الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الحقيقة الشرعية)
(1)
قوله: (مسألة: الحقيقة الشرعية واقعة عندنا، وقيل: لا شرعية بل اللغوية باقية وزيدت شروطًا فهي حقيقة لغوية ومجاز شرعي).
الحقيقة الشرعية هي: اللفظ المستفاد من الشرع، كالصلاة والزكاة والحج والصوم، سواء كان المعنى واللفظ معلومين عن أهل اللغة أو لا لكنهم لم يضعوا ذلك الاسم لذلك المعنى، أو كان أحدهما معلومًا والآخر مجهولًا.
واختلفوا في وقوعها فمنعها القاضي أبو يعلى والباقلاني وجماعة من المتكلمين.
(1) العنوان من الهامش.
انظر: هذا المبحث في العدة لأبي يعلى (1/ 189 - 190)، والتمهيد لأبي الخطاب (1/ 88 - 97) و (2/ 253 - 260)، والروضة للموفق (89 - 90)، وشرح مختصر الروضة للطوفي (1/ 169 أ - 172 ب) البرهان للجويني (1/ 174) وما بعدها، المحصول للرازي (1/ 414) وما بعدها الإبهاج بشرح المنهاج (1/ 279) وما بعدها، إرشاد الفحول للشوكاني (21 - 22)، التقرير والتحبير على التحرير (2/ 10) وما بعدها ..
قال أبو يعلى: لم تنقل بل ضمت الشريعة إليها شروطًا وقيودًا (1).
قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية: التحقيق أن الشارع لم ينقلها بل استعملها مقيدة لا مطلقًا كنظائرها، قال: وكذلك الإيمان (2).
وصار ابن حامد والحلواني (3) وأبو الخطاب وابن عقيل إلى الوقوع وخروجها عن وضعها الأول.
وفي الواضح: كلام أحمد وأصحابه يعطي ذلك (4)، وقال به أكثر أصحاب أبي حنيفة (5).
(1) ونسب أبو الخطاب إلى أبي يعلى القول بالوقوع وهو خلاف ما صرح به في العدة ونقله عنه المجد في المسودة.
انظر: العدة (1/ 190) والتمهيد لأبي الخطاب (1/ 88 و 2/ 252)، والمسودة لآل تيمية (560 - 562).
(2)
انظر: كتاب الإيمان لشيخ الإسلام ص (283 - 286).
(3)
هو محمد بن علي بن محمد بن عثمان الحلواني الفقيه الحنبلي (أبو الفتح) ولد سنة (439 هـ) كان زاهدًا مشهورًا بالورع، ومن كتبه "كتاب في أصول الفقه" مجلدان وكفاية المبتدئ في الفقه، توفي سنة (505 هـ).
انظر ترجمته: في طبقات الحنابلة (2/ 257) والمدخل لابن بدران (418)، ومعجم المؤلفين (6/ 50).
(4)
انظر: الواضح لابن عقيل (1/ 23/ أ).
(5)
وممن صار إلى عدم الوقوع من الحنفية أبو زيد الدبوس والبزدوي والسرخسي ومن الشافعية البيضاوي وذهبوا إلى أنها مجاز اشتهر.
انظر: فواتح الرحموت (1/ 222)، والتقرير والتحبير على التحرير لابن الهمام (2/ 11)، ومنهاج الوصول للبيضاوي بشرح نهاية السول (1/ 150).
قال ابن برهان: وهو قول الفقهاء قاطبة والمعتزلة (1).
وذهبت طوائف إلى أنها لم تخرج بل هي مجازات لغوية، اختاره ابن الخطيب (2).
قال الآمدي: نفي الباقلاني الوضع الشرعي وأثبتته المعتزلة والفقهاء والخوارج (3).
وكذلك نقله أبو الحسين (4).
وأتجت المعتزلة "الدينية" أيضًا، وقسموا - يعني المعتزلة - الأسماء إلى ما أُجْرِيَ على الأفعال وهي الصلاة والصوم الزكاة، وإلى ما أُجْرِيَ على الفاعلين كالمؤمن والفاسق والكافر، وهذا الضرب يسمى بالدينية، هكذا نقله ابن قاضي الجبل، ونقله ابن مفلح عن صاحب المحصول ومن تبعه (5)، ولم يرتضه لأنه قال: كذا قال، والذي قدمه أن الدينية: ما تعلق بالأصول.
قال في تشنيف المسامع: والمراد بالدينية كما قاله في المستصفى ما نقله الشرع (إلى)(6) أصل الدين كالإيمان والكفر والفسق (7).
(1) انظر: الوصول إلى الأصول لابن برهان (1/ 102).
(2)
هو الفخر الرازي إذ يعرف بـ "ابن الخطيب".
انظر: المحصول له (1/ 1/ 415).
(3)
انظر: الأحكام للآمدي (1/ 27).
(4)
قال أبو الحسين في المعتمد (1/ 18) ذهب أصحابنا والفقهاء إلى أن الاسم اللغوي يجوز أن ينقله الشرع إلى معنى آخر.
(5)
انظر: المحصول (1/ 1/ 414).
(6)
في الأصل "رأي" والتصحيح من المستصفى.
(7)
تشنيف المسامع (36 أ) وراجع المستصفى (1/ 327).
ووافق على نقل الدينية من الحنابلة أبو الفرج (1) الشيرازي.
وقال الآمدي في المنتهى بالوقف مع إمكان كل (2).
احتج المانعون بوجهين: أحدهما: لو وقع ذلك لكان مخاطبًا لهم بغير لغتهم، وقد قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} (3).
الثاني: لو كانت لكانت غير عربية، لأنهم لم يضعوها، ويلزم أن لا يكون القرآن عربيًا، وقد قال تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} (4) وقوله {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ} (5).
قيل (6): هي عربية بوضع الشارع لها مجازًا، و (أنزلناه) يجوز عوده إلى السورة لأن القرآن يصح إطلاقه على السورة والآية، ولو حلف لا يقرأ القرآن حنث بآية، وصحة الإطلاق لأن جزء الشيء إذا شارك كله معنى صح أن يقال هو كذا وهو بعضه،
(1) هو عبد الواحد بن محمد بن علي بن أحمد الشيرازي (أبو الفرج) الحنبلي والمعروف بـ "المقدسي" كان إمامًا فقيهًا أصوليا زاهدًا قال عنه ابن رجب شيخ الشام في وقته" ومن كتبه - مختصر في الحدود - و"المبهج" والإيضاح"، توفي سنة (486 هـ).
انظر ترجمته في طبقات الحنابلة (2/ 248 - 249)، وشذرات الذهب (3/ 378)، ومعجم المؤلفين (6/ 212).
(2)
انظر: منتهى السول للآمدي ص (9 - 10).
(3)
سورة إبراهيم: (4).
(4)
سورة يوسف: (2).
(5)
سورة الشعراء: (195).
(6)
انظر: الإبهاج بشرح المنهاج (1/ 279) وما بعدها.
كالماء والعسل، وإن لم يشارك لم يصح كالمائة، لعدم تسمية الأجزاء بالمائة، ولو سلم عوده إلى القرآن لجاز تسميته عربيًا اعتبارًا بالغالب (1).
قال بعضهم: لكنه مجاز لصحة الاستثناء (2).
واحتج المثبتون بوجهين: الأول: أنه لا يلزم من ذلك محال لذاته.
الثاني: القطع بالاستقراء، لأن الصلاة للركعات، والزكاة إخراج جزء مقدر من مقدار خاص ونوع خاص من المال إلى قوم مخصوصين على وجه القربة، والصيام إمساك مخصوص من شخص مخصوص في وقت مخصوص على وجه مخصوص، والحج أفعال مخصوصة ذات شروط وأركان وهي لغة الدعاء والنماء والإمساك مطلقًا والقصد مطلقًا (3).
فإن قيل هي باقية والزيادات شروط قيل: إطلاق الصلاة على الركعات يمنعه.
فإن قيل: إطلاق هذه المعاني عليها مجاز لكون لدعاء جزء مسمى الصلاة والشيء يسمى باسم جزئه ومسببه.
أجيب: إن أردتم أن الشارع استعملها في غير موضوعاتها
(1) انظر: مختصر ابن الحاجب (1/ 162).
(2)
انظر: المحصول (1/ 1/ 430).
(3)
راجع هذا الدليل والاعتراضات عليه في شرح مختصر ابن الحاجب للعضد (1/ 164)، وإرشاد الفحول ص (22).
اللغوية فهو المدعى وأن أريد أن أهل اللغة استعملوها فيها فخلاف الظاهر لأن استعمالها فرع تعقلها ولم يتعقلوها.
واحتجت المعتزلة: بأن الإيمان لغة التصديق، وشرعًا: فعل الواجبات، لأنها الدين (1)، لقوله:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (2) والدين الإسلام لقوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (3) والإسلام: الإيمان لقبول الإيمان من مبتغيه وإلا لم يقبل لقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ} (4)، ولصحة استثناء المسلم من المؤمن لقوله تعالى:{فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36)} (5).
أجيبت: بالمعارضة (6) بسلب الإيمان، وإثبات الإسلام في قوله تعالى:{قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا} (7) وقيل: كانوا منافقين والإسلام والدين الإنقياد والعمل الظاهر، والإيمان شرعًا تصديق خاص
(1) ذكر الشارح رحمه الله ثلاثة وجه تدل على أن الإيمان فعل الواجبات وقد ذكرها الرازي ضمن ثمانية وجوه ورد عليها.
انظر: المحصول (1/ 1/ 421 - 425).
(2)
سورة البينة: (5).
(3)
سورة آل عمران: (19).
(4)
سورة آل عمران: (85) وتمامها {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)} .
(5)
سورة الذاريات: (36).
(6)
هذا جواب على استدلال المعتزلة السابق.
انظر: الأحكام للآمدي (1/ 32 - 33).
(7)
سورة الحجرات: (14)، قال تعالى:{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} .
وبأنه لا يلزم من صدق المؤمن على المسلم أن الإسلام الإيمان وإنما صح الاستثناء لأن البيت وهو لوط وابنتاه كانوا مؤمنين مسلمين.
قالوا (1): من دخل النار مخزي لقوله تعالى: {فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} (2)، والمؤمن لا يخزي لقوله تعالى:{يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} (3) والخزي للمخلد (4) ثم عَدَمُه للصحابة أو مستأنف.
تنبيهان: أحدهما (5): تحرير محل النزاع في هذه المسألة وكشف القناع عنها هو أن هذه الألفاظ التي استفيدت منها المعاني الشرعية هل خرج بها الشارع عن وضع أهل اللغة باستعمالها في غير موضوعهم.
مثاله: أن الصلاة في اللغة الدعاء، وفي الشرع أقوال
(1) هذا من أدلة المعتزلة على أن الإيمان فعل الواجبات، حيث قالوا إن قاطع الطريق وإن كان مصدقًا فليس بمؤمن لأنه يدخل النار بقوله تعالى:{وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} والداخل في النار مخزي والمؤمن لا يخزي عن الأحكام للآمدي (3211)، وانظر المحصول (1/ 1/ 424).
(2)
سورة آل عمران: (192) قال تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَه} .
(3)
سورة التحريم: (8).
(4)
هذا رد الجمهور على المعتزلة.
انظر: الأحكام للآمدي (331).
(5)
هذا التنبيه اقتبسه الشارح عن شرح مختصر الروضة للطوفي (1/ 169 أ - ب).
وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم، فهل خرج الشارح باستعمال هذا اللفظ في هذا المعنى عن وضع اللغة، بمعنى أنه أعرض عن الموضوع اللغوي فلم يلاحظه أصلًا بل خطف مثلًا لفظ "الصلاة" فوضعه على الأفعال المعروفة شرعًا وأعرض عن الموضوع اللغوي الذي هو الدعاء أم لم يخرج بذلك عن موضوعهم بل لاحظ في كل لفظ موضوعه اللغوي لكنه زاد فيه شروطًا شرعية فعلى هذا لا شرعية مستقلة مع الإعراض عن اللغوية بل اللغوية باقية وزيدت شروطًا، فهذا تلخيص محل النزاع في المسألة.
التنبيه الثاني: الإيمان في اللغة (1) ليس عبارة عن مطلق التصديق، بل عن التصديق بما غاب، والتصديق يكون بالقول والفعل فذهب جمهور (2) العلماء إلى أنه عقد بالجنان ونطق باللسان وعمل بالأركان فيندرج فيه جميع الطاعات فرضها ونقلها، هذا قول مالك والشافعي وأحمد وأهل الحديث، والقلانسي (3) وابن مجاهد (4) من المتكلمين إلا أنهم لا يخرجون
(1) انظر: مادة آمن في القاموس المحيط (4/ 199).
(2)
انظر: مبحث الإيمان في كتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية (162) وما بعدها، وكتاب الاعتقاد على مذهب السلف للبيهقي (79 - 85).
(3)
هو إبراهيم بن عبد الله الزبيدي القلانسي (أبو إسحاق) ففيه عالم بالكلام، ومن كتبه كتاب في الإمامة والرد على الرافضة، وتوفي سنة (359).
انظر: معجم المؤلفين لكحالة (1/ 54)، والديباج المذهب لابن فرحون (1/ 268).
(4)
هو محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب بن مجاهد الطائي المالكي =
الإنسان من مطلق الإيمان بترك شيء من الفرائض غير الشرك وتكذيب الرسل إلا الصلاة على خلاف فيها.
وصار المعتزلة إلى أنه عبارة عن فعل الواجبات وبسببه ذهبوا إلى إثبات مرتبة للفاسق الملي بين مرتبة الكفر والإيمان، فالفرق بين مذهبهم ومذهب السلف من وجهين:
أحدهما: أن السلف لا يخرجون الفاسق عن مطلق الإيمان.
الثاني: اندراج المندوبات في مسمى الإيمان.
ومذهب المرجئة (1) هو تصديق النبي صلى الله عليه وسلم في كل أمر ديني علم مجيئه به ضرورة فتكون من الحقائق الشرعية نظيرًا للصوم والحج لأنه تصديق خاص.
* * *
= (أبو عبد الله) كان زاهدًا متكلمًا أصوليًّا فقيهًا نظارًا من كتبه "كتاب في الأصول على مذهب مالك" رسالة في العقائد على نهج أهل السنة وتوفي سنة (400 هـ).
انظر ترجمته: في الفتح المبين للمراغي (1/ 213).
(1)
هم فرقة تعتقد أنه لا يضر مع الإيمان معصية ولا تنفع طاعة مع الكفر لذلك سموا مرجئة نسبة إلى الإرجاء وهو التأخير كما يعتقدون أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص وأن الله لا يعذب الفاسقين ولهم أباطيل كثيرة وهم عدة فرق.
انظر: الملل والنحل للشهرستاني (1/ 816) وما بعدها، الفرق بين الفرق ص (202) اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي ص (70 - 71).