الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(مسألة ما كان من أفعاله عليه السلام
(1)
قوله: (مسألة: ما كان من أفعاله عليه السلام جبليًا أو بيانًا أو مخصصًا به فواضح، وفيما إذا تردد بين الجبلي والشرعي كالحج راكبًا تردد، وما سواه فما علمت صفته فأمته فيه مثله (2)، وما لم يعلم صفته فروايتان الوجوب والندب)
ما كان من أفعاله عليه الصلاة والسلام من مقتضى طبع الإنسان وجبلته كقيام وقعود فمباح له ولنا اتفاقًا، قاله ابن مفلح (3).
وقال ابن قاضي الجبل: على الإباحة عند الأكثر، وعند بعض المالكية والحنابلة على الندب (4).
(1) العنوان من الهامش.
(2)
في المختصر المطبوع ص (74)"سواء".
(3)
انظر: العدة (3/ 734)، وشرح الكوكب المنير (2/ 178)، والأحكام للآمدي (1/ 130)، ومختصر ابن الحاجب بشرح العضد (2/ 22)، وتيسير التحرير (3/ 120).
(4)
نقله الباقلاني عن قوم ونسبه الغزالي لبعض المحدثين. انظر: إرشاد الفحول ص (35) والمنخول ص (226).
وقال في تشنيف المسامع: أما في الجبلي فالندب -يعني يحمل على الندب- لاستحباب التأسي به.
وحكى الأستاذ أبو إسحاق فيه وجهين، أحدهما: هذا، وعزاه لأكثر المحدثين، قال: والأقل فيه أن يستدل به على إباحة ذلك.
والثاني: أنه لا يتبع فيه إلا بدلالة (1) انتهى (2).
وما كان بيانًا بقول نحو "صلوا كما رأيتموني أصلي" فيجري الحكم على ما دل عليه القول المفسر إيجابًا وندبًا، أو بفعل عند الحادثة (3) كالقطع من الكوع (4) وغسل اليدين (5) مع المرافق فإنه بيان لمنتهى القطع والوضوء اتفاقًا، وما اختص به كتخيير نسائه بينه وبين الدنيا وزيادته منهن على أربع والوصال في الصوم فمختص به اتفاقًا.
(1) فيصير هذا قولًا ثالثًا وهو أن اتباعه فيما اتضح فيه أمر الجبلَّة ممتنع إلا بدليل، انظر: شرح الكوكب المنير (2/ 179).
(2)
تشنيف المسامع (ق 79 ب).
(3)
هذه الكلمة غير واضحة في الأصل يحتمل رسمها (الحاجة).
(4)
أخرج الدارقطني في سننه حديث عمرو بن شعيب (363) أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بسارق فأمر بقطع يده من المفصل، وأخرج ابن عدي في الكامل حديث عبد الله بن عمرو قال (قطع النبي صلى الله عليه وسلم من المفصل) وأخرجه البيهقي وللحديث عدة شواهد عند ابن أبي شيبة وغيره.
انظر: سنن الدراقطني (3/ 204 - 205)، سبل السلام (4/ 27 - 28)، التلخيص الحبير (4/ 71) وإرواء الغليل (8/ 81 - 83)، وشرح المحلي على جمع الجوامع (2/ 9).
(5)
أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. انظر: صحيح مسلم بشرح النووي (3/ 134).
وما تردد بين الجبلي والشرعي كالحج (1) راكبًا ففيه تردد، هل يحمل على الجبلي لأن الأصل عدم التشريع؟ أو على الشرعي لأنه عليه الصلاة والسلام بعث لبيان الشرعيات؟ فيه قولان (2).
وما سوى ما تقدم (3) إن علمت صفته من وجوب أو ندب أو إباحة فأمته مثل في الأشهر عندنا لوجوب الاقتداء به، وقاله عامة الفقهاء والمتكلمين والحنفية والمالكية والشافعية (4).
(1) وردت عدة أحاديث بذلك منها: "حديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت وهو على بعير" الحديث أخرجه البخاري في كتاب الحج (1632)، ومسلم في كتاب الحج وأبو داود (1877) في كتاب الحج والترمذي في الحج (861) والنسائي في كتاب مناسك الحج وابن ماجه في الحج (2948)، وأحمد والدارمي (1852) في كتاب الحج.
انظر: صحيح البخاري (3/ 490)، وصحيح مسلم بشرح النووي (9/ 18)، وسنن أبي داود (2/ 440 - 441)، وجامع الترمذي (3/ 602)، وسنن النسائي (5/ 233)، ومسند أحمد (1/ 214 - 264)، وسنن الدارمي (1/ 374).
(2)
القول الأول أنه مباح وقاله الأكثر والثاني: أنه مندوب وقال عنه المرداوي وهو الأظهر ورجحه الشوكاني.
انظر: تحرير المنقول للمرداوي (1/ 200)، وشرح الكوكب المنير (1/ 181) وما بعدها وإرشاد الفحول ص (35)، وشرح المحلي على جمع الجوامع (2/ 97).
(3)
أي ما ليس جبليًّا ولا مختصًا به عليه السلام ولا بيانًا، انظر: شرح الكوكب المنير (1/ 184).
(4)
انظر: العدة (2/ 734)، والتمهيد (2/ 316)، والمعتمد لأبي الحسين (1/ 383)، والأحكام (1/ 131)، ومختصر ابن الحاجب بشرح العضد (2/ 23)، وتيسير التحرير (3/ 121)، وإرشاد الفحول ص (36).
وقال بعض أصحابنا: من الممكن يجب (1) علينا وإن لم يجب عليه كما يجب متابعة الإمام فيما لا يجب عليه، ونبه عليه القرآن بقوله تعالى:{مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ} (2) الآية فأوجب ولو لم يتعين ذلك الغزو.
قال: وقد يقال هذا فيما صدر منه اتفاقًا (3) كما كان ابن عمر (4) يفعل في المشي في طريق مكة: وكما في تفصيل إخراج التمر، وطريقة الإمام أحمد تقتضيه فإنه تسرى واختفى (5) ثلاثًا لأجل المتابعة.
وقال: ما بلغني حديث (6) إلا عملت به حتى أعطى الحجام دينارًا.
وقال القاضي في "الكفاية": ما تعبدنا بالتاسي به إلا في العبادات، وقاله بعض الشافعية.
(1) راجع شرح الكوكب المنير (1/ 189).
(2)
سورة التوبة: (120).
(3)
راجع المسودة ص (187).
(4)
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي (أبو عبد الرحمن) ولد رضي الله عنه بعد البعثة بيسير وهو أحد العبادلة والصحابة المكثرين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من زهاد الصحابة وأكثرهم اتباعًا للسنة وتوفي سنة (73) وقيل (74 هـ).
انظر: تقريب التهذيب ص (182)، والطبقات الكبرى لابن سعد (4/ 142 - 188)، وشذرات الذهب (1/ 81).
(5)
أي اختفى في غار جبل ثور ثلاث ليال تأسيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم انظر: شرح الكوكب المنير (1/ 182).
(6)
في الأصل "حدحث".
وقال أحمد في رواية ابن إبراهيم (1) الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم سوى الفعل لأنه يفعل الشيء بجهة الفضل ويفعله وهو خاص به، وإذا أمر بالشيء فهو للمسلمين (2).
قال بعض أصحابنا: ظاهره الوقف في تعديته إلى أمته وإن علمت صفته لتعليله باحتمال تخصيصه (3).
وذكر بعض أصحابنا أنه أقيس.
وقالت طائفة حكم ما علمت صفته فعلى أقوال.
1 -
الوجوب في حقه وحقنا، وهو أحد الروايتين، ذكره القاضي أبو يعلى واختاره في موضع، وابن حامد، وجزم به ابن أبي موسى، واختاره ابن عقيل، وهو قول ابن سريح (4).
قال أبو المعالي: قدره أجل من هذا (5) وقال به الاصطخري (6)
(1) هو إسحاق بن إبراهيم بن هانئ النيسابوري (أبو يعقوب) ولد سنة 218 هـ وخدم الإمام أحمد وهو ابن تسع سنين، ونقل عنه مسائل كثيرة، وقال عنه الخلال: كان أخادين وورع وتوفي سنة (275 هـ).
انظر: طبقات الحنابلة (1/ 108)، والمنهج الأحمد (1/ 274).
(2)
راجع العدة (7373)، والمسودة (71).
(3)
واختار هذا القول أبو الخطاب وأكثر المتكلمين والأشعرية وصححه القاضي أبو الطيب. انظر: شرح الكوكب المنير وهامشه (1/ 188 - 189) والأحكام للآمدي (1/ 131).
(4)
انظر: الواضح لابن عقيل (1/ 126 ب).
(5)
راجع البرهان (1/ 49).
(6)
هو الحسن بن أحمد بن يزيد بن عيسى الاصطخري الشافعي الفقيه الأصولي (أبو سعيد) وشيخ الشافعية بالعراق ولد سنة 244 هـ =
وابن أبي هريرة وابن خيران (1) وجماعة من المعتزلة والرازي في "المعالم" كما لو ظهر فيه "قصد" القربة (2).
2 -
وقيل: للندب، وهو الرواية الثانية عن أحمد، اختارها التميمي في الفعل مطلقًا ذكره ابن قاضي الجبل وعزي إلى الشافعي (3).
3 -
وقيل: للإباحة اختاره الجصاص (4) الحنفي وصاحب المحصول وذكره الآمدي مذهب مالك (5).
4 -
وقيل: للوقف حتى يقوم دليل على ما أريد منا، وهو رواية عن أحمد، واختاره أبو الخطاب وذكره قول التميمي وأكثر المتكلمين (6).
= وله آراء خاصة في الأصول ومن كتبه "آداب القضاء" وتوفي سنة (328 هـ).
انظر: الفتح المبين (1/ 178 - 179) وشذرات الذهب (2/ 312).
(1)
هو الحسين بن صالح بن خيران البغدادي الشافعي من أئمة بغداد وعرض عليه القضاء فامتنع وتوفي سنة (320 هـ).
انظر: شذرات الذهب (2/ 287)، طبقات الشافعية للسبكي (3/ 271)، والعبر (2/ 84).
(2)
ويقول مالك بالوجوب إن كان قرية. انظر: شرح تنقيح الفصول ص (228).
(3)
واختاره الجويني وعزاه صاحب تيسير التحرير لأكثر الحنفية. انظر: البرهان للجويني (1/ 491)، وتيسير التحرير (3/ 123)، والعدة (3/ 737).
(4)
في الأصل: "الخصاص".
(5)
وذكر صاحب مسلم الثبوت أنه الصحيح عند أكثر الحنفية. راجع فواتح الرحموت (2/ 181).
(6)
انظر: التمهيد (2/ 317 - 318).
وذكره غيره عن المعتزلة والأشعرية.
قال في تشنيف المسامع: وعليه جمهور المحققين كالصيرفي والغزالي وأتباعهم وصححه القاضي أبو الطيب ونقله عن الدقاق (1) وابن كج (2)(3).
وذكر الشيخ مجد الدين الخلاف لنا وللناس مع قصد القرية، وإلا فللإباحة (4).
قال ابن مفلح: ومراد أحمد والأصحاب ما فيه قصد قربة وإلا فلا وجه للوجوب في غيره والندب فيه محتمل.
دليل الوجوب (5) قوله تعالى: {فَاتَّبِعُوهُ} (6) {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ
(1) هو محمد بن محمد بن جعفر الدقاق الشافعي (أبو بكر) فقيه أصولي وله كتاب في أصول الفقه على مذهب الإمام الشافعي، وتوفي سنة (392 هـ).
انظر: طبقات الفقهاء للشيرازي ص (118)، وتاريخ بغداد (3/ 229).
(2)
هو يوسف بن أحمد بن كج الدينوري (أبو القاسم) القاضي أحد أئمة المذهب الشافعي وكان يضرب به المثل في حفظ المذهب وتوفي سنة (405 هـ).
انظر: شذرات المذهب (3/ 177 - 178) العبر (3/ 92)، وطبقات الفقهاء للشيرازي ص (118 - 119).
(3)
تشنيف المسامع (ق 80 أ- ب).
(4)
انظر: المسودة ص (187).
(5)
راجع هذه الأدلة في العدة (3/ 738) وما بعدها، والتمهيد (2/ 322) وما بعدها، والتبصرة للشيرازي (243 - 246).
(6)
من الآية (153) من سورة الأنعام قال تعال: (وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه).
يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} (1) والفعل أمر كما يأتي، {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} (2){لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (3) أي تأسوا به {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} (4) ومحبته واجبة فيجب لازمها وهو اتباعه.
ولما خلع (صلى الله)(5) عليه وسلم نعله في الصلاة خلعوا. رواه أحمد وأبو داود (6).
ولما أمرهم بالتحلل في صلح الحديبية رواه البخاري (7) تمسكوا بفعله، وسأله صلى الله عليه وسلم رجل عن الغسل بلا إنزال فأجاب بفعله. رواه مسلم (8).
(1) سورة النور: (63).
(2)
سورة الحشر: (7).
(3)
سورة الأحزاب: (21).
(4)
سورة آل عمران: (31).
(5)
ما بين المعكوفين تكرر في الأصل.
(6)
هذا طرف من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة (650) والإمام أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم. انظر: سنن أبي داود (1/ 175)، ومسند أحمد (3/ 20)، والمستدرك للحاكم (1/ 260) ونيل الأوطار (2/ 137).
(7)
رواه البخاري في عدة مواضع من صحيحه عن جابر وعن ابن عباس ورواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها.
انظر: صحيح البخاري (13/ 218 و 3/ 504 و 3/ 54 و 5/ 137 - 138) وصحيح مسلم (2/ 879).
(8)
أخرجه مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها. انظر: صحيح مسلم بشرح النووي (4/ 42).
ولأنه كقوله في بيان مجمل وتخصيص وتقييد، فكأن مطلقه للوجوب.
ورد الأول بأنه كالتأسي وهو غير معلوم فلا يفعله بقصد الوجوب إلا إذا علمنا أنه فعله بقصد الوجوب، وأما إذا لم نعلم فقد يقصد شيئًا ويكون قد قصد خلافه فلا تقطع المتابعة.
ورد الثاني: بأن المراد أمر الله ثم المراد به القول لأنه حقيقه فيه.
وبهذا يحصل جواب الثالث.
وأما الرابع والخامس فجوابه ما سبق في التأسي والاتباع.
والسادس مساواة حكمنا لحكمه، ولا يلزم وصف أفعاله كلها بالوجوب ليجب فعلنا، وليس في الخلع وجوب به ثم لدليل.
أما (صلوا كما رأيتموني أصلي) أو غيره والتحلل وجب بالأمر لكن رجوا نسخه، فلما تحلل أيسوا بقوله صلى الله عليه وسلم "خذوا عني مناسككم" رواه مسلم.
والغسل بلا إنزال إنما وجب بالقول، كما في مسلم أن أبا موسى سأل عائشة رضي الله عنه ما يوجب الغسل؟ فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل"(1). ولا يلزم من كون الفعل بيانًا أن يوجب ما يوجبه القول.
(1) أخرجه مسلم في كتاب الحيض، باب بيان أن الغسل يوجب الجماع.
راجع صحيح مسلم بشرح النووي (4/ 40 - 41).
القائل بالندب: لأنه اليقين وغالب فعله.
رد لما سبق:
القائل بالإباحة: لأنها متيقنة. رد بما سبق.
القائل بالوقف لاحتماله الجميع ولا صيغة له ولا ترجيح.
رد بما سبق، وبأن الغالب الاختصاص ولا عمل بالنادر.
* * *