الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شارح المواقف في بيان أن العالم هو من قامت به صفة العلم، فقد اعتمد ما عليه القدماء من الأشاعرة وهو قياس الغائب على الشاهد؛ فإن العلة واحدة والشرط لا يختلف غائبًا وشاهدًا، ولا شك أن علة كون الشيء عالمًا في الشاهد هو العلم، فكذا في الغائب، وحد العالم ههنا من قام به العلم، فكذا حده هناك، وقس على ذلك سائر الصفات (1).
ويتابع الصاوى أسلافه في ذلك، حيث استخدم هذا النوع من مسالك الاستدلال العقلى، في إثبات صفات المعانى، وهى الصفات السبع التي يثبتها الأشاعرة، فيقول على سبيل المثال في دليل صفة الحياة:"أن تقول: الله تعالى متصف بالقدرة والإرادة والعلم؛ وكل من كان كذلك تجب له الحياة، فينتج الله تجب له الحياة".
كما يتابعهم في نفى ما سواها بالتأويل أو التفويض، فيقول في صفة الحياء، منتهجًا نفس المنهج السابق:"الحياء في حق الحوادث تغيير وانكسار، يعترى الإنسان من فعل ما يعاب، ولازمه الترك، فأطلق في حق الله، وأريد لازمه وهو الترك"(2).
مناقشة:
يعترض على هذا النوع من الاستدلال؛ بأنه لا يصح طرده في جميع الوجوه، وذلك لعدم استواء طبيعة الشاهد والغائب، وهذا ما أنكره ابن رشد على المتكلمين في استخدامهم هذا النوع من الاستدلال، في الحكم على جميع الأعراض بالحدوث، يقول:"فتؤول أدلتهم على حدوث جميع الأعراض إلى قياس الشاهد على الغائب، وهو دليل خطابى إلا من حيث النقلة معقولة بنفسها، وذلك عند التيقن باستواء طبيعة الشاهد على الغائب"(3).
(1) المواقف للإيجى: (3/ 69).
(2)
انظر: مبحث الأسماء والصفات: 201.
(3)
الكشف عن مناهج الأدلة: 109.
وقد أبطل الشيخ أبو الحسن الأشعري (1) مقولتهم في نفى اليدين، وتأويلها بالنعمة استدلالًا بقياس الغائب على الشاهد ببيان أنه لا يصح اعتماده في صفات الله لما يؤول إليه من نفى الكثير منها بالرغم من تسليمهم باتصافه عز وجل بها، يقول: "ويقال لهم: لم أنكرتم أن يكون الله تعالى عنى بقوله بيدى يدين ليستا نعمتين؟ فإن قالوا: لأن اليد إذا لم تكن نعمة لم تكن إلا جارحة. قيل لهم: ولم قضيتم أن اليد إذا لم تكن نعمة لم تكن إلا جارحة؟ وإن رجونا إلى شاهدنا أو إلى ما نجده فيما بيننا من الخلق، فقالوا: اليد إذا لم تكن نعمة في الشاهد لم تكن إلا جارحة.
قيل لهم: إن عملتم على الشاهد وقضيتم به على الله تعالى، فكذلك لم نجد حيًا من الخلق إلا جسمًا لحمًا ودمًا فاقضوا بذلك على الله - تعالى عن ذلك -، وإلا كنتم لقولكم تاركين، ولاعتلالكم ناقضين، وإن أثبتم حيًا لا كالأحياء منا؛ فلم أنكرتم أن تكون اليدان اللتان أخبر الله تعالى عنهما يدين ليستا نعمتين، ولا جارحتين، ولا كالأيدى". (2)
* * *
وشيخ الإسلام رحمه الله لبيان ضلال هؤلاء المتكلمين في استدلالهم بهذا الدليل يذكر ما وقعوا من تناقض واضطراب نتيجة لاتباعهم مسلك الابتداع، ويقول: "المتكلمون والفلاسفة كلهم على اختلاف مقالاتهم هم في قياس الغائب على الشاهد مضطربين، كل منهم يستعمله فيما يثبته ويرد على منازعه ما استعمله في ذلك، وإن كان قد استعمل هو في موضع آخر ما هو دونه، وسبب ذلك أنهم
(1) علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن قيس الأشعرى اليماني، تنسب إليه الطائفة الأشعرية ولد بالبصرة سنة: 270، كان على مذهب الاعتزال تتلمذ على يد أبى على الجبائى وبعد ذلك فارقه إلى الاشعرية ومنه إلى مذهب السلف وله مؤلفات كثيرة رد فيها على المعتزلة والخوارج شذرات الذهب:(2/ 303) ومعجم المؤلفين: (7/ 35).
(2)
الإبانة: 136.