المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: حياة الشيخ الصاوى

- ‌الفصل الأول: عصر الصاوي

- ‌(المبحث الأول): الحالة السياسية

- ‌الاضطرابات والقلاقل السياسية:

- ‌ مذبحة المماليك بالقلعة سنة 1811 م:

- ‌محاربة الدعوة السلفية:

- ‌ القضاء على الزعامة الشعبية والدينية بنفى عمر مكرم:

- ‌(المبحث الثاني): الحالة الاجتماعية

- ‌(المبحث الثالث): الحالة العلمية والدينية

- ‌الفصل الثاني: حياة الصاوى

- ‌(المبحث الأول): سيرته الذاتية

- ‌1 - اسمه ونشأته:

- ‌2 - صفاته وأخلاقه

- ‌3 -‌‌ شيوخهوتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌تلاميذه:

- ‌(المبحث الثاني): مكانته العلمية ومؤلفاته

- ‌مكانتها العلمية:

- ‌الحواشى العقدية:

- ‌الفصل الثالث: منهجه في تحري مسائل الاعتقاد

- ‌(المبحث الأول): مصادره في العقيدة

- ‌أولًا: مكانة العقل في التلقى:

- ‌ثانيًا: حجية الإلهام:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: مصادر التلقى:

- ‌ثانيًا: نقض دعاويهم في تقديم العقل:

- ‌ثالثًا: التناقض لازم لهذا المسلك:

- ‌رابعًا: حجية الإلهام:

- ‌(المبحث الثاني): منهجه في الاستدلال

- ‌أولًا: الاستدلال بقياس الغائب على الشاهد:

- ‌مناقشة:

- ‌ثانيًا: الاستدلال بالسبر والتقسيم:

- ‌ثالثًا: الاستدلال بالقياس المنطقي:

- ‌المناقشة:

- ‌ثالثًا: منهجه في الاستدلال بالقرآن والسنة:

- ‌أولًا: الاستدلال بالنص:

- ‌ثانيًا: الاستدلال بالظاهر:

- ‌المناقشة:

- ‌مسلك التأويل والتفويض:

- ‌ أولًا المراد بالمتشابه:

- ‌ ثانيًا: المراد بالتأويل:

- ‌الباب الثاني: (آراؤه في العقيدة)

- ‌الفصل الأول: (آراؤه في معرفة الله والاستدلال على وجوده)

- ‌(المبحث الأول): معرفة الله تعالى

- ‌(تمهيد)

- ‌طرق المعرفة

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌التقليد وحكم المقلد

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): الاستدلال على وجود الله تعالى

- ‌ دليل حدوث الأجسام

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌دليل الإمكان

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثاني: (آراؤه في التوحيد)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف التوحيد

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): دليل التوحيد

- ‌رأي الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): شهادة التوحيد ونواقضها

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثالث: (آراؤه في الأسماء والصفات)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): المسائل المتعلقة بالأسماء الحسنى

- ‌أسماء الله تعالى كلها حسنى:

- ‌أسماء الله تعالى توقيفية:

- ‌أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد:

- ‌ أسماء الله تعالى غير مخلوقة:

- ‌رأى الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): المسائل المتعلقة بصفات الله تعالى

- ‌أولًا: الصفات السلبية

- ‌ثانيًا: صفات المعاني

- ‌ثالثًا: الصفة النفسية

- ‌رابعًا: الصفات المعنوية

- ‌خامسًا: موقفه من الصفات الأخرى

- ‌ أولًا: صفة الرحمة والغضب والمحبة:

- ‌ ثانيًا الصفات الخبرية الذاتية:

- ‌الفصل الرابع: آراؤه في الإيمان

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): حقيقة الإيمان

- ‌رأى الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): العلاقة بين الإسلام والإيمان

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): الأسماء والأحكام

- ‌أولًا: حقيقة الإيمان، وبيان ما يناقضه:

- ‌ثانيًا: تحقيق الوعد مع وجود مسببه من الإيمان:

- ‌ثالثًا: تحقق الوعيد مع وجود المقتضى من الكفر:

- ‌رابعًا: موانع إنفاذ الوعيد لأصحاب الكبائر من المسلمين:

- ‌خامسًا: الرد على شبه الوعيدية:

- ‌سادسًا: موقفه من مخالفيه (دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:

- ‌الفصل الخامس: (آراؤه في الإيمان بالملائكة)

- ‌(المبحث الأول): الإيمان بالملائكة الأطهار

- ‌(المبحث الثاني) عالم الجن والشياطين

- ‌الفصل السادس: آراؤه في الإيمان بالكتب

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف الوحي

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بالكتب السابقة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌كلامه في التوراة:

- ‌كلامه في الإنجيل:

- ‌كلامه في الزبور:

- ‌مناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): الإيمان بالقرآن الكريم

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل السابع: آراؤه في الإيمان بالنبوات

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): مفهوم النبوة والرسالة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بالرسل والأنبياء

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌التعليق:

- ‌أولًا: المفاضلة بين البشر والملائكة:

- ‌ثانيًا: عصمة الأنبياء:

- ‌ثالثًا: ما يتعلق بالأحوال البشرية:

- ‌(المبحث الثالث): خاتم الأنبياء عموم رسالته

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أسماؤه الشريفة:

- ‌مكانته بين الرسل:

- ‌خصائصه صلى الله عليه وسلم

- ‌مظاهر الغلو فيه صلى الله عليه وسلم

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: أسماؤه الشريفة:

- ‌ثانيًا: قضية التفضيل:

- ‌ثالثًا: الغلو فيه صلى الله عليه وسلم

- ‌(المبحث الرابع): دلائل النبوة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌الفصل الثامن: (آراؤه في الإيمان باليوم الآخر)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف اليوم الآخر، وأدلته

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بأشراط الساعة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثالث): الموت، وحياة البرزخ

- ‌الروح والموت

- ‌حياة البرزخ

- ‌(المبحث الرابع): حقائق يوم القيامة

- ‌ المحشر وعرضات يوم القيامة

- ‌الجنة والنار

- ‌الفصل التاسع: (آراؤه في الإيمان بالقضاء والقدر)

- ‌(المبحث الأول): القضاء والقدر (تعريفه ومراتبه)

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: تعريف القدر:

- ‌ثانيًا: تعريف القضاء:

- ‌ثالثًا: مراتب القدر:

- ‌مرتبة العلم:

- ‌مرتبة الكتابة:

- ‌مرتبة المشيئة:

- ‌مرتبة الخلق:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌موقفه من الظلم:

- ‌المناقشة:

- ‌حقيقة الظلم:

- ‌(المبحث الثالث): أفعال العباد

- ‌أدلة القدرية والجبرية:

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: أفعال العباد وحقيقتها القدرية:

- ‌ثانيًا: الأسباب، وموقف الناس منها:

- ‌ثالثًا: أدلة رجح بها مذهب الأشعري، ورد بها على مخالفيه:

- ‌الأدلة السمعية:

- ‌الأدلة العقلية:

- ‌رابعًا: حقيقة القدر في الفكر الصوفي:

- ‌المناقشة:

- ‌ نظرية الكسب في الفكر الأشعري

- ‌الفصل العاشر: آراؤه في الصحابة والإمامة

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): الصحابة الكرام

- ‌أولًا: تعريف الصحابة:

- ‌ثانيًا: فضائل الصحابة:

- ‌ثالثًا الدفاع عن الصحابة:

- ‌التعليق:

- ‌ تعريف الصحابة:

- ‌فضل الصحابة:

- ‌الدفاع عن الصحابة:

- ‌(المبحث الثاني): الإمامة

- ‌تعليق:

- ‌أولًا: حكم تنصيب الوالي:

- ‌ثانيًا: ما تنعقد به البيعة:

- ‌صفات الوالي:

- ‌تعدد الولاة:

- ‌حق الإمام:

- ‌الباب الثالث: (آراؤه في باب السلوك)

- ‌الفصل الأول: (التصوف وآدابه)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): مفهوم التصوف

- ‌(المبحث الثاني): آداب التصوف

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أهمية اختيار الشيخ:

- ‌صفات الشيخ:

- ‌آداب السلوك:

- ‌أولًا: ما يتعلق بآداب اختيار العلم:

- ‌ثانيًا: الآداب المتعلقة بحق الشيخ:

- ‌الآداب المتعلقة بجماعة الطلاب:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: مكانة علم التصوف بين العلوم:

- ‌ثانيًا: صفات الشيخ:

- ‌آداب التلقي:

- ‌احترازات في التلقي:

- ‌أولًا: طاعة الشيخ:

- ‌ثانيًا: التبرك بالشيخ:

- ‌ثالثًا: ملاحظة الشيخ:

- ‌رابعًا: الاستغناء بالشيخ:

- ‌الفصل الثاني: (المقامات والأحوال)

- ‌تمهيد

- ‌تعريف المقام:

- ‌تعريف الحال:

- ‌(المبحث الأول): أقسام المقامات (عند الصوفية)

- ‌الفناء والبقاء:

- ‌الجمع والفرق:

- ‌أحكام البقاء:

- ‌مقام الجمع:

- ‌مقام الفرق:

- ‌(المبحث الثاني): منهج الصوفية في التأصيل للمقامات

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): وحدة الوجود ووحدة الشهود

- ‌أولًا: وحدة الوجود:

- ‌ثانيًا: وحدة الشهود:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: نقض وحدة الوجود:

- ‌موقف الصاوي:

- ‌ثانيًا: حقيقة وحدة الشهود:

- ‌(المبحث الرابع): الترقي في المقامات

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: عقبات الترقي:

- ‌ثانيًا: طريق الخلاص:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثالث: (الولاية والكرامة)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): حقيقة الولاية

- ‌ تعريف الولاية:

- ‌ حقيقة الولي

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌صفات الولي:

- ‌شرط الولاية:

- ‌الفرق بين الولي والدعي:

- ‌جزاء الأولياء:

- ‌طرق الولاية:

- ‌فضائل الأولياء:

- ‌زمن الولاية:

- ‌المناقشة:

- ‌حقيقة الولاية:

- ‌ معرفة الولي:

- ‌طرق الولاية:

- ‌فضائل الأولياء:

- ‌مدة الولاية:

- ‌المبحث الثاني: حقيقة الكرامة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الخاتمة

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌أولا: طاعة الشيخ:

وطريقه في نفي الحسد أن يعلم أن حكمة الله تعالى اقتضت جعل هذه الفضيلة في هذا، فينبغي أن لا يعترض عليها، ولا يكره حكمة أرادها الله تعالى" (1)

هذا والنصوص الدالة على حق الأخوة في الدين كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم:(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد، بالسهر والحمى)(2)

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)(3)

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (حق المسلم على المسلم ست. قيل ما هن؟ يا رسول الله! قال: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فأنصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه)(4)

* * *

‌احترازات في التلقي:

ولمتابعة الصاوي نهج أسلافه من الصوفية؛ فقد وقع في عدد من المخالفات فيما يتعلق بالآداب المتعينة في حق الشيخ، ومناقشتها على النحو التالي:

فمع سلامة مبدئه في اختيار الشيخ، وذلك وفقًا لعرضه على منهج الكتاب والسنة، إلا أن في بعض ما ذكره الصاوي من الآداب المتعلقة به يكاد يكون على النقيض من هذا الذي ذهب إليه أولًا، وبيانه كالتالي:

‌أولًا: طاعة الشيخ:

إن أول ما يحسن مناقشة الصاوي فيه، هو محاولة استدلاله على الآداب المتعلقة بحق الشيخ على الطريقة الصوفية من الكتاب والسنة. والحق أن آيات الكتاب ليس

(1) آداب حملة القرآن: 42.

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الأدب - باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم: (18/ 140).

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الإيمان - باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، رقم الحديث:13.

(4)

أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب السلام - باب من حق المسلم للمسلم رد السلام: (14/ 143).

ص: 684

فيها دلالة إلا للطريقة النبوية السنية، وما خلا ذلك فيقبل منه ما وافق المنهج، ويرد ما خالفه، ففي الاستناد إلى قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1]. استدلالًا لآداب الصوفية خصوصًا صوفية المتأخرين مخالفة صريحة لكثير من الأسس الصحيحة.

ولعل في هذا متابعة لما درج عليه الكثير من الصوفية، حيث اعتمدوا حال الصحابة - رضوان الله عليهم - مع نبيهم صلى الله عليه وسلم في الاستدلال لما يجب أن يكون عليه حال الطالب مع الشيخ، ولا شك أن هذا اشتباه وإجمال يؤخذ منه ويرد، فعقد مقارنة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين آحاد المسلمين مما لا دليل عليه يسنده في كل الأحوال، وذلك لأن المولى تعالى لم يتعبدنا باتباع أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم متابعة كاملة، يشير إلى هذا المعنى قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} .

يقول الإمام الشوكاني في تفسير الآية: "لما أمر سبحانه القضاة والولاة إذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالحق؛ أمر الناس بطاعتهم ها هنا، وطاعة الله عز وجل هي امتثال أوامره ونواهيه، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي فيما أمر به ونهى عنه. وأولي الأمر: هم الأئمة والسلاطين والقضاة وكل من كانت له ولاية شرعية لا ولاية طاغوتية، والمراد طاعتهم فيما يأمرون به وينهون عنه ما لم تكن معصية، فلا طاعة لمخلوق في معصية الله، كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال جابر بن عبد الله ومجاهد: إن أولي الأمر: (هم أهل القرآن والعلم)، وبه قال مالك والضحاك. وروي عن مجاهد أنهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. وقال ابن كيسان هم أهل العقل والرأي، والراجح القول الأول"(1).

وبناء على ما تقدم فإن اعتماد هذه الآية في تحريم الاعتراض على الشيخ، والتزام عهده وميثاقه مهما كان من الباطل الذي ترده الآيات والأحاديث، وما

(1) فتح القدير: (1/ 720).

ص: 685

يقوله الصوفية من أن العلماء هم ورثة الأنبياء، وأن العالم هو المبلغ عن النبي ليس بحجة في الاقتداء الكامل التام إذا ورد منه ما يخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم.

فإن الطاعة المطلقة لا تكون إلا لله ورسوله مبلغًا عن ربه، أما الشيخ فطاعته تكون مقيدة بما يوافق أصل الطاعة المطلقة لله ولرسوله، لذا كانت طاعته الطاعة المطلقة حتى فيما خالف أمر الله وأمر رسوله نوعًا من أنواع الشرك الأكبر، وهو شرك الطاعة، ومما يدل على هذا الأصل الإيماني العظيم في وجوب صرف الطاعة المطلقة لله تعالى توحيدًا وتجريدًا، قوله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} ، ففي هذه الآية دليل على أن من أحل شيئًا مما حرم الله، أو حرم ما أحل الله فهو مشرك (1).

وهذا ما فسر به قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} ، يقول الإمام ابن كثير:"إنهم اتبعوهم فيما حللوا وحرموا، وقال السدي: استنصحوا الرجال ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، ولهذا قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا} أي الذي إذا حرم الشيء فهو الحرام، وما حلله فهو الحلال، وما شرعه اتبع وما حكم به نفذ"(2).

"ومن اتخاذ الأحبار والرهبان أربابًا؛ طاعة العلماء علماء الضلال فيما أحدثوه في دين الله من البدع والخرافات والضلالات؛ كإحياء أعياد الموالد والطرق الصوفية والتوسل بالأموات ودعائهم من دون الله"(3) وغير ذلك مما يناقض أصل الانقياد للشارع الحكيم في كل صغيرة وكبيرة كما يقتضيه حقيقة الإذعان والتسليم بنبوته صلى الله عليه وسلم.

(1) تفسير البغوي: (3/ 184). وانظر: تفسير القرطبي: (7/ 77).

(2)

تفسير ابن كثير: (2/ 459).

(3)

الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد، د/ صالح الفوزان:71.

ص: 686

ولا شك أن مناقضة هذا الأصل بصرف الطاعة لغير الله من أعظم ما يفسد معيشة الناس في الدنيا والآخرة، يقول الإمام ابن القيم في قوله تعالى:{وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف: 56]: قال أكثر المفسرين: لا تفسدوا فيها بالمعاصي والدعاء إلى غير طاعة الله بعد إصلاح الله إياها، ببعث الرسل، وبيان الشريعة، والدعاء إلى طاعة الله، فإن عبادة غير الله، والدعوة إلى غيره، والشرك به؛ هو أعظم فساد في الأرض، بل فساد الأرض في الحقيقة إنما هو بالشرك به، ومخالفة أمره. . . .

وبالجملة فالشرك والدعوة إلى غير الله وإقامة معبود غيره ومطاع متبع غير رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أعظم الفساد في الأرض ولا صلاح لها ولا لأهلها إلا أن يكون الله وحده هو المعبود والدعوة له لا لغيره والطاعة والاتباع لرسوله ليس إلا وغيره إنما تجب طاعته إذا أمر بطاعة الرسول فإذا أمر بمعصيته وخلاف شريعته فلا سمع له ولا طاعة فإن الله أصلح الأرض برسوله ودينه وبالأمر بتوحيده ونهى عن إفسادها بالشرك به وبمخالفة رسوله" (1).

ومن هنا علم أن تحريم الصاوي التقدم على الشيخ وتصريحه بمنع الاعتراض عليه؛ ولو ظهر منه ما هو حرام في الشرع، فيه مخالفة صريحة جريئة للحق الذي دلت عليه شرائع الدين، ومناقضة لما ذهب إليه أولًا من وجب التزام الشيخ بأوامر الشريعة، كما أن فيه إجحافًا بحق الشيخ، لأن النصح له المأمور به في حق كل مسلم، يقتضي نهيه عن المنكر إذا بدر منه، قال صلى الله عليه وسلم:(الدين النصيحة) قلنا: لمن؟ قال: (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)(2).

قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في معنى النصيحة: "النصيحة كلمة تتضمن قيام الناصح للمنصوح له بوجوه الخير إرادة وفعلًا".

والنصح للعالم ليس يقتصر نفعه عليه فقط كآحاد المسلمين، بل هو من حقيقة النصح لله تعالى وكتابه ورسوله، فـ "رد الأهواء المضلة بالكتاب والسنة على

(1) بدائع الفوائد: (3/ 525).

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان - باب بيان أن الدين النصيحة: (2/ 37).

ص: 687

مواردها، وبيان دلالتهما على ما يخالف الأهواء كلها، وكذلك رد الأقوال الضعيفة من زلات العلماء، وبيان دلالة الكتاب والسنة على ردها" (1) من أوجب أنواع النصح لهذا الدين.

ثم إن التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب لحلول اللعنة وغضب الرب، قال تعالى:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 78، 79].

يقول الإمام السعدي رحمه الله في السكوت عن المنكر، وذلك في تفسيره لهذه الآية الكريمة: "فلو كان لديهم تعظيم لربهم لغاروا لمحارمه، ولغضبوا لغضبه، وإنما كان السكوت عن المنكر مع القدرة موجبًا للعقوبة، لما فيه من المفاسد العظيمة:

منها: أن مجرد السكوت، فعل معصية وإن لم يباشرها الساكت، فإنه كما يجب اجتناب المعصية، فإنه يجب الإنكار على من فعل المعصية.

ومنها: أنه يدل على التهاون بالمعاصي، وقلة الاكتراث بها.

ومنها: أن ذلك يجرئ العصاة والفسقة، على الإكثار من المعاصي

ومنها: أنه بترك الإنكار للمنكر يندرس العلم ويكثر الجهل، فإن المعصية مع تكررها وصدورها من كثير من الأشخاص، وعدم إنكار أهل الدين والعلم لها، يظن أنها ليست بمعصية، وربما ظنها الجاهل أنها عبادة مستحسنة، وأي مفسدة أعظم من اعتقاد ما حرم الله حلالًا وانقلاب الحقائق في نفوس الناس.

ومنها: أن بالسكوت على معصية العاصين، ربما تزينت المعصية في صدور الناس، واقتدى بعضهم ببعض، فالإنسان مولع بالاقتداء.

فلما كان السكوت على الإنكار بهذه المثابة، نص الله تعالى أن بني إسرائيل الكفار منهم، لعنهم بمعاصيهم واعتدائهم، وخص من ذلك هذا المنكر العظيم" (2).

(1) جامع العلوم والحكم: 129.

(2)

تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: 237.

ص: 688

وعليه فإن منهجه في الاستدلال على وجوب التزام عهد الشيخ بالآيات الكريمة مما لا يسلم له، ومع أنه قد سبقت الإشارة إلى بيان عدم مشروعية هذا الضرب من التفسير (1)، وذلك لعدم استناده إلى الأسس الصحيحة التي يجب على المفسر اعتمادها في تفسير كلام المولى تعالى، إلا أن المقام هنا يستوجب مزيدًا من المقال، فإذا كان كلامه في الجملة في هذا الباب باطلًا، لأنه من التقول على الله تعالى بغير علم، فإنه يتأكد بطلانه عند وصفه لمن عارض الشيخ في ترديد أوراده بالضلال المبين، وذلك عند تفسير قوله تعالى:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} ، فمن المعلوم أن أوراد مشايخ الصوفية يغلب عليها في الجملة الابتداع إن لم يكن مما يعمها من جهة الحكم، وهذا في حالة خلوها من الشرك، أما مع احتوائها عليه، فإن اتباع الشيخ عندئذ ليس من الضلال فقط، بل هو في الحقيقة من الكفر المخرج من الملة.

ولعل للاختلاف الواقع بين السلف الصالح وبين الأشاعرة في فهم حقيقة التوحيد أثرًا كبيرًا في استساغة مثل هذه البدع الشركية، التي تحوى على الاستغاثات والابتهالات المحرمة، ويؤكد هذا أنه لم ير في هذه الأوراد ما ينافي ذلك القيد الذي اشترطه في اتباع الشيخ، وهو التزامه بالمنهج الصحيح المستمد من الكتاب والسنة.

هذا ولم يكن حكمي على تلك الأوراد بالابتداع وعلى كثير منها بالشرك محض افتراء وتوهم، بل هذه حقيقة يشهد بها كل متجرد يتأمل تلك الأوراد، ولعل حاشيته على الصلوات الدرديرية أكبر شاهد على هذا، وسأنقل منها بعض الأوراد لكبار الصوفية حتى يزداد الأمر وضوحًا، فهذه إحدى الصلوات الدرديرية، يقول فيها الدردير؛ ناقلًا صلاة إبراهيم الدسوقي:"اللهم صل على الذات المحمدية اللطيفة الأحدية، شمس سماء الأسرار، ومظهر الأنوار، ومركز مدار الجلال، وقطب فلك الجلال، بسره لديك، وبسيره إليك، آمن خوفي وأقل عثرتي".

فهذه الصلاة تشتمل على أنواع الضلالات من الغلو بالنبي إلى درجة تقدح في اعتقاد عبوديته، وكذلك التوسل به بعد مماته وغير ذلك مما يجزم ببدعيتها، بل

(1) انظر: آراءه في القرآن: 275.

ص: 689