الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن (1) رازكه
هو عبد الله بن محمد بن القاضى العلوى عبد الله المعروف باسم
ابن رازكة
، وهى أمه، كان جده قاضى البراكنة الحسانيين، ولد لأبيه فى أرض القبلة جنوبى موريتانيا، وبها منشؤه، وطمحت نفسه إلى التزود من العلوم ورحل فى تلقّيها إلى شيوخها الأوائل حتى أتقن العربية والبيان والمنطق والهندسة كما أتقن الفقه والعلوم الإسلامية مما أتاح له أن يصبح قاضيا بموريتانيا، وكان كثير الأسفار من القبلة موطنه إلى مكناسة فى المغرب الأقصى عاصمة السلطان العلوى النابه إسماعيل (1082 هـ/1672 م-1139 هـ/1727 م) وتوثقت عرى الصداقة بينه وبين ابنه محمد وكان عالما وشاعرا وولاه أبوه السوس، وأعجب بابن رازكه ووسع له فى مجالسه كلما وفد عليه، وأغدق عليه كثيرا من عطاياه، إذ أهداه مكتبة نفيسة من كتب العلوم الإسلامية ومن دواوين الشعر العربى، ولا ريب فى أنه كان لها أعمق الأثر فى ثقافة قبيلة ابن رازكه وثقافة موريتانيا عامة، وأنشد الشنقيطى قصيدتين لابن رازكه فى مديح الأمير محمد بن إسماعيل وفى أولاها يقول:
فتى يستقلّ البحر جود بنانه
…
على حالة استكثار حاتم الرّشحا
وآيات علم أخمد الجهل نورها
…
وغايات جدّ ليس تطلابها مزحا
ورأى يريه اليوم ما فى حشا غد
…
ويكشف عنه من دجى ليله جنحا (2)
وحزم يهزّ الراسيات ثباته
…
وعزم يحاكى الزّند ماضيّه قدحا (3)
ولم تذعن الأعداء محض مودّة
…
إليه ولكن إنما كرهوا القرحا (4)
مواصلة حبل الجهاد جياده
…
ووقف على غزو العدا عدوها ضبحا (5)
فلا زلت للإسلام عيدا منغّصا
…
تنغّص حسناه السّعانين والفصحا
وهو يصف الأمير محمد بن إسماعيل بالكرم الفياض حتى ليرى البحر جود بنانه قليلا بالنسبة إلى أعطياته على حين كان حاتم المشهور بجوده يستكثر الرشح، مع دلائل علم راسخ أطفأ نوره الجهل فى المغرب الأقصى إلى غير رجعة، ومع غايات جد جادة إلى أقصى حد، ومع رأى يبصّره بما يأتى به الغد، ويكشف له ما قد يكون حوله من ظلمات، ومع حزم ثابت ثبوت الراسيات وعزم يحاكى سيفه الماضى الزند بشراره المميت، مما جعل الأعداء تذعن له وتذل خشية ما ينزل بها من القرح والجراح، وإن جياده لتواصل الجهاد والعدو فى غزو الأعداء عدوا شديدا. ويدعو أن يظل محمد بن إسماعيل عيدا بهيجا للإسلام ومنغصا لأعياد
(1) انظر فى ترجمة ابن رازكه الوسيط للشنقيطى ص 1 - 24، وص 397 والشعر والشعراء فى موريتانيا ص 47، 229.
(2)
جنح الدجى هنا: جانبه.
(3)
الماضى: السيف القاطع. قدح الزند: ضرب حجريه بعضهما ببعض لاستخراج النار منه.
(4)
القرح: الجرح والهزيمة.
(5)
ضبحا: عدوا شديدا.
النصارى مثل عيد الشعانين الذى يسبق عيد الفصح بأسبوع. ويمدحه ابن رازكه فى القصيدة الثانية بمثل قوله:
هو الوارث الفضل النّبىّ خالصا
…
من العلم والعليا ومن طيب محتد (1)
ثمال اليتامى والأيامى موكّل
…
بتفريج غمّاء الشّجى المتنكّد (2)
أغرّ المحيّا طاهر البشر طاهر ال
…
سّجا يا كريم اليوم والأمس والغد
حميد المساعى سار فى الرّتب العلا
…
من المجد سير السابق المتفرّد
حوى شرف العلم الرفيع عماده
…
إلى شرف البيت الكريم المصمّد (3)
ويقول لمحمد بن إسماعيل فى وصف تلك القصيدة:
عروب عروس الزىّ أندلسيّة
…
من الأدب الغضّ الذى روضه ندى
وهو يمدحه بأنه علوى ورث الفضل النبوى من العلم والعلياء وشرف الأصل والنسب، ويقول إنه غوث اليتامى والأيامى من النساء غير المتزوجات، مفرج غمّ الحزين المملوء نكدا وهمّا، أغر المحيا أى سمح الوجه مستبشر دائما طاهر الأخلاق والطباع كريم كرما متصلا فى أمسه ويومه وغده، كل مساعيه تجلب له الحمد والثناء، وإنه ليسير فى منازل المجد سير السابق المتفرد، وقد تحلّى بشرف العلم الرفيع مع شرف بيت النبوة الكريم وإنه ليقصده الناس لتحقيق حوائجهم وأمانيهم. ويذكر ابن رازكه فى أواخر قصيدته أنها عروس عربية جميلة من الشعر الناضر، ويقول إنها أندلسية كشعر الأندلسيين المشهور بالروعة. ونشعر عند شعراء موريتانيا بهذه الصلة الوثيقة التى تربطهم بالأندلسيين لقربهم من الأندلس فردوس العرب المفقود الذى أبلى فيه أجدادهم من الصنهاجيين بلاء عظيما أيام المرابطين. ونكتفى بما أسلفنا من مديح بديع لابن رازكه، فقد اتضح لنا صوته وجمال شعره وما يتصف به من جزالة ونصاعة، وسنعود إليه فى حديثنا عن الرثاء. توفى سنة 1144 هـ/1732 م.
محمد (4) اليدالى الديمانى
من قبيلة ديمان إمام فى علوم الشريعة إذ له فيها تفسير قيم للقرآن الكريم سماه-كما أسلفنا- «الذهب الإبريز على كتاب الله العزيز» وهو فى مجلدين وله مصنفات أخرى فى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وآداب السلوك وتاريخ الزوايا المشغوف أهلها بالعلم وتعمير الأرض، وله كتاب فى مناقب وليهم: ناصر الدين صاحب الفتوحات فى السنغال. وهو إلى ذلك كان شاعرا فذا من شعراء موريتانيا، وكان صديقا للقاضى ابن رازكه، وفيه يقول:
(1) محتد: أصل.
(2)
ثمال: غوث. الأيامى هنا: النساء غير المتزوجات.
(3)
المصمد: المقصود لقضاء الحوائج.
(4)
انظر فى ترجمة اليدالى وشعره كتاب الوسيط ص 223 والشعر والشعراء فى موريتانيا ص 49، 231.
قاضى القضاة سراج
…
لسدفة الجهل جالى (1)
وسيف حقّ على أه
…
ل الزيغ والاعتزال
به العلوم تحلّت
…
أبهى حلّى وحلال (2)
قد فاز منها بما لم
…
يخطر لإنس يبال
مقامه فى الأعاري
…
ب والعقائد عالى
وفى البلاغة نظما
…
وكلّ سحر حلال
وفى العلوم جميعا
…
وفى علوم الأوالى
واليدالى يمدح ابن رازكه بأنه سراج منير جلا ظلمة الجهل وبدّدها وأنه سيف حق فى قضائه وأحكامه على أهل الزيغ والضلال وفى آرائه السنية ضد الاعتزال والمعتزلة، وقد ازدانت به العلوم ولبست أحلى حليّها وأبهى حللها وثيابها إذ ظفر منها بما لم يخطر بذهن إنسان، ومقامه فى أعراب موريتانيا وفى العقائد عال رفيع، وبالمثل فى الشعر الساحر الخلاب وفى العلوم جميعا وعلوم الأوائل من هندسة وغير هندسة. وأجابه ابن رازكه بقصيدة بارعة نوه فيها بحلّه للغوامض المشكلة فى الفقه وغير الفقه وأنه سيف أشعرى ماض فى ردوده على المعتزلة، وكانت جماهير العلماء فى موريتانيا والمغرب جميعه تعتنق العقيدة الأشعرية. وكان اليدالى ينشد:
ليس من أخطأ الصواب بمخط
…
إن يؤب لا ولا عليه ملامه
إنما المخطئ المسيء الذى إن
…
وضح الحقّ لجّ يحمى كلامه
وهو يقول إن المخطئ هو من يتمادى فى خطئه، أما من يرجع عنه فلا لوم عليه ولا تثريب، إذ الرجوع إلى الحق فضيلة. ولليدالى فى مديح أحمد بن هيبة البركني الحسانى قوله من قصيدة طويلة:
ورثت العلا والعزّ والمجد أحمد
…
وبذل النّدى عن هيب مفخرة العصر (3)
وإنك أسماهم علوّا ورفعة
…
بمنطقة الجوزا ومنطقة البدر
وأيامكم خضر جنينا ثمارها
…
بأيدى المنى ما بين أوراقها الخضر
وقاك إله العرش يا أحمد الرّدى
…
وجنّبت أنواع المكاره والضّرّ
وأولاك ربّ الناس فى نفسك المنى
…
وآلك والأولاد والمال والعمر
وهو يقول لأحمد بن هيبة إن العلا والعز والمجد والجود ورثتها جميعا عن أبيك مفخرة العصر، وإنك أسمى العشيرة البركنيّة رفعة وعلوّا فى منطقة برج الجوزاء الصاعد فى السماء ومنطقة البدر المنير، وأيامكم خضر سعيدة جنينا ثمارها بأيدى المنى من بين أعوادها وأوراقها
(1) سدفة: ظلمة.
(2)
حلال هنا: جمع حلة: ثوب ضاف.
(3)
الندى: الكرم والجود.
الخضر، ويدعو له أن يقيه إله الكون الهلاك وينحّى عنه أنواع المكاره والضر، ويعطيه ما يتمناه فى نفسه وآله وأولاده وماله وعمره. توفى سنة 1166 هـ/1753 م وسنعود إليه فى حديثنا عن الفخر والرثاء.
حرم (1) بن عبد الجليل العلوى
ويقال له أيضا حرمة الله وحرمة الرحمن، ولد لأبيه فى أرض القبلة، وبها نشأته، وشغف بالعلوم اللغوية والإسلامية وطلبها عند شيوخ مدينتى شنقيط وآطار. وهو من تلاميذ المختار ابن بون فى العربية، وكان يتقن مختلف العلوم، وبه انتفع خلق كثير فى النحو والفقه، وكان شاعرا يؤثر فى شعره الانسياب مع الطبع والسهولة فى اللفظ، على نحو ما نرى فى قوله يمدح بلاّ الشقراوى الحسنى مشيدا بعلمه وشعره:
إن بلاّ مشايخ حين تعرو
…
شاردات تفوت أزكى العقول
من فنون شتّى تعنّى المعانى
…
من عويص المنقول والمعقول
يسعف السائلين عنه بما في
…
هـ الذى غلّة شفاء الغليل
إن يسر لانتساب مجد رعيل
…
كان بلاّ دليل ذاك الرّعيل (2)
شعره مطرب حميّاه تسرى
…
فى عظام الجليس مثل الشّمول (3)
ينفث الدرّ واليواقيت إلا
…
أن للدّرّ قسوة فى التّليل (4)
وحرم يقول إن بلاّ ليس شيخا واحدا بل هو عصبة من المشايخ وفضله يبدو حين تلم شاردات من العلوم لا تستطيع أزكى العقول أن تفقه عويص المنقول والمعقول فيها، فسرعان ما يشفى ظمأ السائلين بحلّه لعويصها وتذليله، وما من سابقين يسيرون فى ليل مدلهم إلى مجد إلا كان دليل هؤلاء السابقين، وناهيك بشعره فهو شعر مطرب تسرى شدة تلاحينه فى عظام السامع سريان الخمر فى الجسد، وإنه ليلفظ الدرر واليواقيت الممتعة لقارئه دون أى عناء. ويقول فى مدح شعر الشويعر الحسنى:
معناه راق راق حسنا لفظه
…
لله فكر جال فيه ومقول (5)
يسدى ويلحم فى البلاغة حائكا
…
حللا يتيه بها القريض ويرفل (6)
(1) انظر فى ترجمة حرم وشعره كتاب الوسيط ص 24 والشعر والشعراء فى موريتانيا ص 58، 236 - 237.
(2)
الرعيل: السابقون فى الجماعة.
(3)
حمياه: شدته وسورته. الشمول: الخمر.
(4)
التليل: العنق.
(5)
مقول: لسان.
(6)
يسدى من السدا وهو الخيوط طولا، ويلحم: من اللحمة وهى الخيوط عرضا. ويسدى ويلحم أى ينسج. يرفل: يجر ثوبه متبخترا.