الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رأى الشيخ الصاوي:
يعرف الصاوي الإيمان، لغة بأنه:[التصديق].
أما في الاصطلاح، فيرى أنه:[تصديق النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به مما علم من الدين بالضرورة، كالصلاة والصيام والزكاة والحج]. (1)
ثم يعرض - كما هو ديدنه في كثير من القضايا المهمة - أهم الأقوال التي ذكرت في تعريف الإيمان بين مؤيد ومفند:
- فتعريف الإيمان بأنه المعرفة - كما يقول الجهمية - يرى أنه تعريف مجانب للصواب، حيث اعترض عليه بحال كثير من الكفار الذين "يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، فلو كانت المعرفة تستلزم الإيمان؛ لكان كل من عرف أن الله واحد ومحمدًا رسوله مؤمنًا".
- ويذكر بعد ذلك التعريف الذي عليه الأشاعرة و"هو حديث النفس التابع للمعرفة، أي قول النفس: آمنت وصدقت بعد المعرفة التي هي الجزم المطابق للحق عن دليل"، ويعقب هذا التعريف ببيان أنه الإيمان الكامل حتى لا يظن عدم إيمان المقلد. (2)
- ثم يعقب تلك الأقوال بذكر رأى من ذهب إلى أن الإيمان "مركب من تصديق ونطق وعمل"، ويرى أن هذا هو مذهب المعتزلة الذي حملهم على اعتقاد أن من ترك واجبًا كالصلاة، أو فعل حرامًا كالزنا فهو كافر".
ولما كان اعتقاد دخول النطق بالشهادة في مفهوم الإيمان، مما أجمع عليه عند المرجئة الأوائل؛ تحتم على الصاوي أن يعرض الأقوال فيها، بدءً بما استقر عليه مذهب المحققين من الأشاعرة.
وقبل البدء بذكر الأقوال في المسألة، نراه يعمد إلى تحرير محل النزاع فيها،
(1) حاشية الجوهرة: 16.
(2)
المرجع السابق: 13.
وذلك وفق مذهبه الأشعري، حيث يرى أن الخلاف "مقيد بالكافر الأصلى، أما أولاد المسلمين فمسلمون، ولو لم ينطقوا طول عمرهم، غير أنهم خالفوا في الواجب الفرعى، فالكافر الأصلى القادر على النطق وتركه كافر في الداريين، وإن تركه لعذر كخرس أو مات فورًا وقامت قرائن على دخوله في الإسلام بغير النطق كإشارة مفهمة، فمسلم عندنا وعند الله. وإلا فهو مؤمن عند الله فقط".
- وبعد ذلك يقرر ما عليه مذهب الأشاعرة من أن "النطق بالشهادة شرط لإجراء الأحكام الدنيوية" مؤيدًا ذلك بأدلة نقلية من الكتاب، منها:
* قوله تعالى: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ} (المجادلة: من الآية 22)
وبناء على ما سبق فإنه يخرج إلى أن من ترك العمل على غير جهة الاستحلال أو العناد أو الشك، فهو مؤمن ولكنه فوت على نفسه كمال الإيمان. (1)
فالعمل الصالح - عنده - ثمرة للإيمان الكامل (2)، لذا نجده يعرف الإيمان الكامل بأنه:"التصديق بالجنان والإقرار باللسان والعمل بالأركان". (3)
- ثم يذكر القول الثاني في مكانة الإقرار من الإيمان، والذي عليه مرجئة الفقهاء وهو أن الإقرار شطر "أي جزء من الإيمان، فالإيمان عندهم اسم لعملى القلب واللسان جميعًا وهذا في غير المعذور، وإلا فيكفى التصديق للمعذور اتفاقًا"(4)
وعند تتبع أقوال الصاوي في تفسير الإيمان الذي ورد في الآيات الكريمة، نجد أنه يتردد ما بين هذين القولين، فتارة يعرف المؤمن بأنه:"من صدق بقلبه، ونطق بلسانه". (5) وتارة يقصر المراد من الإيمان على التصديق فقط، وذلك في كثير من المواضع. (6).
(1) حاشية الجلالين: (2/ 167 - 255).
(2)
حاشية الجوهرة: 13.
(3)
حاشية الجلالين: (4/ 104).
(4)
حاشية الجوهرة: 17. وانظر: حاشية الخريدة: 73.
(5)
حاشية الجلالين: (1/ 74 - 146).
(6)
المرجع السابق: (1/ 164 - 185)، (2/ 167).
- أما عن مسألة زيادة الإيمان ونقصانه، فإنه يرى صحة نسبتهما للإيمان، وأن الزيادة تحصل بالعمل والنقص بتركه، وقد استدل لهذا بالأدلة العقلية والنقلية. (1)
أما النقلية:
- فمن الكتاب قوله تعالى: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال: 2].
- كما يستدل أيضًا بإجماع الجمهور، كالإمام مالك والشافعي وأحمد [وجمهور الأشاعرة].
وأما العقلية: فقد استدل بالمشاهد من حال المكثر من الأعمال الصالحة وما يشهده من رقة ونور.
- كما استدل على فساد هذا القول بفساد لازمه، إذ القول بعدم الزيادة والنقصان يجوز أن يكون إيمان الأنبياء كإيمان الفساق من الأمة. (2)
والصاوي هنا يذهب في مفهوم الزيادة والنقصان مذهب السلف الصالح، مخالفًا للكثير من الأشاعرة (3)، حيث يستدل بالنصوص الواردة في إثبات زيادة الإيمان على زيادته وأن ما قبل الزيادة كان قابلًا للنقص، هذا ومفهوم الزيادة عنده هي ما عبر عنها بحصول النور والرقة لمن أكثر من ذكر الله تعالى، ولا يكتفى، بل يصرح بحصول الزيادة لأصل الإيمان، ويرد بذلك على من منع حصولها في التصديق، يقول:"فالأوجه قول الجماعة أن الزيادة والنقص للتصديق نفسه لوجود هذه الأدلة العقلية والنقلية، وغير ذلك تأويل لا يحتاج له". (4)
* * *
(1) حاشية الجوهرة: 17.
(2)
حاشية الجلالين: (1/ 236)، (2/ 109). وانظر: حاشية الجوهرة: 18.
(3)
انظر: شرح العقائد النسفية للتفتزاني: 125.
(4)
حاشية الجوهرة: 18. وانظر: حاشية الخريدة: 122.