الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(إطلاق الاسم المشتق قبل وجود الصفة المشتق منها مجاز)
(1)
قوله: (مسألة: إطلاق الاسم المشتق قبل وجود الصفة المشتق منها مجاز، ذكره جماعة إجماعًا، والمراد: إذا أريد الفعل، فإن أريدت الصفة المشبهة (2) بالفاعل، كقولهم سيف قطوع ونحوه، فقال القاضي وغيره: هو حقيقة لعدم صحة النفي وقيل: مجاز.
فأما أسماء الله تعالى وصفاته فقديمة، وهي حقيقة عند إمامنا وأصحابه وجمهور أهل السنة.
وحال وجود الصفة حقيقة إجماعًا، والمراد حال التلبس لا النطق قاله القاضي وأبو الطيب، وبعد انقضاء الصفة حقيقة أو مجازًا، أو حقيقة إن لم يمكن (3) بقاء المعنى، كالمصادر السيالة أقوال.
(1) العنوان من الهامش.
القواعد والفوائد الأصولية للبعلي ص (127)، شرح الكوكب المنير (1/ 216)، والإبهاج بشرح المنهاج (1/ 288)، وفواتح الرحموت (1/ 193).
(2)
في الأصل "المشبه".
(3)
في المختصر المطبوع "يكن".
وقيل: إن طرى على المحل (1) وصف وجودي يناقض الأول، لم يسم بالأول إجماعًا) (2) إطلاق المشتق كاسم الفاعل واسم المفعول قبل وجود الصفة المشتق منها مجاز، قاله أبو الطيب والقاضي أبو يعلى وذكره بعضهم إجماعًا (3).
قال أبو العباس: وهذا غلط، بل هو نوعان:
أحدها: أن يراد الصفة لا الفعل كقولهم: سيف قطوع، وماء مرو، وخبز مشبع، فقيل هذا مجاز، وقال القاضي: بل هو حقيقة، لأن المجاز هو الذي يصح نفيه كأب الأب يسمى أبا مجازًا، لأنه يصح نفيه فيقال ليس بأب إنما هو جد، ومعلوم أنه لا يصح أن ينفي عن السيف الذي يقطع أنه ليس بقطوع، ولا عن الخبز الكثير أنه غير مشبع، ولا عن الماء الكثير أنه غير مرو فعلم أن ذلك حقيقة.
والثاني: أن يراد الفعل الذي يتحقق وجوده في المستقبل، وإن لا يتغير الفاعل بفعله، كأفعال الله تعالى، فهذا عند أصحابنا وجمهور أهل السنة حقيقة، لأنه سبحانه موصوف في الأزل، بالخالق والرازق حقيقة.
قال الإمام أحمد: "لم يزل الله متكلمًا غفورًا (4) رحيما"(5). انتهى.
(1) في المختصر المطبوع "المجمل".
(2)
انظر: المختصر للمطبوع ص (48 - 49).
(3)
انظر: العدة لأبي يعلى (2/ 706).
(4)
انظر: الرد على الجهمية والزنادقة للإمام أحمد ص (133 - 134)
(5)
ما سبق نقله المصنف عن المسودة ص (57) بتصرف.
وأما إذا أريد الفعل الذي لم يتحقق وجوده فهو مجاز (1).
وأما حال وجود الصفة فحقيقة إجماعا. ثم المراد بقولنا اسم الفاعل بمعنى الحال حقيقة، أي حال التلبس بالفعل لا حال النطق باللفظ المشتق، فإن حقيقة الضارب والمضروب لا تتقدم عن الضرب ولا تتأخر عنه (2).
قال القرافي: "هذا إذا كان المشتق محكومًا به كقولك زيد مشرك أو قاتل أو متكلم، فإن كان محكومًا عليه كقوله تعالى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} (3){وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} (4)، {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (5) ونحوه فإنه حقيقة مطلقًا، سواء كان للحال أو لم يكن إجماعًا، وإلا لتعذر علينا الاستدلال بهذه الآيات لأنه ما من نص يستدل به إلا وللمخالف أن يقول: هذا إنما تناول من كان موجودًا حالة نزول الآية، وأما من كان بعدها فلا يتناوله إلا بطريق المجاز، والأصل عدم التجوز إلى هذه الصورة فيحتاج كل دليل إلى دليل آخر من إجماع أو نص يدل على التجوز إلى هذه الصورة، وهو خلاف ما عليه الناس، بل كل لفظ من هذه الألفاظ يتم الاستدلال به من جهة اللغة فقط (6). انتهى.
(1) انظر: شرح العضد على مختصر ابن الحاجب (1/ 176).
(2)
انظر: الإبهاج بشرح المنهاج (1/ 233).
(3)
سورة النور: (2).
(4)
سورة المائدة: (38).
(5)
سورة التوبة: (5).
(6)
شرح تنقيح الفصول للقرافي ص (49 - 50).
وإن كان باعتبار الماضي ففي المسالة مذاهب:
أصحها: عند الإمام فخر الدين وأتباعه أنه مجاز سواء أمكن مقارنته له كالضرب ونحوه أو لم يمكن كالكلام (1).
الثاني: حقيقة مطلقًا، وهو مذهب أبي هاشم وأبي علي وابن سينا.
الثالث: التفصيل بين الممكن وغيره.
وتوقف الآمدي وابن الحاجب فلم يصححا شيئًا (2).
وهذا المذهب الثالث معناه أن بعضهم فصل بين ما هو ممكن الحصول دفعة وما ليس كذلك، فاشترط ذلك في الممكن كالضرب مثلًا دون غيره كالتكلم مثلًا، وإلى هذا الإشارة بقوله:(أو حقيقة إن لم يمكن (3) بقاء المعنى كالمصادر السيالة) فإن المصادر السيالة -مثل الكلام وأنواعه- فإن وجود آخره منه كاف في الإطلاق الحقيقي.
والرابع: قول أبي الطيب (4) حكاه عنه القاضي أبو يعلى: أن هذه الأسماء عنده حقيقة عقب وجود المعنى المشتق منه،
(1) انظر: المحصول للرازي بتحقيق د. طه العلواني (1/ 1/ 331).
(2)
انظر: الأحكام للآمدي (1/ 41 - 42)، ومختصر ابن الحاجب بشرح العضد (1/ 175) وما بعدها.
(3)
في المختصر المطبوع (يكن).
(4)
هو طاهر بن عبد الله بن طاهر الطبري الشافعي (أبو الطيب) الإمام الأصولي الفقيه له مصنفات كثيرة منها "شرح المزني"، وتوفي سنة (450 هـ).
انظر ترجمته: في الفتح المبين (1/ 238)، وشذرات الذهب (3/ 284).
بخلاف ماذا طال الزمان، وقبيل ما يتناوله مطلق الاسم فإنه مجاز.
وأما قوله: (وقيل أن طرأ على المحل وصف وجودي يناقض الأول لم يسم بالأول إجماعًا) فالمراد به أن بعضهم جعل محل الخلاف فيما إذا لم يطرأ على المحل ما يناقضه كالقاتل والسارق، فيبقى صدق المشتق على قول، فإن طرأ عليه ما يضاده واشتق له اسم غير المشتق الأول فحينئذ لا يصدق المشتق الأول قطعًا، كاللون إذا قام به البياض يسمى أبيض، فإذا أسود لا يقال في حالة السواد إنه أبيض بالإجماع، وهذا متجه وكلام الآمدي في أثناء الحجاج يدل عليه.
قال بعضهم: ولا وجه لتضعيفه وإن كان الجمهور أطلقوا الخلاف.
القائل (1) بالحقيقة صحح الإطلاق والأصل الحقيقة. رد: بالمستقبل، ورد إذا كان الفاعل من ثبت له الفعل لم يلزم.
القائل بالمجاز يصح نفيه فيصدق ليس بضارب في الحال والسلب المطلق جزء المقيد.
رد: إن أريد سلب أخص فمعناه الضارب مطلقًا صدق سلبه في الحال وهو محل النزاع، وأن أريد سلب الأخص لم يصدق ليس بضارب مطلقًا، لأن الضارب في الحال أخص منه ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم لأن نقيضه أعم من نقيضه.
(1) هذا استدلال أبي هاشم ومن معه أصحاب القول الثاني.