الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(المبحث الثالث): الحالة العلمية والدينية
إن المطلع على السجل التاريخى للأمة الإسلامية في عصورها الأخيرة، ليرمق بعين الأسى أحداثًا جسامًا نخرت في عضدها وأوهنت من قوتها، فجعلت منها أشلاء ممزقة صارت بها عرضة للتيارات الفكرية الوافدة بالإلحاد وألوان الكفر والفساد من شرق الدنيا وغربها.
وعند البحث عن أسباب ذلك الوهن والتفتت الذي حل بالأمة يجد أن له أسبابًا عديدة؛ كان من أعظمها خطرًا وأشدها ضررًا ضعف العقيدة الإسلامية في قلوب كثير من المسلمين، وقد كان لذلك الضعف مظاهر عدة، فبروز الأضرحة، والتوسل بالصالحين، كل ذلك كان من أهم أسباب انطماس معالم التوحيد الحق الذي جاء به الرسل والأنبياء.
ولم يكن ذلك هو المظهر الأوحد لضعف العقيدة، فانحلال عرى الولاء والبراء مما عمت به البلوى وإن كان في حقيقته فرع استمد بقاءه من الغبش الذي سيطر على نفوس المسلمين؛ بسبب انطماس حقيقة التوحيد في ذلك الوقت.
لقد كانت دعوة الرسل والأنبياء هي عبادة الله وحده لا شريك له، بكل ما تعنيه كلمة العبادة من شمولية في المنهج المستمد من الوحى المطهر، والذي يحمل العبد على إفراد الله تعالى بأفعال العباد، كما يحمله على إفراده بأفعال الربوبية التي لا تنبغى إلا لجلاله وعظيم سلطانه، فيجعل من أعماله دليلًا على صدق توجهه لربه، وعليه فأى خلل في الأفعال ينم عن اضطراب في المعتقد التوحيدى يعد من ألوان الشرك التي يخرج بها العبد من الملة.
وسأعرض لكل من هذه المظاهر صورًا عمت بها البلوى في تلك الآونة، مبتدئة بتفريط الحكام في هذا الباب، ففى عهد إبراهيم بك أحد زعماء المماليك وشيخ
البلد في عصره كان أحد المسؤولين الكبار رجل نصرانى يدعى إبراهيم الجوهري، فإنه لما ترأس إيراهيم بك قلده جميع الأمور، فكان هو المشار إليه في الكليات والجزئيات حتى دفاتر الروزنامة والميرى وجميع الإيراد والمنصرف وجميع الكتبة من تحت يده.
ولا يخفى ما في هذا الفعل من إعلاء لشأن الكفرة ومخالفة لأمر الله تعالى في البراء منهم وعدم اتخاذهم بطانة من دون المؤمنين، يصدق هذا ما أحدثه هذا النصرانى لبنى عقيدته، حيث: عمرت في أيامه الكنائس وديور النصارى، وأوقفت عليها الأوقاف الجلية والأطيان، ورتب لها المرتبات العظيمة والأرزاق والأغلال (1).
ومن صور ذلك الولاء لمثل أولئك الكفرة ما تمتع به المعلم نقولا النصرانى الأرمنى، فقد كان رئيسًا لمراكب مراد بك الحربية، وقد نال من الحفاوة والاهتمام ما مكنه من ركوب الخيل ولبس الملابس الفاخرة والمشى في الأسواق على هيئة المتبختر، فالجنود يوسعون له الطريق، ويحتفون به كما يحتفى بالأمراء (2).
ومع كل هذا الاهتمام الذي ناله أولئك الكفرة من أمراء المسلمين، إلا أنه لم يكن دافعًا لهم لحفظ عهدهم وقت محنتهم أيام الاحتلال الاجنبى، فقد تقدم الحديث عن الحملة الفرنسية التي وجهت إلى مصر طمعًا في خيراتها، لقد كشفت هذه الحملة عن عداء متأصل امتلأت به نفوس أولئك الكفرة، يقول الجبرتى في ذلك عند وصفه أحداث تلك السنة: ومنها ترفع أسافل النصارى من القبط والشوام والأروام واليهود، وركوبهم الخيول وتقلدهم بالسيوف؛ بسبب خدمتهم للفرنسيس ومشيهم الخيلاء، وتجاهرهم بفاحش القول، واستذلالهم المسلمين، كل ذلك بما كسبت أيديهم وما ربك بظلام للعبيد والحال والمركوز في الطبع ما زال (3).
أما في زمن سلطة محمد على باشا، فقد حصل لأولئك الكفرة من التمكن ما آلم الكثير من المسلمين، لقد نالوا في عهده أرفع المناصب وأرقى الدرجات حتى
(1) عجائب الآثار: (2/ 173).
(2)
المصدر السابق: (2/ 270).
(3)
المصدر السابق: (2/ 250). وانظر: مظهر التقديس، للجبرتى:81.
تسلطوا على شرفاء المسلمين وضعافهم، يقول الجبرتى:"واشتد في هذا التاريخ أمر المساكن بالمدينة، وضاقت بأهلها لشمول الخراب وكثرة الأغراب، وخصوصًا المخالفين للملة فهم الآن أعيان الناس، يتقلدون المناصب، ويلبسون ثياب الأكابر، ويركبون البغال والخيول المسومة، والرهوانات وأمامهم وخلفهم العبيد والخدم، وبأيديهم العصى، يطردون الناس، ويفرجون لهم الطرق، ويتسرون بالجوارى بيضاء وحبوشًا، ويسكنون المساكن العالية الجليلة، يشترونها بأغلى الأثمان، ومنهم من له دار بالمدينة ودار مطلة على البحر للنزاهة، ومنهم من عمر له دارًا وصرف عليها ألوفًا من الأكياس، وكذلك أكابر الدولة لاستيلاء كل من كان في خطه على جميع دورها أخذها من أربابها بأى وجه، وتوصلوا بتقليدهم مناصب البدع إلى إذلال المسلمين أنهم يحتاجون إلى كتبة وخدم وأعوان والتحكم في أهل الحرفة بالضرب والشتم والحبس من غير إنكار، ويقف الشريف والعامى بين يدى الكافر ذليلًا"(1).
وقد سبق الحديث عن المذبحة التي جارى بها محمد على المماليك في مصر ونفيه لنقيب الأشراف عمر مكرم؛ من أجل القضاء على الزعامة الدينية والشعبية، إن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد استعان محمد على بهؤلاء الكفرة الذين نالوا أعلى المناصب من أجل القضاء على عموم المشيخة، أو الاستحواذ عليها على الأقل، حيث كان أهم عمل قام به في سبيل ضرب الاتجاه الإسلامى الممثل في الزعامة الدينية هو ضمه للأوقاف التي كانت موقوفة على الأزهر؛ لينفق منها على التعليم والمشايخ إلى ملكية الدولة، فقد مكنه هذا من تحقيق هدفه في تقويض دور التعليم الدينى، وإحكام السيطرة على المشايخ والقائمين على التعليم من رجال الأزهر، بعد أن فقدوا قدرتهم على معارضته (2).
أما عن موقف الشعب من عقيدة الولاء والبراء، فإن الحديث عن الحالة الدينية وما أصاب المسلمين من وهن عقدى، والتفات نحو الغرب، لا يصح عزله أبدًا عن
(1) المرجع السابق: (3/ 623).
(2)
في تاريخ العثمانيين، الدكتور/ زكريا بيومى:179.
المؤثرات والعوامل التي ساعدت في اتساع زاوية الانحراف، ذلك أن الضرر لم يقتصر على سوء تصرف الحكام فقط، أو على أولئك النفر الذين ارتادوا أماكن. الرياسة من المخالفين للملة، لقد كان الخطر في حقيقة الأمر أشد تفاقمًا من هذا كله، إن مواجهة المسلم بالعداء في الغالب يحدث رد فعل عكسى يقضى بمواجهة ذلك الظلم بكره الظالم والحنق عليه، إن لم يكن له سبيل آخر يواجه فيه ذلك الضيم بالفعل، ومن هنا فقد تفطن الأعداء لذلك المنزلق الخطير، وراموا هدم بلاد المسلمين بدسائس الغزو الفكرى، فاتجهوا إلى سياسة المكر والخديعة، مع محاولاتهم المتتالية في مد سيطرتهم بالقوة على أرجاء البلاد الإسلامية، فلم يكن من السهل تفتيت قوة المجتمع الإسلامى، إلا بهذا النوع من التآمر المحكم الذي كاد به أعداء الإسلام لبلاد المسلمين.
بيان ذلك أن الحملة الفرنسية التي قادها نابليون على مصر، والتى استهدفت القضاء على الشريعة الإسلامية واحتلال بلاد المسلمين لنهب خيراتها لصالح الكتلة الغربية، قد صاحبها مستشرقون ومنصرون كأصرح صورة من الأطماع الأوربية في العصر الحديث في الشرق، حيث استعان الفرنسيون بعدد كبير من المستشرقين الذين تخصصوا في كثير من فروع العلم والمعرفة، كالطب، والهندسة، والترجمة، وذلك من أجل تحقيق أطماعهم الاستعمارية، وليس بخفى ما تبع فتح مطبعة بولاق الشهيرة من ترجمة علوم الغرب وآدابه، كما حرصت هذه البعثة أشد الحرص على نبش الأرض الإسلامية لاستخراج حضارات ما قبل التاريخ؛ لذبذبة ولاء المسلمين بين الإسلام وبين تلك الحضارات، تمهيدًا لاقتلاعهم نهائيًا من الولاء الإسلامى، يؤكد هذا ما قاله أحد المستشرقين الصرحاء: إننا في كل بلد إسلامى دخلناه نبشنا الأرض لنستخرج حضارات ما قبل الإسلام، ولسنا نطمع بطبيعة الحال أن يرتد المسلم إلى عقائد ما قبل الإسلام، ولكن يكفينا تذبذب ولائه بين الإسلام وبين تلك الحضارات (1).
إن نابليون لم يأتِ إلى البلاد المسلمة كاشحًا عن أنيابه، مظهرًا أطماعه
(1) واقعنا المعاصر، محمد قطب:202.
الاستعمارية، لقد ظهر نابليون أمام المصريين بصورة المستشرق، فتظاهر بالإسلام وشارك المصريين في احتفالاتهم الدينية، وارتدى العمامة والجبة، وزار علماء الأزهر في بيوتهم، كما أنشأ مجتمعًا علميًا، وأصدر ثلاث صحف، واحدة منها باللغة العربية، وأنشأ متحفًا ومكتبة ومصنعًا ومختبرًا ومسرحًا، وفتح أبوابها أمام المصريين؛ كل ذلك من أجل أن يخاع الناس، ولكن سرعان ما انكشف أمره لمشايخ الأزهر، حتى اضطر أحدهم لمواجهته بذلك قائلًا: لو كنت تدعى الإسلام حقًا، فلماذا لا تطبق الشريعة في بلادك، بدلًا من تبديل الشريعة هنا بالقوانين الوضعية؟ ! (1).
ولعل المنشور الأول الذي قام نابليون بتوزيعه إبان الحملة الفرنسية، ليعد من أكبر الدلائل على ما يحاول الوصول إليه من تشويش العقيدة، وضرب المبادئ والأصول الإسلامية، وهذا نصه:"بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله، لا ولد له ولا شريك له في ملكه. من طرف الفرنساوية المبنى على أساس الحرية والتسوية السر عسكر الكبير أمير الجيوش الفرنساوية بونابارته يعرف أهلى مصر جميعهم أننى أكثر من المماليك أعبد الله سبحانه وتعالى، واحترم نبيه والقرآن العظيم، وقولوا أيضًا لهم: إن جميع الناس متساوون عند الله، وأن الشيء الذي يفرقهم عن بعضهم هو العقل والفضائل والعلوم فقط"(2).
وليس بخفى ما تضمنه هذا النص من الدعوة إلى أسس المذهب الماسونى، الذي صرح نابليون بالولاء له عندما وضع طيلسانة موشاة بعلم الثورة الفرنسية المثلث (حرية، إخاء، مساواة) على كتف الشيخ الشرقاوى، ولكنه ألقى بها على الأرض رافضًا ارتداءها.
وقد وقع بعض المشايخ في فخاخ هذه الدعوة الملحدة، حيث نجح الفرنسيون في ضم بعض المصريين من المشايخ والعلماء من بينهم حسن العطار إلى المحفل الماسونى الذي أسسه كليبر سنة 1800 م (3).
(1) انظر: الدولة العثمانية والغزو الفكرى، الدكتور/ خلف الوذينانى:184.
(2)
عجائب الآثار: (1/ 183).
(3)
انظر: في تاريخ العثمانيين، الدكتور/ زكريا بيومى:168.
ومع هذه الجهود المستميتة في تدمير عقيدة الشعب، إلا أن عقيدة الولاء والبراء ما زالت قائمة في قلوب كثير من المسلمين، فقد سجل التاريخ لجماعة مسلمة في أرض الحجاز نصرتهم لإخوانهم في مصر في أثناء تلك الحملة الصليبية، التي شنتها فرنسا، يقول الجبرتى:"تواتر الأخبار من ابتداء شهر رجب، بأن رجلًا مغربيًا يقال له: الشيخ الكيلانى، كان مجاورًا بمكة والمدينة والطائف، فلما وردت أخبار الفرنسيس إلى الحجاز وأنهم ملكوا الديار المصرية، انزعج أهل الحجاز، فأخذ يدعوهم إلى الجهاد، ويحرضهم على نصرة الحق والدين، وقرأ بالحرم كتابًا مؤلفًا في معنى ذلك، فاتعظ جملة من الناس وبذلوا أموالهم وأنفسهم، واجتمع نحو الستمائة من المجاهدين، وركبوا البحر إلى القصير مع ما انضم إليهم من أهل ينبع وخلافه، فورد الخبر في أواخره أنه انضم إليهم جملة من أهل الصعيد وبعض أتراك ومغاربة ممن كان خرج معهم مع غز مصر عند وقعة أنبابة، وركب الغز معهم أيضًا وحاربوا الفرنسيس، فلم تثبت الغز كعادتهم، وانهزموا وتبعهم هوارة الصعيد والمتجمعة من القرى، وثبت الحجازيون ثم انكفوا لقلتهم، وذلك بناحية جرجا وهرب الغز والمماليك إلى ناحية آسنا"(1).
* * *
أما عن الانحرافات العقدية الأخرى، فقد كانت الطرق الصوفية المنتشرة في ذلك الوقت من أعظم مظاهر انتشارها في البلاد الإسلامية، وقد ساعد على ذلك ارتباط هذه الطرق بأسماء بعض الأولياء الذين يعتقدون فيهم وفى صلاحهم، فيقودهم ذلك إلى التوسع والاستغاثة بهم وقت الشدائد.
وهنا يحسن الحديث عن أشهر تلك الطرق وأوسعها انتشارًا في البلاد الإسلامية.
أولًا: الطريقة القادرية:
مؤسس هذه الطريقة هو الشيخ عبد القادر الجيلانى: 470 - 561 هـ المتوفى في بغداد، صاحب قبر مشهود فيها، يزوره الكثير من الأتباع والمريدين كل عام من
(1) عجائب الآثار: (2/ 250).
سائر بلاد المسلمين، ويعود سبب انتشار هذه الفرقة لاجتهاد أبناء الشيخ في نشر تعاليمها بين مختلف الأقطار والدول المسلمة.
ثانيًا: الرفاعية: وتنسب هذه الطريقة إلى أحمد الرفاعى، المتوفى سنة: 580 هـ من بنى رفاعة قبيلة من العرب، وقد اشتهر عنهم حديث الكرامات بادعاء خوارق العادات من ضرب بالسيوف والحراب، إلى استخدام الأفاعى والحيات وغير ذلك، وكان لطريقته انتشار في غرب آسيا.
ثالثًا: الأحمدية: وتنسب إلى أحمد البدوى من أشهر أولياء مصر: 596 - 634 هـ ولد بفاس، حج ورحل إلى العراق، واستقر في طنطا حتى وفاته، له ضريح مقصود فيها، انتشر أتباعه في جميع أنحاء مصر، حتى صارت لهم فروع متعددة، كالبيومية والشناوية وأولاد نوح، والشعبية.
رابعًا: الدسوقية: تنسب إلى إبراهيم الدسوقى: 633 - 676 هـ، أهم ما يميزها التآلف والمحبة بين أتباعها، كما أنها تحرم الخلوة إلا بإذن الشيخ.
خامسًا: الشاذلية: نسبة إلى أبي الحسن الشاذلى: 593 - 656 هـ من المغرب العربى، ولد بقرية قرب مرسية، وانتقل إلى تونس وحج عدة مرات، ثم دخل العراق ومات أخيرًا في صحراء عيذاب في طريقه إلى الحج، انتشرت طريقته لما اتسمت به من سهولة، وحب للعلم في الكثير من أقطار الدول الإسلامية.
سادسًا: النقشبندية: تنسب إلى بهاء الدين البخاري الملقب بشاه نقشبند: 618 - 791 هـ وهى طريقة سهلة كالشاذلية، انتشرت في فارس وبلاد الهند وآسيا الغربية.
سابعًا: الملامتية: مؤسسها أبو صالح حمدون المعروف بالقصار: 271 هـ، أباح بعضهم مخالفة النفس بغية جهادها ومحاربة نقائصها، وقد ظهر الغلاة منهم في تركيا وغيرها بمظهر الإباحيهة والاستهتار، وفعل كل أمر دون مراعاة للأوامر والنواهى الشرعية.
ثامنًا: البكداشية: وهذه طريقة انتشرت بين الأتراك العثمانيين، ولا تزال منتشرة في ألبانيا، وهى أقرب إلى التصوف الشيعى منها إلى التصوف السنى.
تاسعًا: الخلوتية: - وهى الطريقة التي ينتمى إليه الصاوى - نسبة إلى شيخها محمد الخلوتى، حيث اشتهرت الطريقة بهذا الاسم بعده، وهى طريقة تركية ازدهرت بمصر إبان القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجرى، وقد انتشرت في مصر على يد الشيخ مصطفى كمال الدين البكرى المتوفى سنة: 1162
واشتهرت الطريقة قبل الشيخ محمد الخلوتى بأسماء شتى مثل الزاهدية، نسبة إلى الشيخ إبراهيم الزاهد الكيلانى، والأبهرية نسبة إلى الشيخ قطب الدين الأبهرى، والسهروردية نسبة إلى الشيخ أبي النجيب السهروردى، فالطريقة إذن قديمة قدم رجالها عبر العصور المختلفة، ومما تجدر الإشارة إليه أن الخلوة من لوازم هذه الطريقة، وهى الخلوة السرية للمنفرد بالله في الذكر بمكان طاهر، والأفضل أن يكون مسجد الجامعة، وأن ينوى الفرد الاعتكاف والصوم، والأولى أن يتجرد عن كثرة الأكل والشرب.
وللطريقة الخلوتية مقدم يساعد شيخها في إقامة الأذكار وتسليك المريدين.
أما عن آداب الطريقة الخلوتية فلم تكن بمغايرة لما اشتهر من الطرق الأخرى الصوفية، وكانت في معظمها شكلية تتعلق بمجاهدة النفس، وقهر الجسد، وتحديد نوع من الطعام وكمية ماء الشرب، ثم الانقطاع عن الأهل والولد والزوجة وسائر الناس، وكانت لهم طريقة في الأذكار يرددون في خلوتهم كلمة لا إله إلا الله آلاف المرات، فلا تخرج تلك العبارة بعد كثرة الترديد إلا على شكل: هو هو هو، وينشدون كلام السادة الصوفية، ويرددون ذلك سويًا في مجالسهم، ويكثرون من الاستغفار والتسبيح والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
وكانت لهم عادت مميزة في الخلوة، فلا تزيد خلوة الجماعة على ثلاثة أيام، أما الفرد الواحد فيخلو لنفسه حسبما شاء من ثلاثة أو سبعة أو خمسة عشر أو ثلاثين يومًا أو سبعين يومًا في العام، أو العمر كله، وهى الخلوة الكلية بالسر المطلق،
ويرى بعضهم أن الإنسان يتخلص من أحكام نفسه إلا إذا توالت مجاهدته لها وتتابعت خلوته حولًا كاملًا، بحيث يسيطر على نفسه كليًا ولا تعود لتستولى عليه (1).
وبهذا الذي سبق مع غيره مما لا مجال لحصره الآن أصبحت الطرق الصوفية مرتعًا نشأت فيه الأفكار الخرافية، ومن أهم الأسباب التي ساعدت على ذلك: التخلف والجهل الذي خيم آنذاك على الناس، ولقد استغل كثير من الدجالين والمشعوذين تلك الأوضاع لصالحهم، بعد أن أضفوا عليها الصبغة الدينية، واتخذوا منها وسيلة للتحايل على عقول الفلاحين (2).
ولم يقتصر ظهور ذلك التخلف العقدى على السذج من أهل القرى، بل أصبح أمرًا مألوفًا تشهده أكبر الأماكن الدينية المعروفة، وهذا الجبرتى يصف ما كان يحدث في مشهد الحسين من ألوان الباع في يوم المولد وغيره مبينًا مبدأ الابتداع فيه: "وكان السبب في ذلك والأصل فيه، أن هذا المولد ابتدعه السيد بدوى بن فتيح، مباشر وقف المشهد، فكان قد اعتراه مرض الحب الإفرنجي، فنذر على نفسه هذا المولد إن شفاه الله تعالى، فحصلت له بعض إفاقة، فابتدأ به وأوقد في المسجد والقبة قناديل وبعض شموع، ورتب فقهاء يقرأون القرآن بالنهار مدارسة، وآخرون بالمسجد يقرأون بالليل دلائل الخيرات للجذولى، ثم زاد الحال وانضم إليهم كثير من أهل البدع، كجماعة العفيفى، والسمان، والعربى، والعيسوية، فمنهم من يتحلق ويذكر الجلالة ويحرفها وينشد له المنشدون القصائد والموالات، ومنهم من يقول أبياتًا من بردة المديح للبوصيرى، ويجاوبهم آخرون مقابلون لهم بصيغة صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأما العيسوية فهم جماعة من المغاربة وما دخل فيهم من أهل الأهواء ينسبون إلى شيخ من أهل المغرب يقال له: سيدى محمد بن عيسى، وطريقتهم أنهم
(1) انظر الموسوعة الذهبية للعلوم الإسلامية، للدكتورة: فاطمة محجوب: (16/ 285 - 286 - 287)، طبعة دار الغد - القاهرة. وانظر: الموسوعة الميسرة في الأديان: 348.
(2)
صعيد مصر، نبيل الطوخى:76.
يجلسون قبالة بعضهم صفين، ويقولون كلامًا معوجًا بلغتهم بنغم وطريقة مشوا عليها، وبين أيديهم طبول ودفوف يضربون عليها (1).
وما هذا إلا غيض من فيض تلك الصور البدعية التي عمت بها أرجاء البلاد جملة وتفصيلًا.
ويذكر أنه تجاوز عدد الأضرحة التي يقصدها عامة الناس على الألف، من أشهرها ما يسمى بضريح السيد البدوى في طنطا، وضريح السيدة سكينة، وضريح السيدة نفيسة، وضريح السيدة زينب، وضريح الإمام الشافعي، وكل هذه الأضرحة قد بنى عليها جوامع ومساجد.
هذا وقد شهدت تلك الآونة إقبالًا كبيرًا من الملوك والأمراء على عمارة تلك المشاهد والمزارات، فقد كان الكثير منهم يسارع في القيام بهذه الأعمال لما فيه من إرضاء مشاعر الناس واكتساب مودتهم وولائهم، حيث صار التوسل بها من آكد العقائد في قلوب الشعب، ومن هنا فإن في تشييدها ما يضفى على سيطرتهم صبغة دينية تعزز مشروعية قيامهم بأعباء الحكم والولاية، حتى صار هذه الفعل علامة لا يكاد يشك في صدق دلالتها على صلاح وعدل فاعله.
ومع أن حماية البلاد الإسلامية من المد الشيعى كان من أبرز إيجابيات الدولة العثمانية ومواقفها المحمودة، إلا أن ذلك لم يكن مانعًا لها من الإبقاء على مودة الشيعة بتعمير مناطق العتبات المقدسة في النجف وكربلاء في العراق، وتيسير زيارتها أمام شيعة العراق وفارس والهند وأفغانستان (2).
ولم يقتصر بناء الأضرحة والمساجد على من عرف بالصلاح أو الشهرة، بل تعدى ذلك إلى عامة الناس حتى صار من قبيل السنن المعهودة، وقد صرح بذلك الجبرتى حين وصف ما قام به أحدهم عند وفاة قريبه، يقول:"وبنى لأخيه ضريحًا بداخل ذلك المسجد ونقله إليه وذلك سنة"(3).
(1) عجائب الآثار: (2/ 242). وانظر: الانحرافات العقدية والعلمية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، الدكتور: على الزهرانى (1/ 298).
(2)
انظر: الدولة العثمانية في التاريخ الحديث، الدكتور/ إسماعيل ياغى:246.
(3)
عجائب الآثار: (1/ 420).
كما نجد في سجلات المحاكم الشرعية الكثير من الوثائق المتعلقة بالوقف على الأضرحة الأخرى، مثل ضريح "جلال الدين"، وضريح الشيخ إبراهيم، كما كانت وظيفة النظر والتحدث على المساجد والأضرحة تنتقل من الآباء إلى الأبناء، كما تذكر المصادر المعاصرة (1).
أما عن الاستغاثة بأصحاب الأضرحة والتوسل بهم، فهذا أشهر من أن تقيده النصوص التاريخية، فلم يزل الأمر باعتقاد الضر والنفع بأولئك الموتى؛ حتى صار التوسل بهم مما تعج به تلك المساجد، التي أقيم صرحها فوق رفاتهم؛ مؤكدًا حقيقة التأله الذي قام في أفئدة الناس وضمائرهم نحوهم، فلا تكاد تخلو قرية من إله صغير يقدم الناس له ولأتباعه الذبائح، ويقسم به الأطفال، وتقام له الموالد، وهناك آلهة أكبر يمكن أن تعتبر آلهة مناطق، ومقرها المدن، وتلك يهرع لها إذا تعذر على الإله الصغير أن يحقق الآمال، ويمضى الزمن ولا يحقق هذا ولا ذاك أملًا، ولكن الناس في غيهم سادرون (2).
وهذا الجبرتى يحكى قصة أحد الموالد، الذي سمح الفرنسيس بإقامته بعد انشغال الناس عنه بسبب الحملة، يقول: "وقد تقدم ذكر بعض خبر هذا السيد وأنه كان رجلًا من البله، وكان يمشى بالأسواق عريانًا مكشوف الرأس والسوءتين غالبًا، وله أخ صاحب دهاء ومكر، لا يلتئم به، واستمر على ذلك مدة سنين، ثم بدا لأخيه في أمر لما رأى من ميل الناس لأخيه، واعتقادهم فيه، كما هي عادة أهل مصر في أمثاله، فحجر عليه ومنعه من الخروج من البيت، وألبسه ثيابًا وأظهر للناس أنه أذن له بذلك، وأنه تولى القطبانية ونحو ذلك، فأقبلت الرجال والنساء على زيارته والتبرك به وسماع ألفاظه، والإنصات إلى تخليطاته، وتأويلها بما في نفوسهم، وطفق أخوه المذكور يرغبهم ويبث لهم في كراماته، وأنه يطلع على خطرات القلوب
(1) سجلات محكمة منفلوط: سجل: 1، وثيقة رقم:32. ص 35 نقلًا عن صعيد مصر، نبيل الطوخى: 78.
(2)
المجتمع الإسلامى، الدكتور/ أحمد شلبى:238.
والمغيبات، وينطق بما في النفوس، فانهمكوا على الترداد إليه، وقلد بعضهم بعضًا، وأقبلوا عليه بالهدايا والنذور والإمدادات الواسعة من كل شيء، وخصوصًا من نساء الأمراء والأكابر، وراج حال أخيه، واتسعت أمواله، ونفقت سلعته، وصادت شبكته، وسمن الشيخ من كثرة الأكل والدسومة والفراغ والراحة، حتى صار مثل البو العظيم، فلم يزل على ذلك إلى أن مات في سنة سبع بعد المائتين، فدفنوه بمعرفة أخيه في قطعة حجر عليها من هذا المسجد من غير مبالاة ولا مانع، وعمل عليه مقصورة ومقامًا، وواظب عنده بالمقرئين والمداحين والمنشدين بذكر كراماته وأوصافه في قصائدهم ومدحهم، ونحو ذلك، ويتواجدون ويتصارخون ويمرغون وجوههم على شباكه وأعتابه، ويغرفون بأيديهم من الهواء المحيط به ويضعونه في أعبابهم، وصار ذلك المسجد مجمعًا وموعدًا (1).
وقد تعددت مظاهر الضعف الدينى في تلك الآونة، كنوع امتداد للتحلل العقدى الذي أصيب به المسلمون، فضعف عقيدة الولاء والبراء وغياب الدافع العقدى للقيام بالشعائر التعبدية والتى أصبحت عند الكثير بمثابة العادات والتقاليد الموروثة؛ قد أنتج صورًا مؤسفة من الخروج عن التعاليم والشعائر التعبدية كالحجاب مثلًا، وكما اشرت سابقًا عن حياة المرأة في تلك الآونة، وما كانت تعيشه من إهمال كان له أكبر الأثر في تخليها عن هذه الأحكام وسرعة انجرافها وراء تيار الغرب السافر.
يقول الجبرتى في وصف نساء المسلمين أيام الحملة الفرنسية: "لما حضر الفرنسيس إلى مصر ومع البعض منهم نساؤهم كانوا يمشون في الشوارع مع نسائهم وهن حاسرات الوجوه لابسات الفستانات والمناديل الحرير الملونة. . . فمالت إليهم نفوس أهل الأهواء من النساء الأسافل، فتداخلن مع الفرنسيس لخضوعهم للنساء، وبذل الأموال لهن .. حتى كثرت الفواحش من النساء لما حل بالمسلمين من الذل والهوان وسلب الأموال واجتماع خيرات الدنيا في حوز الفرنسيس، وشدة رغبتهم في النساء وخضوعهم لهن" حتى آل الأمر بهن أن قبلن الزواج بالفرنسيس لمجرد
(1) عجائب الآثار: (2/ 305). وانظر: الحملة الفرنسية، محمد فؤاد شكرى:564.
نطقه بالشهادتين، وهنا يظهر التأثر بالفكر الإرجانى الذي عم البلاد، يقول:"وخطب الكثير منهم بنات الأعيان وتزوجوهن، رغبة في سلطانهم ونوالهم، فيظهر حالة العقد الإسلام وينطق بالشهادتين، لأنه ليس له عقيدة يخشى فسادها"(1).
* * *
وقد أفرز هذا الضعف الذي مس الحالة الدينية للبلاد ضعفًا آخر، يعد امتدادًا لذلك الانحراف العقدى، وهو التقصير في جانب العلوم النافعة، وذلك في عدد من المجالات الحيوية المهمة، فإن ضيق الأفق الذي أحدثه سيطرة الفكر الصوفى على البلاد الإسلامية؛ جعل الاهتمام بإصلاح الحياة وعمارة الأرض محل إهمال من الحكام والمحكومين، مما أدى بدوره إلى ضعف الإنتاج وتهالك القوة العسكرية التي هي حصان للأمة من أطماع المستعمرين.
إن الدين الإسلامى الذي جاء ليحقق الهدف من إيجاد الله تعالى للثقلين بتطبيق مفهوم العبادة بالمعنى الذي أنزلت له الكتب، وبعثت من أجله الرسل، ليدعو إلى إعمال العقل، تلك الغريزة التي ميز الله بها المكلفين عن غيرهم في كل ما هو نافع ومفيد، يتأتى بتحصيله أسباب عمارة المدارين.
إذ المفهوم الشامل لحقيقة العبادة بكونها اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال الظاهرة والباطنة، ليقضى بأن كل علم يتعلمه الإنسان يتحصل به مرضاة الرب من نفع العباد وتكميل مصالحهم هو من العبادات التي تقصد لذاتها.
ومن هنا فإن غياب هذه الحقيقة الخالدة عن المسلمين آنذاك، وانحصار مفهوم العبادة في الشعائر الظاهرة، بل وانتشار مذهب الإرجاء الذي يحكم على كل من صدق بالإيمان المنجى؛ كان سببًا أساسيًا في كل أنواع التخلف الفكرى والعلمى.
يقول الشيخ محمد قطب في بيان حقيقة ذلك التدهور الفكرى الذي عاشته الأمة المسلمة في تلك الآونة: "لقد قاد ذلك التخلف العقدى التدريجى، والذي حصر
(1) مظهر التقديس، للجبرتى:(2/ 129).
العبادة في الشعائر التعبدية وحدها، وأخرج منها بقية التكاليف، إلى حدوث ضمور تدريجى في جميع التكاليف التي كانت من قبل مرتبطة بالعقيدة، ومرتبطة بالمعنى الشامل للعبادة، وأصبحت أمورًا كمالية، إن شاء الإنسان قام بها، وإن شاء تركها بلا ضير. وكان طلب العلم والقراءة والتفكير من بين هذه التكاليف التي خرجت من حيز العبادة فأصابها الضمور، ثم جاء الفكر الإرجائى فربت على هذا التخلف ومنحه الشريعة القائمة على أنه لا يضر مع الإيمان شيء، وجاءت الصوفية فحصرت عمل العقل كله في أضيق نطاق ممكن، لتفسح المجال - في وهمها - لعمل الروح، وساعد الاستبداد السياسى على إحداث جمود شامل في جميع المجالات" (1).
ومن جهة أخرى، فإن الإهمال الذي لاقته الشعوب من الدولة العثمانية تجاه النواحى التعليمية أيضًا؛ مما أسهم في تدهور الحياة العلمية في تلك الآونة، فقد قامت السياسة العثمانية على عدم التدخل في شؤون خدمات المرافق مثل الصحة والتعليم والمواصلات، فكانت تتركها للجهود الفردية، والتى تمحور اهتمامها بدورها في تعليم الناس العلوم الدينية على ما آلت إليه من تفريط واضطراب في المناحى العقدية، كما كان للاقتصار على التعليم الدينى - تلك النظرة القاصرة التي أفرزها التخلف العقدى - دون التعليم الدنيوى الذي ينفع الناس في أمور معيشتهم كالطب والفيزياء والحساب، أسوء الأثر في تخلف الحياة العلمية من موكب الترقى الذي آل إليه الأوربيون في تلك المناحى (2).
ودون إغفال للفضل الكبير الذي أسداه الأزهر الشريف لطلاب العلم في تلك الآونة، فقد كان الأزهر هو المعهد الوحيد الذي تدرس فيه العلوم، ولولاه - بعد فضل الله تعالى - لانطفأت آخر شعلة للعلم في مصر ومن بعدها العالم العربى. . .
فقد استطاع الأزهر بفضل الأوقاف العديدة التي وقفها عليه أغنياء المسلمين خلال عصره الطويل، وبفضل ما كان يتمتع به علماؤه من هيبة ومكانة، أن يحمى العلوم
(1) واقعنا المعاصر: 186.
(2)
انظر: صعيد مصر، نبيل الطوخى:90.
الإسلامية والعربية بعيدة عن أن تمتد إليها يد الملوك والحكام بالتغيير والتبديل؛ فقد كان فيه رجال يلتهبون غيرة على الإسلام ويجابهون أعداءه في الداخل والخارج بكل جرأة (1).
إذ يرى المؤرخون أن الأزهر أسدى للعالم الإسلامى في تلك الحقبة أجل الخدمات، إذ لولاه لانهار الفكر الإسلامى انهيارًا كان يمكن أن يهدد بالخطر، يقول أحد الباحثين مصورًا فضل الأرهر في تلك الحقبة: "استطاع الأزهر في تلك الأحقاب المظلمة أن يسدى إلى اللغة العربية والعلوم الإسلامية أجل الخدمات، وإذا كانت مصر قد لبثت خلال العصر التركى ملاذًا لطالب العلوم الإسلامية واللغة العربية، فكبر الفضل في ذلك عائدًا إلى الأزهر.
وقد استطاعت مصر لحسن الطالع بفضل أزهرها أن تحمى هذا التراث نحو ثلاثة قرون حتى انتهى العصر التركى بمحنه وظلماته، وربما كانت هذه المهمة السامية التي ألقى زمامها إلى الجامع الأزهر في تلك الأوقات العصيبة من حياة الأمة العربية والعالم الإسلامى بأسره، هي أعظم ما أدى الأزهر من رسالة وأعظم ما وفق لإسدائه لعلوم الدين واللغة خلال تاريخه الطويل الحافل" (2).
وعلى الرغم من تضاؤل نفوذ الأزهر والعلماء في عصر محمد على بسبب اهتمام الحاكم والحكومة بالعلوم الحديثة التي ينشأ عنها الإصلاح والتقدم المادى في المجتمع، وما لاقاه الأزهريون بعد سقوط زعيمهم الكبير عمر مكرم - كما تقدم بيانه - وما وجه إليه من ضربات حاقدة من المستعمر بدءً بالمحاولات الجادة في استمالة علمائه ومشايخه؛ وانتهاءً بضربه بالقنابل من القلعة واتخاذ بعض أروقته اصطبلًا للخيل؛ فقد ظل للأزهر بنوابغ رجاله دور هام في الحياة التعليمية والاجتماعية، فقد أفادت الحكومة من الأزهر بعمل نوابغ رجاله في المدارس
(1) حاضر العالم الإسلامى، د/ جميل المصرى:183.
(2)
تاريخ الجامع الأزهر، محمد عبد الله عنان: 146 - 147.
الحكومية، وإرسال بعضهم في البعثات التعليمية، وبمساهمة بعضهم في حركة الترجمة والإشراف على تصحيح المطبوعات.
والحق أن الأزهر في ذلك العصر الملئ بالاضطرابات والقلاقل السياسية ظل شامخًا بنوابغ أبنائه، فكان يدرس فيه الشيخ الدردير، والشيخ الأمير، والشيخ على الصعيدى، وغيرهم من جهابذة علماء الأزهر الذين تتلمذ وتخرج عليهم الشيخ أحمد الصاوى وغيره من علماء المسلمين (1).
* * *
(1) انظر: عصر محمد على، تأليف/ عبد الرحمن الرافعى: 423 - 464 وما بعدها: 572 - 606 - 644.