الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(المبحث الثالث): وحدة الوجود ووحدة الشهود
أولًا: وحدة الوجود:
عند تتبع خط الانحراف الذي داخل الفكر الصوفي نجد أنه يصل إلى نقطة الهاوية عند وحدة الوجود، ذلك الفكر الذي يترجم عن انطماس معالم العقيدة الإسلامية في فكر مؤيديه، فوحدة الوجود تعني أنه ليس في الوجود كله إلا الله سبحانه وتعالى وأن الوجود كله عبارة عن ذات واحدة هي ذات الله تعالى، أما عن كيفية تفسير هذه الكثرة المشاهدة مع هذه الوحدة المزعومة فيذهب هؤلاء إلى أن كل هذه الموجودات الكثيرة ما هي إلا تجليات ليست تغاير حقيقة الذات الإلهية.
فهي إذا تقوم على الأحدية بمعنى نفى الإثنينية، فلا مغايرة بين الموجودات من حيث هي حقيقة واحدة تمثل الذات الإلهية وتعبر عنها.
وليس بخفى ما يحمل هذا الفكر من هدم لأصول الاعتقاد، ولكن الغريب حقًا أن يختلط الأمر على بعض من ينتسب إلى الإسلام ويحاول التأصيل لهذه العقيدة الضالة من الكتاب والسنة.
وقبل الخوض في هذه العقيدة الضالة أود الكشف بصورة أوضح عن بعض المعتقدات الفاسدة التي قد تتحد مع معتقد وحدة الوجود من حيث المبدأ، كما أنها يمكن أن تعد من قبيل البوادر التي مهدت للقول بهذه العقيدة الفاجرة، كالحلول، والاتحاد (1) الذي اشتهر على لسان الحلاج، وابن الفارض، وفي شطحات أبي يزيد البسطامي (2)، وذلك أن الحلول يعني أن تحل الذات الإلهية - تعالى الله عن قولهم - في بعض مخلوقاته، أو فيها كلها.
(1) الحلول في اللغة: النزول، مصدر يحل: إذا نزل بالمكان، والاتحاد في اللغة: أن يصير المتعدد واحدًا، يقال: اتحد الشيئان، أي صارا شيئًا واحدًا. انظر القاموس المحيط:(1/ 343).
(2)
فقد نقل عنه أنه كان يقول: "سبحاني ما أعظم شاني، وكان يفتح جبته مشيرًا إلى نفسه، قائلًا: ما في الجبة إلا الله": طبقات المناوي: (1/ 442).
فإن لهذا الحلول نوعين، النوع الأول: أن تحل الذات العلية - تعالى الله عن قولهم - في الإنسان، ولكن دون أن يحصل بينهما امتزاج.
أما الصورة الثانية فهي أن تحل الذات بالذات حلولًا اتحاديًا سريانيًا بحيث تنتفي المغايرة بينهما، فيصبحان شيئًا واحدًا، فتكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر. (1) وهذا هو الاتحاد الذي يكون بمعنى "جعل الشيئين واحدًا"(2)
ومن هنا اتضح عين المبدأ الذي تقوم عليه عقيدة وحدة الوجود، مع شيء من التوسع، بحيث يندرج في هذا الاتحاد جميع من يوصف بالوجود دون تميز لبعض الموجودات عن البعض الآخر.
وهذه بعض النقول عن القائلين بالاتحاد والحلول تفسر حقيقة مذهبهم، وما ينبني عليه من أحكام تهدم المعتقد:
- يقول ابن الفارض:
لها صلواتي بالمقام أقيمها
…
وأشهد فيها أنها لي صلت
ويقول في التنظير لوحدة الأديان الذي انبنى على كل هذه الانحرافات:
وإن عبد النار المجوس وما انطفت
…
كما جاء في الأخبار في ألف حجة
فما قصدوا غيري وإن كان قصدهم
…
سواي وإن لم يظهروا عقدية. (3)
أما عن وحدة الوجود بالمفهوم الذي تقرر عرضه في بدء الحديث فإن ظهورها كفر منظر مقعد إنما تم على يد الضال ابن عربي، يقول في بيت الشاعر:
وفي كل شيء له آية
…
تدل على أنه واحد
وهذه الآية التي في كل شيء التي تدل على وحدانية الله هي وحدانية الشيء لا أمر آخر. . . فإذن المعبود بكل لسان وفي كل حال وزمان إنما هو الواحد، والعابد من كل عابد إنما هو الواحد، فما ثم إلا الواحد، والاثنان إنما هو واحد وكذلك الثلاثة والأربعة والعشرة والمائة". (4)
(1) انظر التعاريف، للمناوي:(1/ 295). والتعريفات للجرجاني: (1/ 126).
(2)
التعاريف: (1/ 31).
(3)
التائية الكبرى، لابن الفارض، انظر: الفلسفة الدينية والصوفية، عبد القادر محمود:163.
(4)
رسائل ابن عربي، كتاب الأحدية:48.