المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(المبحث الثاني) عالم الجن والشياطين - آراء الصاوي في العقيدة والسلوك

[أسماء بنت محمد توفيق بركات ملا حسين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: حياة الشيخ الصاوى

- ‌الفصل الأول: عصر الصاوي

- ‌(المبحث الأول): الحالة السياسية

- ‌الاضطرابات والقلاقل السياسية:

- ‌ مذبحة المماليك بالقلعة سنة 1811 م:

- ‌محاربة الدعوة السلفية:

- ‌ القضاء على الزعامة الشعبية والدينية بنفى عمر مكرم:

- ‌(المبحث الثاني): الحالة الاجتماعية

- ‌(المبحث الثالث): الحالة العلمية والدينية

- ‌الفصل الثاني: حياة الصاوى

- ‌(المبحث الأول): سيرته الذاتية

- ‌1 - اسمه ونشأته:

- ‌2 - صفاته وأخلاقه

- ‌3 -‌‌ شيوخهوتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌تلاميذه:

- ‌(المبحث الثاني): مكانته العلمية ومؤلفاته

- ‌مكانتها العلمية:

- ‌الحواشى العقدية:

- ‌الفصل الثالث: منهجه في تحري مسائل الاعتقاد

- ‌(المبحث الأول): مصادره في العقيدة

- ‌أولًا: مكانة العقل في التلقى:

- ‌ثانيًا: حجية الإلهام:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: مصادر التلقى:

- ‌ثانيًا: نقض دعاويهم في تقديم العقل:

- ‌ثالثًا: التناقض لازم لهذا المسلك:

- ‌رابعًا: حجية الإلهام:

- ‌(المبحث الثاني): منهجه في الاستدلال

- ‌أولًا: الاستدلال بقياس الغائب على الشاهد:

- ‌مناقشة:

- ‌ثانيًا: الاستدلال بالسبر والتقسيم:

- ‌ثالثًا: الاستدلال بالقياس المنطقي:

- ‌المناقشة:

- ‌ثالثًا: منهجه في الاستدلال بالقرآن والسنة:

- ‌أولًا: الاستدلال بالنص:

- ‌ثانيًا: الاستدلال بالظاهر:

- ‌المناقشة:

- ‌مسلك التأويل والتفويض:

- ‌ أولًا المراد بالمتشابه:

- ‌ ثانيًا: المراد بالتأويل:

- ‌الباب الثاني: (آراؤه في العقيدة)

- ‌الفصل الأول: (آراؤه في معرفة الله والاستدلال على وجوده)

- ‌(المبحث الأول): معرفة الله تعالى

- ‌(تمهيد)

- ‌طرق المعرفة

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌التقليد وحكم المقلد

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): الاستدلال على وجود الله تعالى

- ‌ دليل حدوث الأجسام

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌دليل الإمكان

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثاني: (آراؤه في التوحيد)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف التوحيد

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): دليل التوحيد

- ‌رأي الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): شهادة التوحيد ونواقضها

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثالث: (آراؤه في الأسماء والصفات)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): المسائل المتعلقة بالأسماء الحسنى

- ‌أسماء الله تعالى كلها حسنى:

- ‌أسماء الله تعالى توقيفية:

- ‌أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد:

- ‌ أسماء الله تعالى غير مخلوقة:

- ‌رأى الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): المسائل المتعلقة بصفات الله تعالى

- ‌أولًا: الصفات السلبية

- ‌ثانيًا: صفات المعاني

- ‌ثالثًا: الصفة النفسية

- ‌رابعًا: الصفات المعنوية

- ‌خامسًا: موقفه من الصفات الأخرى

- ‌ أولًا: صفة الرحمة والغضب والمحبة:

- ‌ ثانيًا الصفات الخبرية الذاتية:

- ‌الفصل الرابع: آراؤه في الإيمان

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): حقيقة الإيمان

- ‌رأى الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): العلاقة بين الإسلام والإيمان

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): الأسماء والأحكام

- ‌أولًا: حقيقة الإيمان، وبيان ما يناقضه:

- ‌ثانيًا: تحقيق الوعد مع وجود مسببه من الإيمان:

- ‌ثالثًا: تحقق الوعيد مع وجود المقتضى من الكفر:

- ‌رابعًا: موانع إنفاذ الوعيد لأصحاب الكبائر من المسلمين:

- ‌خامسًا: الرد على شبه الوعيدية:

- ‌سادسًا: موقفه من مخالفيه (دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:

- ‌الفصل الخامس: (آراؤه في الإيمان بالملائكة)

- ‌(المبحث الأول): الإيمان بالملائكة الأطهار

- ‌(المبحث الثاني) عالم الجن والشياطين

- ‌الفصل السادس: آراؤه في الإيمان بالكتب

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف الوحي

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بالكتب السابقة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌كلامه في التوراة:

- ‌كلامه في الإنجيل:

- ‌كلامه في الزبور:

- ‌مناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): الإيمان بالقرآن الكريم

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل السابع: آراؤه في الإيمان بالنبوات

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): مفهوم النبوة والرسالة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بالرسل والأنبياء

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌التعليق:

- ‌أولًا: المفاضلة بين البشر والملائكة:

- ‌ثانيًا: عصمة الأنبياء:

- ‌ثالثًا: ما يتعلق بالأحوال البشرية:

- ‌(المبحث الثالث): خاتم الأنبياء عموم رسالته

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أسماؤه الشريفة:

- ‌مكانته بين الرسل:

- ‌خصائصه صلى الله عليه وسلم

- ‌مظاهر الغلو فيه صلى الله عليه وسلم

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: أسماؤه الشريفة:

- ‌ثانيًا: قضية التفضيل:

- ‌ثالثًا: الغلو فيه صلى الله عليه وسلم

- ‌(المبحث الرابع): دلائل النبوة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌الفصل الثامن: (آراؤه في الإيمان باليوم الآخر)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف اليوم الآخر، وأدلته

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بأشراط الساعة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثالث): الموت، وحياة البرزخ

- ‌الروح والموت

- ‌حياة البرزخ

- ‌(المبحث الرابع): حقائق يوم القيامة

- ‌ المحشر وعرضات يوم القيامة

- ‌الجنة والنار

- ‌الفصل التاسع: (آراؤه في الإيمان بالقضاء والقدر)

- ‌(المبحث الأول): القضاء والقدر (تعريفه ومراتبه)

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: تعريف القدر:

- ‌ثانيًا: تعريف القضاء:

- ‌ثالثًا: مراتب القدر:

- ‌مرتبة العلم:

- ‌مرتبة الكتابة:

- ‌مرتبة المشيئة:

- ‌مرتبة الخلق:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌موقفه من الظلم:

- ‌المناقشة:

- ‌حقيقة الظلم:

- ‌(المبحث الثالث): أفعال العباد

- ‌أدلة القدرية والجبرية:

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: أفعال العباد وحقيقتها القدرية:

- ‌ثانيًا: الأسباب، وموقف الناس منها:

- ‌ثالثًا: أدلة رجح بها مذهب الأشعري، ورد بها على مخالفيه:

- ‌الأدلة السمعية:

- ‌الأدلة العقلية:

- ‌رابعًا: حقيقة القدر في الفكر الصوفي:

- ‌المناقشة:

- ‌ نظرية الكسب في الفكر الأشعري

- ‌الفصل العاشر: آراؤه في الصحابة والإمامة

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): الصحابة الكرام

- ‌أولًا: تعريف الصحابة:

- ‌ثانيًا: فضائل الصحابة:

- ‌ثالثًا الدفاع عن الصحابة:

- ‌التعليق:

- ‌ تعريف الصحابة:

- ‌فضل الصحابة:

- ‌الدفاع عن الصحابة:

- ‌(المبحث الثاني): الإمامة

- ‌تعليق:

- ‌أولًا: حكم تنصيب الوالي:

- ‌ثانيًا: ما تنعقد به البيعة:

- ‌صفات الوالي:

- ‌تعدد الولاة:

- ‌حق الإمام:

- ‌الباب الثالث: (آراؤه في باب السلوك)

- ‌الفصل الأول: (التصوف وآدابه)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): مفهوم التصوف

- ‌(المبحث الثاني): آداب التصوف

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أهمية اختيار الشيخ:

- ‌صفات الشيخ:

- ‌آداب السلوك:

- ‌أولًا: ما يتعلق بآداب اختيار العلم:

- ‌ثانيًا: الآداب المتعلقة بحق الشيخ:

- ‌الآداب المتعلقة بجماعة الطلاب:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: مكانة علم التصوف بين العلوم:

- ‌ثانيًا: صفات الشيخ:

- ‌آداب التلقي:

- ‌احترازات في التلقي:

- ‌أولًا: طاعة الشيخ:

- ‌ثانيًا: التبرك بالشيخ:

- ‌ثالثًا: ملاحظة الشيخ:

- ‌رابعًا: الاستغناء بالشيخ:

- ‌الفصل الثاني: (المقامات والأحوال)

- ‌تمهيد

- ‌تعريف المقام:

- ‌تعريف الحال:

- ‌(المبحث الأول): أقسام المقامات (عند الصوفية)

- ‌الفناء والبقاء:

- ‌الجمع والفرق:

- ‌أحكام البقاء:

- ‌مقام الجمع:

- ‌مقام الفرق:

- ‌(المبحث الثاني): منهج الصوفية في التأصيل للمقامات

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): وحدة الوجود ووحدة الشهود

- ‌أولًا: وحدة الوجود:

- ‌ثانيًا: وحدة الشهود:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: نقض وحدة الوجود:

- ‌موقف الصاوي:

- ‌ثانيًا: حقيقة وحدة الشهود:

- ‌(المبحث الرابع): الترقي في المقامات

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: عقبات الترقي:

- ‌ثانيًا: طريق الخلاص:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثالث: (الولاية والكرامة)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): حقيقة الولاية

- ‌ تعريف الولاية:

- ‌ حقيقة الولي

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌صفات الولي:

- ‌شرط الولاية:

- ‌الفرق بين الولي والدعي:

- ‌جزاء الأولياء:

- ‌طرق الولاية:

- ‌فضائل الأولياء:

- ‌زمن الولاية:

- ‌المناقشة:

- ‌حقيقة الولاية:

- ‌ معرفة الولي:

- ‌طرق الولاية:

- ‌فضائل الأولياء:

- ‌مدة الولاية:

- ‌المبحث الثاني: حقيقة الكرامة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الخاتمة

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌(المبحث الثاني) عالم الجن والشياطين

(المبحث الثاني) عالم الجن والشياطين

الإيمان بالجن:

ولم يكن عالم الملائكة هو العالم الغيبي الوحيد من ذوات الأرواح؛ فقد ورد أيضًا حديث آخر عن عالم الجن والشياطين، يفترق في الكثير من خصائصه عن عالم الملائكة، وإن كان يجتمع معه من حيث الخفاء والغيبية، كما يقرب كثيرًا من عالمنا، وذلك من حيث التكليف والمخاطبة بالأمر والنهي. وحتى يتم التمييز بينهما؛ فلا بد من إلقاء الضوء على أهم ما يصح به إدراك الفرق بين هذين العالمين.

- وعند التعريف بهم فإنه يقال: الجن اسم جنس جمعى، مفرده جنى، وهو مأخوذ من الاجتنان، وهو التستر والاستخفاء عن الأبصار، وسبب تسميتهم بذلك؛ اجتنانهم عن الناس فلا يرون، ومنه سمي الجنين جنينًا لاستتاره في بطن أمه، قال تعالى:{وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} [النجم: 32].

- وقد عرفهم ابن حزم بأنهم: "أجسام رقاق صافية هوائية، لا ألوان لهم، وعنصرهم النار كما أن عنصرنا التراب، قال تعالى:{وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ} [الحجر: 27].

والنار والهواء عنصران لا ألوان لهما، ولو كانت لهم ألوان لرأيناهم بحاسة البصر، ولو لم يكونوا أجسامًا صافية رقاقًا هوائية؛ لأدركناهم بحاسة اللمس" (1)

هذا وحقيقة الجن في ضوء النصوص الشرعية، يمكن إجمالها بأنهم خلق من خلق الله تبارك وتعالى، خلقوا من نار، قد حجبوا عن الأعين فلا يرون إلا في النادر، لا يدرك كنههم إلا خالقهم، عقلاء مكلفون، لهم أهواء وشهوات، منهم

(1) الفصل: (5/ 13).

ص: 346

المؤمن ومنهم الكافر، قال تعالى في بيان خلقهم:{وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن: 15].

وفي تفسير مادة خلقهم بالسموم قال ابن عباس رضي الله عنهما: إنها الريح الحارة التي تقتل، وقال أيضًا: إنها نارًا لا دخان لها. (1)

وقال الإمام الطبري في تفسير المارج: "أنه ما اختلط بعضه ببعض، بين أحمر وأصفر وأخضر، وهو كلهب النار ولسانه". (2)

ومما يدل على كونهم مكلفين؛ ما ورد بشأن الجزاء المعد لمطيعهم وعاصيهم، قال تعالى:{يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ} [الأنعام: 130].

وقال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} [الأعراف: 179].

أما الآيات في دخول عموم النعيم المعد للطائعين فكثيرة، منها ما ورد في سورة الرحمن، حيث عم الخطاب سائر الثقلين، ومنها قوله تعالى:{وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} [الأنعام: 132].

أما عن أهمية الإيمان بهم، فقد تحدث القرآن الكريم عن الجن في عدد من المواضع، وكذلك السنة الصحيحة، مما يلزم المومن بالإيمان به، ويدرجه تحت الغيب الذي امتدح الله تعالى المصدقين به.

وقد سميت سورة في القرآن باسمهم، أتى في مطلعها قوله تعالى:{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} [الجن: 1].

وعليه فإن كل من جحد الإقرار بوجودهم، أو تأوله تأويلًا فاسدًا يخرجهم عن الحقيقة الواردة بشأنهم؛ فإنه لا اعتداد بمذهبه ذلك، بل هو مردود عليه؛ لدلالة

(1) القرطبي: (10/ 23).

(2)

الطبري: (27/ 125).

ص: 347

النصوص الصريحة على وجودهم، يقول ابن حزم:"فمن أنكر الجن، أو تأول فيهم تأويلًا يخرجهم عن ظاهرهم، فهو كافر مشرك حلال الدم والمال"(1).

وغاية ما يحتج به من أنكر حقيقة الجن، كونهم من عالم الغيب، حيث انعدم الشاهد من الحس، بمعنى أنه انتفى البرهان الحسي على إثباتهم، والذي اعتمدوه في قبول الحقائق أو ردها، ولا شك أن هذا مبدأ باطل لأن التسليم بالنصوص الشرعية؛ يقضي بالإيمان على جهة التفصيل لكل ما أتت به، هذا إذا أردت إبطال شبه المسلمين، كالمعتزلة ومن نحا نحوهم من المحدثين العقلانيين.

أما من خالف أهل الملة من الفلاسفة والمشركين، فإنه يقال في الرد عليهم: إن انعدام الدليل الحسي على وجود ذلك العالم عندهم، لا يعني انعدامه؛ لأن انتفاء العلم ليس دليلًا على انعدامه.

ومن هنا فإن الرد على كل من أنكر ذلك العالم الغيبي، يكون بحسب حاله، فإن كان ممن أقر بصدق الدليل الشرعي، يبين له أهمية التسليم لكل ما جاء به الشرع، وأن أي رد لما علم منه بالضرورة؛ فإنه يعد من ألوان الكفر المخرج من الملة، كما صرح بذلك ابن حزم.

أما إن كان ممن لم يسلم بدلالة الشرع، فيكفي في الرد عليه منع أن يكون العلم مقصورة على الحس والعقل، فكل ما أتى به الوحي لا بد من التسليم له، ولو انعدم الدليل الحسي على وجوده؛ لأن عدم العلم ليس علمًا بالعدم. (2)

رأي الشيخ الصاوي:

أما عن رأيه في الحقيقة الغيبية الأخرى، وهي عالم الجن، فإنه يعرف الجن في اللغة، فيقول: "الجن اسم جنس جمعي، يفرق بينه وبين واحده بالياء، فيقال: جن وجني، كزنج وزنجي، وغالبًا يفرق بالتاء، كتمر وتمرة.

(1) الفصل: (5/ 12)، وانظر: مجموع الفتاوى: (19/ 10).

(2)

انظر: المرجع السابق.

ص: 348

وزيدت التاء في الجنة لتأنيث الجماعة، سموا بذلك لاجتنانهم: أي استتارهم عن العيون" (1).

وفي الشرع فيرى أنهم: "أجسام نارية هوائية، لها قدرة على التشكلات بالصورة الشريفة والخسيسة، وتحكم عليهم الصورة".

يقول منبهًا "وبهذا ظهر الفرق بينهم وبين الملائكة لأن الملائكة أجسام نورانية لها قدرة على التشكلات بالصور غير الخسيسة ولا تحكم عليهم الصورة"(2).

ولهذا فإنه يوجه الاستثناء الوارد في قوله تعالى: {فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ} [البقرة: 34] ببيان نوعه، حيث يرجح كونه استثناء منقطعًا، يقول:"وعليه فالجن نوع آخر غير الملائكة، فالجن من نار والملائكة من نور"(3).

وفي تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ} [الأنعام: 100]؛ يذكر ما قيل فيها دون ترجيح، يقول:"قيل: المراد بهم الشياطين، وقيل: المراد بهم نوع من الملائكة، كانوا يعبدونهم؛ لاعتقادهم أنهم بنات الله"(4)

أما عن علاقة الشياطين بالجن؛ فيذكر ما قيل فيها من آراء عند تعريفه إبليس، يقول:"إبليس هو أبو الجن وهذا أحد قولين، وقيل: هو أبو الشياطين: فرقة من الجن لم يؤمن منهم أحد، والجان هو أبو الجن، وعلى هذا تكون الأصول ثلاثة: آدم وهو أبو البشر، وإبليس وهو أبو الشياطين، والجان وهو أبو الجن"(5)

وفي موضع آخر، يشير إلى هذه الأقوال مع الترجيح، يقول:"اختلف في الجن: فقيل: هم ذرية إبليس، غير أن المتمرد منهم يسمى شيطانًا، كما أن الإنس أولاد آدم، وقيل: إن الجن ولد الجان، والشياطين ولد إبليس، يموتون مع إبليس عند النفخة. والراجح الأول"(6)

(1) حاشية الجلالين: (4/ 351).

(2)

المرجع السابق: (4/ 240)، (2/ 33).

(3)

حاشية الجلالين: (3/ 16).

(4)

حاشية الجلالين: (2/ 33).

(5)

المرجع السابق: (2/ 275).

(6)

المرجع السابق: (4/ 240).

ص: 349

وفي إضافة الشياطين إلى الإنس في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: 112]. قولان يرى أنهما في الصحة سواء، يقول: الشياطين "جمع مارد وهو المتمرد المستعد للشر، وقدم شياطين الإنس؛ لأنهم أقوى في الإيذاء، فإن شيطان الإنس أشد على شيطان الجن، وذلك إذا تعوذت بالله ذهب عنى شيطان الجن، وشيطان الإنس يجيئني فيجرني إلى المعاصي.

وقيل: إن الشياطين كلهم من إبليس، وذلك أنه فرق أولاده فرقتين توسوس للإنس؛ وتسمى شياطين الإنس، وفرقة توسوس لصلحاء الجن؛ وتسمى شياطين الجن، وكل صحيح". (1)

* * *

تعليق:

لا شك في صحة ما ذهب إليه الصاوي عند تعريفه للجن، ومن ثم التفريق بينهم وبين الملائكة الأبرار، ولكن أوجه المفارقة بينهم وبين الملائكة لا تقتصر على ما أورده الصاوي، بل هناك العديد من الفروق التي دلت عليها الكتاب والسنة، فالملائكة علاوة على أنهم خلق من النور، وأنهم لا تحكمهم الصورة التي يتشكلون بها، فهم خلق طاهر كريم خلقوا للعبادة ليس لهم شهوات ولا أهواء، أما الجن فلهم أهواء وشهوات، ومنهم الكافر ومنهم المؤمن، كما أنهم مكلفون بالطاعة والاتباع وما يترتب عليه الوعد والوعيد فهم في الأحكام يقربون من عالم الإنس، ولكن من جهة الغيبية والخفاء يقربون من عالم الملائكة، واستقصاء الفروق مما يطول الحديث فيه، ولكن حاولت التنبيه إلى أهمها؛ استنادًا لما ورد في حديث الكتاب والسنة عنهم.

(1) حاشية الجلالين: (2/ 37).

ص: 350

واذكر بعض ما ورد في ذلك:

- قال تعالى في بيان أصل الخلقة: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ} [الحجر: 26، 27].

- وقال حكاية عن النفر الذين استمعوا القرآن، فولوا إلى أهلهم منذرين، مبينًا تفاوتهم من حيث الكفر والإيمان:{وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} [الجن: 11].

- وقد بينت السنة أنهم خلق لهم شهوات يأكلون ويشربون، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه كان يحمل مع النبي صلى الله عليه وسلم إداوة لوضوئه وحاجته، فبينما هو يتبعه بها، فقال عليه الصلاة والسلام:(من هذا). فقال: أنا أبو هريرة، فقال:(ابغني أحجارًا استنفض بها، ولا تأتنى بعظم ولا بروثة). فأتيته بأحجار أحملها في طرف ثوبي، حتى وضعت إلى جنبه، ثم انصرفت، حتى إذا فرغ مشيت، فقلت: ما بال العظم والروثة؟ قال: (هما من طعام الجن، وإنه أتانى وفد جن نصيبين، ونعم الجن، فسألوني الزاد، فدعوت الله لهم أن لا يمروا بعظم ولا بروثة إلا وجدوا عليها طعمًا). (1)

والأحاديث الصحيحة في القطع بذلك كثيرة.

- أما ما ذكره الصاوي من أن الجن تحكمهم الصورة على عكس الملائكة، فبيانه يرجع إلى أمرين: الأول ما حباه الله تعالى للجن من القدرة على التشكل.

الثاني ما ثبت من الأدلة في كون الصورة تحكمهم، فقد ورد من السنة ما يدل عليه، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن بالمدينة نفرًا من الجن قد أسلموا، فمن رأى من هذه العوامر فليؤذنه ثلاثًا، فإن بدا له بعد فليقتله، فإنه شيطان)(2).

(1) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب مناقب الأنصار - باب ذكر الجن، رقم الحديث:3860.

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب قتل الحيات ونحوها - باب استحباب قتل الوزغ: (14/ 236).

ص: 351

وقد تناول الصاوي في حديثه عن الجن بيان أصلهم الذي يرجعون إليه، والذي يظهر - والله أعلم - أن إبليس واحد منهم، وليس بأصل لهم، كما رجح الصاوي، لقوله تعالى:{إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ} [الكهف: 50].

أما ما أورده الصاوي من أقوال أخرى، ككونه من قبيلة يقال لها الجن من جنس الملائكة، فهذا ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما (1) وعن غيره من التابعين، ولكنه في الحقيقة مما لم يدل عليه دليل، بل الأدلة تدل على أن الجن جنس آخر، يختلف اختلافًا جذريًا عن الملائكة، وقد سبق وأن أوردت الحديث الشريف الذي يبين أصل الاختلاف في الخلقة، بأن الملائكة خلقت من النور وأن الجن خلقوا من النار.

أما عن قوله بأن المارد منهم يسمى شيطانًا، فالصحيح في ذلك أن الجن أنواع، يفترقون بحسب الخلقة والامتثال، فالخارجون عن الطاعة يسمون بالشياطين، قال تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام: 112].

وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الجن والإنس، قال: يا نبي الله وهل للإنس شياطين؟ قال: نعم، شياطين الجن والإنس يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول)(2)

ومنهم من يوصف بالمارد، والمريد، أما المارد فكقوله تعالى:{إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} [الصافات: 6، 7] والمارد: العاتي الشديد من الجن والشياطين.

(1) ابن جرير الطبري: (15/ 259). ومن المعلوم أن أبى عباس رضي الله عنهما حبر هذه الأمة كان ممن يروي الإسرائيليات ويحدث بها بعد أن أذن المصطفى عليه الصلاة والسلام بذلك فلعل هذه الرواية منها والله أعلم.

(2)

أخرجه أحمد في مسنده من حديث أبي ذر، رقمه: 21437: (16/ 17). وقال الهيثمي: "رواه أحمد والبزار في الأوسط وعند النسائي طرف منه وفيه المسعودي وهو ثقة، ولكنه اختلط": (1/ 160).

ص: 352

أما المريد، كقوله تعالى:{إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا} [النساء: 117].

وغير ذلك من الأوصاف التي تدل على اختلافهم وتباينهم، مع اتحادهم في أصل الخلقة، فليس لأحد أن يذكر نسبة الشياطين إلى الجن وإبليس لهم، فقد ورد في الآية الكريمة حديث أحدهم بأنه قال:{وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا} [الجن: 4].

- وبناء على ما تقدم فإن علاقة الشيطان بالجن علاقة واضحة حيث يسمى الكافر من الجن شيطانًا وهذا يظهر من الحديث الصحيح الذي أوردته آنفا، والذي ورد فيه النهي عن قتل الحيات، والشاهد منه أنه عليه الصلاة والسلام سمى الحية العامرة التي تستأذن بالشيطان.

وهذا المعنى بين واضح في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام: 111].

- بقيت مسألة تتعلق بمفهوم هذه الآية الكريمة، وهي هل هناك شياطين من جنس الإنس كما هو ظاهر الآية؟ أم أن الشياطين هي مردة الجن، وإنما أضيفت إلى الإنس باعتبار مهمة الوسوسة، كما تقدم بيانه من آراء الصاوي؟

أولًا: لا بد من العلم بأن القول بكلا المعنيين مما أثر عن السلف - رضوان الله عليهم - وقد روى الإمام ابن جرير الطبري هذه الأقوال في تفسيره، إلا أنه بعد عرضها ونسبتها إلى القائلين بها رجح رحمه الله أن القول الأول هو الراجح منها، يقول:"وليس لهذا التأويل وجه مفهوم - يعني به المعنى الثاني -، لأن الله جعل إبليس وولده أعداء ابن آدم، فكل ولده لكل ولده عدو، وقد حصر الله في هذه الآية الخبر عن الأنبياء أنه جعل لهم من الشياطين أعداءً، فلو كان معنيًا بذلك الشياطين الذين ذكرهم السدي، الذين هم ولد إبليس، لم يكن لخصوص الأنبياء بالخبر عنهم، وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" عن أبي ذر

ص: 353

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا ذر، هل تعوذت بالله من شر شياطين الإنس والجن؟ قال: قلت: يا رسول الله، هل للإنس من شياطين؟ قال: نعم" (1).

وعليه فإن الشيطان هو المارد الكافر، سواء كان من الجن أم الإنس؛ لذا فإنه يبعد ما استحسنه الصاوي عند تفسيره لهذه الآية، حيث صحح القول بكلا المعنيين في تفسير الآية الكريمة.

* * *

(1) جامع البيان: (8/ 4)، وأخرجه النسائي في المجتبى: كتاب الاستعاذة - رقم الحديث: 5522: (8/ 669). وضعفه الألباني، في ضعيف النسائي، برقم 424:(242).

ص: 354