الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(مطلب الأمر بواحد من أشياء)
(1)
قوله: (مسألة: الأمر بواحد من أشياء كخصال الكفارة مستقيم، والواجب واحد لا بعينه، قاله الأكثر، واختار القاضي وابن عقيل الواجب واحد يتعين بالفعل، واختار أبو الخطاب الواجب واحد معين عند الله تعالى.
وعن المعتزلة كالقاضي وبعضهم: معين يسقط به وبغيره.
وعن الجبائي وابنه جميعها واجب على التخيير، بمعنى أن كل واحد منهما مراد فلهذا قيل: الخلاف لفظي وقيل: معنوي).
هذه مسألة الواجب المخير، وحكى فيها خمسة مذاهب:
أحدها: وهو الذي قاله الأكثر الواجب واحد لا بعينه، وهو
(1) العنوان من الهامش.
وراجع هذا المبحث في العدة (1/ 302 - 310)، التمهيد لأبي الخطاب (1/ 335 - 351)، الواضح (1/ 289 - أ 293 أ) روضة الناظر ص (17)، القواعد والفوائد الأصولية ص (65 - 67)، شرح مختصر الروضة للطوفي (1/ 92 - ب - 94 أ)، شرح الكوكب المنير (1/ 379 - 384)، البرهان للجويني (1/ 268 - 270)، المستصفى (1/ 67 - 68)، الأحكام للآمدي (1/ 76 - 79)، بيان المختصر للأصبهاني (2/ 345 - 357)، شرح تنقيح الفصول (152 - 153).
الكلي المشترك بين الخصال المأمور بها. وقوله مستقيم (1).
قال بعضهم: جائز عقلًا خلافًا للمعتزلة حيثما ذهبوا إلى امتناع ذلك عقلًا (2) زاعمين لزوم اجتماع النقيضين لتناقض الوجوب والتخيير، جهلًا منهم بالفرق بين ما هو واجب وبين ما هو مخير؛ لأن متعلق الوجوب هو القدر المشترك بين الخصال ولا تخيير فيه؛ لأنه لا يجوز تركه، ومتعلق التخيير خصوصيات الخصال ولا وجوب فيها.
واستدلوا بقوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (3) فإنه لا يريد به الكل ولا واحدًا بعينه معينًا لوجود التخيير بين الواجب وغيره، فتعين أن يريد به واحدًا لا بعينه.
الثاني: الواجب واحد متعين بالفعل، وهذا هو اختيار القاضي وقاله ابن عقيل.
وذكره عن الفقهاء والأشعرية (4)، فيكون على هذا مبهمًا قبل الفعل متعينًا بعد الفعل لفعله.
(1) نسبه المجد إلى جماعة الفقهاء والأشعرية ونسبه الفتوحي إلى أكثر العلماء ونسب إلى القاضي الباقلاني أنه قال "إنه إجماع السلف وأئمة الفقه.
انظر: المسودة ص (27)، شرح الكوكب المنير (1/ 380).
(2)
انظر: مذهب المعتزلة في المعتمد لأبي الحسين (1/ 77) وما بعدها.
(3)
سورة المائدة (89). وانظر شرح مختصر الروضة للطوفي (1 / ق 93 ب) وما بعدها.
(4)
انظر: العدة لأبي يعلى (1/ 302)، والواضح لابن عقيل (1/ 289 أ) وما بعدها، وضعف المجد هذا القول انظر المسودة ص (28).
قال بعضهم: فلو فعله الجميع كان الكل واجبًا على هذا القول (1).
وجه أنه يتعين بالفعل سقوط الواجب بأي شيء فعله منها، إذ لا معنى للوجوب إلا الاقتضاء به على وجه لا يخرج عن عهدته إلا بفعله، فحيث خرج عن عهدته بفعله دل على أف الواجب.
الثالث: اختيار أبي الخطاب وهو: أن الواجب واحد مبهم عندنا معين عند الله تعالى، قال في التمهيد، لأنا نقول: الواجب واحد معين عند الله تعالى غير معين عندنا، إلا أن الله تعالى قد علم أن المكلف لا يختار إلا ما هو واجب عليه منها (2).
قال القطب الشيرازي في "شرح المختصر" وذهب بعض المعتزلة إلى أن الواجب واحد معين عند الله غير معين عندنا، والمكلف لا يفعل إلا ذلك، فيكون الواجب عندهم: ما يُفعل وإليه أشار بقوله: وبعضهم الواجب: ما يفعل) وهذا المذهب ترويه المعتزلة عن أصحابنا، وأصحابنا عنهم، وهو باطل باتفاق الطائفين.
وذهب بعضهم إلى أن الواجب واحد معين عند الله غير معين عندنا ولكن المكلف قد لا يفعله بل يفعل غيره ويقع فعلًا يسقط به الفرض، وإليه أشار بقوله:(وبعضهم الواجب واحد معين ويسقط به الفرض) وبالآخر أي يسقط الوجوب بالواجب إن فعله، وبالآخر إن فعل الآخر. انتهى كلام القطب.
(1) راجع البحر المحيط للزركشي (1 / ق 57 ب).
(2)
التمهيد لأبي الخطاب (1/ 336 - 337).
وهذا الآخر نص المذهب الرابع الذي ذكره المصنف (1).
وقال في تشنيف المسامع: والثالث -يعني من المذاهب- (2) أن الواجب مبهم عندنا معين عند الله تعالى، ويسقط الوجوب به ويفعل غيره من الأشياء المذكورة.
ويسمى "قول التراجم" لأن الأشاعرة تنسبه إلى المعتزلة والمعتزلة تنسبه إلى الأشاعرة، واتفق الفريقان على فساده.
وقال والد المصنف -يعني تقي الدين السبكي- (3) وعندي أنه لم يقل أحد به (4) وإنما المعتزلة تضمن ردهم علينا ومبالغتهم في تقرير تعلق الوجوب بالجميع ذلك فصار معنى يرد عليه وأما رواية أصحابنا له عن المعتزلة فلا وجه له لمنافاته قواعدهم (5)(6)
(1) فالقول الرابع أن الواجب واحد معين، يسقط الوجوب بفعله ويفعل غيره من الخصال الأخرى.
(2)
ما بين الشرطتين زاده الجراعي.
(3)
هو علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الشافعي الفقيه المفسر الحافظ الأصولي المحقق ولد سنة (663 هـ) وولي قضاء الشام ومن كتبه شرح منهاج البيضاوي في الأصول من أوله إلى قول البيضاوي (الواجب إن تناول كل واحد فهو فرض عين) وتفسير القرآن وشرح المنهاج في الفقه وتوفي سنة (756 هـ).
انظر ترجمته: في شذرات الذهب (6/ 180 - 181)، الفتح المبين (2/ 168 - 169)، طبقات الشافعية للأسنوي (2/ 75 - 76).
(4)
في الإبهاج "لم يقل به قائل".
(5)
الإبهاج بشرح المنهاج (1/ 86).
(6)
في الهامش ما يلي: (مسألة الحمد لله مقابلة بأصله وصحح).
قلت: لكن (أبا)(1) الحسين القطان (2) من أئمة أصحابنا حكاه في (3) أصول الفقه عن بعض الأصوليين. انتهى كلام تشنيف المسامع (4).
فقد اختلف كلام القطب والتشنيف في حكاية مذهب التراجم.
فجعله القطب كونه معينًا عند الله غير معين عندنا والمكلف لا يفعل إلا ذلك.
وجعله في التشنيف كونه معينًا عند الله مبهمًا عندنا يسقط الوجوب به وبفعل غيره كما تقدم.
المذهب الخامس: مذهب أبي علي الجبائي وابنه أبي هاشم والقاضي عبد الجبار وجماعة من المعتزلة وهو القول بأن الكل واجب على التخيير، ومعنى ذلك كما قاله في "التمهيد" وغيره: أنه لا يجوز الإخلال بأجمعها، ولا يجب الجمع بين اثنين منها وكل واحد منها مراد (5).
(1) كذا في التشنيف وفي الأصل "أبو".
(2)
هو أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي الشافعي الفقيه الأصولي (أبو الحسين) والمعروف بـ "ابن القطان" وهو من كبار أئمة الشافعية المجتهدين في المذهب وله مصنفات في أصول الفقه وفروعه وتوفي سنة (359 هـ).
انظر ترجمته: في الفتح المبين (1/ 198)، ومعجم المؤلفين (2/ 75)، طبقات الشافعية للأسنوي (2/ 298).
(3)
في التشنيف بزيادة "في كتابه".
(4)
تشنيف المسامع (ق 9 أ).
(5)
انظر: المعتمد لأبي الحسين (1/ 79)، والتمهيد لأبي الخطاب (1/ 336).
ونحن نوافق قوله أنه لا يجوز الإخلال بأجمعها ولا يجب الجمع بين اثنين منها، فأما كون كل واحد منها مرادا فالخلاف يقع فيه لأنا نقول أن الواجب واحد معين عند الله تعالى "وذكر كلامه المتقدم"(1).
قال القطب: وتكلف أبو الحسين (2) البصري رد الخلاف بين الفقهاء والمعتزلة إلى اللفظ دون المعنى قائلًا: إنهم يعنون بوجوب الجميع على التخيير أنه لا يجوز الإخلال بجميعها، ولا يجب الإتيان (3) به وللمكلف اختيار أي واحد كان. وهو بعينه مذهب الفقهاء فلا خلاف في المعنى (4).
وأما في اللفظ فالخلاف أن المعتزلة يقولون بوجوب الجميع على التخيير، والفقهاء بوجوب واحد من حيث هو أحدها، وأيضًا المعتزلة يطلقون الواجب على كل فرد بالحقيقة وعلى المشترك بالمجاز والفقهاء يعكسون فيهما.
وفي كون هذا رافعًا للخلاف المعنوي نظر وحكم عليه من جهة الثواب والعقاب، قال في تشنيف المسامع: قال المحققون منا كإمام الحرمين والشيخ أبي إسحاق وغيرهما ومنهم كأبي (الحسين)(5) البصري: إنه لا خلاف بين الفريقين في
(1) المرجع السابق (1/ 336 - 337).
(2)
في الأصل "الحسن".
(3)
والمراد ولا يجب على المكلف الإتيان بجميع الأشياء التي ورد بها الأمر على طريق التخيير وللمكلف
…
الخ.
(4)
انظر: المعتمد لأبي الحسين (1/ 89).
(5)
في الأصل: "الحسن".