الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(مطلب الرخصة)
(1)
قوله: (والرخصة لغة السهولة وشرعًا: ما ثبت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح، ومنها ما هو واجب كأكل الميتة عند الضرورة، ومندوب كالقصر، ومباح ككلمة الكفر إذا أُكره عليها، وظاهر ذلك أن الرخصة ليست من خطاب الوضع خلافًا لبعض أصحابنا) الرخصة لغة: السهولة والتيسير، ومنه "رخص السعر" إذا سهل ولم يبق في السعر تشديد المرخص الناعم وهو راجع إلى معنى اليسر والسهولة (2).
وقال الجوهري: الرخصة في الأمر خلاف التشديد فيه (3).
والرخصة في الشرع: ما ثبت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح، هذا الحد الذي ذكره المصنف وهو الذي قدمه الطوفي في مختصره وحكاه في الروضة قولا (4).
(1) العنوان من الهامش.
(2)
ومنه قول عمرو بن كلثوم:
وثديا مثل حق العاج رخصًا
…
حصانًا من أكف اللامسين
انظر: القاموس المحيط (2/ 3116) ومذكرة أصول الفقه ص (50).
(3)
انظر: الصحاح للجوهري (2/ 1041).
(4)
مختصر الطوفي ص (34) وروضة الناظر ص (32).
فقوله "ما ثبت على خلاف دليل" احتراز عن "ما ثبت على وفق الدليل" فإنه لا يكون رخصة بل عزيمة كالصوم في الحضر، وقوله "لمعارض راجح" احتراز مما كان لمعارض غير راجح، بل إما مساو فيلزم التوقف على حصول المرجح، أو قاصر عن مساواة الدليل الشرعي فلا يؤثر وتبقى العزيمة بحالها (1).
وقيل: الرخصة استباحة المحظور مع قيام السبب (الحاظر)(2)، وهذا هو الذي قدمه في الروضة.
وقال ابن مفلح: ما شرع لعذر مع قيام سبب تحريمه لولا العذر، وهو معنى ما قدمه ابن قاضي الجبل وابن حمدان في "مقنعه" وهو قريب من الأول (3).
وهي أقسام (4) منها واجب كأكل الميتة عند الضرورة بناء على أن النفوس حق لله تعالى، وهي أمانة عند المكلفين فيجب حفظها ليستوفى الله سبحانه وتعالى حقه منها بالعبادات والتكاليف.
ومنها مندوب كالقصر في السفر.
(1) انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (1/ ق 157 ب).
(2)
في الأصل (الحاضر) والتصحيح عن روضة الناظر ص (32).
(3)
وانظر تعريف الرخصة في شرح الكوكب المنير (1/ 478) والقواعد والفوائد الأصولية ص (115) والمستصفى (1/ 98) وشرح تنقيح الفصول ص (85) ومختصر ابن الحاجب بشرح العضد (2/ 7)، وتيسير التحرير (2/ 228)، الأحكام للآمدي (1/ 101) غاية الوصول ص (234) وما بعدها.
(4)
انظر: شرح الكوكب المنير (1/ 489 - 480)، والمدخل لابن بدران (167).
ومنها مباح ككلمة الكفر إذا أكره عليها، فله أن يأتي يها حفظًا لنفسه مع طمأنينة قلبه بالإيمان، وله أن لا يأتي بها إرغامًا لمن أكرهه وإعزاز الدين. نعم وقع النزاع في أيهما أفضل. فقيل الإجابة إلى الإتيان بها أفضل حفظًا للنفس واستيفاء لحق الله تعالى.
وقال القاضي أبو يعلى في "أحكام القرآن" الأفضل أن لا يعطي التقية ولا يظهر الكفر حتى يقتل، واحتج بقصة عثمان (1) وخبيب بن عدي (2) حيث لم يعط أهل مكة التقية حتى قتل فكان عند المسلمين أفضل من عمار (3).
(1) هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي والخليفة الراشد وتوفي سنة 35 هـ عندما طلب منه أن يسلم كاتبه مروان بن الحكم أبي رضي الله عنه فغضب عليه الخوارج وحاصروه وقتلوه وتوفي وهو ابن اثنتين وثمانين سنة على الصحيح المشهور.
انظر ترجمته في الإصابة (3/ 462 - 463) وأسد الغابة (3/ 584 - 396).
(2)
هو خبيب بن عدي بن مالك بن عامر الأوسي الأنصاري وقصته مذكورة في غزوة الرجيح سنة 3 هـ وفيها أن المشركين خرجوا بخبيب من الحرم ليقتلوه فقال لهم رضي الله عنه دعوني أصلي ركعتين، ثم انصرف إلى المشركين بعد الصلاة وقال لولا أن ترو ما بي جزع من الموت لزدت فكان أول من سن ركعتين عند القتل هو ثم قال: اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تبق منهم أحدًا ثم أنشد رضي الله عنه:
ولست أبالي حين أقتل مسلما
…
على أي شق كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ
…
يبارك على أوصال شلو ممزع
فلست بمبد للعدو تخشعا
…
ولا جزعا إني إلى الله مرجعي
ومناقبة رضي الله عنه كثيرة انظر: الإصابة (1/ 418 - 419)، أسد الغابة (2/ 120 - 122)، وصحيح البخاري (7/ 278 - 379)، وسيرة ابن هشام (3/ 93 - 103).
(3)
هو عمار بن ياسر بن مالك المذجحي ثم العنسي (أبو اليقظان) حليف بني =
وقد نص أحمد في رواية جعفر بن (1) محمد في الأسير يخير بين القتل وشرب الخمر فقال: إن صبر فله الشرف وإن لم يصبر فله الرخصة (2).
إذا عرف هذا فتقسيم الرخصة إلى واجب ومندوب ومباح دليل على أنها من خطاب الاقتضاء لا الوضع (3).
= مخزوم صحابي جليل ومن السابقين الأولين، وعذب هو وأبوه في سبيل الله كثيرًا وأخذ المشركون عمارا فلم يتركوه حتى سب النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلتهم بخير ثم تركوه فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما وراءك؟ قال: شر يا رسول الله ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلتهم بخير قال: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئن بالإيمان قال: "وإن عادوا فعد" فنزل قول الله عز وجل {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النّحل: 106]. انظر: فتح القدير للشوكاني (3/ 198)، وأسد الغابة (2/ 129 - 135)، والإصابة (2/ 512 - 513).
(1)
لم أستطع أن أعين ترجمته لوجود أكثر من شخص ممن روى عن الإمام أحمد بهذا الاسم.
(2)
قال الطوفي في شرح المختصر (1/ ق 160 أ) العجب من أصحابنا يرجحون الأخذ بالرخصة في الفطر وقصر الصلاة في السفر مع يسارة الخطب فيهما ويرجحون العزيمة فيما يأتي على النفس كالإكراه على الكفر وشرب الخمر فإما أن يرجحوا الرخصة مطلقًا أو العزيمة مطلقًا، أما الفرق فما يظهر له كبيرة فائدة أ. هـ.
وانظر القواعد والفوائد الأصولية ص (49) وص (118) والمغني (8/ 145 - 147).
(3)
وممن ذهب إلى ذلك الغزالي وصاحب الحاصل والبيضاوي وابن السبكي والأسنوي والعضد، وممن ذهب إلى أنها من خطاب الوضع بالإضافة إلى من ذكره الشارح ابن الحاجب. انظر: المسودة ص (80) القواعد والفوائد الأصولية (116)، شرح الكوكب المنير (1/ 482)، المستصفى (1/ 98)، مختصر ابن الحاجب بشرح العضد (2/ 7 - 8) كشف الأسرار (2/ 298)، جمع الجوامع بشرح المحلى (1/ 119).