الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فعل الله تعالى وأمره لعلة وحكمة)
(1)
قوله: (مسألة: فعل الله تعالى وأمره لعلة وحكمة، ينكره كثير من أصحابنا والمالكية والشافعية، وقاله الجهمية والأشعرية والظاهرية ويثبته آخرون من أصحابنا وغيرهم، وذكره بعضهم إجماع السلف).
هذه مسألة أفعال الله تعالى وأوامره هل تعلل بالحكم والمصالح فيفعل ما يفعله لحكمة ويخلق ما يخلقه لحكمة ويأمر لحكمة أم لا؟ (2).
الأول: محكى عن جمهور العلماء وأئمة النظار وهو قول الكرامية والمعتزلة، لكن المعتزلة تقول بوجوب الصلاح، ولهم في الأصلح قولان.
وغيرهم يقول بالتعليل لا على منهج المعتزلة وحكاه ابن الخطيب عن أكثر المتأخرين من الفقهاء، وقدمه ابن قاضي الجبل ونصره أبو العباس (3).
(1) العنوان من الهامش.
(2)
راجع هذا المبحث في العدة لأبي يعلى (2/ 421 - 422).
(3)
واختاره ابن عقيل وأبو الخطاب والطوفي والإمام ابن القيم. =
والثاني: قال به الأشعري ومن وافقه وابن حزم ونفاة القياس والقاضي أبو يعلى وابن الزاغوني (1).
واحتج المثبتون بقوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} (2).
وقوله تعالى: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً} (3) وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ} (4) ونظائرها.
ولأنه سبحانه حكيم شرع الأحكام لحكمة ومصلحة، لقوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (5).
والإجماع واقعٍ على اشتمال الأفعال على الحكم والمصالح، إما وجوبًا كقول المعتزلة، أو جوازًا كقول أهل السنة.
فإن قيل: قوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ} أي عند ذلك، وأما اللام فللعاقبة، قيل:{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ} في التعليل قاله الآمدي (6)
= انظر: المسودة ص (3 - 65)، ومنهاج السنة لشيخ الإسلام (1/ 34)، وإعلام الموقعين (2/ 52)، وتحرير المنقول للمرداوي (1/ 141 - 142)، وشرح الكوكب المنير (1/ 312).
(1)
انظر: الأحكام لابن حزم (8/ 1426)، والعدة لأبي يعلى (2/ 1).
(2)
سورة المائدة: (32).
(3)
سورة الحشر: (7).
(4)
سورة البقرة: (143).
(5)
سورة الأنبياء: (107).
(6)
انظر: الأحكام له (3/ 56).
واللامات ظاهرة فيه، والكتاب العزيز مشتمل على كثير من ذلك تارة بالتصريح وتارة بالظاهر وتارة بالإيماء، والأصل ما ذكرناه:
احتج النافون بوجوه:
أحدها: قال ابن الخطيب: لو كانت معللة بعلة لكانت تلك العلة إن كانت قديمة لزم من قدمها قدم الفعل وهو محال، وإن كانت محدثة افتقرت إلى علة أخرى ولزم التسلسل.
قال: وهذا هو المراد من قول المشائخ (1) كل شيء صنعه ولا علة لصنعه.
الثاني: كل من فعل فعلًا لأجل تحصيل مصلحه أو دفع مفسدة فإن كان تحصيل المصلحة أولى له من عدم تحصيلها كان ذلك الفاعل قد استفاد بذلك الفعل تحصيل الأولوية، وكل من كان كذلك كان ناقصًا بذاته مستكملًا بغيره، وهو في حق الله تعالى محال، وإن كان تحصيلها وعدمه سواء بالنسبة إليه فمع الاستواء لا يحصل الرجحان فامتنع الترجيح.
الثالث: لو فعل فعلًا لغرض فإن كان قادرًا على تحصيله بدون ذلك الفعل كان توسيطه عيبًا، وللزم العجز وهو ممتنع، ولأن ذلك الغرض مشروط بتلك الوسيلة، لكنه باطل لأن أكثر الأغراض إنما تحصل بعد انقضاء تلك الوسائل فيمتنع اشتراطه له.
(1) في كتاب الأربعين في أصول الدين "مشائخ الأصول".
أجابوا الوجه الأول بوجوه:
أحدها: لو كانت قديمة لم يلزم من قدمها قدم المعلوم كالإرادة قديمة ومتعلقها حادث.
الثاني: لو كانت حادثة لم تفتقر إلى علة أخرى، وإنما يلزم لو قالوا: كل حادث مفتقر إلى علة وهم لم يقولوا ذلك، بل قالوا: يفعل لحكمة، فإنه لا يلزم من كون الأول مرادًا لغيره كون الثاني كذلك.
الثالث: أن هذا يستلزم التسلسل الاستقبالي، فإن الحكمة قد تكون حاصلة بعده وهي مستلزمة لحكمة أخرى وهلم جرا (1).
وعن الوجه الثاني بوجهين:
أحدها: منع الحصر، الثاني: النقص بالأفعال المتعدية كإيجاد العالم، فإن قالوا بخلوه عن نقص قيل: كذا في التعليل نمنع كونه ناقصًا في ذاته ومستكملًا بغيره في ذاته أو صفات ذاته، بل اللازم حصول كمالات ناشئة من جهة الفعل ولا امتناع فيه، فإن كونه محسنًا إلى الممكنات من حملة صفات الكمال. وكذا الكمال في كونه خالقًا رازقًا على مذهب الأشعري.
وعن الوجه الثالث: بأن إطلاق "الغرض" لا يجوز لما يوهمه عرفًا، ولنعدل عنه إلى لفظ العلة فنقول: لا نسلم لزوم
(1) هذا الفصل نقله الجراعي عن كتاب الأربعين في أصول الدين للرازي ص (249 - 250) وكذلك فعل الفتوحي في شرح الكوكب المنير (1/ 315 - 317)، انظر المنهاج لشيخ الإسلام ابن تيمية (2/ 239) وما بعدها.
العيب لأن العيب الخالي عن الفائدة والقدرة على الفعل بدون توسط السبب لا يقتضي عيبية الفعل، وإلا لزم أن تكون الشرعيات عيبًا لأن الله قادر على إيصال ما حصلت لأجله من إيصال الثواب بدون توسطها.
وقولهم: أن لم يقدر على تحصيله لزم العجز ممنوع لأنه إنما يلزم لو أمكن تحصيل ذلك بدون الفعل.
* * *