الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الحكم الشرعي: قيل خطاب الشرع)
(1)
قوله: (الحكم الشرعي قيل: خطاب الشرع المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع، وقيل: مقتضى خطاب الشرع إلى آخره) الحكم مصدر قولك حكم بينهم يحكم حكمًا إذا قضى، ومعناه في اللغة: المنع وسُمِّيَ القاضي حاكمًا لمنعه الخصوم من التظالم (2).
وأما بيان حقيقة الحكم في الاصطلاح فاختلفوا فيه.
فقيل: خطاب الشرع المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع، وهذا هو الذي ذكره أكثر المتأخرين (3) وقد نص أحمد على أنه خطاب الشرع وقوله.
(1) العنوان من الهامش.
(2)
ومنه قول جرير:
أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم
…
إني أخاف عليكموا أن أغضبا
انظر: الصحاح للجوهري (5/ 1951 - 1952)، والقاموس المحيط (4/ 100).
(3)
انظر: حقيقة الحكم الشرعي في تحرير المنقول للمرداوي (1/ 146)، شرح الكوكب المنير (1/ 333)، المدخل لابن بدران ص (147)، وانظر المستصفى (1/ 55) الأحكام للآمدي (1/ 72)، المحصول (1/ 1/ 107 - 122)، مختصر ابن الحاجب بشرح العضد (1/ 220) وما بعدها، فواتح الرحموت (1/ 54) وما بعدها، الإبهاج بشرح المنهاج (1/ 43 - 50)، جمع الجوامع بشرح المحلى (1/ 46 - 53)، إرشاد الفحول للشوكاني (6 - 7).
فالخطاب قول يفهم منه من سمعه شيئًا مفيدًا مطلقًا، فالقول احتراز عن الإشارات والحركات المفهمة، وخرج بقيد "الفهم" من لا يفهم كالصبي والمجنون إذ لا يتوجه إليه خطاب.
وقوله "من سمعه" ليعم (المواجَه)(1) بالخطاب وغيره، وليخرج النائم والمغمى عليه، ويقيد "المفيد" خرج المهل، وقوله "مطلقًا" ليعم حالة قصد إفهام السامع وعدمها، وقيل: لا بد من قصد إفهامه (2)، وبإضافة الخطاب إلى الشرع دخل خطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج من عداه، إذ لا حكم إلا للشارع، وخرج بقوله "المتعلق بأفعال المكلفين" الخطاب المتعلق بذات الباري تبارك وتعالى وبذوات المكلفين وبالجماد، فالأول نحو قوله تعالى:{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} (3) والثاني نحو قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ} (4) والثالث: نحو قوله سبحانه {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} (5).
و"الاقتضاء" الطلب فتندرج الأربعة ما عد الإباحة فأدخلها بقوله "أو التخيير".
وفيه احتراز عما له تعلق بأفعال المكلفين من الأخبار
(1) في الأصل "المواجهة".
(2)
انظر: الأحكام للآمدي (1/ 72).
(3)
سورة البقرة: (255).
(4)
سورة الأعراف: (11).
(5)
سورة الكهف: (47).
وليس حكمًا نحو قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)} (1) وقوله سبحانه {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (2)، وعن مثل قوله تعالى:{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} (3){وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ} (4){وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} (5) ونحو ذلك، فإنه خطاب الله تعالى، وهو متعلق بأفعال المكلفين وليس بحكم، لأنه ليس على جهة الطلب والاقتضاء، بل هو خبر عن تكليف سابق أو حاضر.
وقوله "أو الوضع" ليدخل ما ثبت بخطاب الوضع نحو: كون الشيء دليلًا على شيء كزوال الشمس على وجوب الصلاة، أو سببًا له كالزنا لوجوب الحد، أو شرطًا كالوضوء لصحة الصلاة، ونحو ذلك، فإنها أحكام شرعية لثبوتها بوضع الشرع وخطابه وهي متعلقة بأفعال المكلفين لكن لا بالاقتضاء ولا بالتخيير.
(وقيل مقتضى خطاب الشرع إلى آخره) وهذا الذي قدمه ابن قاضي الجبل، وجعله الطوفي أولى (6)، وإنما عدلوا إلى هذا لأن المعتزلة أوردوا على تعريف الحكم بالخطاب أسئلة (7) منها:
(1) سورة الصافات (62).
(2)
سورة الزمر: (62).
(3)
سورة البقرة: (34).
(4)
سورة البقرة: (58).
(5)
سورة النحل: (51).
(6)
راجع مختصر الطوفي ص (18)، وشرح مختصر الروضة له (1/ ق 82 أ).
(7)
انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (1/ق 84 ب- 86 - ب)، =
أن الخطاب هو كلام الله تعالى وهو قديم عندكم والحكم يعلل بالعلل الحادثة، نحو قولنا "حلت المرأة بالنكاح" و "حرمت بالطلاق" والمعلل بالحادث حادث، فيلزم أن كلام الله تعالى الذي هو الحكم عندكم حادث.
ومنها: أن الحكم صفة فعل المكلف، لأنا نقول "هذا فعل حرام" و "هذا فعل واجب" وصفة الحادث أولى أن تكون حادثة.
فإذا قلتم إن الحكم هو كلام الله تعالى، وقد ثبت أنه وصف للفعل الحادث، لزم أن يكون كلام الله تعالى حادثًا.
ومنها: أن الأحكام مسبوقة بالعدم إذ يقال "حلت المرأة بعد أن لم تكن حلالا" وحرمت بالطلاق بعد أن لم تكن حرامًا" والمسبوق بالعدم حادث، فاحتاج أصحاب التعريف الأول إلى الجواب عن هذه الأسئلة فأجابوا عن الأول (1): بأن علل الشرع معرفات لا مؤثرات. والمعرف للشيء يجوز تأخيره عنه.
وأجابوا عن الثاني: بأن صفة الحادث إنما تكون حادثة إذا قامت به كاللون والطعم ونحوهما، فأما إذا لم تقم به فلا، كما لو قال السيد لعبده:"افعل كذا" فإن فعل ذلك واجب عليه بإيجاب قام بالسيد وليس لمتعلق الحكم من الحكم صفة، وإلا لا
= المحصول (1/ 1/ 108 - 109)، وشرح تنقيح الفصول ص (69)، الإبهاج بشرح المنهاج (1/ 44).
(1)
انظر: هذه الأجوبة في شرح تنقيح الفصول ص (69 - 70).
تصف المعدوم بصفة للإخبار عنه ولا أو لأنا نخبر عن الساعة وهو قائم بنا (1).
وأجابوا عن الثالث: ليس المراد بقولنا حلت المرأة بعد أن لم تكن حلالا أن الحل وجد بعد أن لم يكن حتى يلزم حدوث الفعل، بل المراد أن القائم بذات الله تعالى هو الحل، والإحلال تعلق في الأول بوجود حالة، وهي حالة اجتماع شرائط النكاح وانتفاء موانعه، فتلك الحالة هي التي وجدت بعد أن لم توجد لا الحكم.
ومن عرف بالتعريف الثاني يرد عليه هذه الأسئلة لأنه يقول "مقتضى الخطاب""لا نفس الخطاب" و "مقتضاه" هو مدلوله والمطلوب به".
قال أصحاب التعريف الثاني: وأيضًا فإنا نعلم بالضرورة أن نظم قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} (2) في الأمر {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} (3) في النهي ليس هو الحكم، وإنما الحكم هو مقتضي هذه الصيغ المنطوقة ومدلولها، وهو وجوب الصلاة المستفاد من قوله {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} ، وإذا كنا نعلم قطعنا أن نفس الكلام اللفظي ليس هو الحكم فلا معنى لتعريف الحكم بالخطاب (4).
(1) أي نقول في قيام الساعة إنه مذكور ومعلوم بذكر قام بنا وعلم قام بنا ووصف الفعل بالأحكام من هذا القبيل، عن المرجع السابق ص (69).
(2)
سورة البقرة: (43).
(3)
سورة الإسراء: (32).
(4)
راجع شرح مختصر الروضة للطوفي (1 /ق 85 ب).
قال بعضهم: قولكم: "نعلم قطعا إلى آخره" "دعوة مجردة لا سبيل إلى إثبات ظنيتها فضلًا عن القطع بها، ويكفي ذلك في ردها.
ثم هي مقابلة بقولنا "بل هو الحكم قطعًا لا المطلوب به وبالغ في رده إلى أن قال ولأنك تقول حكم يحكم فهو حاكم، وحكم بينهم أي قضى، والمحكوم به والمقضى غير الحكم والقضاء أيضًا، فإن الفقهاء تقول: حكم الحاكم إلزامه نحو قوله "ادفع إليه" أو "أرضه" ونحو ذلك.
واختار الآمدي: الحكم خطابه بفائدة شرعية مختصة به، أي لا تفهم إلا منه (1).
قال بعضهم: وهو دور وتعريف بالأخفى (2).
وقيل: الحكم تعلق الخطاب بالأفعال (3).
وعند المعتزلة الحكم الشرعي صفة للقول المحكوم بأنه حلال
(1)"لفظة"(مختصة به) لم يذكرها الآمدي في التعريف وذكرها ابن الحاجب.
انظر: الأحكام (1/ 73)، ومنتهى الوصول والأمل لابن الحاجب ص (32).
(2)
انظر: بيان المختصر للأصبهاني (1/ 329).
(3)
هذا بمعنى تعريف الغزالي حيث عرف الحكم بأنه: خطاب الشرع إذا تعلق بأفعال المكلفين، ولكن اعترض عليه بأنه غير مانع لدخول مثل قوله تعالى:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)} فيه إذ هو خطاب من الله وله تعلق بأفعال المكلفين وليس حكمًا شرعيًّا بالاتفاق.
انظر: المستصفى (1/ 55)، الأحكام للآمدي (1/ 72)، الإبهاج بشرح المنهاج (1/ 44).
أو حرام أو واجب، وهو الوجوب. والحرمة والحل الذي هو موجب الإيجاب والتحريم والإحلال ومقتضاه، فالحكم صفة للفعل والشرع كشفه، كما يقولون في الحكم العقلي: إن العقل كشفة (1).
وقال بعض الأصحاب: الحكم الشرعي يتناول الخطاب وصفة الفعل.
قال: وهو قول السلف والجمهور فيتناول صفة المحكوم عليه، وهو الفعل والعبد والأعيان التي أمر بتعظيمها أو إهانتها، فوصف الأعيان بأنها رجس (2) وإن كان فيها وصف قبيح قبل التحريم، فالذي اتصفت به بالتحريم لم يكن ثابتًا قبل ذلك والله أعلم تعالى أعلم.
قوله: (وفي تسمية الكلام في الأزل خطابا (3) خلاف) هذا الخلاف لفظي (4) لأن من قال: الخطاب هو الكلام الذي قصد به الإفهام من هو متهيئ لفهمه قال: إن الكلام في الأزل لا يكون خطابًا؛ لأنه ما قصد به الإفهام والمراد بـ "الأزل" قبل وجود شيء من المخلوقات.
(1) انظر: المعتمد لأبي الحسين (1/ 322 - 323).
(2)
من ذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} سورة المائدة: (90). وقوله تعالى: {فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ} سورة التوبة (95).
(3)
في الأصل: "خطاب".
(4)
انظر: شرح الكوكب المنير (1/ 336)، وفواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت (1/ 56)، تشنيف المسامع (ق 12 / أ).
ومن قال الخطاب هو الكلام الذي علم أنه يقصد به الإفهام المذكور قال إن الكلام في الأزل خطاب لأنه علم أنه يقصد به الإفهام.
* * *