المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(مطلب الكلام عند الأشاعرة) - شرح مختصر أصول الفقه للجراعي - جـ ١

[الجراعي]

فهرس الكتاب

- ‌«من أوله إلى بداية مسائل الخبر»

- ‌(مطلب أصول الفقه)

- ‌تنبيهات:

- ‌تنبيهات:

- ‌(الفقيه)

- ‌(مطلب معرفة أصول الفقه فرض كفاية وقيل: عيني)

- ‌تنبيهات:

- ‌(الدليل لغة)

- ‌(العلم يحد عند أصحابنا)

- ‌(مطلب علم الله تعالى قديم)

- ‌(علم المخلوق)

- ‌(الذكر الحكمي)

- ‌(العقل)

- ‌(مطلب العقل يختلف)

- ‌(محله القلب)

- ‌(إحداث الموضوعات اللغوية)

- ‌(الحد)

- ‌(أقسامها مفرد ومركب)

- ‌(الدلالة اللفظية)

- ‌تنبيهات:

- ‌(مطلب المركب جملة وغير جملة)

- ‌(مسألة: المشترك واقع)

- ‌(المترادف واقع)

- ‌(الحقيقة)

- ‌(المجاز اللفظ المستعمل في غير وضع أول)

- ‌(مسألة)

- ‌(اللفظ قبل استعماله لا حقيقة ولا مجاز)

- ‌(بما يعرف المجاز)

- ‌(الحقيقة لا تستلزم المجاز)

- ‌(المجاز واقع)

- ‌(مطلب وهو في القرآن)

- ‌(مطلب قد يكون المجاز في الإسناد)

- ‌(مطلب المجاز في الأفعال والحروف)

- ‌(مطلب لا يكون في الأعلام)

- ‌(يجوز الاستدلال بالمجاز)

- ‌(إذا دار اللفظ بين المجاز والاشتراك فالمجاز أولى)

- ‌(مطلب في تعارض الحقيقة المرجوحة والمجاز)

- ‌(الحقيقة الشرعية)

- ‌(مسألة في القرآن المُعَرَّب)

- ‌(المشتق فرع وافق أصلًا)

- ‌(إطلاق الاسم المشتق قبل وجود الصفة المشتق منها مجاز)

- ‌(شرط المشتق)

- ‌(لا يشتق اسم الفاعل)

- ‌(تثبت اللغة قياسًا)

- ‌(الحروف)

- ‌(الواو)

- ‌(الفاء)

- ‌(من)

- ‌(على)

- ‌(في)

- ‌(اللام)

- ‌(ليس بين اللفظ ومدلوله مناسبة)

- ‌(مبدأ اللغات توقيف من الله تعالى)

- ‌(مطلب لا حاكم إلا الله تعالى)

- ‌تنبيهات:

- ‌(فعل الله تعالى وأمره لعلة وحكمة)

- ‌(شكر المنعم)

- ‌(الأعيان المنتفع بها قبل السمع على الإباحة)

- ‌(الحكم الشرعي: قيل خطاب الشرع)

- ‌(مسألة الخطاب باقتضاء الفعل مع الجزم)

- ‌(باب الواجب)

- ‌(مطلب الفرض والواجب)

- ‌(الأداء: ما فعل في وقته)

- ‌(القضاء)

- ‌(مطلب فإن آخره لعذر)

- ‌(مطلب الإعادة)

- ‌(فرض الكفاية)

- ‌(مطلب يلزم بالشروع)

- ‌(فرض العين أفضل)

- ‌(مطلب الأمر بواحد من أشياء)

- ‌تنبيهات:

- ‌(إذا علق وجوب العبادة)

- ‌(من أخّر الواجب)

- ‌(مطلب ما لا يتم الوجوب به)

- ‌(مطلب ما لا يتم الواجب إلا به أعنى واجب)

- ‌(مطلب إذ كنى الشارع عن العبادة)

- ‌(مطلب: يجوز أن يحرم واحد لا بعينه)

- ‌(مبحث لطيف)

- ‌(مطلب: يجتمع في الشخص الواحد ثواب وعقاب)

- ‌(الصلاة في الدار المغصوبة)

- ‌(مطلب ما يلزم سيدنا الإِمام أحمد عند الغزالي والرد على الغزالي)

- ‌(من خرج من أرض الغصب تائبًا)

- ‌(مطلب لو توسط جمعًا من الجرحى)

- ‌(الندب لغة)

- ‌(مطلب الندب تكليف)

- ‌(مسألة: إذا طال الواجب الموسع)

- ‌(المكروه)

- ‌(الأمر المطلق)

- ‌(مطلب المباح)

- ‌(خطاب الوضع)

- ‌(مطلب وللعلم المنصوب أصناف أحدها العلة)

- ‌(مطلب استعيرت العلة عقلًا)

- ‌(مطلب الصنف الثاني السبب)

- ‌(مطلب الثالث: الشرط)

- ‌(مطلب إن قيل الحكم كما يتوقف على وجود سببه يتوقف على وجود شرطه فما الفرق)

- ‌(مطلب الصحة والفساد عندنا من باب خطاب الوضع)

- ‌(مطلب المصلحة في العبادات)

- ‌(مطلب البطلان والفساد)

- ‌(مطلب العزيمة)

- ‌(مطلب الرخصة)

- ‌تنبيهات:

- ‌(مطلب التكليف بالمحال)

- ‌(مطلب: الأكثر على أن حصول الشرط الشرعي ليس شرطًا)

- ‌(مطلب الجن مكلفون في الجملة)

- ‌(مطلب لا تكليف إلا بفعل)

- ‌(مطلب ينقطع التكليف حال حدوث الفعل)

- ‌(مطلب المحكوم عليه)

- ‌(مطلب: شرط التكليف)

- ‌تنبيهان:

- ‌(مطلب المكره)

- ‌(مطلب يتعلق الأمر بالمعدوم)

- ‌(الأمر بما علم الآمر انتفاء شرط وقوعه صحيح)

- ‌(مطلب الأدلة الشرعية)

- ‌(مطلب الأصل الكتاب)

- ‌(مطلب: الكتاب كلام الله)

- ‌(مطلب الكلام عند الأشاعرة)

- ‌(مطلب: القرآن معجز بنفسه)

- ‌(مطلب: ما لم يتواتر فليس بقرآن)

- ‌(القراءات السبع)

- ‌(ما صلح من الشاذ ولم يتواتر)

- ‌(الشاذ حجة)

- ‌(في القرآن المحكم والمتشابه)

- ‌(ولا يجوز أن يقال في القرآن ما لا معنى له)

- ‌(مطلب: وفيه ما لا يفهم معناه إلا الله)

- ‌(مطلب لا يجوز تفسيره برأي)

- ‌(بيان السنة)

- ‌(مسألة ما كان من أفعاله عليه السلام

- ‌(فعل الصحابي)

- ‌(مطلب الإجماع)

- ‌(يجوز ثبوت الإجماع)

- ‌(مطلب دلالة كونه حجة)

- ‌(مطلب وفاق من سيوجد لا يعتير اتفاقا)

- ‌ لا يختص الإجماع بالصحابة

- ‌(لا إجماع مع مخالفة واحد)

- ‌(التابعي المجتهد معتبر مع الصحابة)

- ‌(إجماع أهل المدينة)

- ‌(مطلب قول الخلفاء الراشدين مع مخالفة مجتهد)

- ‌(ولا ينعقد الإجماع بأهل البيت وحدهم)

- ‌(مطلب لا يشترط عدد التواتر)

- ‌(مطلب إذا أفتى واحد وعرفوا به قبل استقرار المذاهب)

- ‌(مطلب لا يعتبر لصحة الإجماع انقراض العصر)

- ‌(مطلب لا إجماع إلا عن مستند)

- ‌(مطلب إذا أجمع على قولين ففي إحداث ثالث أقوال)

- ‌(مطلب: يجوز إحداث دليل وعلة)

- ‌(مطلب اتفاق العصر الثاني على أحد قولي الأول)

- ‌(مطلب: اتفاق مجتهد عصر بعد الخلاف)

- ‌(مطلب اختلفوا في جواز عدم علم الأمة بخبر أو دليل)

- ‌(مطلب منكر حكم الإجماع الظني لا يكفر)

الفصل: ‌(مطلب الكلام عند الأشاعرة)

(مطلب الكلام عند الأشاعرة)

(1)

قوله: (الكلام عند الأشعرية مشترك بين الحروف المسموعة والمعنى النفسي، وهو نسبة بين مفردين قائمة بالمتكلم وعندنا لا اشتراك).

ذكر ابن برهان عن الأشعري في المسألة ثلاثة أقوال (2):

أحدها: الاشتراك (3) كما ذكره المصنف.

والثاني: أنه حقيقة في اللفظ (مجاز)(4) في مدلوله.

والثالث: عكسه، مجاز في اللفظ حقيقة في مدلوله.

قالوا: والدليل على الاشتراك الاستعمال، لأنه قد استعمل لغة وعرفا فيهما، والأصل في الاطلاق الحقيقة، فيكون مشتركا.

(1) العنوان من الهامش.

(2)

انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص (145)، وشرح الكوكب المنير (2/ 11)، والوصول إلى الأصول فتاوى شيخ الإسلام (12/ 67).

(3)

وبهذا قال أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب وأتباعه، انظر شرح الكوكب المنير (2/ 9).

(4)

في الأصل: "مجازا".

ص: 505

أما استعماله في العبارات فكثير ظاهر، كقوله تعالى:{يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ} (1) وقوله تعالى: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} (2).

وأما استعماله في المعنى النفسي وهو مدلول العبارة فكقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ} (3) وقوله تعالى: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ} (4) وقول عمر رضي الله عنه يوم السقية: زورت (5) في نفس كلاما (6).

وقول الشاعر وهو الأخطل (7):

أن الكلام من (8) الفؤاد وإنما

جعل اللسان على الفوائد دليلًا

(1) سورة البقرة: (75).

(2)

سورة التوبة: (6).

(3)

سورة المجادلة: (8).

(4)

سورة الملك: (13).

(5)

زور الشيء بمعنى حسنه وقوّمه. انظر: القاموس المحيط (2/ 44).

(6)

انظر: سيرة ابن هشام (4/ 227)، ووردت هذه الكلمة عن عمر في صحيح البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها (3667 - 3668) بلفظ (هيأت) وانظر فتح الباري (7/ 19 - 20).

(7)

هو أبو مالك غياث بن غوث التغلبي النصراني شاعر الأمويين، وتفرد بالتعمق بوصف الخمر وقد ذم الأخطل من مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم أعني الأنصار، وتوفي سنة (125 هـ).

انظر: الشعر والشعراء (1/ 393)، وجواهر الأدب (2/ 147 - 149) ومقدمة ديوانه المطبوع.

(8)

كذا في الأصل والمشهور "لفى الفؤاد" انظر: شرح الكوكب المنير (2/ 10).

ص: 506

قوله: "وهو نسبة بين مفردين" أي الكلام النفسي نسبة بين مفردين -المحكوم عليه والمحكوم به- يصح السكوت عليها قائمة بذات المتكلم.

قال بعضهم: ويعنون بـ "النسبة بين المفردين" تعلق أحدهما بالآخر وإضافته إليه لا على جهة الإسناد (الإفادي)(1) أي يجب إذا عبر عن تلك النسبة بلفظ يطابقها ويؤدي معناها أن يكون ذلك اللفظ إسناديًا (2) إفاديًا كما تقدم في الكلام اللفظي أنه ما تضمن كلمتين بالإسناد.

ومعنى قيام هذه النسبة بالمتكلم على ما كشف عنه الفخر في "الأربعين"(3) هو أن الشخص إذا قال لغيره: اسقنى ماءً فقبل أن يتلفظ بهذه الصيغة قام بنفسه تصور حقيقة السقي وحقيقة الماء والنسبة الطلبية بينهما، فهذا هو الكلام النفسي والمعنى القائم بالنفس، وصيغة "اسقني ماءً" عبارة عنه ودليل عليه.

وقوله "وعندنا لا اشتراك " أي عند أحمد وأصحابه رضي الله عنه، وكذا عند الجمهور لا اشتراك، بل الكلام إنما هو الأصوات والحروف (4) والمعنى النفسي لا يسمى كلامًا أو يسمى مجازًا.

(1) في الأصل: "والإفادى".

(2)

انظر: شرح الكوكب المنير (2/ 11)، ومختصر ابن الحاجب بشرح العضد (2/ 17 - 18)، وجمع الجوامع بشرح المحلى (2/ 103).

(3)

راجع الأربعين في أصول الدين للرازي ص (174).

(4)

هذا هو المذهب الحق الذي دلت عليه النصوص وعليه أئمة السلف.

انظر: الرد على الجهمية والزنادقة للإمام أحمد ص (133)، =

ص: 507

والدليل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع أهل اللغة والعرف.

أما الكتاب فقوله تعالى: {قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} (1) فلم يسم الإشارة كلامًا. وقال لمريم: {فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} (2).

وأما السنة: ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عفا لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم"(3).

= وشرح العقيدة الطحاوية ص (197) وما بعدها، ومجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (2/ 243 - 245)، وكتاب الإيمان له ص (127) وما بعدها ومختصر الصواعق المرسلة (2/ 293) وما بعدها، مذكرة أصول الفقه ص (54 - 55).

(1)

سورة مريم: (10 - 11).

(2)

سورة مريم: (26).

(3)

تبع الشارح وكذلك الفتوحي الموفق في ذكر هذا الحديث ويجمع اللفظ المذكور بين حديثين:

الأول: حديث أبي هريرة الذي رواه ابن ماجه وسبق تخريجه وهو بلفظ: "إن الله تجاوز لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".

الثاني: حديث أبي هريرة الذي أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تتكلم" وبنحوه أخرجه مسلم.

ولعل سبب الخلط بين الحديثين كما ذكر محققا شرح الكوكب المنير هو الحديث الذي رواه ابن ماجه (2044) عن أبي هريرة مرفوعًا "إن الله تجاوز لأمتي عما توسوس به صدورها ما لم تعمل أو تتكلم به وما استكرهوا عليه".

انظر: صحيح البخاري (6664)(11/ 548) وصحيح مسلم (2/ 147) وسنن ابن ماجه (1/ 659)، وشرح الكوكب المنير بتحقيق الزحيلي ونزيه حماد (2/ 31) وروضة الناظر ص (98).

ص: 508

وقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ: (1) أمسك عليك لسانك، قال يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به بألسنتنا؟ فقال: ثكلتك أمك وهل يكب (2) الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم (3) إلا حصائد ألسنتهم (4).

وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا قال الإمام (ولا الضالين) فقولوا (آمين)(5) ولم يرد بذلك ما في النفس.

(1) هو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصارى الخزرجي (أبو عبد الرحمن) الصحابي الجليل وإليه المنتهى في العلم بالحلال والحرام والقرآن، وكان وسيمًا سخيًا شهد بدرًا والمشاهد كلها وأمره النبي عليه السلام على اليمن ومناقبه كثيرة، توفي سنة (18 هـ).

انظر ترجمته: في الإصابة (3/ 426 - 427)، وأسد الغابة (5/ 194 - 197)، وشذرات الذهب (1/ 139).

(2)

كبه بمعنى قلبه وصرعه. انظر تحفة الأحوذي (7/ 365)، والقاموس المحيط (1/ 125).

(3)

مناخر جمع منخر بفتح الميم وكسر الخاء وبفتحها ثقب الأنف، عن تحفة الأحوذي (7/ 365).

(4)

هذه قطعة من حديث معاذ الطويل أخرجه الترمذي في أبواب الإيمان (2749) وقال حديث حسن صحيح والنسائي وابن ماجه في كتاب الفتن (3973) وأحمد.

انظر: جامع الترمذي (7/ 362 - 365)، وسنن ابن ماجه (2/ 1314 - 1315) ومسند أحمد (5/ 231 - 237)، وجامع العلوم والحكم ص (236).

(5)

أخرجه مسلم في كتاب الصلاة من حديث أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا يقول: "لا تبادروا الإمام، إذا كبر فكبروا وإذا قال: ولا الضالين فقولوا آمين". الحديث وأخرجه أحمد عنه بأتم منه. انظر صحيح مسلم (4/ 134)، والمسند للإمام أحمد (2/ 440).

ص: 509

وقسم أهل اللسان الكلام إلى اسم وفعل وحرف (1).

وأيضًا: فإن الكلام مشتق من الكلم لتأثيره في نفس السامع، والمؤثر في نفس السامع إنما هو العبارات لا المعاني النفسية، نعم المعاني النفسية مؤثرة للفائدة بالقوة، والعبارة مؤثرة بالفعل فكانت أولى بأن تكون حقيقة وما يؤثر بالقوة مجازًا.

وقولهم (2)"استعمل لغة وعرفًا فيهما" قلنا: نعم لكن بالاشتراك أو بالحقيقة فيما ذكرناه والمجاز فيما ذكرتموه الأول ممنوع لأنه إذا دار الأمر بين الاشتراك والمجاز فالمجاز أولى.

قولهم الأصل في الإطلاق الحقيقة، قلنا: والأصل عدم الاشتراك.

وأيضًا: فلفظ الكلام أكثر ما استعمل في العبارات، وكثرة موارد الاستعمال تدل على الحقيقة.

وأما قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ} (3) فمعناه يقول بعضهم لبعض (4)، أو هو مجاز لأنه إنما دل على المعنى النفسي

(1) والمعنى النفسي خارج عن هذه الأقسام.

(2)

هذا رد على القائلين بأن الكلام مشترك بين المعنى النفسي والعبارات أو هو المعنى النفسي، وذكر ابن القيم في الكافية بشرح النونية أن شيخ الإسلام ابن تيمية رد كلام النفس من تسعين وجهًا وراجع في ذلك كتاب الإيمان لشيخ الإسلام ص (128) وما بعدها والكافية الشافية مع شرحها للنجدي (1/ 206 و 225 و 264)، وشرح الكوكب المنير (2/ 14) وما بعدها، وفتح الباري (3/ 453).

(3)

سورة المجادلة: (8).

(4)

أي يقولون ذلك فيما بينهم في الباطن، وهذا ما ذكره المفسرون، انظر: تفسير ابن كثير (4/ 323)، وفتح القدير للشوكاني (5/ 187).

ص: 510

بالقرينة، ولو أطلق لما فهم منه إلا العبارة وكذلك كل ما جاء من هذا الباب، إنما يفيد مع القرينة، وهذا شأن المجاز، ومنه قول عمر رضي الله عنه "زوت (1) في نفسي كلاما" إنما أفاد ذلك بقرينة قوله "في نفسي"(2) وسياقا القصة.

وأما قوله تعالى: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ} فلا حجة فيه لهم، لأن الإسرار نقيض الجهر، وكلاهما عبارة أرفع صوت من الأخرى (3).

وأما الشعر الذي نسب إلى الأخطل فليس هو في نسخ ديوانه (4) وإنما هو لابن ضمضم (5) ولفظه:

إن البيان من الفؤاد وإنما

جعل اللسان على الفؤاد دليلًا

(1) قال ابن الأثير في النهاية (2/ 318)، زوت بمعنى هيأت وأصلحت والتزوير، إصلاح الشيء. وكلام مزور أي محسن.

(2)

قول عمر هذا حجة عليهم لأن معنى "زورت في نفسي" أي هيأت في نفسي كلمة وأعددتها لأقولها بدليل وردها عنه في صحيح البخاري بلفظ "هيأت" كما سبق فلفظ الكلمة يدل على أنه قدر في نفسه ما يريد أن يقوله ولم يقله فعلم أنه لا يكون كلامًا إلا إذا قيل باللسان وقبل ذلك لا يكون كلامًا.

انظر: الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية ص (131).

(3)

كذا في الأصل وصواب العبارة أن يقال: (كلاهما عبارة إنما أحدهما أرفع صوتا من الأخرى).

(4)

المرجع السابق ص (132).

(5)

في الأصل "ضمضام" وهو سعيد بن ضمضم الكلابي أبو عثمان كان فصيحًا، ووفد على الحسن بن سهل -وزير المأمون الخليفة العباسي المشهور- وله فيه أشعار جياد.

انظر: أنباه الرواة للقفطي (4/ 187).

ص: 511

فغيروه وقالوا:

إن الكلام من الفؤاد وإنما

جعل اللسان على الكلام دليلا

وإن صح أن الأخطل قاله كما قالوه فالأخطل نصراني إسلامي، وهو من تقدمه من شعراء الجاهلية إنما يحتج بقولهم في موضوعات لغة العرب ومعرفة الكلام، وأما ما يشترك فيه العرب وسائر الناس فلا يحتج فيه ببيت نادر مع ظهور فساده (1).

وبتقدير صحته على ما قالوا لم يجز أن يوصف الله تعالى بالكلام (2) أصلًا فإنه تعالى ليس بذي فؤاد تعالى الله عن ذلك علوا كبيرًا (3).

وأيضًا: فأهل العرف متفقون على أن من لم ينطق ليس بمتكلم، ولو حلف لم يتكلم فلم ينطق لم يحنث إجماعًا (4).

قوله: (قال إمامنا: لم يزل الله متكلمًا إذا شاء)(5) أهل العلم من أهل السنة والآثار على أن الله تعالى لم يزل متكلمًا إذا

(1) راجع شرح العقيدة الطحاوية ص (198)، وشرح الكوكب المنير (2/ 41).

(2)

قال الفتوحي نقلًا عن ابن قدامة: لا تصح إضافة ما ذكروه إلى الله تعالى، فإنه جعل الكلام في الفؤاد، والله سبحانه وتعالى لا يوصف بذلك، شرح الكوكب المنير (2/ 43).

(3)

قال ابن قدامة: ومن أعجب الأمور أن خصومنا ردوا على الله ورسوله وخالفوا جميع الخلق من المسلمين وغيرهم فرارًا من التشبيه على زعمهم ثم صاروا إلى تشبيه أقبح وأفحش من كل تشبيه. أ. هـ.

عن المرجع السابق (2/ 44).

(4)

انظر: روضة الناظر ص (98).

(5)

انظر: الرد على الجهمية والزنادقة للإمام أحمد ص (133).

ص: 512

شاء بكلام مسموع مفهوم، لأن الكلام من صفات الحي القادر، وضده من النقائص، والله تعالى منزه عنها (1).

* * *

(1) راجع شرح الكوكب المنير (2/ 106)، ومجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (12/ 369).

ص: 513