الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(تثبت اللغة قياسًا)
(1)
قوله: (مسألة: تثبت اللغة قياسًا عند أكثر أصحابنا، ونفاه أبو الخطاب وأكثر الحنفية، وللشافعي قولان، واختلفوا في الراجح، وللنحاة قولان اجتهادًا.
والإجماع على منعه في الأعلام والألقاب قاله ابن عقيل وغيره وكذا مثل إنسان ورجل، ورفع الفاعل.
ومحل الخلاف: الاسم الموضوع المسمى مستلزم لمعنى في محله وجودًا وعدمًا، كالخمر للنبيذ لتخمير العقل، والسارق للنباش للأخذ خفية، والزاني للائط (2) للوطء المحرم).
اتفقوا كلهم على امتناع جريان القياس في الأسماء الأعلام، لأنها غير معقولة المعنى، والقياس فرع المعنى فهو كحكم تعبدي لا يعقل معناه؛ وكذلك على امتناعه في الصفات
(1) العنوان من الهامش.
انظر: هذا المبحث في المسودة ص (173)، وشرح الكوكب المنير (1/ 223 - 224)، الأحكام للآمدي (1/ 43 - 45)، وإرشاد الفحول ص (16).
(2)
في الأصل: "للطوطي".
كاسم الفاعل والمفعول ونحوهما لأن القياس لابد فيه من أصل، وهو غير متحقق فيها، إذ ليس جعل البعض أصلًا والبعض الآخر فرعًا أولى من العكس، واطرادهما في محالهما مستفاد من الوضع لا لقياس. فإنهم وضعوا القائم والقاعد بإزاء كل من قام وقعد.
وعلى امتناعه فيما يثبت بالاستقراء إرادة للمعنى الكلي كقولنا الفاعل مرفوع والمفعول منصوب (1).
وإنما محل الخلاف ما إذا أطلقوا اسمًا مشتملًا على وصف واعتقدنا أن التسمية لذلك الوصف فأردنا تعدية الاسم إلى محل آخر مسكوت عنه، كما إذا اعتقدنا أن إطلاق اسم الخبر باعتبار التخمير. فعديناه إلى النبيذ (2).
وفيه مذاهب: أحدها: الجواز، وبه قال أكثر علمائنا. قاله ابن قاضي الجبل، وجمهور الشافعية كابن سريج (3) وغيره، وكثير
(1) انظر: شرح الكوكب المنير (1/ 224)، ومختصر ابن الحاجب بشرح العضد (1/ 183)، والإبهاج بشرح المنهاج (3/ 33).
(2)
فالخلاف في السماء الكلية أي أسماء الأجناس والأنواع.
انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (1/ 164/ أ).
(3)
هو أحمد بن عمر بن سريج الشافعي (أبو العباس) ولد سنة (249 هـ) وهو شيخ الشافعية في عصره وكان معروفًا بالصلاح والتقوى فقيهًا مناظرًا ولي القضاء بشيراز وكتبه كثيرة منها "الرد على ابن داود في إبطال القياس والتقريب بين المزني والشافعي" وتوفي سنة (306 هـ).
انظر ترجمته: في الفتح المبين (1/ 165 - 166)، وشذرات الذهب (2/ 247 - 248)، ومعجم المؤلفين (2/ 31 - 32).
من أهل العربية قاله (1) ابن برهان ونصره ابن عقيل، والشيخ، ونسبه التاج السبكي إلى ابن سريج وابن أبي هريرة (2)، وأبي إسحاق (3) الشيرازي، والرازي، لأن الاشتقاق في الاسم بمنزلة التعليل، فكأنهم جعلوا المشتق بمنزلة الفرع والمشتق منه بمنزلة الأصل والمعنى الذي اشتق لأجله بمنزلة العلة (4).
والثاني: المنع وبه قال أبو الخطاب، وأكثر الحنفية، وأكثر والمتكلمين ومن الشافعية القاضي أبو بكر الباقلاني، وإمام
(1) ذهب ابن برهان إلى عدم الجواز ونسب القول بالجواز إلى ابن سريج وطوائف من الفقهاء.
انظر: الوصول إلى الأصول له (1/ 110).
(2)
هو الحسن بن الحسين (أبو علي بن أبي هريرة) البغدادي الشافعي انتهت إليه رئاسة الشافعية ببغداد وله آراء خاصة في الأصول وفروع الشافعية ومن كتبه "شرح مختصر المزني في الفقه" وتوفي سنة (345 هـ).
انظر ترجمته: في الفتح المبين (1/ 193 - 194)، وشذرات الذهب (2/ 370)، ومعجم المؤلفين (3/ 220).
(3)
هو إبراهيم بن علي بن يوسف بن عبد الله الفيروز أبادي الشافعي (أبو إسحاق جمال الدين) الإمام المشهور وشيخ الشافعية في وقته ولد سنة (393 هـ) وكان فقيهًا أصوليًّا أديبًا مؤرخًا ومن كتبه "اللمع والتبصرة في الأصول والتهذيب والتنبيه في الفقه والنكت في الخلاف" وتوفي سنة (476 هـ).
انظر ترجمته: في الفتح المبين (1/ 255 - 257)، وشذرات الذهب (4/ 349 - 351)، ومعجم المؤلفين (1/ 68 - 69).
(4)
ووجه الاستدلال من حيث قياسه على القياس الشرعي وانظر هذه الأقوال في التبصرة للشيرازي ص (444) اللمع له ص (6)، الواضح لابن عقيل (1/ 215 ب) وما بعدها، وروضة الناظر لابن قدامة (1/ 88)، وهو مراد الجراعي بـ "الشيخ" وجمع الجوامع بشرح المحلى (1/ 271).
الحرمين، والآمدي ونسبة ابن قاضي الجبل إلى الحنفية (1) وما نقل عن القاضي أثبته التاج السبكي والماوردي (2) وهو موجود في "التقريب" عكس ما حكاه ابن الحاجب (3) عنه.
ومن أدلتهم: أنه ما شيء إلا وله اسم في اللغة توقيفًا فلا يجوز أن يثبت له اسم آخر بالقياس، كما إذا ثبت لشيء حكم بالنص لم يجزأن يثبت له حكم آخر بالقياس، ولأن الخلاف إنما هو في الأسماء المشتقة، والعرف لا يلزم طرد القياس في الاشتقاق، فإنهم سموا الدابة لدبيبها ولم يسموا كل ما دب دابة، ولأن الخمر ليس في معنى اسمها الإطراب، وإنما هي من المخامرة أو التخمير فلو ساغ الاستمساك بالاشتقاق لكان كل مخامر للعقل وإن لم يطرب يكون خمرًا (4).
(1) انظر: التمهيد لأبي الخطاب (3/ 455) وما بعدها، البرهان للجويني (1/ 172)، الأحكام للآمدي (1/ 57)، وفواتح الرحموت (1/ 185)، وجمع الجوامع بشرح المحلى (1/ 271)، وإرشاد الفحول للشوكاني ص (16).
(2)
هو علي بن محمد بن حبيب البصري الشافعي (أبو الحسن) والمشهور بـ "الماوردي" ولد سنة (364 هـ) وكان إمامًا جليلًا رفيع الشأن له باع طويل في الأصول والفروع على مذهب الإمام الشافعي وتولى القضاء ببلدان كثيرة، ومؤلفاته كثيرة منها:"الحاوي في الفقه"، قال الأسنوي: لم يؤلف مثله، والإقناع والأحكام السلطانية، وأدب الدين والدنيا، وتوفي سنة (454 هـ).
انظر ترجمته: في الفتح المبين (1/ 240 - 241)، ومعجم الأدباء (15/ 52 - 55)، ومعجم المؤلفين (7/ 189 - 190).
(3)
انظر: مختصر المنتهى لابن الحاجب بشرح العضد (1/ 183).
(4)
وراجع أدلة النافين للقياس لغة ومناقشتها في شرح مختصر الروضة للطوفي (1/ 164 ب-166 أ)
المذهب الثالث: جواز إثبات الأسامي (1) شرعًا، ولايجوز إثباتها لغة.
قال بعضهم: وهذا اختيار ابن سريج والأول ليس باختياره والدليل على جوازه أنا نعلم أن الشريعة إنما سميت الصلاة صلاة لصفة متى انتفت عنها لم تسم صلاة، فيعلم أنما شاركها في تلك الصفة يكون صلاة، فبان بهذا ثبوت الأسماء الشرعية بالعلل، وإذا ثبت هذا الاسم لمعان جاز قياس كل (شيء)(2) وجد فيه ذلك المعنى وتسميته بذلك الاسم، وعلى هذا خرجت الأسماء اللغوية وعليه يثبت اسم الخمر للنبيذ شرعًا، ثم يجب القطع بالآية للنباش، ويثبت للواط اسم الزنا شرعًا ثم يجب الحد بالآية.
المذهب الرابع: إثباته باللغة فقط، أثبته في تشنيف المسامع فقال: ويتحصل أربعة مذاهب: المنع، الجواز، إثبات الاسم بالشرع، إثباته باللغة (3) وسيجئ كلامه أن ذكر مذهبا رابعًا خلاف هذا.
وفائدة (4) الخلاف في هذه المسألة: أن من أثبت عموم
(1) ونسبه المرداوي في تحرير المنقول (1/ 125)، إلى السمعاني.
(2)
هذه الكلمة غير واضحة في الأصل.
(3)
انظر: تشنيف المسامع (ق 31/ أ) ولم يذكر الزركشي "الجواز" في نسخة التشنيف التي أطلعت عليها حتى يرد عليه ما ذكره الشارح رحمه الله.
(4)
انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (1/ 166 ب) القواعد والفوائد الأصولية للبعلي ص (120 - 121)، تخريج الفروع للزنجاني ص (342).
الاسم بطريق القياس اللغوي اندرجت المسميات تحت العموم ولم يحتج إلى القياس الشرعي وشرائطه فيدخل (1) تحت قوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (2) ومن لم يثبته بالقياس اللغوي يحتاج إلى ذلك، وعلى الأول يقطع النباش بالنص، وعلى الثاني بالقياس الشرعي على السرقة.
قال في تشنيف المسامع: والمذهب الرابع: يجري في الحقيقة لا في المجاز وهو مخرج من كلام القاضي (3) عبد الوهاب (4) لأن المجاز أخفض رتبة من الحقيقة فيجب تمييز الحقيقة عليه (5).
* * *
(1) أي فيدخل النباش في عموم الآية لغة، وكذلك يدخل اللائط في عموم قوله تعالى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [سورة النور: 2].
(2)
سورة المائدة: (38).
(3)
هو عبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي البغدادي المالكي القاضي (أبو محمد) الفقيه المقدم الأصولي الأديب الزاهد ولد سنة (362 هـ) ومن كتبه الكثيرة: التلخيص والإفادة وأوائل الأدلة في الأصول وفي الفقه المعونة بمذهب عالم المدينة و"شرحه المدونة" و"النصر لمذهب مالك" وتوفي سنة (422 هـ).
انظر ترجمته: في الفتح المبين (1/ 230 - 231)، وشذرات الذهب (3/ 223 - 224)، ومعجم المؤلفين (6/ 226 - 227).
(4)
في التشنيف بزيادة كما قاله المازري.
(5)
المرجع السابق (31/ أ).