الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإمام يعقوب الصالح المصلح الرضا المرضى الذى سلّ الإسلام سيفه فاستأصل به الكفر من جذوره وكاد لا يبقى منه باقية.
ويتوفى البطل المغوار يعقوب سنة 595 هـ/1199 م ويخلفه ابنه الناصر لدين الله، وتؤخذ له البيعة فيهنئه الجراوى بقصيدة طويلة، يقول فيها:
هى بيعة أحيا الإله بها الورى
…
وحما بها دين النبىّ المصطفى
وهو دائما يردّد فيه وفى آبائه أن الله اختارهم ليتكامل للدنيا وجودها وللناس حياتهم بما يشيعون فيها من العدل والكرم الفياض، ودائما يردّد أنهم حماة الدين الحنيف وأن الدهر يصدع لمشيئتهم. ويستولى الناصر على ميورقة من يد ابن غانية فيهنئه بقصيدة مطلعها:
لك النصر حزب والمقادير أعوان
…
فحسب أعاديك انقياد وإذعان
كما يهنئه بقصيدة أخرى حين استولى على منورقة، وظل يمدحه إلى وفاته سنة 608 هـ/ 1211 م.
ابن عبد (1) المنّان
هو أبو العباس أحمد بن يحيى بن عبد المنان الأنصارى الخزرجى، من أهل مكناس، تفتحت مواهبه الأدبية مبكرة، فجرى الشعر على لسانه، واستخلصه لنفسه السلطان أبو عنان المرينى (749 هـ/1348 م-759 هـ/1358 م) فاتخذه كاتبه فى الدواوين كما اتخذه شاعره، وله فيه مدائح بديعة، وكتب بعده للسلاطين: أبى بكر السعيد لمدة عام فعمه أبى سالم إبراهيم بن أبى الحسن فأخيه تاشفين سنة 762 هـ/1361 م فأبى زيان سنة 763 فعمه عبد العزيز سنة 768 هـ/1367 م وابنه أبى زيان سنة 774 فأبى العباس أحمد المستنصر سنة 776 هـ/1375 م وظل يعمل مع السلاطين حتى وفاته سنة 792 هـ/1390 م. ونوه به وبشعره ونثره كل من ترجموا له، من ذلك ما نقله الأستاذ ابن تاويت من وصف تلميذه ابن جابر الغسانى له بقوله:«رافع راية الأدب والشعر فى عصره، القدوة الأحفل، المتفنّن الأكمل، كاتب الخلافة العلية، المخصوص لديها بالمزايا السنية» . ويبدو أن أهم مدائحه إنما كانت فى السلطان أبى عنان، ونراه حين قضى على أحد الثوار وثورته قضاء مبرما، يقول من قصيدة طويلة يهنئه فيها بالنصر وعيد الأضحى معا:
(1) انظر فى
ابن عبد المنان
وترجمته وشعره كتاب نثير فرائد الجمان لابن الأحمر (طبع دمشق) ص 348 وجذوة الاقتباس فيمن حلّ من الأعلام مدينة فاس لابن القاضى 1/ 124 وأيضا درة الحجال 1/ 53 والنبوغ المغربى 1/ 238 و 3/ 114، 115، 216 والوافى بالأدب العربى فى المغرب الأقصى 2/ 493.
مليك ملوك الأرض أوحدها الذى
…
به علت العلياء وافتخر الفخر
غمام النّدى الهطّال والجوّ أغبر
…
وليث الفدا والبيض قانية حمر
إذا ما تراءى البدر يوما ووجهه
…
تحيّرت الأبصار أيّهما البدر
لعمرى لقد زنت الخلافة فاغتدت
…
يقصّر عن أوصافها النظم والنثر
وراقت بك الدنيا جمالا وبهجة
…
فإظلامها صبح وإصباحها بشر
وهنّئت عيد النّحر والفتح إنّه
…
لك العيد منه والعدا لهم النّحر
بقيت لدين الله ردءا وعصمة
…
فما غير علياك الزمان له ذخر
وهو يجعل أبا عنان ملك الملوك الذى سمت به العلياء وافتخر الفخر، إنه غمام الكرم المنهمر فى الأيام المجدبة، والليث المفدى والسيوف ملطخة بالدم القانى. وحين يطلع على الناس هو والبدر تحار الأبصار أيهما البدر الساطع، وقد زان الخلافة حتى أصبح كل مديح شعرا ونثرا يقصر عن وصفه لها. وحسنت بك الدنيا وازدانت حتى غدا ظلامها صبحا وصبحها طيبا ذكيا، وإن الله ليزف لك الفتح والنصر المبين بينما يقدم لأعدائك النحر والذبح، ويدعو له أن يظل معينا وعصمة للدين الحنيف، ويظل الزمان له ذخرا مطيعا. وفى إحدى مدائحه يصف الساعة التى نصبها أبو عنان على واجهة مدرسته بفاس. وأهم منها قصيدته التى مدحه بها ووصف فيها صراع الأسد مع ثور أمامه، وكان يعقد لذلك حفل كبير، وفيه ينازل الأسد ثورا حتى إذا خيف على الثور منه أن يصرعه تصدى له مخاتل فى أكرة مستديرة من خشب معدة لذلك يحركها شخص فى وسطها، وفى يمناه حديدة يطعن بها الأسد حين يهجم عليه طعنات متوالية، ويتعلق بها الأسد يريد أن يظفر بهذا المخاتل، فتدور به مع الأكرة وتجهز عليه. والقصيدة طويلة ويصف فيها ابن عبد المنان صيد الأسد فى الفلاة وإحضاره لمنازلة الثور، وهو يكثر فيها من الألفاظ الغريبة على عادة شعراء المقصورات منذ منشئها ابن دريد، وخاصة فى وصفه للثور والأسد والمحتال وأكرته وما نشب حينئذ من عراك عنيف، ونذكر بعض أبياته فى المنازلة بين الثور والأسد إذ يقول:
ومدرّب الرّوقين أصفر فاقع
…
راق النواظر نضرة لما بدا (1)
ما زال يدعو للنزال أسامة
…
ولقد أشار بظلفه لما دعا (2)
ولقد أراه مكان مصرعه وقد
…
أومى بساح القصر ينكت فى الثرى (3)
وعدا له والظنّ يقضى أن يرى
…
وقد اعتلاه فكان عكسا ما قضى
جالت عليه صدمة من حارث
…
تنسيك صدمة حارث يوم الوغى (4)
(1) الروقين: القرنين.
(2)
أسامة: من أسماء الأسد وألقابه.
(3)
ينكت: ينقض الثرى بحافره.
(4)
حارث: من أسماء الأسد-الوغى: الحرب.
أعجب بها من صدمة قد عفّرت
…
لبد الهزبر وأوهنت منه القوى (1)
وهو يشيد بقرنى الثور المدرّيين على الطعن وشدته، ويقول إنه راق النواظر بلونه الأصفر الفاقع وما إن رأى الأسد حتى أخذ ينكت الأرض بظلفه استعدادا للنزال. ويخال الشاعر كأنما يشير بذلك إلى المكان الذى سيصرع فيه الأسد فى ساحة المعركة أمام قصر أبى عنان، ويصدم الأسد الثور صدمة شديدة تنسيك صدمة البطل حارث يوم الحرب الضارية، وما أعجبها من صدمة، فقد عفرت لشدتها لبد الأسد وأوهنت قواه لصلابة الثور ومتانة بنيانه. ويعرض علينا نزال المخاتل فى أكرته للأسد، قائلا:
وضبارم رحب اللبان تقلّه
…
صهب متين خلقها عبل الشّوى (2)
يفترّ عن ناب كأطراف القنا
…
بيضا وينضو مخلبا حادّ الشّبا (3)
ومخاتل فى جوف دائرة طوت
…
أضلاعها منه على شهم فتى
يحكى بها رألا ببيضة سبسب
…
لم تنفرج عنه فأنفذها كوى (4)
يمشى الهوينى وسطها فتقلّه
…
عدوا وما إن تشتكى ألم الوجى (5)
حسب الغضنفر مرتقاها كعبة
…
فدنا يطيل بها الطواف وقد سعى (6)
أمسى صريعا والدماء سلافة
…
أتراه سكرا مال من تلك الطّلا (7)
وهو يصور الأسد بأنه واسع الصدر تحمله قوائم صهباء مفتولة الأطراف متينة، ويفترّ فمه عن ناب كأطراف القنا فى شدة الطعن ويسلّ مخلبا حادّ الشباة كأطراف السيوف وأسلها الفاتك. وينازله فتى شجاع داخل أكرة يحكى بها ولد نعام فى بيضة بفلاة لم تفرج عنه، فأنفذ بها كوى وثقوبا-ويظل يمشى بها فى تؤدة-وهى تحمله فى قوة لا تشتكى عرجا ولا ألما، وكأنما يحسبها الأسد كعبة يريد أن يطوف بها ويسعى، ويعلق بحديدة فتاها. وما تزال تمزق جسده حتى تصرعه، ويغرق فى دمائه. ونقد القصيدة الأستاذ محمد بن تاويت، وأعلى عليها مدائح أخرى لابن عبد المنان، وربما كان موضوع القصيدة، وهو وصف المصارعة بين الثور والأسد، هو الذى أدّى إلى وجوه النقد التى لاحظها الأستاذ ابن تاويت. على أنه يذكر لابن عبد المنّان أنه الشاعر المغربى الوحيد الذى وصف لنا هذه المنازلة بين الثور والأسد، والتى تعد هى وأخواتها فى غرناطة أما لمصارعة الثيران المعروفة لهذا العصر فى إسبانيا. ولابن عبد المنان وراء مدائحه الرائعة غزليات ومولديات بديعة.
(1) الهزبر: أيضا من أسماء الأسد.
(2)
ضبارم: من أسماء الأسد-رحب اللبان: واسع الصدر. عبل الشوى: مفتول الأطراف.
(3)
ينضو: يسلّ. الشبا: الطرف.
(4)
الرأل: ولد النعام. السبسب: الفلاة.
(5)
تقله: تحمله. الوجى: العرج.
(6)
الغضنفر: من أسماء الأسد.
(7)
الطلا: الخمر.