الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(مطلب يتعلق الأمر بالمعدوم)
(1)
قوله: (مسألة: تعلق الأمر بالمعدوم بمعنى طلب إيقاع الفعل منه حال عدمه محال باطل بالإجماع، أما بمعنى تقدير وجوده فجائز عندنا خلافًا للمعتزلة).
تعلق الأمر بالمعدوم ينقسم إلى قسمين:
أحدهما: بمعنى طلب إيقاع الفعل منه حال عدمه فهذا باطل، لأنه إذا لم يكن موجودًا فكيف يطلب منه إيجاد شيء هذا خلف (2).
والثاني: بمعنى تقدير وجوده فهذا محل النزاع (3).
(1) العنوان من الهامش.
(2)
انظر: شرح الكوكب المنير (1/ 513)، وإرشاد الفحول ص (11).
(3)
فموضع النزاع هو هل تتناول أوامر الشرع جميع المعدومين إلى قيام الساعة أم أن الأوامر تختص بالموجودين في عصر النبي عليه السلام، ومن بعدهم لا يدخل في ذلك إلا بدليل؟ وانظر: هذا المبحث في: العدة لأبي يعلى (2/ 386)، والتمهيد لأبي الخطاب (1/ 351)، والواضح لابن عقيل (2/ ق 18 ب)، وروضة الناظر ص (115)، وشرح الكوكب المنير (1/ 513).
قال الشيخ مجد الدين: الأمر يتناول والمعدوم بشرط أن يوجد وبه قالت الشافعية والأشعرية (1) خلافًا للحنفية والمعتزلة (2) لا يتناوله وإنما يثبت الحكم فيه إذا وجد بالقياس.
وقالت طائفة: إن كان هناك موجود يتناوله الخطاب دخل فيه المعدوم تبعًا وإلا فلا "حكاه أبو الخطاب"(3).
وقال بعضهم يتناول المعدوم ويكون إعلامًا لا إلزامًا (4).
وزيف ابن برهان قول من قال من أصحابه وغيرهم بشرط الوجود، وترجم المسألة بأن المعدوم مأمور ومنهي (5).
وزيف الجويني ذلك، وقال: بل حقيقة المسألة هل يتصور آمر ولا مأمور (6).
(1) انظر: اللمع للشيرازي ص (2) والأحكام للآمدي (1/ 116 - 117).
(2)
انظر: أصول السرخسي (2/ 334)، وفواتح الرحموت (1/ 146)، وتيسير التحرير (2/ 131).
(3)
انظر: التمهيد له (1/ 352) وص (356)، والعدة لأبي يعلى (2/ 387).
(4)
اختلف القائلون بأن الأمر يتناول المعدوم، فمنهم من قال بأنه أمر إلزام وإيجاب على الحقيقة بشرط وجوده على صفة من يصح تكليفه، وهو اختيار القاضي الباقلاني واختاره أبو يعلى وأبو الخطاب وغيرهما ومنهم من قال إنه أمر إعلام إذا كان كيف يكون وليس بأمر إيجاب، ومنهم من قال إن الأمر يتعلق بالمعدوم إذا كان هناك موجود مخاطب ببلاغه، وإلا فلا. انتنهى عن العدة بتصرف انظر: المراجع السابقة.
(5)
قال ابن برهان: ذلك في كتابه الأوسط. انظر: البحر المحيط للزركشي (1/ ق 166 ب- 177 أ) وانظر: الوصول إلى الأصول لابن برهان (1/ 176 - 179).
(6)
انتهى عن المسودة ص (44 - 45).
قال الإمام أحمد: لم يزل الله تعالى يأمر بما يشاء ويحكم.
وقال أيضًا: لم يزل متكلمًا إذا شاء (1).
لنا (2): قوله تعالى: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (3) قال السلف: من بلغه القرآن فقد أنذر بإنذار النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن الباقلاني: دليلنا إجماع الأمة على أن الله سبحانه أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم بهذه العبادات ودخل فيها من كان موجودًا ومن كان غير موجود في تلك الحال، فإن من وجد بعدهم ما أمروا بأمر آخر بل هم مأمورون بالأمر الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه (4).
ولأن التابعين والأئمة لم يزالوا يحتجون بالأدلة وهو دليل التعميم، والأصل عدم اعتباره غيره ولو كان لنقل.
قالوا: لا يقال للمعدوم ناس ولا مؤمنون.
رد: يقال بشرط وجوده أهلًا.
قالوا: تكليف ولا مكلف محال.
رد: مبني على التصحيح العقلي (5)، ثم بالمنع في المستقبل، كالكاتب يخاطب من يكاتبه بشرط وصوله، وأمر الموصى والواقف، وليس مجازًا، لأنه لا يحسن نفيه.
(1) انظر: الرد على الجهمية والزنادقة للإمام أحمد ص (133).
(2)
انظر: الأدلة ومناقشتها في العدة (2/ 387 - 392).
(3)
سورة الأنعام: (19).
(4)
انظر: المسودة ص (45).
(5)
راجع نهاية السول (1/ 306).
قالوا: العاجز غير مكلف فهذا آولى.
رد: بالمنع، بل مكلف بشرط قدرته وبلوغه وعقله، وإنما رفع عنه القلم في الحال، أو قلم الإثم بدليل النائم.
تنبيه: يجب تحقق الفرق بين قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} (1) وبين قوله عز وجل: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} (2) وبين قوله: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} (3) وبين قوله: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (4)(5) لأن الأول يشترط فيه الوجود والاتصاف بتلك الصفة عند المانعين حتى يكون حقيقة.
والثاني لا يشترط فيه الوجود ولا تلك الصفة، بل هو كقوله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} (6){الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} (7).
وسبب الفرقو أن المشتق تارة يكون محكومًا به وتاره يكون متعلق الحكم فإن كان متعلق الحكم فلا يشترط وجوده.
* * *
(1) سورة البقرة: (21).
(2)
سورة آل عمران: (97).
(3)
سورة الزمر: (53).
(4)
في الأصل: "إن الله".
(5)
سورة الأنعام: (141) وسورة الأعراف: (31).
(6)
سورة المائدة: (38).
(7)
سورة النور: (2).