسلام الفؤاد لرب العباد، وفى بيان مآل المتكلمين في هذه المسالك البدعية، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فهؤلاء يخالفون أقوال الأنبياء، إما بالتكذيب وإما بالتحريف من التأويل وإما بالإعراض عنها وكتمانها، فإما ألَّا يذكروها أو يذكروا ألفاظها ويقولون ليس لها معنى يعرفه مخلوق. . .
وكذلك هم مخالفون للأدلة العقلية فالأنبياء كملوا الفطرة، وبصروا الخلق، ومخالفوهم يفسدون الحس. والعقل كما أفسدوا الأدلة السمعية والحس والعقل الذين بهما تعرف الأدلة، والطرق ثلاثة: الحس، والعقل، والخبر، فمخالفوا الأنبياء أفسدوا هذا وهذا وهذا وأما إفسادهم لما جاء عن الأنبياء فظاهر، وإما إفسادهم للحس والعقل، فإنهم قسمان: قسم أصحاب خوارق حسية كالسحرة والكهان وضلال العباد، وقسم أصحاب كلام واستدلال بالقياس والمعقول، وكل منهما يفسد الحس والعقل". (3)
(1) مجموع الفتاوى: (6/ 360).
(2)
انظر: مبحث الإيمان بالأسماء والصفات: 201.
(3)
النبوات: 448.