الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكريمة من العلاء والشرف والعلم، وينصرفوا عن الملاهى والمفاسد، ويؤدوا واجباتهم الدينية من الفروض والسنن، حتى تصبح حياة الشعب عزيزة كريمة، وحتى يشعر كل غنى بواجبه من عون أخيه الفقير، وحتى لا يقعد القوى عن قيامه بواجبه لأمته، وحتى لا ينقبض سودانى عن بيان رأيه السديد فى كل ما يعود على الأمة السودانية بالخير. وينشد له صاحب كتاب الشعر فى السودان قصيدة (1) طويلة بعنوان: دمعة على اللغة العربية، وهو فيها يعرض ازدهارها وعلماءها وشعراءها النابهين ورجالاتها فى العصور الماضية، ويطيل فى بكائها وعويله على ما صارت إليه فى العصر الحاضر من ضيم شديد، ويرد ذلك إلى ما أصاب أبناءها من النوم والهوان، يقول:
أطلت عتبى على الأيام حين جنت
…
عليك فاستلبت أبهى مزاياك
ولو أجابت لقالت إنهم نفر
…
ناموا فحالت بما ناموا سجاياك
ولو أجابت لقالت إن قومك قد
…
رضوا الهوان فطالت فيه سكناك
لو قدّروك لعادت فيك ناضرة
…
روح الحياة وسرّ الكون محياك
وهو يقول للغة العربية التى يبكيها فى قصيدته إنه أطال عتابه على الأيام لما جنت عليها وسلبتها بلاغتها الرائعة، ويقول إن الأيام لو أجابت على هذه التهمة لتعللت بأن أبناءها ناموا على النهوض بها فتغيرت روعتها البيانية، بل لتعللت بأنهم رضوا الهوان، فطال سكناها له معهم، ولو قدّروها فى عصرنا حق قدرها لعادت روح الحياة فى أعطاف جسمها ناضرة، وسرّ الكون عودتها إلى الحياة. والشاعر بذلك يستثير قومه للنهوض بالعربية، فينعتهم بالنوم والهوان كى يثوروا غضبا ويحققوا للعربية كل ما يمكن من ازدهار ورونق وبهاء. وللشاعر نبويات متعددة منها نبوية طويلة شطر فيها بردة البوصيرى، وله أيضا شعر اجتماعى كثير.
صالح (2) عبد القادر
لا نعرف شيئا عن نشأته، غير أنه درس فى كلية غردون، مثل كثير من الشعراء المعاصرين له، وعكف فيها على قراءة كتب الأدب ودواوين الشعر واستيقظت فيه ملكة الشعر، وتخرج فيها وعمل موظفا بالبريد. وتغلب على أشعاره مسحة الحزن والشكوى، ويقول محمد عبد الرحيم إنه كان دائما فى صراع مع الأيام، يعانى من نكد العيش. ويقول الأستاذ مصطفى طيب الأسماء إنه ممن شرّدوا وسجنوا فى سبيل الوطنية، واعتقل بمصر متهما بالاشتراك فى قتل
(1) انظر القصيدة فى ديوان البناء 1/ 96.
(2)
انظر فى ترجمة
صالح عبد القادر
وشعره نفثات اليراع ص 153، وشعراء السودان ص 147، والشعر الحديث فى السودان للدكتور محمد إبراهيم الشوش ص 110 وكتاب دور الأدب فى النضال الوطنى فى السودان لمصطفى طيب الأسماء ص 31.
السيرلى ستاك: حاكم السودان وسردار الجيش المصرى هناك، وثبتت براءته فردّت إليه حريته. وشعره يتوزع بين نقد عنيف لأمته وشكوى صارخة من الزمن، ومن النوع الأول قوله فى قومه: أهل السودان:
قوم قيام الفضل بين صدورهم
…
كقيام هود بين أمة هود
لا يشعرون بما ألّم بشعبهم
…
فكأنما قدّوا من الجلمود (1)
ومن الحجارة ما يلين وإنهم
…
لا يعبئون بقارص التنديد (2)
يا أمة غفلت وطال جمودها
…
ماذا كسبت بغفلة وجمود
وهو يبالغ فى استثارته لأمته فيقول إن قومه لا يمكن أن يؤتى الفضل ثماره بينهم فمثله فيهم كمثل هود فى قومه لا يشعرون أى شعور بما حل بهم من هوان، وكأنما خلقوا من صخر، ومن الصخر والحجارة ما يلين أما هم فلا يلينون ولا يحفلون بأى تنديد مهما كان شديدا عنيفا، ويقول إنهم أحالوا دنيانا شقاء وأغلالا، ويهتف بأمته ضجرا غاضبا ناعتا لها بالغفلة والجمود. ودائما كان يشكو من الزمن وما ينزل به من الكوارث والخطوب، وإنه ليصرخ:
ألا هل معين أو مواس فأشتكى
…
إليه هموما بتّ عفوا لها ملقى
إلى الدّهر أشكو وهو عنّى معرض
…
أصمّ فلم يسمع ولم يحسن النّطقا
صموت ويقضى كلّ ما لا أريده
…
فيا بئس ما يقضى ويا شرّ ما ألقى
وأسأله سلما فيشهر سيفه
…
فيا دهر ما أقسى ويا بؤس ما أبقى
تحملت طفلا منك كلّ عظيمة
…
وما العدل أنى بعد ذا علقما أسقى
وتطلب منى أن أغيّر مبدئى
…
فيا بعد مطلوب به طارت العنقا (3)
وهو يتمنى معينا له أو مواسيا ليشتكى إليه هموما ثقالا باتت جاثمة على صدره، ويقول إنه يشكو إلى الدهر، والدهر معرض عنه كأنه أصم لا يسمع ولا ينطق، صامت ويقضى بكل ما لا أريده، فذمّا لما يقضى به ويا شر ما ألقى من الآلام الطوال، وأضرع إليه أن يسالمنى فيشهر سيفه ويسلّه لحربى، فما أقساه ويا بؤس ما أبقاه منى وقد تحملت كوارثه فى طفولتى وليس عدلا أن يظل ينهكنى ويسقينى علقما مرا. ويطلب إليه الدهر أن يغير مبادئه حتى يجد عونا من بعض أصحاب الأمر والجاه، فيقول إن ذلك مستحيل، ويا بعد هذا الطلب الذى طارت به العنقاء إلى غير مآب. ويعود إلى الشكوى من الدهر منشدا:
(1) قدوا: خلقوا.
(2)
قارص: لادغ.
(3)
العنقا: العنقاء: طائر أسطورى.