الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
آثار الولاية، وهذا ما عبر عنه بفيض الأنوار والأسرار، وإن كنت قد أفردت الحديث عنه لاحقًا في مبحث الكرامة، فيحسن أن أبين ما في هذا الكلام من غموض قد يدل على انحراف في مقتضيات الولاية، فمع أن الصاوي لم يوضح مراده من الأنوار والأسرار هنا، إلا أنه يمكن فهم مراده منها من خلال تتبع آرائه في مختلف مؤلفاته العقدية، فإن الصاوي قد قصر علم الإشارة الذي يدرك به أسرار التنزيل على الأولياء كما قدمت الحديث عنه في مبحث القرآن، وجعله من العلوم الخاصة التي لا تكشف لأهل الظاهر، كما يرى، ولا شك أن هذا اعتقاد ليس يسنده شيء من أدلة الشرع والدين، فلا أسرار ولا باطن بل العلم هو ما جاء به النبي المرسل لكل الناس، فلا يختص إدراكه لأحد منهم بلا سبب كوني أو شرعي (1).
طرق الولاية:
يعرض الصاوي لمسألة مهمة وهي هل الولاية مكتسبة أم لا؟ واستنادًا إلى ما ذهب إليه من وجوب التمسك والاستقامة؛ فإنه يرى أنها مكتسبة، ولكن في تعبيره عن هذا بالشهود والتخلي مما يقضي بأن وصول العبد إلى مقام الفناء هو مفتاح الولاية، وغاية التزام التقوى، وهذا مما سيرد تفصيله في مبحث مستقل، حتى يتسنى معرفة حقيقته في الميزان الشرعي، وفق ما أريد به على لسان القوم.
وتكفي الإشارة هنا إلى بدعية هذه المفاهيم، لانعدام مستندها من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام.
وهو بهذا يرى أن مقتضيات الولاية الأخرى، والتي تعني في المفهوم الصوفي: الكرامات والعطايا المترتبة على التزام مقام الولاية، ليست مما يمكن تحصيله بالاكتساب؛ فهي محض فضل يختص المولي به من يشاء من عباده، فقد يكمل الشخص ولا يتحقق له شيء من ذلك. وهذا المعتقد في بادئ الأمر دون الخوض
(1) وسيأتي تفصيله لاحقًا في مبحث الكرامة بإذن الله: 803.
في تفاصيل هذه المواهب مما يسلم له، فليست الكرامة هي دليل الولاية وبرهانها، بحيث لا يمكن ثبوت الاتصاف بها إلا مع التحلي بتلك العطايا والكرامات. وأعني بها: الكرامة في معناها الخاص، وهي ما يتحصل به خرق العادات، كالسير على المياه ومعرفة ما قد يقع في المستقبل، عن طريق الإلهام الكشفي أو المنامي مثلًا.
ولكن هنا ما يجب التنبيه إليه: فكما أن هذه المواهب مما لا يتوقف ثبوت الولاية عليها، فليست مانعًا من قيامها بالعبد، فكذلك الحال مع وجودها؛ أعني أن تحققها في المكلف لا يدل على ولايته، وهذا ما لم يفطن إليه الصاوي.
وعليه فالكرامة بهذا المفهوم الخاص قد فقدت مقومات الدلالة، فمن المقرر أنه إذا وجد الدليل وجد المدلول "فإن الدليل ملزوم للمدلول عليه، وإذا تحقق الملزوم تحقق اللازم وإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم، فإذا ثبت الدليل ثبت المدلول عليه، وإذا فسد المدلول عليه لزم فساد الدليل"(1).
يقول العلامة الألوسي: "وأحسن ما يعتمد عليه في معرفة الولاية اتباع الشريعة الغراء، وسلوك المحجة البيضاء، فمن خرج عنها قيد شبر بعد عن الولاية بمراحل، فلا ينبغي أن يطلق عليه اسم ولي، ولو أتى بألف ألف خارق، فالولى الشرعي اليوم أعز من الكبريت الأحمر، ولا حول ولا قوة إلا بالله:
أما الخيام فإنها كخيامهم
…
وأرى نساء الحي غير نسائها" (2)
أما ما ذكر إمكان حصوله من الأمور الغير مكتسبة للولى كالعلم بالمغيبات، والعلوم اللدنية والاجتماع بسيد العالمين، فهذا فيه تفصيل، لأن العلم بالغيب وإن وقع بطريق الكشف والإلهام المقرر شرعًا، إلا أنه لا يستند إليه في أمر أخروي على جهة الإطلاق.
إن مهمة الرؤيا الصادقة كواحدة من أهم مسالك الإلهام للعبد لتقف عند حد التبشير، كما بين ذلك المولى بقوله: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا
(1) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، لشيخ الإسلام ابن تيمية:(2/ 42).
(2)
روح المعاني: (11/ 149).