الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(مطلب ينقطع التكليف حال حدوث الفعل)
(1)
قوله: (مسألة: الأكثر ينقطع التكليف حال حدوث الفعل، خلافًا للأشعري) هذه المسألة واسطة بين طرفين فلذلك جاء فيها الخلاف (2).
وبيان ذلك: أن الفعل ينقسم بانقسام الزمان إلى ماض وحال ومستقبل، وله باعتبار الزمان قبل وبعد وحال، وهو الواسطة، فالتكليف إما أن يتعلق به قبل وجوده، كالحركة قبل التحرك فلا خلاف في جوازه إلا عند شذوذ من الأشعرية (3).
وإما أن يتعلق به بعد حدوثه كالحركة بعد انقضائها بانقضاء التحرك وهو ممتنع اتفاقًا، لما سيأتي من أنه تكليف بإيجاد الموجود، وإما أن يتعلق به حال حدوثه وهو محل النزاع.
(1) العنوان من الهامش.
(2)
راجع شرح مختصر الروضة للطوفي (1/ ق 72 أ) حيث اقتبس الشارع بعض هذا المبحث عنه.
(3)
انظر: المسودة ص (55)، شرح الكوكب المنير (1/ 493) والمستصفى (1/ 493)، والأحكام للآمدي (1/ 113)، ومختصر ابن الحاجب بشرح العضد (2/ 14)، وفواتح الرحموت (1/ 134).
فمن قال ينقطع (1) قال: لأن التكليف به حينئذ تكليف بإيجاد الموجود، وهو محال، كما بعد حدوثه، وهذا مقتضى قول ابن عقيل في مسألة الأمر بالموجود، فإنه التزم أن المؤمن ليس مأمورًا بالإيمان عند وجوده وأنه لا يصح منه فعل ما هو موجود كالقيام، لا يصح أن يفعله القائم لاستغنائه بوجوده عن موجد، والمؤمن لا يفعل الإيمان إلا في مستقبل الحال (2).
قال الشيخ تقي الدين: وهذا خلاف المذهب (3).
وقال الأشعري: لا ينقطع (4).
قال ابن برهان: هذا مذهبنا خلافًا للمعتزلة (5).
قال: والخلاف لفظي (6).
(1) وبهذا قال الطوفي وابن بدران من الحنابلة والجويني.
انظر: مختصر الطوفي ص (15)، والمدخل لابن بدران ص (147)، والبرهان للجويني (1/ 276 - 279).
(2)
انظر: المسودة ص (70)، والواضح لابن عقيل (2/ 18 ب).
(3)
انظر: المسودة ص (70).
(4)
وبهذا قال الفتوحي وهو قول أكثر العلماء.
انظر: شرح الكوكب المنير (1/ 495)، والأحكام للآمدي (1/ 113)، ومختصر ابن الحاجب بشرح العضد (3/ 14)، وشرح تنقيح الفصول ص (147)، وإرشاد الفحول ص (11).
(5)
هكذا نقله المجد في المسودة ص (70)، وانظر الوصول إلى الأصول لابن برهان (1/ 174).
(6)
لم يذكره ابن برهان في الوصول ولعله ذكره في أحد كتبه الأخرى كما أشار إليه محقق كتاب الوصول انظر: المرجع السابق.
قال الأشعري: الفعل في هذه الحالة مقدور، وكل مقدور يجوز التكليف به (1).
قال بعضهم (2): والتحقيق في ذلك أننا إذا فسرنا حال حدوث الفعل بأنه أول زمان وجوده صح التكليف به وكان في الحقيقة تكليفًا بإتمامه وإيجاد ما لم يوجد منه، وإن أريد بحال حدوثه زمن وجوده من أوله إلى آخره لم يصح مطلقًا، بل يصح في أول زمن وجوده أن يكلف بإتمامه كما سبق وعند آخر جزء من وجوده يكون قد وجد وانقضى، فيصير من باب إيجاد الموجود، وكأن الخلاف بين الطائفتين في هذه المسألة لفظي، لأن من أجاز التكليف علقه بأول زمن حدوثه ومن منعه علقه بآخره. والله تعالى أعلم (3).
لكن قال ابن حمدان في "مقنعه" وفي أول زمان حدوثه خلاف والأظهر جوازه، وقيل عدمه.
فقد أثبت الخلاف في أول زمان حدوثه وهذا يخالف ما تقدم.
* * *
(1) انظر: الأحكام للآمدي (1/ 163).
(2)
هو الطوفي انظر: شرح مختصر الروضة له (1/ ق 72 ب).
(3)
عن شرح مختصر الروضة بتصرف يسير.
(مطلب شرط المكلف (1) به أن يكون معلوم الحقيقة) (2)
قوله: (مسألة: شرط المكلف به أن يكون معلوم الحقيقة للمكلف، معلومًا كونه مأمورًا به، معدومًا عند الأكثر).
المكلف به، هو الأفعال التي تتعلق بها الأحكام، من شرطها أن تكون معلومة للمكلف، وإلا لم يتوجه قصده إليها لعدم تصور قصد ما لا تعلم حقيقته، وإذا لم يتوجه قصده إليه لم يصح وجوده منه، لأن توجه القصد إلى الفعل من لوازم إيجاده، فإذا انتفى اللازم وهو القصد انتفى الملزوم وهو الإيجاد.
ومن شروط المكلف به أن يكون معلومًا كونه مأمورًا به (3)
(1) في الأصل "شرط التكليف به".
(2)
العنوان من الهامش. راجع هذا الشرط في روضة الناظر ص (28) ومختصرها للطوفي ص (15)، وشرح المختصر له (1 /ق 71 أ)، والقواعد والفوائد الأصولية للبعلي ص (57 - 58)، وشرح الكوكب المنير (1/ 490)، والمدخل لابن بدران ص (145 - 146).
(3)
قال الفتوحي في شرح الكوكب المنير (1/ 491)، ومن شرطه أيضًا أن يعلم المكلف أنه أي الفعل مأمور وأنه من الله تعالى.=
وإلا لم يتصور منه قصد الطاعة والامتثال بفعله، ومن ثم لا يكفي مجرد الفعل لقوله:"إنما الأعمال بالنيات" إذ الطاعة موافقة الأمر، والامتثال هو جعل الأمر مثالًا يتبع مقتضاه، فإن لم يعلم الأمر لم يتصور موافقته له ولا نصبه مثالًا يعتمده فيكون من تكليف ما لا يطاق.
ومن شروطه: أن يكون معدومًا عند الأكثر (1) كالأمر بصلاة الظهر قبل الزوال، إذ إيجاد الموجود محال (2) كما يقال لمن بنى حائطًا أو كتب كتابًا ابنه أو اكتبه بعينه مع بقائه مبنيًا مكتوبًا مرة أخرى.
ووجه كون إيجاد الموجود محالا أن الإيجاد هو تأثير القدرة في إخراج المعدوم عن العدم إلى الوجود، فلو أوجده مرة ثانية لزم أن يكون معدومًا لاحتياجه إلى الإخراج من العدم موجودًا بالإيجاد الأول، فيلزم أن يكون موجودًا معدومًا معًا وهو جمع بين النقيضين وهو محال.
وحكي عن طائفة من المتكلمين أن الأمر بالموجود جائز (3).
= انظر: روضة الناظر ص (28)، ومختصرها للطوفي ص (15)، وشرح المختصر له (1/ ق 71 أ) والمدخل لابن بدران ص (145 - 146)، والمستصفى (1/ 86).
(1)
انظر: المراجع السابقة. وفواتح الرحموت (1/ 133)، وشرح المحلي على جمع الجوامع (1/ 216).
(2)
وأضاف الغزالي للفعل المكلف به شرطًا رابعًا هو: جواز كون الفعل مكتسبًا للعبد حاصلًا باختياره، فعلى هذا لا بد أن يكون الفعل بالإضافة إلى كونه ممكنًا مقدورًا للمكلف. انظر المستصفى (1/ 86).
(3)
وقال عنه المجد بن تيمية: وهذا القول أجود. =
واحتجوا لو لم يصح الأمر بالموجود لم يصح ذم الكافر على كفره الذي هو فيه في الحال، لأنه لا يصح أمره بتركه لكون الأمر موجودًا ولوجب أن لا يكون المؤمن مأمورًا بالإيمان، لأن ما قد وجد منه لا يصح الأمر به على هذه الصفة.
والجواب: أن الكافر إنما يستحق الذم على ما فعله من اعتقاد الكفر والبقاء عليه، فلا يكون في ذلك دلالة على كونه مأمورًا بما قد وجد منه ذكره في "العدة"(1).
* * *
= انظر: العدة لأبي يعلى (2/ 400)، وروضة الناظر ص (28)، والمسودة ص (57).
(1)
العدة لأبي يعلى (2/ 401).