المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(المبحث الثاني): مكانته العلمية ومؤلفاته - آراء الصاوي في العقيدة والسلوك

[أسماء بنت محمد توفيق بركات ملا حسين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: حياة الشيخ الصاوى

- ‌الفصل الأول: عصر الصاوي

- ‌(المبحث الأول): الحالة السياسية

- ‌الاضطرابات والقلاقل السياسية:

- ‌ مذبحة المماليك بالقلعة سنة 1811 م:

- ‌محاربة الدعوة السلفية:

- ‌ القضاء على الزعامة الشعبية والدينية بنفى عمر مكرم:

- ‌(المبحث الثاني): الحالة الاجتماعية

- ‌(المبحث الثالث): الحالة العلمية والدينية

- ‌الفصل الثاني: حياة الصاوى

- ‌(المبحث الأول): سيرته الذاتية

- ‌1 - اسمه ونشأته:

- ‌2 - صفاته وأخلاقه

- ‌3 -‌‌ شيوخهوتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌تلاميذه:

- ‌(المبحث الثاني): مكانته العلمية ومؤلفاته

- ‌مكانتها العلمية:

- ‌الحواشى العقدية:

- ‌الفصل الثالث: منهجه في تحري مسائل الاعتقاد

- ‌(المبحث الأول): مصادره في العقيدة

- ‌أولًا: مكانة العقل في التلقى:

- ‌ثانيًا: حجية الإلهام:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: مصادر التلقى:

- ‌ثانيًا: نقض دعاويهم في تقديم العقل:

- ‌ثالثًا: التناقض لازم لهذا المسلك:

- ‌رابعًا: حجية الإلهام:

- ‌(المبحث الثاني): منهجه في الاستدلال

- ‌أولًا: الاستدلال بقياس الغائب على الشاهد:

- ‌مناقشة:

- ‌ثانيًا: الاستدلال بالسبر والتقسيم:

- ‌ثالثًا: الاستدلال بالقياس المنطقي:

- ‌المناقشة:

- ‌ثالثًا: منهجه في الاستدلال بالقرآن والسنة:

- ‌أولًا: الاستدلال بالنص:

- ‌ثانيًا: الاستدلال بالظاهر:

- ‌المناقشة:

- ‌مسلك التأويل والتفويض:

- ‌ أولًا المراد بالمتشابه:

- ‌ ثانيًا: المراد بالتأويل:

- ‌الباب الثاني: (آراؤه في العقيدة)

- ‌الفصل الأول: (آراؤه في معرفة الله والاستدلال على وجوده)

- ‌(المبحث الأول): معرفة الله تعالى

- ‌(تمهيد)

- ‌طرق المعرفة

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌التقليد وحكم المقلد

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): الاستدلال على وجود الله تعالى

- ‌ دليل حدوث الأجسام

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌دليل الإمكان

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثاني: (آراؤه في التوحيد)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف التوحيد

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): دليل التوحيد

- ‌رأي الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): شهادة التوحيد ونواقضها

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثالث: (آراؤه في الأسماء والصفات)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): المسائل المتعلقة بالأسماء الحسنى

- ‌أسماء الله تعالى كلها حسنى:

- ‌أسماء الله تعالى توقيفية:

- ‌أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد:

- ‌ أسماء الله تعالى غير مخلوقة:

- ‌رأى الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): المسائل المتعلقة بصفات الله تعالى

- ‌أولًا: الصفات السلبية

- ‌ثانيًا: صفات المعاني

- ‌ثالثًا: الصفة النفسية

- ‌رابعًا: الصفات المعنوية

- ‌خامسًا: موقفه من الصفات الأخرى

- ‌ أولًا: صفة الرحمة والغضب والمحبة:

- ‌ ثانيًا الصفات الخبرية الذاتية:

- ‌الفصل الرابع: آراؤه في الإيمان

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): حقيقة الإيمان

- ‌رأى الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): العلاقة بين الإسلام والإيمان

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): الأسماء والأحكام

- ‌أولًا: حقيقة الإيمان، وبيان ما يناقضه:

- ‌ثانيًا: تحقيق الوعد مع وجود مسببه من الإيمان:

- ‌ثالثًا: تحقق الوعيد مع وجود المقتضى من الكفر:

- ‌رابعًا: موانع إنفاذ الوعيد لأصحاب الكبائر من المسلمين:

- ‌خامسًا: الرد على شبه الوعيدية:

- ‌سادسًا: موقفه من مخالفيه (دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:

- ‌الفصل الخامس: (آراؤه في الإيمان بالملائكة)

- ‌(المبحث الأول): الإيمان بالملائكة الأطهار

- ‌(المبحث الثاني) عالم الجن والشياطين

- ‌الفصل السادس: آراؤه في الإيمان بالكتب

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف الوحي

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بالكتب السابقة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌كلامه في التوراة:

- ‌كلامه في الإنجيل:

- ‌كلامه في الزبور:

- ‌مناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): الإيمان بالقرآن الكريم

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل السابع: آراؤه في الإيمان بالنبوات

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): مفهوم النبوة والرسالة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بالرسل والأنبياء

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌التعليق:

- ‌أولًا: المفاضلة بين البشر والملائكة:

- ‌ثانيًا: عصمة الأنبياء:

- ‌ثالثًا: ما يتعلق بالأحوال البشرية:

- ‌(المبحث الثالث): خاتم الأنبياء عموم رسالته

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أسماؤه الشريفة:

- ‌مكانته بين الرسل:

- ‌خصائصه صلى الله عليه وسلم

- ‌مظاهر الغلو فيه صلى الله عليه وسلم

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: أسماؤه الشريفة:

- ‌ثانيًا: قضية التفضيل:

- ‌ثالثًا: الغلو فيه صلى الله عليه وسلم

- ‌(المبحث الرابع): دلائل النبوة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌الفصل الثامن: (آراؤه في الإيمان باليوم الآخر)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف اليوم الآخر، وأدلته

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بأشراط الساعة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثالث): الموت، وحياة البرزخ

- ‌الروح والموت

- ‌حياة البرزخ

- ‌(المبحث الرابع): حقائق يوم القيامة

- ‌ المحشر وعرضات يوم القيامة

- ‌الجنة والنار

- ‌الفصل التاسع: (آراؤه في الإيمان بالقضاء والقدر)

- ‌(المبحث الأول): القضاء والقدر (تعريفه ومراتبه)

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: تعريف القدر:

- ‌ثانيًا: تعريف القضاء:

- ‌ثالثًا: مراتب القدر:

- ‌مرتبة العلم:

- ‌مرتبة الكتابة:

- ‌مرتبة المشيئة:

- ‌مرتبة الخلق:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌موقفه من الظلم:

- ‌المناقشة:

- ‌حقيقة الظلم:

- ‌(المبحث الثالث): أفعال العباد

- ‌أدلة القدرية والجبرية:

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: أفعال العباد وحقيقتها القدرية:

- ‌ثانيًا: الأسباب، وموقف الناس منها:

- ‌ثالثًا: أدلة رجح بها مذهب الأشعري، ورد بها على مخالفيه:

- ‌الأدلة السمعية:

- ‌الأدلة العقلية:

- ‌رابعًا: حقيقة القدر في الفكر الصوفي:

- ‌المناقشة:

- ‌ نظرية الكسب في الفكر الأشعري

- ‌الفصل العاشر: آراؤه في الصحابة والإمامة

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): الصحابة الكرام

- ‌أولًا: تعريف الصحابة:

- ‌ثانيًا: فضائل الصحابة:

- ‌ثالثًا الدفاع عن الصحابة:

- ‌التعليق:

- ‌ تعريف الصحابة:

- ‌فضل الصحابة:

- ‌الدفاع عن الصحابة:

- ‌(المبحث الثاني): الإمامة

- ‌تعليق:

- ‌أولًا: حكم تنصيب الوالي:

- ‌ثانيًا: ما تنعقد به البيعة:

- ‌صفات الوالي:

- ‌تعدد الولاة:

- ‌حق الإمام:

- ‌الباب الثالث: (آراؤه في باب السلوك)

- ‌الفصل الأول: (التصوف وآدابه)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): مفهوم التصوف

- ‌(المبحث الثاني): آداب التصوف

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أهمية اختيار الشيخ:

- ‌صفات الشيخ:

- ‌آداب السلوك:

- ‌أولًا: ما يتعلق بآداب اختيار العلم:

- ‌ثانيًا: الآداب المتعلقة بحق الشيخ:

- ‌الآداب المتعلقة بجماعة الطلاب:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: مكانة علم التصوف بين العلوم:

- ‌ثانيًا: صفات الشيخ:

- ‌آداب التلقي:

- ‌احترازات في التلقي:

- ‌أولًا: طاعة الشيخ:

- ‌ثانيًا: التبرك بالشيخ:

- ‌ثالثًا: ملاحظة الشيخ:

- ‌رابعًا: الاستغناء بالشيخ:

- ‌الفصل الثاني: (المقامات والأحوال)

- ‌تمهيد

- ‌تعريف المقام:

- ‌تعريف الحال:

- ‌(المبحث الأول): أقسام المقامات (عند الصوفية)

- ‌الفناء والبقاء:

- ‌الجمع والفرق:

- ‌أحكام البقاء:

- ‌مقام الجمع:

- ‌مقام الفرق:

- ‌(المبحث الثاني): منهج الصوفية في التأصيل للمقامات

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): وحدة الوجود ووحدة الشهود

- ‌أولًا: وحدة الوجود:

- ‌ثانيًا: وحدة الشهود:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: نقض وحدة الوجود:

- ‌موقف الصاوي:

- ‌ثانيًا: حقيقة وحدة الشهود:

- ‌(المبحث الرابع): الترقي في المقامات

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: عقبات الترقي:

- ‌ثانيًا: طريق الخلاص:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثالث: (الولاية والكرامة)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): حقيقة الولاية

- ‌ تعريف الولاية:

- ‌ حقيقة الولي

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌صفات الولي:

- ‌شرط الولاية:

- ‌الفرق بين الولي والدعي:

- ‌جزاء الأولياء:

- ‌طرق الولاية:

- ‌فضائل الأولياء:

- ‌زمن الولاية:

- ‌المناقشة:

- ‌حقيقة الولاية:

- ‌ معرفة الولي:

- ‌طرق الولاية:

- ‌فضائل الأولياء:

- ‌مدة الولاية:

- ‌المبحث الثاني: حقيقة الكرامة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الخاتمة

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌(المبحث الثاني): مكانته العلمية ومؤلفاته

(المبحث الثاني): مكانته العلمية ومؤلفاته

الشيخ أحمد الصاوى فقيه مالكى معروف، تتلمذ على يد الشيخ أحمد الدردير، وهو إمام المالكية في عصره، ألف الصاوى شروحًا وحواشى على بعض الكتب الشهيرة في المذهب المالكى، والتى قرر تدريسها في الأزهر الشريف، وكانت لها الصدارة بين كتب المالكية عند كل طلاب الشريعة في البلاد الإسلامية.

وكما تمت له الإمامة في الفقه؛ فقد برز في مجال التفسير، حيث أثرت في موهبته العلمية تلك الدروس التي كان يحضرها لمشايخه، وعلى رأسهم شيخه الجمل، حتى تم له وضع حاشية على تفسير الجلالين، اتسمت بالعبارة المختصرة والتركيز في توضيح معنى الآية.

ومع تمكنه من تلك العلوم فقد كانت له مكانة معروفة في جانب العقائد، حيث عمل بعض الحواشى والشروح على كتب المتأخرين من الأشاعرة، كالدردير واللقانى، وقد اعتمد فيها أصول المذهب الأشعري، إلا أنه قد يخرج بعض الشيء عن تقارير المتكلمين تبعًا لشخصيته المتميزة في الفقه، والتى جعلت منه مجتهدًا متمكنًا لا يأبه لكلام من سبقه، إذا لم يكن له اقتناع كامل به، ونتيجة لهذا فقد يقع في نوع من التناقض والذي كثيرًا ما يحمله على عدم الترجيح البين، وهذا ما سيتضح في المبحث الثاني، بإذن الله.

أما عن موقفه من الحديث الشريف، فقد كان له اهتمام واضح به، يصدق هذا كثرة الأدلة التي يوردها في الاستدلال على المسائل الفقهية أو العقدية، إلا أن التدقيق من جهة السند يتسم عنده بالضعف، إذ يقتصر في الغالب على ذكر المتن، ولا يذكر المرجع الحديثى له إلا فيما ندر، كما أنه لا يشترط الصحة لما يستدل به، فقد يذكر الأحاديث الضعيفة والموضوعة.

ص: 58

ولما كان طريق التصوف باتباع الشيخ هو المسلك المعروف لترقيق القلوب في ذلك الوقت، فقد سار الصاوى على نهج شيخه الدردير في انتهاج طريقة الصوفية، وقد تعمق بها الصاوي حتى تم له وضع شرح على كتاب الدردير، هو أشبه ما يكون بخلاصة مركزة لعلوم التصوف؛ حيث وضح فيه المقامات والآداب، وعمد إلى تأصيلها من جهة العلوم الشرعية، وقد نقل في ذلك الكثير من أقوال أئمة التصوف، حتى الغلاة منهم، مما يشير إلى سعة اطلاعه في كتب القوم، ولكنه كان ينهج منهج المتأخرين من الأشاعرة في تأويل كلام أولئك الغلاة وحمله على محمل معتدل.

ولميله الشديد نحو المتصوفة ومحبته لهم؛ حيث يبعد ذكر واحد من كبارهم دون أن يعقبه بالترضى عنهم، فقد يقع في نوع من الغموض والتحيير، كما هو حال من وقع في الابتداع والخروج عن منهج السلف - رضوان الله عليهم -. وللحديث تتمة في المبحث القادم بإذن الله.

وكما تم له التمكن في العلوم الشرعية، كان له ذلك أيضًا في علوم الآلة، فقد برع في علم النحو، وعلم البلاغة والبيان، وتعد حاشيته على التفسير برهانًا يشهد له بهذه البراعة والتمكن، فالمتأمل لشروحاته على الآيات يلحظ هذا بوضوح، ولعلى أنقل بعض تلك النصوص في حديثى عن هذه الحاشية مفصلة القول، وذلك لأهميتها العلمية بين طلبة العلم.

وكان له في علم اللغة حواشى وضعها على بعض كتب الدردير.

وحتى يتم الحديث في حياة الصاوى العلمية؛ يحسن تناول أشهر مؤلفاته العلمية، بنوع من العرض والتحليل، كى يتسنى لنا الإحاطة الكافية لإدراك المكانة العلمية التي حازها الصاوى من جهة ما قدم من مؤلفات.

* * *

مؤلفاته:

تعددت مؤلفات الصاوى، كما تعددت الفنون التي برع فيها، فقد فاق أقرانه

ص: 59

بسعة علمه وحدة ذكائه، حيث ألف في التفسير والفقه وعلم الكلام والنحو والصرف والبلاغة وغيرها.

ولما كان هذا البحث مستندًا في بيان آراء الصاوى إلى الكتب التي اشتملت على المسائل العقدية دون غيرها، فقد عمدت عند عرضى لها إلى إعطاء صورة موجزة للقارئ عن أهم ما تتميز به ويدور عليه محور مواضيعها، مبرزة من ذلك الجانب العقدى؛ لأهميته المتعينة.

1 -

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين: وقبل أن أتحدث عن ما حوته هذه الحاشية من المعارف والعلوم المتعددة، يحسن بى أن أعرف بهذا المؤلف العلمى ذى المكانة المتميزة بين كتب التفسير.

فتفسير الجلالين. هو التفسير الذي قام بتأليفه عالمان جليلان هما: جلال الدين السيوطي (1)، وجلال الدين المحلى (2)، حيث ابتدأ التفسير جلال الدين المحلى من سورة الكهف إلى آخر سورة الناس، ثم ابتدأ بسورة الفاتحة، فوافته المنية ولما يكمل التفسير بعد، فقام الحافظ السيوطي بإكمال ما شرع به المحلى، فكان تفسيره من أول سورة البقرة إلى سورة الإسراء.

(1) هو الحافظ جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي الشافعي، المسند المحقق، ولد في رجب سنة: 849 هـ، وتوفى والده وله من العمر خمس سنوات وسبعة أشهر، وأسند وصايته إلى جماعة من أهل العلم، ختم القرآن في الثامنة من عمره، حفظ كثيرًا من المتون، وتلقى العلم على يد علماء كثر، كما أخذ عنه الكثير من طلاب العلم، برع في الكثير من العلوم والفنون خصوصًا علم الحديث، حتى صار أعلم أهل زمانه به، له مؤلفات كثيرة نالت شهرة كبيرة بين المسلمين في شتى البلاد، كان عابدًا ورعًا انقطع للعبادة عندما بلغ الأربعين من عمره، توفى رحمه الله ليلة الجمعة في التاسع عشر من جمادى الأولى سنة: 911 هـ. انظر في ترجمته: شذرات الذهب: (8/ 51).

(2)

هو جلال الدين محمد بن أحمد بن إبراهيم المحلى الشافعي، ولد بمصر سنة: 797 هـ، برع في الفنون: فقهًا وكلامًا وأصولًا، ونحوًا ومنطقًا، وغيرها، أخذ عن البدر محمود الأقصرائى، والبرهان البيجورى، والشمس البساطى، وغيرهم بلغ مبلغًا عظيمًا من الصلاح والورع، ألف كتبًا كثيرة هي في غاية الدقة والاختصار وسلامة العبارة، ومنها: شرح جمع الجوامع في الأصول، وشرح المنهاج في فقه الشافعية، وشرح الورقات في الأصول، ومنها هذا التفسير، توفى رحمه الله سنة: 864 هـ. انظر في ترجمته: شذرات الذهب: (7/ 303).

ص: 60

وهذا التفسير من المؤلفات العلمية، التي حازت شهرة واسعة في البلاد الإسلامية، فقد تميزت عبارته بالدقة والاختصار غير المخل، كما اشتمل على أهم العلوم التي يستعان بها في فهم كلام الله تعالى، من أسباب النزول والإعراب، وأيضًا التنبيه على بعض القراءات المختلفة المشهورة.

ومع دقة عباراته وقوتها العلمية؛ فقد استخدم في تأليفه الأسلوب الدمجى، وهذا النوع من الشروح يعد في الحقيقة من أصعب المناهج المتبعة في توضيح النصوص وتفسير ما أغلق منها، لذلك فقد حاز هذا التفسير إعجاب الكثير من أهل العلم فاشرأبت الأعناق إلى خدمته، فقامت عليه الكثير من الحواشى العلمية، وكان من أشهرها حاشية الشيخ الجمل وحاشية الشيخ الصاوى، والتى نحن الآن بصدد الحديث عليها.

هذا وقد طبع الكتاب مرات عديدة، وكان يطبع في هامش القرآن الكريم (1).

أما عن حاشية الصاوى فتقع هذه الحاشية في أربعة مجلدات من القطع الكبير، وقد طبعت عددًا من المرات، وكانت هذه الحاشية اختصارًا اختصره المؤلف لحاشية شيخه الجمل، وقد ذكر سبب اختصاره لها في أول التفسير، يقول: "لما كان علم التفسير أعظم العلوم مقدارًا وأرفعها شأنًا ومنارًا، إذ هو رئيس العلوم الدينية، ورأسها، ومبنى قواعد الشرع وأساسها، وكان كتاب الجلالين من أجل كتب التفسير، وقد أجمع على الاعتناء به الجم الغفير من أهل البصائر والتنوير، جاءنى الداعى الإلهى بقراءته، فاشتغلت به على حسب عجزى، ووضعت كتابة مخلصة من حاشية شيخنا العلامة المحقق المدقق الورع الشيخ سليمان الجمل، مع زوائد فتح بها مولانا من نور كتابه.

وإنما اقتصرت على تلخيص تلك الحاشية؛ لكونى وجدتها ملخصة من جميع كتب التفسير التي بأيدينا، تنسب لنحو عشرين كتابًا منها البيضاوي وحواشيه، ومنها الخازن والخطيب والسمين وأبو السعود والكواشى والبحر والنهر والساقية والقرطبى

(1) انظر: كشف الظنون: (1/ 445)، والتفسير والمفسرون، للذهبى:(1/ 233).

ص: 61

والكشاف وابن عطية والتحبير والإتقان، ولم أنسب العبارات لأصحابها غالبًا اكتفاءً بنسبة الأصل، والله على ما أقول وكيل، وهو حسبى وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى.

وقد تلقيت هذا الكتاب من أوله إلى آخره مرتين على العلامة الصوفية سيدى الشيخ سليمان الجمل، وعن الإمام أبى البركات العارف بالله تعالى، أستاذنا الشيخ أحمد الدرديرى، وعن أستاذنا العلامة الشيخ الأمير، وكل من هؤلاء الأئمة تلقاه عن تاج العارفين شمس الدين سيدى محمد بن سالم الحفناوى، وعن الإمام أبى الحسن سيدى الشيخ على الصعيدى العدوى" (1)

ومع كون هذا النص يوحى بأن هذه الحاشية مجرد اختصار، لم يخرج به المؤلف عن الأصل، إلا أن الحقيقة العلمية تكشف عن تحرر الصاوى في الكثير من المواضع، بذكر فوائد وتعليقات تفرد بها عن شيخه الجمل.

أما عن منهجه في التفسير فقد اعتمد في الغالب منهج التفسير بالمأثور، يؤيد هذا كثرة الأحاديث التي يستدل بها في تفسيره الآية الكريمة، مما يدل على اهتمامه بالحديث الشريف، كما اهتم بذكر أسباب النزول وفضائل السور، إلا أنه لم يكن يتحرى الصحة فيها، ولم يعتمد المنهج الصحيح في الاستدلال بها، وذلك من حيث العزو والتوثيق، فمثلًا قد يذكر الحديث دون أن يذكر مرجعه وهذا هو الغالب، ثم كثيرًا ما يذكره بصيغة لا تفرق بينه وبين الأثر؛ فلا يدرى القارئ من أيهما يكون، فيقول في بدايته: كما ورد؛ ويذكر الحديث أو الأثر.

ولى أن أورد بعض الأمثلة لإبراز هذا الجانب، فعند قوله تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة: 16]، يقول السيوطي شارحًا الآية: أي استبدلوها به، ويعلق الصاوى على ذلك، فيقول: "أشار بذلك إلى أن المراد بالشراء مطلق الاستبدال، والباء داخلة على الثمن، والمراد بالضلالة الكفر، وبالهدى الإيمان.

(1) حاشية الجلالين: (1/ 2).

ص: 62

وكلامه يقتضى أن الهدى كان موجودًا عندهم ثم دفعوه وأخذوا الضلالة، وهو كذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم:(كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة، هل ترى فيها جدعاء)(1) " (2)

وهذا نموذج يدل على استدلال الصاوى بالحديث الصحيح وابتدائه بما يدل على ذلك.

ومن أمثلة استدلاله بالحديث الضعيف، ما ذكره في فضل سورة الإخلاص، حيث يقول:"قال صلى الله عليه وسلم: (من أراد أن ينام على فراشه فنام على يمينه ثم قرأ: سورة الصمد مائة مرة، فإذا كان يوم القيامة يقول له الرب عز وجل: يا عبدى أدخل بيمينك الجنة) (3) "(4)

وهذا الحديث ضعيف؛ لأن في رجاله حاتم بن ميمون الكلابى، فقد قال عنه ابن حجر:"ضعيف، من الثامنة"(5)

كما يكثر استدلاله بالأخبار الإسرائيلية، والآثار الغريبة دون أن يذكر لها مرجعًا، ومن ذلك ما ذكره في أول سورة الأنعام بيانًا لفضلها، يقول:"ورد أنها فاتحة التوراة، وخاتمتها قبل آخر هود، وقبل آخر الإسراء"(6).

وكان هذا الأثر من جملة الآثار الضعيفة، فقد أخرجه الطبري في تفسيره عن كعب بن الأحبار، وفى سنده: سفيان بن وكيع بن الجراح: ذكر علماء الجرح في ترجمته أنه كان صدوقًا، إلا أنه ابتلى بوراقة فأدخل عليه ما ليس من حديثه، فنصح فلم يقبل فسقط حديثه. (7)

(1) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الجنائز - باب ما قيل في أولاد المشركين، رقم الحديث:1385.

(2)

حاشية الصاوى: (1/ 11).

(3)

أخرجه الترمذي: كتاب فضائل القرآن - باب ما جاء في سورة الإخلاص: (5/ 168)، رقم الحديث:2898.

(4)

الحاشية: (4/ 346).

(5)

تقريب التهذيب: 208، ترجمة رقم:1007.

(6)

الحاشية: (2/ 2).

(7)

تقريب التهذيب، لابن حجر: 395، ترجمة رقم: 2469 وميزان الاعتدال: (2/ 363)، ترجمة رقم:3334.

ص: 63