الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(مطلب إذا أفتى واحد وعرفوا به قبل استقرار المذاهب)
(1)
قوله: (مسألة: إذا أفتى واحد وعرفوا به قبل استقرار المذاهب وسكتوا عن مخالفته فإجماع عند أحمد وأكثر أصحابه، خلافًا للشافعي.
وقيل: حجة لا إجماع، وقيل: هما بشرط انقراض العصر.
وقيل: حجة في الفتيا لا الحكم، وقيل: عكسه.
وإن لم يكن القول في تكليف فلا إجماع، قاله في الروضة والتمهيد ولم يفرق آخرون.
وإن لم ينتشر القول فليس بحجة عند الأكثر.
والأكثر على أنه لا فرق بين مذهب الصحابي أو مجتهد من المجتهدين في ذلك) المفتي هو المجتهد، فإذا أفتى وعرف به أهل عصره ولم ينكر عليه منكر وكان قبل استقرار المذاهب فهل
(1) العنوان من الهامش. وراجع هذا المبحث في الواضح (1/ق 128 ب).
يكون إجماعًا أم لا؟ فيه مذاهب؛ فبقيد "الاجتهاد" خرج من ليس من أهله إذ لا عبرة بقوله، وهذا مستفاد من قول المصنف "إذا أفتى" لأنه لا يفتى إلا المجتهد.
وقوله "وعرفوا به" احتراز مما إذا لم يعرفوا به، لأنهم مع عدم المعرفة لا ينسب إليهم موافقة ولا مخالفة.
وقوله "قبل استقرار المذاهب" احتراز مما بعد استقرارها، إذ مع استقرارها لا ينكر أهل مذهب على آخر لما استقر من الخلاف، ومع هذا لا يسمى إجماعًا.
وقوله "سكتوا عن مخالفته" احتراز مما إذا لم يسكتوا، لأنهم إذا خالفوا لا يكون إجماعًا، فالمذاهب جارية مع وجود هذه الشروط (1).
أحدها: إجماع وبه قال الإمام أحمد رحمه الله وأصحابه (2).
قال ابن حمدان: على الشهر عندنا، وزاد مع قدرتهم على
(1) راجع هذه المحترزات في شرح الكوكب المنير (2/ 253 - 254).
(2)
تعرف هذه المسألة عند الأصوليين بمسألة الإجماع السكوتي وأطلق الجراعي القول بأنه إجماع عند الحنابلة ولم يبين هل هو إجماع قطعي أم ظني، وكذا أطلق المجد في المسودة، والبعلي، وذكر المرداوي والفتوحي أنه إجماع ظني، واختاره الآمدي من الشافعية وابن الحاجب من المالكية والكرخي من الحنفية.
انظر: المسودة ص (335)، القواعد والفوائد الأصولية ص (294)، وتحرير المنقول (1/ 218)، وشرح الكوكب المنير (2/ 254)، والأحكام للآمدي (1/ 188)، ومنتهى الوصول ص (58)، وفواتح الرحموت (2/ 232).
إنكاره، وهو مذهب أبي حنيفة (1) ومالك وبعض الشافعية (2).
الثاني: ليس بإجماع ولا حجة، وبه قال داود وأبو هاشم (3).
واختاره ابن الباقلاني وأبو المعالي، وذكره الآمدي عن الشافعي (4).
الثالث: حجة لا إجماع، وبه قال بعض الحنفية، وذكره الصيرفي الشافعي مذهب الشافعي (5).
(1) ذهب أكثر الأحناف إلى أن الإجماع السكوتي قطعي. انظر: كشف الأسرار (2/ 228)، وتيسير التحرير (3/ 246)، والتقرير والتحبير (3/ 101).
(2)
وقال بذلك أبو إسحاق الإسفرائيني انظر: تيسير التحرير (3/ 246)، والأحكام للآمدي (1/ 187)، ومختصر ابن الحاجب (2/ 37)، وإرشاد الفحول ص (84).
(3)
نسبة هذا القول إلى أبي هاشم فيها نظر، لأن المعروف عن أبي هاشم أن الإجماع السكوتي حجة وليس بإجماع كما حكاه عنه غير واحد منهم أبو الحسين في المعتمد (2/ 66)، والآمدي في الأحكام (1/ 187)، والتاج السبكي في الإبهاج (2/ 380).
(4)
ونقل الرازي هذا القول كذلك عن الشافعي في المحصول (2/ 1/ 215) وقال عنه الغزالي في المنخول ص (318)، وهو قول الشافعي في الجديد، واختاره في المستصفى كما اختاره القاضي البيضاوي وقال الشافعي "لا ينسب إلى ساكت قول" واختار هذا القول عيسى بن أبان من الحنفية.
انظر: بالإضافة إلى المراجع السابقة المستصفى (1/ 191)، والتمهيد للأسنوي ص (451)، والبرهان للجويني (1/ 699)، وإرشاد الفحول للأسنوي ص (451)، والبرهان للجويني (1/ 699)، وإرشاد الفحول ص (84)، وشرح الورقات ص (175)، وفواتح الرحموت (2/ 221).
(5)
راجع إرشاد الفحول ص (84).
الرابع: إجماع بشرط انقراض العصر وهو رأي البندنيجي (1) من الشافعية وقال صاحب "اللمع" من الشافعية: إنه المذهب، واختاره أبو الخطاب والآمدي والجبائي (2).
والخامس: إجماع إن كان فتيًا لا حكم، وهو قول ابن أبي هريرة من الشافعية، لأن الحاكم ليس لأحد أن ينكر عليه حكمه وإن خالفه، ولهذا نحضر عند الحكام فيحكمون بخلاف اعتقادنا ولا ننكر عليهم.
وجوابه أن الغرض قبل استقرار المذاهب لا بعد الاستقرار (3).
هكذا حكاه الآمدي عن ابن أبي هريرة (4) المحصول عنه لا إن كان من حاكم (5).
(1) هو الحسن بن عبد الله البندنيجي الفقيه الشافعي (أبو علي) كان من حفاظ المذهب وله مصنفات منها "الذخيرة""والتعليقة" وتوفي سنة (425 هـ).
انظر: طبقات الشافعية للسبكي (4/ 305 - 306)، ومعجم المؤلفين (3/ 238).
(2)
قال الآمدي في الأحكام (1/ 188)، وعلى هذا فالإجماع السكوتي ظني والاحتجاج به ظاهر لا قطعي.
وانظر: اللمع للشيرازي ص (49)، والتمهيد لأبي الخطاب (1/ 323)، والمعتمد لأبي الحسين (2/ 66)، وإرشاد الفحول ص (84).
(3)
راجع مختصر ابن الحاجب بشرح العضد (2/ 37)، والأحكام للآمدي (1/ 188).
(4)
انظر: الأحكام (1/ 187).
(5)
هذا معنى كلام الرازي فإنه قال في المحصول (1/ 2 / 215): وقال أبو علي بن أبي هريرة إن كان هذا القول من حاكم لم يكن إجماعًا ولا حجة.
وبينهما فرق إذ لا يلزم من صدوره من حاكم أن يكون قاله على جهة الحكم، فقد يفتى الحاكم.
السادس: عكسه قاله أبو إسحاق (1) المروزي معتلًا بأن الأغلب أن الصادر من الحاكم يكون عن تشاور (2).
السابع: أن وقع في شيء (يفوت)(3) استدراكه كإراقة دم واستباحة فرج كان إجماعًا وإلا فلا حكاه ابن السمعاني (4).
الثامن: إن كان الساكتون أقل كان إجماعًا وإلا فلا (5)، حكاه السرخسي الحنفي.
وهذا والذي قبله لم يذكرهما المصنف، مع أن هذا غير داخل في كلام المصنف، لأن المصنف قال "وعرفوا به وسكتوا" فظاهره أن الجميع عرفوا.
(1) هو إبراهيم بن أحمد بن إسحاق المروزي الشافعي (أبو إسحاق) فقيه ورع من أصحاب المزني تتلمذ لابن سريح وانتهت إليه رئاسة الشافعية ببغداد بعد ابن سريج، وتوفي سنة (340 هـ).
انظر: الفتح المبين (1/ 188)، وشذرات الذهب (2/ 355 - 356)، ومعجم المؤلفين (1/ 3 - 4)، طبقات الشافعية للسبكي (2/ 375 - 376).
(2)
ذكر الشوكاني أن ابن القطان حكى هذا القول عن الصيرفي: انظر: الإبهاج بشرح المنهاج (2/ 380 - 381)، وإرشاد الفحول ص (84).
(3)
في الأصل: "بفوات".
(4)
انظر: إرشاد الفحول ص (84 - 85).
(5)
واختار هذا القول الجصاص من الحنفية والسرخسي ونسبه للشافعي وقال الزركشي، وهو غريب لا يعرفه أصحابه.
انظر: تيسير التحرير (3/ 247)، وأصول السرخسي (1/ 303)، وإرشاد الفحول ص (85).
التاسع: إن كان في عصر الصحابة كان إجماعًا وإلا فلا حكاه الماوردي (1)، وهذا مستفاد من قول المصنف والأكثر على أنه لا فرق بين مذهب الصحابى أو مجتهد من المجتهدين في ذلك فدل على أن الأقل فرقوا.
لنا (2): أن الظاهر يدل على الموافقة لبعد سكوتهم عادة.
قالوا: يحتمل أنه لم يجتهد أو اجتهد ووقف أو خالف وكنتم للتروي أو النظر، ولأن كل مجتهد مصيب.
رد: خلاف الظاهر لاسيما في حق الصحابة رضي الله عنهم مع طول بقائهم، واعتقاد الإصابة لا يمنع النظر لتعرف الحق كالمعروف من حالهم (3).
قال في التمهيد والروضة وإن لم يكن القول في تكليف فلا إجماع لأنه لا حاجة إلى إنكاره أو تصويبه (4).
وهو معنى قول ابن حمدان في "المقنع" لأنه خص المسألة بالتكليف ولم يفرق آخرون من أصحابنا وغيرهم.
(1) كما حكاه الروياني انظر: التمهيد للأسنوي ص (453)، وإرشاد الفحول ص (85).
(2)
هذا الاستدلال للقول بأن الإجماع السكوتي إجماع. انظر: بيان المختصر للأصبهاني في (1/ 576) وما بعدها.
(3)
راجع شرح الكوكب المنير (2/ 256)، والأحكام للآمدي (1/ 187 - 188).
(4)
انظر: التمهيد لأبي الخطاب (3/ 323)، وروضة الناظر ص (76)، والمدخل لابن بدران ص (281).
وإن لم ينتشر القول فلا إجماع لعدم الدليل وعند بعضهم إجماع لئلا يخلو العصر عن محق (1).
رد: بجوازه لعدم علمهم.
* * *
(1) انظر: المرجع السابق ص (282).