الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(مطلب استعيرت العلة عقلًا)
(1)
قوله: (ثم استعيرت عقلًا لما أوجب الحكم العقلي لذاته كالكسر للإنكسار) استعيرت العلة من الوضع اللغوي فجعلت في التصرفات العقلية لما أوجب الحكم العقلي لذاته، كالكسر للإنكسار أي لكونه كسرًا لا لأمر خارج من وضع أو اصطلاح، وهكذا العلل العقلية هي مؤثرة لذاتها بهذا المعنى كالتحرك الموجب للحركة (2).
قوله (3): (ثم استعيرت شرعًا لمعان). أحدها: ما أوجب الحكم الشرعي لا محالة، وهو المجموع المركب من مقتضي الحكم وشرطه ومحله وأهله.
الثاني: مقتضي الحكم وإن تخلف لفوات شرط أو وجود مانع.
(1) العنوان من الهامش.
(2)
انظر: روضة الناظر ص (30)، وشرح مختصر الروضة للطوفي (1 / ق 141 ب) وما بعدها، شرح الكوكب المنير (1/ 440)، والمدخل لابن بدران ص (159).
(3)
في الهامش "مطلب" استعيرت شرعًا.
الثالث: (الحكمة، كمشقة السفر للقصر والفطر، والدين لمنع الزكاة، والأبوة لمنع القصاص).
استعيرت العلة من التصرف العقلي إلى التصرف الشرعي فجعلت فيه لمعان ثلاثة.
أحدها: ما أوجب الحكم الشرعي، أي وجد عنده قطعًا (1).
وهو المجموع المركب من مقتضي الحكم وشرطه وأهله، تشبيهًا بأجزاء العلة العقلية، وذلك لأن الفلاسفة والمتكلمين وغيرهم قالوا: كل حادث لا بد له من علة، لكن العلة إما مادية كالفضة للخاتم والخشب للسرير، أو صورته كاستدارة الخاتم وتربيع السرير، أو فاعلية كالصائغ والنجار، أو غائية كالتحلي بالخاتم والنوم على السرير، فهذه أجزاء العلة العاقلية ومجموعها المركب من أجزائها هو العلة التامة.
فكذلك استعمل الفقهاء لفظ العلة بإزاء الموجب للحكم الشرعي، فالموجب له لا محالة هو مقتضيه وشرطه ومحله وأهله، ومثاله (2) وجوب الصلاة حكم شرعي ومقتضيه أمر الشارع بالصلاة، وشرطه أهلية المصلى لتوجيه الخطاب إليه بأن يكون عاقلًا بالغًا عاريًا (3) عن موانع من حيض ونفاس، ومحله الصلاة وأهله المصلى، وكذلك حصول الملك في البيع والنكاح حكم
(1) انظر: روضة الناظر ص (30)، شرح مختصر الروضة للطوفي (1/ 142 أ)، شرح الكوكب المنير (1/ 441)، المدخل لابن بدران ص (159).
(2)
في الهامش ما يلي (مسألة: الحمد لله مقابلة بأصله ولله الحمد).
(3)
في الأصل: "عار".
شرعي، ومقتضيه حكمة الحاجة إليهما، والإيجاب والقبول فيهما، وشرطه ما ذكره الفقهاء من شروط صحة البيع والنكاح. ومحله هو العين المبيعة والمرأة المعقود عليها، وأهله كون العاقد صحيح العبارة والتصرف.
المعنى الثاني (1): مقتضي الحكم وإن تخلف لفوات شرط أو وجود مانع، مثاله: اليمين هي المقتضية لوجوب الكفارة فتسمى علة له وإن كان وجوب الكفارة إنما يتحقق بمجموع أمرين: الحلف الذي هو اليمين، والحنث فيها، لكن الحنث شرط في الوجوب والحلف هو السبب المقتضي له فقالوا: هو علة، فإذا حلف الإنسان على فعل شيء أو تركه قيل قد وجدت منه علة وجوب الكفارة، وإن كان الوجوب لا يوجد حتى يحنث وإنما بمجرد الحلف انعقد سببه، وكذلك الجرح علة لوجوب القصاص أو الدية وزهوق نفس المجروح شرط، وقد يتخلف الحكم لفوات شرط أو وجود مانع، كالقتل العمد العداون، ويسمى علة لوجوب القود وإن تخلف وجوبه لفوات المكافأة وهي شرط له بأن يكون المقتول عبدًا أو كافرًا، أو لوجود مانع مثل إن كان القاتل والدًا فإن كان (2) الإيلاد مانع من وجوب القصاص.
المعنى الثالث: الحكمة (3) كمشقة السفر للقصر
(1) انظر: روضة الناظر ص (30)، وشر مختصر الروضة للطوفي (1 / ق 142 ب- 143 أ)، والمدخل لابن بدران ص (159)، وشرح الكوكب المنير (1/ 422).
(2)
كذا بالأصل والأوجه أن يقال (إذ كان الإيلاد
…
) الخ.
(3)
انظر: روضة الناظر ص (30)، وشرح مختصر الروضة للطوفي (1 / ق 143 أ - ب) والمدخل لابن بدران ص (160)، شرح الكوكب المنير (1/ 444).
و (الفطر)(1)، والدين لمنع الزكاة، والأبوة لمنع القصاص، فنقول مشقة السفر هي علة استباحة القصر والفطر للمسافر، والدين في ذمة مالك النصاب علة لمنع وجوب الزكاة، والأبوة -أي كون القاتل أبا- علة (لمنع) (2) وجوب القصاص (3) والمراد بحكمة الحكم: المعنى المناسب لتخفيف الصلاة عنه وترك الصوم والله تعالى أعلم.
* * *
(1) تكررت في الأصل.
(2)
ما بين المعكوفين غير موجود في الأصل ويقتضيه السياق.
(3)
قال الشوكاني -عن هذا المثال-: "وفي هذا المثال الذي أطبق عليه جمهور أهل الأصول نظر لأن السبب المقتضي للقصاص هو فعله لا وجود الابن ولا عدمه ولا يصح أن يكون ذلك حكمة مانعة للقصاص، ولكنه ورد الشرع بعدم ثبوت القصاص لفرع من أصل" أ. هـ. إرشاد الفحول ص (7).