الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} على ما تقدم من كلام الصاوي تأويل باطل ترده دلالة النص صراحة، إذ معنى الآية: العلامة الدالة على صدق المستدل له، فالتأويل الصحيح لها أن هذا وعد من المولى تعالى بتحقيق الأدلة التي تقطع بصدق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
يقول الإمام ابن كثير رحمه الله في معنى الآية: "أي سنظهر لهم دلالاتنا وحججنا على كون القرآن حقًا منزلًا من عند الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلائل خارجية: من الفتوحات وظهور الإسلام على الأقاليم وسائر الأديان، قال مجاهد والحسن والسدي: ودلائل في أنفسهم قالوا: وقعة بدر وفتح مكة ونحو ذلك من الوقائع التي حلت بهم، نصر الله فيها محمدًا صلى الله عليه وسلم وصحبه، وخذل فيها الباطل وحزبه.
ويحتمل أن يكون المراد من ذلك ما الإنسان مركب منه وفيه وعليه من المواد والأخلاط والهيئات العجيبة، كما هو مبسوط في علم التشريح الدال على حكمة الصانع تبارك وتعالى، وكذلك ما هو مجبول عليه من الأخلاق المتباينة من حسن وقبح، وغير ذلك" (1).
- بقى هنا معرفة وجه استدلال الصاوي بكلام ابن الوفا على وحدة الوجود، أو ما الدافع الذي حمل الصاوي على نقل استدلال ابن الوفا لتقرير وحدة الوجود؟ ، مع اختلاف وجهات النظر اختلافًا جذريًا في المراد بهذه الوحدة، إذ المطالع لأقوال ابن الوفا لا يتردد في الحكم عليه أنه من الاتحادية الغلاة. ثم إن هذا الاستفسار ينسحب أيضًا على استشهاده ببيت ابن الفارض، الحق أن هذا دفاع عن الصوفية الغلاة وتأويل لكلامهم بما يخالفه، وهذا مما لا يسلم له أبدًا.
ثانيًا: حقيقة وحدة الشهود:
- ودون إغفال لحقيقة الشهود عند الصوفية وما جر إليه الاستغراق به من
(1) تفسير القرآن العظيم: (4/ 131).
مخاطر أوهت بالثوابت وأردت بالقيم، حيث حملهم على عدم التفريق بين المحظور والمأمور، فصارت الطاعة مماثلة للمعصية حتى قال قائلهم: فعلمك لا جهل وفعلك لا وزر، وهذا هو عين الكفر والخروج من الدين، وقد يكون هذا من شدة الوارد وقد يكون متعمدًا وأيًا كان فإن هذا من الأوهام التي يستند إليها الجهلة في ارتكاب المحاذير، يقول شيخ الإسلام حاكيًا شبهتهم في شهود الأفعال والاستغراق في مطالعة القدر: "وأما شهود القدر، فيقال: لا ريب أن الله تعالى خالق كل شيء ومليكه، والقدر هو قدرة الله - كما قال الإمام أحمد - وهو المقدر لكل ما هو كائن، لكن هذا لا ينفي حقيقة الأمر والنهي، والوعد والوعيد، وأن من الأفعال ما ينفع صاحبه فيحصل له به النعيم، ومنها ما يضر صاحبه فيحصل به عذاب، فنحن لا ننكر اشتراك الجميع من جهة المشيئة والربوبية وابتداء الأمور، لكن نثبت فرقًا آخر من جهة الحكمة والأوامر الإلهية ونهاية الأمور، فإن العاقبة للتقوى، لا لغير المتقين، وقد قال تعالى:{أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} (1)
ومن هنا كان "الفناء الذي يفضي بصاحبه إلى مثل هذا حال ناقص، وإن كان صاحبه غير مكلف، ولهذا لم يرد مثل هذا عن الصحابة الكرام الذين هم أفضل هذه الأمة، ولا عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو أفضل الرسل"(2)
ولما كانت البدعة بريدًا إلى الكفر ومفتاحًا لبابه، لم يتوقف الأمر عند هذا الخلط والاضطراب في حقيقة الطاعة والمعصية، بل تعداه إلى الكفر الصراح بتسوية الخالق بالمخلوق، يقول شيخ الإسلام: "فمن شهد الحقيقة الكونية دون الحقيقة الدينية، سوى بين هذه الأصناف المختلفة التي فرق الله بينها غاية التفريق، حتى تؤول به هذه التسوية إلى أن يسوى بين الله وبين الأصنام، كما قال تعالى:
(1) مجموع الفتاوى: (8/ 308).
(2)
مجموع الفتاوى: (10/ 60).
{تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 97، 98].
بل قد آل الأمر بهؤلاء إلى أن سووا الله بكل موجود، إذ جعلوه هو وجود المخلوقات، وهذا من أعظم الكفر والإلحاد برب العباد" (1)
ولكل ما تقدم أتى تحذير الشارع الحكيم من البدع، قال تعالى:{وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153].
* * *
(1) العبودية: 48.