الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رأي الشيخ الصاوي:
يقسم الصاوي ما يجب في حق الأنبياء من الإيمان على جهة بيان الكيفية، يقول:"يجب الإيمان بالنبيين عمومًا: إجمالًا في الإجمالى، وتفصيلًا في التفصيلى"
ويفصل القول في ذلك "فيجب الإيمان تفصيلًا بخمسة وعشرين نبيًا: ثمانية عشر في سورة الأنعام، ومحمد وآدم وهود وصالح وشعيب وإدريس وذا الكفل".
ومن ثم فهو يؤكد على هذه الحقيقة الإيمانية بالحكم على من جحد واحدًا منهم بالكفر الصراح: "ومن أنكر أي واحد منهم بعد علمه فقد كفر".
أما الجانب الإجمالى في الإيمان بالرسل فيتعلق "بما عدا هؤلاء، ولا يعلم عدتهم إلا الله"(1).
ومع هذا فهو يفرق بين من أجمع على نبوته، ومن هو بخلاف ذلك ممن ورد ذكره في القرآن الكريم: كلقمان، وذى القرنين، وعزير، فهؤلاء الحكم فيهم أن "من أنكر وجودهم كفر، ومن أنكر نبوتهم لا يكفر"(2).
والإيمان بهم جميعًا مرتبط بحقيقة أخرى وهى اعتقاد تفاضلهم، كما دل على ذلك قوله تعالى:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: 253]، يقول في بيان ذلك:"تحقيق هذه الطريقة أن تقول: نبينا أفضل الخلق على الإطلاق، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، ثم نوح، ثم بقية الرسل، ثم الأنبياء غير الرسل، وهم متفاضلون فيما بينهم، لكن لا يعلم تفضيلهم إلا الله تعالى، ثم جبريل، ثم إسرافيل، ثم ميكائيل، ثم عزرائيل، ثم عامة البشر، ثم عامة الملائكة"(3)
وفى بيان صفاتهم وعظيم خلالهم يفصل الصاوي القول، فيذكر الصفة معرفًا إياها أولًا، مفندًا ما يعرض من الشبه في نقضها، مستدلًا لها بالدليل السمعى، متممًا لذلك بما يوافقه من الدليل العقلى:
(1) حاشية الجلالين: (1/ 157). وانظر: حاشية الجوهرة: 16. وانظر: شرح الصلوات الدرديرية: 27.
(2)
حاشية الجلالين: (2/ 27).
(3)
حاشية الجوهرة: 46. وحاشية الخريدة: 111.
أولًا: صفة الأمانة: يعرف الصاوي الأمانة بما يساوى مفهوم العصمة للأنبياء، يقول:"هي حفظ ظواهرهم وبواطنهم في حالة الصغر والكبر، قبل النبوة وبعدها عن التلبيس بمنهى عنه، ولو خلاف الأولى".
وفي رد ما يحاك حولها من شبه، يقول:"وقد يقع منهم المكروه وخلاف الأولى لا على وجهها، بل على وجه التشريع، كالبول من قيام والشرب، أما المحرمات فلم تقع منهم إجماعًا (1) ". (2)
كما يبطل من احتج على خلاف ما تقدم في إثبات عصمة الأنبياء؛ بما وقع لآدم عليه السلام من وسوسة الشيطان، المنافية لمقتضى العصمة الربانية - كما يرى - يقول:"إن قلت: إن الأنبياء معصومون من وسوسة الشيطان وظاهر الآية - يعني قوله تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ} [الأعراف: 20]- يقتضى أن الشيطان وسوس لآدم. أجيب؛ بأنه لم يباشر آدم بالوسوسة، وإنما باشر حواء وهى باشرت آدم بذلك"(3)
ويستدل لذلك بالدليل العقلى إذ "لو كان خائنًا بفعل منهى عنه؛ لكان ذلك المنهى عنه طاعة وهو محال؛ لأن الله لا يأمر بالفحشاء والحال أنه أمرنا بالاقتداء بهم"(4)
ثانيًا: الصدق: ويعنى به: "مطابقة خبرهم للواقع ولو في حال المزح". وفيما يعرض عليه من الشبه، يقول:"ويؤول ما ظاهره الكذب في حق الأنبياء، كما في واقعة إبراهيم الخليل مع الأصنام، فإنه خارج مخرج التقريع والتهديد والتبكيت".
ودليل ذلك من العقل الصريح، أنه "لو كان كاذبًا للزم الكذب في خبره
(1) وانظر: في منع ارتكابهم المحرمات صغيرة وكبيرة: (1/ 143 - 149 - 177).
(2)
حاشية الجوهرة: 12.
(3)
حاشية الجلالين: (2/ 62).
(4)
حاشية الجوهرة: 12. والخريدة البهية: 97. انظر: شرح الصلوات الدرديرية: 97.
تعالى؛ لتصديقه لهم بالمعجزات، وتصديق الكاذب كذب، والكذب عليه محال" (1)
ثالثًا: "الفطانة: وهى ذكاوة العقل، ومعرفة طرق الدعاوى الباطلة من الصحيحة".
رابعًا: الأخلاق الحميدة بمفهومها الواسع، وأضرب مثالًا لذلك بصفة الحلم فهو يؤكد على اتصاف الرسل بالحلم على جهة الكمال، كما يرد على من طعن في حلم موسى عليه السلام، فيقول:"وما قيل إن موسى لما كان قليل الحلم أمره الله بإلانة الكلام لفرعون، حيث قال له: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44] ومحمد عليه السلام لما كان كامل الحلم أمره الله بالإغلاظ على الكفار، حيث قال: {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73] فهو باطل لا أصل له، وإنما الذي يقال إن كلِّ كامل في الحلم وكلِّ مأمور بالإلانة أولًا، فإذا تقرر الدين وثبت وأمروا بالجهاد، أمروا بالإغلاظ"
ولا يكتفى بإثبات الحلم لكافة الأنبياء على جهة الكمال، بل يشدد في هذا ويحكم على المخالف بالكفر، يقول:"ومن نفى عن أحد منهم الحلم فقد كفر"(2).
* * *
- وكل ما تقدم لا يخالف ما تقتضيه بشريتهم من حصول بعض "الأعراض البشرية التي لا تؤدى إلى نقص مراتبهم العلية، كالنوم ونحوه، ولكن أكلهم ونومهم لا عن شهوة بل للتقوى".
وهذا القيد الذي أثبته في حقيقة الأعراض البشرية - وهو امتناع النقص منهم - قد أخصج به كل: "الأعراض المنفردة، كالجنون والجذام والبرص والعمى والفقر وسوء الخلق وخسة الأصل؛ فإنها محالة في حقهم".
وبعد ذلك يعرض بالتفنيد لكل ما روى في حقهم - صلوات ربى عليهم - مما
(1) حاشية الجوهرة: 12.
(2)
حاشية الجلالين: (2/ 93).
يخالف بلوغهم للكمال البشرى، فإنه "لم يثبت أن شعيبًا كان ضريرًا، وما كان بيعقوب فهو حجاب على العين من تواصل الدموع، فلذلك لما جاء البشير ارتد بصيرًا لانقطاع دمع العين، وما كان بأيوب من البلاء إن كان عظيمًا فالحق أنه كان بين الجلد والعظم فلم يكن منفرًا، وما اشتهر في القصة من الحكايات المنفرة فهى باطلة".
أما ما عدى ذلك من الأعراض التي لا تقدح في كمالهم فتجوز عليهم، ويفصل القول في المحتمل منها كالسهو، حيث يقوم بالتفريق بين السهو في الأقوال والأفعال "فالسهو ممتنع عليهم في الأخبار البلاغية، مثل عذاب القبر ونعيمه وغيرهما".
ويجيب على من اعترض بما حصل للنبي من رجوعه عن الأمر بترك التلقيح، واعترافه بصواب من فعله، أن هذا ليس من قبيل الخبر المعرض للصدق والكذب" وإنما هو من باب الرأى والاستشارة في أمر دنيوى لا أمر دينى".
ثم يأتى إلى القسم الثاني من سنته صلى الله عليه وسلم وهى السنة الفعلية، فيجوز وقوع السهو فيها؛ وأن ذلك لحكمة يريدها الرب سبحانه، يقول:"وأما في الأفعال البلاغية وغيرها فيجوز كالسهو في الصلاة للتشريع".
وتفصيله السابق فيما يتعلق بالسهو في الأفعال والأقوال محله إذا كان قد سبق وأن قام بتبليغها، وأما قبل التبليغ فلا يجوز السهو والنسيان عليه البتة يقول:"وأما النسيان فممتنع في البلاغيات قبل تبليغها، قولية كانت أو فعلية، وأما بعد التبليغ فيجوز نسيان ما ذكر عليهم؛ لحفظه بعد التبليغ ووجوب ضبطه على المكلف ليعمل به، ويصحح عليهم نسيان المنسوخ لفظًا ومعنى قبل التبليغ وبعده"(1).
في بيان وظائفهم يبدأ بـ:
- التبليغ لما جاءوا به من عند الله "ثم يفصل القول في أنواع المبلغ، يقول: "والحاصل أن ما جاءوا به أقسام ثلاثة: قسم أمروا بتبليغه، فلم يكتموا منه حرف، وقسم خيروا بين كتمانه وتبليغه، فبلغوا البعض وكتموا البعض".
(1) المرجع السابق: 43.