الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(مطلب دلالة كونه حجة)
(1)
قوله: (دلالة كونه حجة الشرع وقيل: والعقل أيضًا).
إذا قلنا بأنه حجة فهل ثبت ذلك بالشرع أو به وبالعقل؟ قولان أما ثبوته بالشرع وهو الذي قدمه القاضي وغيره فقد تظافرت الأدلة من الكتاب والسنة على ذلك.
منها: قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} (2) الآية، وهذا (3) يوجب اتباع سبيل المؤمنين وتحريم مخالفتهم، فإنه قد توعد على متابعة غير سبيل المؤمنين وليست من جهة المشاقة وإلا كانت كافية.
والسبيل: الطريق، فلو خص بكفر أو غيره كان اللفظ مبهمًا وهو خلاف الأصل، والمؤمن حقيقة في الحي المتصف به ثم عمومه إلى يوم القيامة يبطل المراد وهو الحث على متابعة
(1) العنوان من الهامش.
(2)
سورة النساء (115).
(3)
راجع روضة الناظر ص (67)، وشرح الكوكب المنير (1/ 215 - 216)، والأحكام للآمدي (1/ 150 - 151)، والمحصول (2/ 1/ 46)، وما بعدها وإرشاد الفحول ص (74 - 76)، والتبصرة للشيرازي (349) وما بعدها.
لسبيلهم، والجاهل غير مراد، تم المخصوص حجة والسبيل عام، والتأويل بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم أو متابعتهم في الإيمان أو الاجتهاد لا ضرورة إليه فلا يقبل، وليس تبيين الهدى شرطًا للوعيد للاتباع، بل للمشاققة، لأن إطلاقها لمن عرف الهدى أولًا، ولأن تبيين الأحكام الفروعية ليست شرطًا في المشاققة فإن من تبين له صدق الرسول وتركه فقد شاققه ولو جهلها.
وقول الإمامية المراد به من فيهم المعصوم لأن سبيلهم حينئذ حتى فخلاف الظاهر وتخصيص بالضرورة ولا دليل لهم على العصمة.
وما قيل من أن الآية ظاهرة ولا دليل على أن الظاهر حجة إلا الإجماع فيلزم الدور ممنوع، لجواز نص قاطع على أنه حجة أو استدلال قطعي، لأن الظاهر مظنون وهو حجة لئلا يلزم وفع النقيضين أو اجتماعهما أو العمل بالمرجوح وهو خلاف العقل.
وأيضًا: (فإن تنازعتم في شيء فردوه)(1) والمشروط عدم عند عدم شرطه فاتفاقهم كاف (2).
وأيضًا: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} (3) فلو اجتمعوا على باطل كانوا قد اجتمعوا على منكر لم ينهوا عنه ومعروف لم يأمروا به وهو خلاف ما وصفهم الله به (4).
(1) سورة النساء: (59).
(2)
راجع شرح الكوكب المنير (2/ 216)، والأحكام (1/ 162).
(3)
سورة آل عمران: (110).
(4)
راجع شرح الكوكب المنير (2/ 217).
ولأنه جعلهم أمة وسطًا (1) أي عدولًا ورضي بشهاداتهم مطلقًا.
ومنها: ما رواه أبو مالك الأشعري (2) مرفوعًا: "إن الله أجاركم من ثلاث خلال، أن لا يدعوا عليكم نبيكم فتهلكوا جميعًا، وأن لا يظهر أهل الباطل على أهل الحق وأن لا يجتمعوا على ضلالة". رواه أبو داود (3).
وعن ابن عمر مرفوعًا: "إن الله تعالى (4) لا يجمع أمتي أو (5) أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة، ويد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار". رواه الترمذي (6).
(1) وذلك في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143].
(2)
هو أبو مالك الأشعري الشامي صحابي اشتهر بكنيته رضي الله عنه، واختلف في اسمه فقيل عبيد وقيل كعب وقيل غير ذلك وتوفي طاعون عمواس سنة (18 هـ).
انظر: تقريب التهذيب ص (424)، وتهذيب السنن للمنذري ص (140)، والإصابة (4/ 271).
(3)
رواه أبو داود (4253)، في كتاب الفتن وأخرجه الطبراني. وقد أعله بالانقطاع الحافظ المنذري وابن حجر والمناوي وقال عنه ابن حجر في موضع آخر سنده حسن وله شاهد عند أحمد ورجاله ثقات.
انظر: سنن أبي داود (4/ 452)، ومختصرها للمنذري (6/ 139 - 140)، وفيض القدير للمناوي (2/ 199 - 200)، التيسير للمناوي (1/ 242).
(4)
لفظة "تعالى" غير موجودة في سنن الترمذي.
(5)
في سنن الترمذي "أو قال أمة محمد".
(6)
أخرجه الترمذي (2255) في كتاب الفتن والحاكم في المستدرك وقال عنه الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه، وقال المباركفوري عنه: =
ولأحمد عن أبي بصرة (1) الغفاري مرفوعًا: "سألت الله تعالى أن لا يجمع أمتي على ضلالة فأعطانيها"(2).
وعن ابن عباس مرفوعًا: "من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات مات ميتة جاهلية"(3).
والأدلة والاعتراضات والأجوبة كثيرة جدًّا اقتصرنا منها على هذا القدر (4).
= قد استدل به على حجية الإجماع وهو ضعيف لكن له شواهد. وأخرجه ابن ماجه بمعنا، مختصرًا عن أنس.
انظر: تحفة الأحوذي (6/ 386)، والمستدرك للحاكم (1/ 115)، وسنن ابن ماجه (2/ 133).
(1)
هو جميل بن بصرة بن وقاص بن حاجب بن غفار أبو بصرة الغفاري الصحابي واختلف في اسمه، وكان رضي الله عنه يسكن الحجاز وشهد فتح مصر ثم تحول إليها ومات بها.
انظر: تهذيب التهذيب (563)، الإصابة (4/ 21) وأسد الغابة (1/ 358 و 6/ 34 - 35).
(2)
أخرجه الإمام أحمد والطبراني في الكبير وابن أبي خيثمة في تاريخه انظر: المسند للإمام أحمد (6/ 396) وكشف الخفاء للعجلوني (2/ 488).
(3)
أخرجه البخاري (7054)، في كتاب الفتن عن ابن عباس مرفوعًا بلفظ:"من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فراق الجماعة شبرًا فمات إلا مات ميتة جاهلية".
وأخرجه مسلم، وأبو داود (7458 مختصرًا) والدارمي (2522) وأحمد.
انظر: صحيح البخاري (5/ 13) وصحيح مسلم بشرح النووي (12/ 339 - 340)، وسنن أبي داود (5/ 218)، وسنن الدارمي (2/ 158)، ومسند أحمد (1/ 275 - 297 و 310).
(4)
ووجه الاستدلال من الأحاديث المذكورة من حيث إفادتها عصمة الأمة =
وقيل: ثبتت حجيته بالعقل أيضًا، وقد استدل بالعقل الآمدي ومن تابعه، وذلك أن الخلق الكثير وهم أهل كل عصر إذا اتفقوا على حكم قضية وجزموا بها جزمًا قاطعًا فإن العادة تحيل على مثلهم الحكم -الجزم- بذلك والقطع به وليس له مستند قاطع بحيث لا يتنبه واحد منهم على الخطأ في القطع بما ليس بقاطع.
ولهذا وجدنا أهل كل عصر قاطعين بتخطئة مخالف ما تقدم من إجماع من قبلهم ولولا أن يكون ذلك عن دليل قاطع لاستحال في العادة اتفاقهم على القطع بتخطئة المخالف ولا يقف واحد منهم على وجه الحق في ذلك (1).
* * *
= وقد ذكر أكثر العلماء أن هذه الأحاديث وغيرها تفيد التواتر المعنوي في عصمة الأمة وأن الأمة تلقتها بالقبول.
انظر: هامش شرح الكوكب المنير (2/ 223)، والأحكام للآمدي (1/ 162 - 165)، وروضة الناظر ص (68).
(1)
انتهى الدليل العقلي عن الأحكام للآمدي (10/ 165 - 166)، وانظر: شرح الكوكب المنير (1/ 323 - 324).