الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(مسألة الخطاب باقتضاء الفعل مع الجزم)
(1)
قوله: (ثم الخطاب أما أن يرد باقتضاء الفعل مع الجزم وهو الإيجاب، أو لا مع الجزم وهو الندب، أو باقتضاء الترك مع الجزم وهو التحريم، أوْ لا مع الجزم وهو الكراهة، أو بالتخيير وهو الإباحة، فهي حكم شرعي، إذ هي من خطاب الشرع خلافًا للمعتزلة، وفي كونها تكليفًا خلاف).
شرع المصنف في تقسيم الخطاب إلى أحكام التكليف (2)، فإنه إن اقتضى الفعل مع الجزم المقتضي للوعيد على الترك فهو الإيجاب، نحو {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} (3) أولًا مع الجزم فهو الندب نحو {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} (4) أو اقتضى الترك مع الجزم المقتضي للوعيد على الفعل فهو التحريم، نحو {وَلَا تَقْرَبُوا
(1) العنوان من الهامش.
(2)
انظر: روضة الناظر ص (16)، والمستصفي (1/ 65)، وفواتح الرحموت (1/ 58)، ومختصر ابن الحاجب بشرح العضد (1/ 225)، بيان المختصر للأصبهاني (1/ 325)، البحر المحيط للزركشي (1/ق 53 ب).
(3)
سورة البقرة: (43).
(4)
سورة البقرة: (282).
الزِّنَا} (1){لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا} (2) أولًا مع الجزم فهو الكراهة، نحو قول النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدًا إلى المسجد فلا يشبك بين أصابعه فإنه في صلاة" رواه الترمذي (3) وابن ماجه (4) أو بالتخيير بين الفعل وتركه فهو الإباحة {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} (5).
والإباحة (6) حكم شرعي لأنها من خطاب الشرع، بدليل دخولها في تقسيم الخطاب كما تقدم.
(1) سورة الإسراء: (32).
(2)
سورة آل عمران: (130).
(3)
هو محمد بن عيسى بن سورة بن موسى السلمي الترمذي الإِمام الحافظ المشهور الضرير (أبو عيسى) تلميذ أبي عبد الله البخاري، سمع منه وشاركه في بعض شيوخه ولد سنة (210 هـ) ومن كتبهه: "الجامع الصحيح، العلل، الشمائل، وتوفي سنة (279 هـ).
انظر ترجمته: في شذرات الذهب (2/ 174 - 175)، ومقدمة تحفة الأحوذي (1/ 337 - 355)، ومعجم المؤلفين لكحالة (11/ 104).
(4)
الحديث أخرجه الترمذي (384) من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه وأخرجه ابن ماجه (367) وليس في رواية ابن ماجه فلا يشبك بين أصابعه وأخرجه أحمد وضعفه الألباني وللحديث أصل عن أبي هريرة مرفوعًا "إذا توضأ أحدكم في بيته ثم أتى المسجد كان في صلاة حتى يرجع فلا يفعل هكذا، وشبك بين أصابعه" رواه الدارمي والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي وقال الألباني: وهو كما قالا.
انظر: تحفة الأحوذي (2/ 394)، سنن ابن ماجه (1/ 54)، مسند أحمد (4/ 242)، إرواء الغليل للألباني (2/ 99 - 102).
(5)
سورة المائدة: (2).
(6)
انظر: المسودة ص (36).
وقالت المعتزلة: ليست حكمًا شرعيًّا، إذ هي انتفاء الحرج، وهو معلوم بالعقل قبل الشرع، فاستمرت بعد الشرع كما كانت قبله، ولو كانت من أحكام الشرع لكان الشرع هو الذي أنشأها كالوجوب والندب (1).
قلنا: لا نسلم أن الإباحة انتفاء الحرج بل هي تخيير شرعي يلزم عنه انتفاء الحرج، وإن سلمنا أنها انتفاء الحرج لكن إن عنيتم بـ "انتفاء الحرج المستفاد من تخيير الشارع فهي شرعية كما قلنا. وإن عنيتم أنه مستفاد من حكم العقل فهو مبني على التحسين والتقبيح العقليين (2)، وقد تقدم منع هذا الأصل.
وقولهم "لو كانت شرعية لكان الشرع هو الذي أنشأها" قلنا: كذلك نقول الشرع هو الذي أنشأها، لأن الأشياء قبل الشرع إن كانت على الحظر فلا إشكال في أن الشرع هو الذي أباح، وإن كانت على الإباحة فالإباحة العقلية انتهت إلى ورود الشرع، فلما ورد الشرع صارت شرعية فهي مثل العقلية لا نفسها؛ لأن العقل ينعزل بورود الشرع.
قوله: (وفي كونها تكليفًا خلاف) قيل الخلاف لفظي، لأن النافي وهو الأكثر يقول: التكليف طلب ما فيه كلفة، ولا كلفة
(1) انظر: المعتمد لأبي الحسين (2/ 323) وما بعدها وص (403)، ومنتهى الوصول والأمل لابن الحاجب ص (40).
(2)
انظر: رأي المعتزلة والجواب عليه السابقين في شرح مختصر الروضة للطوفي (1/ ق 87 أ - ب).
في المباح، والمثبت وهو الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني يقول يجب اعتقاد كونه مباحًا، ولا خلاف فيه (1).
قال بعضهم: والتحقيق أنه أريد بكونها من أقسام التكليف أنها تختص بالمكلفين بمعنى أن التخيير لا يكون إلا ممن يصح إلزامه بالفعل والترك فهو صحيح وإلا فلا، لأن فعل غير المكلف كالصبي والمجنون لا يوصف بإباحة، لعدم الإذن لهما فيه شرعًا، وكذا فعل المكلف غفلة وخطأ كما لا يوسف بحظر ولا إيجاب لعدم توجه الطلب إليهما.
* * *
(1) انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (1 /ق 87 ب- 88 أ)، والبحر المحيط للزركشي (1 / ق 86 ب- 87 أ).