الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدّمة
1 - [الجزائر]
هذا الجزء الأخير من تاريخ الأدب العربى خاص بالجزائر والمغرب الأقصى وموريتانيا والسودان بدأته بالحديث عن الجزائر وجغرافيتها وتاريخها القديم أيام الفينقيين والرومان والوندال والبيزنطيين وولاتها أيام الدولتين الأموية والعباسية وتبعية القسم الشرقى منها لتونس أيام الدولة الأغلبية وتأسيس الخوارج الإباضيين للدولة الرستمية فى تاهرت، وأسس إدريس الحسنى دولة الأدراسة فى فاس، وقضت الدولة العبيدية على الدول الثلاث: الأدارسة والرستمية والأغلبية، واتخذت القيروان عاصمة لها ثم المهدية. ويتحول المعز العبيدى بتلك الدولة إلى القاهرة وتشتهر باسم الدولة الفاطمية وينيب عنه فى تونس والبلاد المغربية بلكين الصنهاجى، وجعلها وراثية فى أبنائه، وتتطور الظروف ويعلن المعز بن باديس حفيده استقلاله بالمغرب وتونس وإسقاط الدعوة العبيدية من بلاده، فيسلط عليه الخليفة الفاطمى المستنصر أعراب بنى هلال وبنى سليم النازلين بشرقى الصعيد، وكانوا نصف مليون أو يزيدون، فزحفوا على ليبيا وتونس، واستولوا على القيروان وغيرها من المدن، وأهلكوا الحرث والنسل. وكان حماد بن بلكين عم المعز بن باديس استقل فى بجاية شرقى الجزائر واستطاع أبناؤه أن يداوروا بنى هلال وتسلم لهم دولتهم إلى أن قضى عليها عبد المؤمن زعيم الموحدين، وأسس أحد ولاة دولته الدولة الحفصية فى تونس وشرقى الجزائر. وفى نفس التاريخ قامت دولة بنى عبد الواد أو بنى زيان فى تلمسان وغربى الجزائر، وتتدهور الدولتان منذ أوائل القرن العاشر الهجرى ويستولى الإسبان على مدن متعددة، فى الساحل الجزائرى، شرقية وغربية، ويغضب للجزائر بطلان تركيان من رجال البحر هما عروج وخير الدين. وتحرّر الساحل الجزائرى فيما عدا مدينتى المرسى الكبير ووهران، وتتحرر مدينة المرسى الكبير سريعا، وتبعت الجزائر الدولة العثمانيّة وظلت تابعة لها إلى أن احتلتها فرنسا سنة 1246 هـ/1830 م.
وتنزل الجزائر-مع أهلها من البربر-عناصر من أجناس آسيوية وإفريقية وأوربية: فينيقية. وقرطاجية ورومانية ويهودية وألمانية من الوندال وبيزنطية ثم حملة مشاعل الدين الحنيف من
جنود العرب والشعوب الإسلامية التى انتظمت فى جيوشهم. وظل ينزلها فى المدن الساحلية بعض اليهود، وهاجر إليها جمهور السكان فى صقلية حين استولى عليها النورمان وكتلة كبيرة من مسلمى الأندلس حين استولى عليها نصارى الإسبان، وجلب إليها قراصنتها كثيرا من نصارى أوربا كما جلب إليها ولاتها العثمانيون حاميات من الانكشارية: ترك وغير ترك، وكل هذه العناصر ذابت فى الجزائر لما تمتاز به من قوة الشخصية.
وأساس المعيشة فى الجزائر زراعة القمح والشعير ورعى الأنعام، وتكثر بها أشجار النّقل والفواكه من كل صنف، كما تكثر الصناعات اليدوية وصناعة الحلى وأوانى الخزف والمنسوجات الكتانية والقطنية والصوفية والحريرية، ومعاصر الزيتون كانت منتشرة فى بلدان مختلفة، ومواد البناء كانت متوفرة، ولذلك كثرت إقامة المدن الجديدة، وكثر على السواحل صيد السمك والحيتان. وازدهرت التجارة واتسع الثراء وجرّ إلى رفه فى الملبس والمأكل والمسكن، حتى لنشعر إزاء تلمسان وبعض المدن أنها متحضرة حضارة حقيقية. ويتمم هذه الحضارة وما طوى فيها من رفه عناية الجزائريين بالموسيقى. وعرفت الجزائر الديانتين النصرانية واليهودية، ولا يكاد يمر نصف قرن-بعد الفتح-حتى يصبح شعبها إسلاميا عربيا، وكانوا سنية على مذهب مالك إلا ما كان من تاهرت وقيام دولة الإباضية فيها لنحو قرن ونصف. وتكاثر فى محيط تلك الدولة المعتزلة وحملوا السلاح ضد الإباضية ولم يكتب لهم النصر. ونشط المذهب الحنفى فى عهد العثمانيين، ولكن عامة الجزائريين ظلت مالكية إلى اليوم. وشاعت فى الجزائر نزعة صوفية، ونزلها بعض أصحاب التصوف الفلسفى الأندلسى وفى مقدمتهم أبو مدين شعيب، غير أن التصوف السنى هو الذى ساد فى الجزائر وانتشرت طريقتاه القادرية والشاذلية.
وكان أول من قام على الحركة العلمية بالجزائر الفاتحون الناشرون للإسلام، إذ كان الجندى الفاتح بمجرد أن يضع قدمه فى بلدة أو قبيلة يأخذ فى تحفيظ معتنقى الإسلام القرآن الكريم أو بعض سوره وبعض كلم العربية فى التخاطب وفروض الإسلام ونوافله. وأخذت الحركة العلمية فى الجزائر تنمو سريعا بفضل الكتاتيب والمساجد وما بها من حلقات الشيوخ حيث تلقى محاضرات فى مختلف العلوم الشرعية واللغوية. وزاد الحركة سرعة فى النمو تأسيس المدارس والزوايا وإنشاء المكتبات فيهما وفى المساجد، وكانت ترعى الحركة العلمية الدول التى نشأت فى الجزائر، الدولة الإباضية فى تاهرت ودولة بنى حماد فى بجاية وقلعتها ودولة بنى زيان أو بنى عبد الواد فى تلمسان، وكان من العوامل القوية فى نشاط الحركة العلمية بالجزائر نزوح الأندلسيين إليها بالآلاف فى القرن السابع الهجرى والحادى عشر. وعرضت علماءها الأعلام فى علوم الأوائل الرياضية والفلكية والطبية وفى الفلسفة وعلم المنطق، وبالمثل
فى علوم اللغة والنجو والعروض والبلاغة، وفى علوم القراءات والتفسير والحديث والفقه والكلام والتاريخ. ومع كل علم من عشرات هؤلاء الأعلام فى الميادين العلمية أهم كتبه، ومع كل علم ما يصور تطوره فى مختلف العصور،
وكانت اللاتينية منتشرة فى الساحل الشمالى للجزائر قبل الإسلام، وكان الشعب الجزائرى يتكلم البربرية لغة آبائه وقومه، وأخذت العربية تقهر اللغتين فى ألسنة البربر، لأنها لغة دينهم الحنيف، وبدون ريب تعربت المدن الكبيرة منذ القرن الثانى للهجرة، وخاصة المدن الشمالية أما فى الداخل والجبال فيظل يغلب على الناس التخاطب بالبربرية فى حياتهم اليومية. وأتمت الزحفة الأعرابية فى منتصف القرن الخامس الهجرى تعرب الجزائر، والمظنون أن لغة الأعراب الفصيحة أخذت تفسد منذ القرن السابع وأخذ ينشأ شعر شعبى على نحو ما نعرف فى قصة الهلالية، غير أن الشعر الفصيح ظل هو المسيطر، وله الكلمة العليا، وقد أخذ يكثر شعراؤه، وذكرت أعلامهم فى الدول والعصور المختلفة. ثم أخذت أفصّل الحديث عن شعراء المديح وأهمهم على مر الزمن والدول، وترجمت منهم لعبد الكريم النهشلى وعبد الله بن محمد التنوخى (قاضى ميلة) وابن خميس ومحمد بن يوسف القيسى الثغرى التلمسانى والشهاب بن الخلوف ومحمد القوجيلى. وعرضت شعراء الفخر، ومن أعلامه أبو حمو موسى الثانى، وبالمثل شعراء الهجاء، ومن كبار الهجائين بكر بن حماد التاهرتى وسعيد المنداسى، كما عرضت أصحاب الشعر التعليمى ومن أفذاذهم عبد الرحمن الأخضرى ناظم السلم المرونق فى علم المنطق. وتحدثت عن شعراء الغزل على مر العصور وترجمت لأهم أعلامه: محمد بن أحمد الأريسى وابن على، وعرضت شعراء وصف الطبيعة مع الترجمة لإبراهيم بن عبد الجبار الفجيجى التلمسانى وتحليل ملحمته فى الصيد. وتناولت شعراء الرثاء على مر الزمن، وترجمت لعلمه: محمد بن على بن حماد القلعى. وعرضت شعر الزهد والتصوف وترجمت لعلمين هما أبو العيش بن عبد الرحيم الخزرجى وإبراهيم التازى. وتحدثت عن شعراء المدائح النبوية على مر التاريخ الجزائرى، وترجمت لمحمد بن عبد الله العطار، وله ديوان فى المديح النبوى الشريف.
وتحدثت عن الخطب والوصايا فى عهد الدولة الرستمية وفى بجاية وتلمسان مع الإلمام بكتاب واسطة السلوك فى سياسة الملوك، وهو وصية كبيرة قدمها أبو حمو موسى الثانى لابنه: أبى تاشفين. وعرضت الرسائل الديوانية فى عهد الدولة الإباضية والدولة الحمادية ودولة بنى زيان أو بنى عبد الواد فى تلمسان، وبالمثل فى العهد العثمانى، كما عرضت الرسائل الشخصية، وحلّلت رسالة ابن الربيب المشهورة ملاحظا شيوع السجع فى الرسائل الشخصية حتى نهاية العهد العثمانى. ويكتب الأدباء مقامات أشبه برسائل أدبية يتناولون فيها بعض الموضوعات دون أى اهتمام بتقاليد مقامات الهمذانى والحريرى القائمة على الكدية والشحاذة الأدبية.