المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌5 - السعديون-الطرق الصوفية-العلويون ‌ ‌(أ) السعديون (1) السعديون ثانى دولة عربية علوية تقوم - تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف - جـ ١٠

[شوقي ضيف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة

- ‌1 - [الجزائر]

- ‌2 - [المغرب الأقصى]

- ‌3 - [موريتانيا]

- ‌4 - [السودان]

- ‌القسم الأولالجزائر

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌3 -الفتح والولاة-الأغالبة-الإباضية-تلمسان

- ‌(ب) الأغالبة

- ‌(ج) الإباضيون

- ‌(د) تلمسان

- ‌4 -الدولة العبيدية-الدولة الصنهاجية-بنو حماد

- ‌(أ) الدولة العبيدية

- ‌(ج) بنو حماد

- ‌5 -دولة الموحدين-الدولة الحفصية-بنو عبد الواد

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع الجزائرى

- ‌2 -المعيشة

- ‌(أ) الثراء

- ‌(ب) الرّفة

- ‌(ج) الموسيقى

- ‌4 -الدين-المالكية والحنفية-الإباضية-المعتزلة

- ‌(أ) الدين

- ‌(د) المعتزلة

- ‌الفصل الثالثالثقافة

- ‌1 -الحركة العلمية

- ‌(أ) فاتحون ناشرون للإسلام ومعلمون

- ‌(ب) دور العلم:‌‌ الكتاتيب-‌‌المساجد-المدارس-الزوايا-المكتبات

- ‌ الكتاتيب

- ‌المساجد

- ‌المدارس

- ‌الزوايا

- ‌المكتبات

- ‌(ج) نمو الحركة العلمية

- ‌5 -التاريخ

- ‌الفصل الرّابعنشاط الشعر والشعراء

- ‌2 -كثرة الشعراء

- ‌3 -شعراء المديح

- ‌ عبد الكريم النهشلى

- ‌ ابن خميس

- ‌ الشهاب بن الخلوف

- ‌ محمد القوجيلى

- ‌4 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) شعراء الفخر

- ‌(ب) شعراء الهجاء

- ‌ بكر بن حماد التاهرتى

- ‌ سعيد المنداسى

- ‌5 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌ عبد الرحمن الأخضرى

- ‌الفصل الخامسطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ ابن على

- ‌2 -شعراء وصف الطبيعة

- ‌ عبد الله بن محمد الجراوى

- ‌3 -شعراء الرثاء

- ‌4 -شعراء الزهد والتصوف

- ‌(أ) شعراء الزهد

- ‌(ب) شعراء التصوف

- ‌ إبراهيم التازى

- ‌5 -شعراء المدائح النبوية

- ‌الفصل السّادسالنثر وكتّابه

- ‌1 -الخطب والوصايا

- ‌2 -الرسائل الديوانية

- ‌3 -الرسائل الشخصية

- ‌4 -المقامات

- ‌5 -كبار الكتاب

- ‌[(ب)] الوهرانى

- ‌القسم الثانىالمغرب الأقصى

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌3 -الفتح والولاة-ثورة الصفرية-بنو مدرار-الأدارسة-بعد الأدارسة والمدراريين

- ‌(ب) ثورة الصفرية

- ‌(د) الأدارسة

- ‌4 -المرابطون-الموحدون-بنومرين

- ‌(أ) المرابطون

- ‌(ب) الموحدون

- ‌5 -السعديون-الطرق الصوفية-العلويون

- ‌(أ) السعديون

- ‌(ج) العلويون

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع المغربى

- ‌1 -عناصر السكان

- ‌2 -المعيشة

- ‌3 -الثراء-الرّفة-الموسيقى-المرأة

- ‌(أ) الثراء

- ‌(ب) الرّفة

- ‌(ج) الموسيقى

- ‌(د) المرأة

- ‌4 -المالكية-الصفرية-المعتزلة-الظاهرية

- ‌(أ) المالكية

- ‌(ب) الصفرية

- ‌(ج) المعتزلة

- ‌(د) الظاهرية

- ‌5 -الزهاد-المتصوفة

- ‌(أ) الزهاد

- ‌(ب) المتصوفة

- ‌الفصل الثالثالثقافة

- ‌1 -الحركة العلمية

- ‌(أ) فاتحون ناشرون للإسلام ومعلمون

- ‌ الكتاتيب

- ‌(ب) دور العلم: الكتاتيب-المساجد-المدارس-الزوايا-المكتبات

- ‌المساجد

- ‌المدارس

- ‌الزوايا

- ‌المكتبات

- ‌(ج) نمو الحركة العلمية

- ‌2 -علوم الأوائل

- ‌3 -علوم اللغة والنحو والعروض والبلاغة

- ‌5 -التاريخ

- ‌الفصل الرّابعنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 -تعرب المغرب الأقصى-كثرة الشعراء

- ‌(أ) تعرب المغرب الأقصى

- ‌(ب) كثرة الشعراء

- ‌2 -شعراء الموشحات والأزجال

- ‌(أ) شعراء الموشحات

- ‌ ابن غرلة

- ‌ ابن الصباغ

- ‌ ابن زاكور

- ‌(ب) شعراء الأزجال

- ‌ابن عمير

- ‌3 -شعراء المديح

- ‌ ابن زنباع

- ‌ ابن حبوس

- ‌الجراوى

- ‌ ابن عبد المنان

- ‌الهوزالى

- ‌الدغوغى

- ‌البوعنانى

- ‌4 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) الفخر

- ‌ الشاذلى

- ‌(ب) الهجاء

- ‌5 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌ عبد العزيز الملزوزى

- ‌ابن الونان

- ‌الفصل الخامسطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ أبو الربيع الموحدى

- ‌ عمر السلمى

- ‌2 -شعراء الوصف

- ‌3 -شعراء الرثاء

- ‌ ابن شعيب الجزنائى

- ‌4 -شعراء الزهد والتصوف

- ‌(أ) شعراء الزهد

- ‌(ب) شعراء التصوف

- ‌ ابن المحلى

- ‌5 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ميمون بن خبازة

- ‌ مالك بن المرحل

- ‌الفصل السادسالنثر وكتّابه

- ‌1 -الخطب والمواعظ

- ‌2 -الرسائل الديوانية

- ‌3 -الرسائل الشخصية

- ‌4 -المقامات والرحلات

- ‌(أ) المقامات

- ‌(ب) الرحلات

- ‌ رحلة ابن رشيد

- ‌ رحلة العياشى

- ‌ رحلة ابن ناصر

- ‌5 -كبار الكتّاب

- ‌(أ) القاضى عياض

- ‌القسم الثالثموريتانيا

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌2 -التاريخ

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع والثقافة

- ‌1 -المجتمع

- ‌(أ) صنهاجة وقبائل المعقل العربية

- ‌(ب) الزروع والمراعى

- ‌(ج) التجارة

- ‌(د) حياة يدوية

- ‌2 -الثقافة

- ‌(أ) نشاط دينى تعليمى كبير

- ‌(ب) التعليم والطلاب والشيوخ

- ‌(ج) أمهات الكتب والمتون والشروح المتداولة

- ‌(د) أعلام العلماء فى موريتانيا

- ‌(هـ) القراء والمفسرون والمحدثون والفقهاء

- ‌(و) أعلام النحاة والمتكلمين

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 -تعرّب موريتانيا

- ‌2 -شعراء المديح

- ‌ ابن رازكة

- ‌3 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) شعراء الفخر

- ‌ المختار بن بون

- ‌(ب) شعراء الهجاء

- ‌4 -شعراء الرثاء

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ الأحول الحسنى

- ‌ يقوى الفاضلى

- ‌2 -شعراء التصوف

- ‌ المختار الكنتى

- ‌الشيخ سيديّا

- ‌3 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ محمد بن محمد العلوى

- ‌4 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌القسم الرابعالسودان

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌2 -التاريخ

- ‌3 -(ج) دولة الفونج

- ‌4 -محمد على والسودان-عهد إسماعيل

- ‌5 -حركة المهدى-خليفته عبد الله التعايشى

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع السودانى-الثقافة

- ‌(أ) نزعة صوفية عامة

- ‌(ب) المرأة ومكانتها فى التصوف

- ‌(ج) التصوف والتربية الخلقية والدينية

- ‌(د) طرق صوفية جديدة

- ‌(هـ) دعوة المهدى ومبادئها الستة

- ‌2 -الثقافة

- ‌(أ) كتاتيب-زوايا-مساجد

- ‌(ب) حركة علمية نشيطة فى عهد الفونج

- ‌(ج) سودانيون أزهريون وعلماء مصريون

- ‌(د) التعليم المدنى الحديث وتوقفه

- ‌(هـ) إنشاء معهد دينى وعودة التعليم المدنى الحديث

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌2 -شعراء المديح

- ‌ الشيخ حسين زهراء

- ‌ الشيخ محمد عمر البناء

- ‌3 -شعراء الفخر والحماسة

- ‌ الشيخ يحيى السلاوى السودانى

- ‌ عثمان هاشم

- ‌4 -شعراء الرثاء

- ‌(أ) رثاء الأفراد

- ‌ الشيخ محمد سعيد العباسى

- ‌(ب) رثاء المدن

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل العفيف

- ‌2 -شعراء النقد العنيف والشكوى من الزمن

- ‌الشيخ عبد الله البناء

- ‌ صالح عبد القادر

- ‌3 -شعراء التصوف

- ‌4 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ الشيخ عمر الأزهرى

- ‌ الشيخ عبد الله عبد الرحمن

الفصل: ‌ ‌5 - السعديون-الطرق الصوفية-العلويون ‌ ‌(أ) السعديون (1) السعديون ثانى دولة عربية علوية تقوم

‌5 -

السعديون-الطرق الصوفية-العلويون

(أ) السعديون

(1)

السعديون ثانى دولة عربية علوية تقوم فى المغرب الأقصى بعد دولة الأدارسة، وكانوا ينتسبون إلى محمد النفس الزكية سليل الحسن بن على بن أبى طالب. وكان السبب فى قيام هذه الدولة أن البرتغاليين أخذوا منذ أوائل القرن التاسع الهجرى المقابل للخامس عشر الميلادى يكثرون من حملاتهم على سواحل المغرب الأقصى فى الشمال على الزقاق وفى الغرب على المحيط الأطلسى واستولوا على كثير من الموانى المغربية خلال هذا القرن، وتمادوا يستولون على مدن فى القرن العاشر الهجرى كما أسلفنا، وكانوا كلما استولوا على ميناء ازداد غضب الشعب وازدادت حميته اضطراما لمقاومة البرتغاليين وإخراجهم من أرض الوطن الغالى. وآلم الشعب دائما أن لا يجد عند الوطاسيين قوة يستطيعون بها إنقاذ البلاد، وظل يبحث عمن يقوده لحرب البرتغاليين وإخراجهم من أرض الوطن، وأخيرا عثروا على بغيتهم فى شخص من أصل حسنى شريف كان يقيم مع أسرته بالقرب من تارودنت على نهر السوس يسمى أبا عبد الله محمدا فأخذ الناس يبايعونه مستبشرين بنسبه الشريف. وحين تمت له البيعة تلقب بلقب القائم بأمر الله، ونهض توّا لجهاد البرتغاليين ونودى به سلطانا فى منطقة السوس سنة 915 هـ/1509 م وأخذ فى محاربة البرتغاليين ورافقه النصر عليهم مرارا وتوفى سنة 923 هـ/1517 م وخلفه ابنه أحمد الأعرج، وتابع سياسة أبيه فى جهاد البرتغاليين واسترد منهم أغادير وماسة وسواحل السوس جميعها، ودخل مراكش سنة 930 هـ/1524 م وبايعه المسيطرون عليها من قبيلة هنتانة المصمودية واتخذها عاصمة ولم تكد طلائع جيشه ترى فى آسفى وآزمّور بمنطقة دكالة حتى أخلاهما له البرتغاليون خوفا من القتل والسبى وفروا على وجوههم لا يلوون كما أخلوا مدينة أصيلا لضغط أهل منطقة الهبط عليهم، وتوفى سنة 946 هـ/1539 م وخلفه أخوه محمد المهدى وطرد البرتغاليين من آسفى وآزمور بعد عودتهم إليهما واستولى على مكناس ثم على فاس سنة 952 إذ حاصرها ودخلها واعتقل الوطاسيين وأرسل بهم إلى ترودنت فى السوس، غير أن

(1) انظر فى دولة السعديين كتاب المغرب فى عهد الدولة السعدية لعبد الكريم كريم وكتاب تاريخ الدولة السعدية لمجهول تحقيق كولان طبع الرباط ومناهل الصفا فى أخبار الملوك الشرقا للفشتالى (تحقيق عبد الله كنون) والمغرب عبر التاريخ لإبراهيم حركات (طبع بيروت) وتاريخ الأسرة السعدية للأفرانى والمنتقى المقصور على مآثر الخليفة أبى العباس المنصور لأحمد بن القاضى (تحقيق محمد رزوق) طبع الرباط، ولابن القاضى أيضا جذوة الاقتباس (طبع الرباط) وكتاب نشر المثانى لأهل القرن الحادى عشر والثانى (تحقيق محمد حجى وأحمد التوفيق)(طبع دار الغرب) والاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى.

ص: 291

واحدا منهم هو بو حسون كان قد لجأ إلى الترك فى الجزائر واستعان بهم فى الاستيلاء على مدينة فاس فأعانوه واستولى عليها ونودى به سلطانا، فحاصره محمد المهدى واستولى منه على فاس وقتله. وأدّى صنيع بو حسون بمحمد المهدى إلى تخلصه من الوطاسيين جميعا فى ترودنت وبذلك أصبح المغرب الأقصى جميعه خالصا له. وكان فقيها وعلى معرفة بالأدب، وكان واسع الأفق فأحسن تدبير الدولة ونظم شئونها، وجعل لها موارد من الضرائب على الزراعة والصناعات تعين حكامها السعديين على مقاومة البرتغاليين، وهو بذلك يعد المؤسس الحقيقى لدولة السعديين. ويقول خصومهم إن هذا اللقب دليل على أنهم ليسوا شرفاء من البيت النبوى، إنما هم من بنى سعد بن بكر القبيلة القيسية التى شرفت بحليمة السعدية مرضعة الرسول صلى الله عليه وسلم، والصحيح أنهم علويون من سلالة الحسن بن على بن أبى طالب، أما تلقيبهم بلقب السعديين فتعبير من المغاربة معاصريهم بأنهم سعدوا بهم، كما يقول مؤرخهم الفشتالى فى كتابه مناهل الصفا، وأى سعد كان ينتظره المغرب فى القرن العاشر الهجرى أكبر من سعده بهم فى تطهيرهم لسواحله من البرتغاليين ما عداه طنجة فى الشمال. وخلف محمدا المهدى ابنه عبد الله الملقب بالغالب بالله، وظل يدافع البرتغاليين من جهة والترك فى الجزائر من جهة ثانية، وكانت أيامه أيام أمن ورخاء كثر فيها البنيان والعمران وتوفى سنة 982 هـ/1574 م. وتولى بعده ابنه محمد الملقب بالمتوكل، وكان لأبيه أخوان تغرّبا فى الجزائر لدى الترك العثمانيين مدة، وهما عبد الملك وأحمد، وصمّما أن لا يتنازلا عن صولجان الحكم والملك لابن أخيهما، وكان عبد الملك شخصية نابهة، وكان يحسن الإيطالية والإسبانية، وسافر إلى الآستانة، وأخذ يلح فى أن يرسل الترك معه جيشا للاستيلاء على فاس من يد ابن أخيه وعاد إلى الجزائر، فأمده واليها بكتيبة من الجيش التركى استعان بها على استرجاع فاس، وبمجرد دخوله فيها فرّ ابن أخيه المتوكل وبايعه الناس وتلقب بالمعتصم سنة 984 هـ/1577 م.

وكان عبد الملك المعتصم يحسن تدبير الملك، فنظم أمور الدولة ولم يلبث أن نظّم الجيش على طريقة الجيش التركى وما يتّبع فيه من أساليب، أما ابن أخيه محمد الذى لقّب بالمتوكل فإنه حاول عبثا أن يشاغب عمه فى منطقة السوس، ولما أعياه ذلك لجأ إلى طنجة، ولقى بها ملك البرتغال سباستيان، فوضع يده فى يده معاهدا له على حرب عمه عبد الملك، وانتهز الفرصة ملك البرتغال وجهز جيشا قاده بنفسه، يقال إن عدده بلغ ثمانين ألفا، وانضمّ إليه محمد المتوكل مع من أغواهم، ونزل البرتغاليون فى ميناء أصيلا، ورأى عبد الملك أن يطاولهم حتى يتوغلوا فى داخل البلاد، وتغلغلوا إلى الجنوب حتى وصلوا إلى وادى المخازن بقرب مدينة القصر الكبير، وتركهم حتى إذا عبروا جسر الوادى أمر بهدمه، ثم لقيهم فى جمادى الأولى سنة 986 هـ/1578 م ودارت معركة حاسمة سحق فيها الجيش البرتغالي سحقا ذريعا وقتل ملكه سباستيان ونصيره محمد المتوكل. وأثناء المعركة توفى عبد الملك المعتصم وفاة طبيعية

ص: 292

لأنه كان مريضا وصمم على أن يحضر المعركة، وكان أخوه أحمد هو الذى يدبّرها، وكتم خبر وفاة أخيه عن الناس حتى لا يعكر عليهم فرحتهم بهذه المعركة الفاصلة: معركة وادى المخازن التى أعطت البرتغاليين درسا أن لا يفكروا مرة ثانية فى إنزال جيش لهم بالمغرب الأقصى، وأخذوا ينسحبون من المواقع التى استولوا عليها بشواطئ المحيط وأحيانا كانوا يتركونها لجارتهم إسبانيا.

وتولى بعده أخوه أحمد الذى اكتسب لنفسه فخر النصر المجيد فى معركة وادى المخازن، إذ كان هو الذى أدارها، وبايعه الناس مبتهجين به وتلقب بالمنصور، وكان حاكما عظيما كبير الهمة بصيرا بشئون السياسة، ومن أعماله إنشاء ما أسماه الديوان وهو مجلس شورى ينعقد كل يوم أربعاء من الأسبوع-ويضم بعض رجال الدولة وبعض الشخصيات-للنظر فى الشئون السياسية والمصالح العامة، وأعاد تنظيم الجيش تنظيما جديدا جامعا فيه بين النظام المغربى والنظام التركى، وكانت بعض أقاليم الصحراء فى الجنوب قد خرجت عن طاعته، وخاصة إقليمى توات وتيكورارين فأرسل إليهما جيشا قويا أعادهما إلى طاعته. وكانت مملكته تتاخم فى الجنوب أقطار السودان فانتشر فيها الحديث عنه، ودخل ملك برنو فى طاعته مما جعله يطمح للاستيلاء على السودان الغربى جميعه فأرسل إليه جيشا ضخما فى نهاية القرن العاشر الهجرى واستطاع الاستيلاء عليه، وبذلك امتد نفوذه جنوبا إلى أقاليم سودانية لم يصل إليها نفوذ المغرب فى أى عصر قبله. ووضع يده على منابع الثروة الضخمة فى هذه البلاد، حتى كان الذهب يجبى إليه منها بالأحمال ولذلك لقب بالمنصور الذهبى، ويقال إن عدد من كانوا يضربون السكة أو العملة الذهبية فى عهده بلغ ألفا وأربعمائة. وهذا الغنى الطائل للدولة وتجارها وأهلها هيّأ لها ازدهارا فى الحضارة وما يتصل بها من الصناعات وضروب الحياة، وكثر حينئذ إنشاء القصور ومن أهمها قصر المنصور الذى سماه باسم البديع، وقد استغرق بناؤه ثمانى سنوات، وأنفق عليه أموالا طائلة. وتوفى سنة 1012 هـ/1603 م.

وبعد وفاة المنصور تنازع أولاده الثلاثة: زيدان وأبو فارس ومحمد الملقب بالمأمون، ونودى بزيدان سلطانا فى فاس وبأبى فارس سلطانا فى مراكش، وتحاربا وانتصر أبو فارس، غير أن أهل فاس فضلوا الخضوع للمأمون، فنودى به سلطانا سنة 1013 هـ/1604 م واغتيل أبو فارس، وحدثت طامة كبرى بتنازل المأمون للإسبان عن مدينة العرائش على ساحل المحيط جنوبى منطقة الهبط سنة 1018 هـ/1610 م وبذلك عادت الاستعانة بالعدو الأجنبى، ونشبت فتن واضطرابات، ونودى بالابن الثالث للمنصور: زيدان سلطانا، وظلت الاضطرابات وتوفى سنة 1038 هـ/1628 م وتنازع الملك أولاده الثلاثة عبد الملك والوليد ومحمد شيخ وتوفى الأخير سنة 1065 هـ/1654 م. وبوفاته ينتهى حكم هذه الأسرة، وهو فى الواقع قد انتهى منذ تسليم المأمون ميناء العرائش للإسبان، إذ اتسع نفوذ الطرق الصوفية وأصبحت هى التى

ص: 293

تدير الحكم فى أكثر أجزاء المغرب الأقصى.

(ب) الطرق (1) الصوفية

أخذت الطرق الصوفية تكثر فى المغرب الأقصى منذ القرن الثامن الهجرى، مثله فى ذلك مثل بقية البلاد المغربية، وأخذت تكثر معها الزوايا، وعادة يكون بها ضريح لمؤسسها الصوفى أو لصوفى كبير ومصلّى ومساكن لبعض العلماء والطلاب الغرباء، وكان أهل اليسار يقفون على هذه الزوايا أوقافا كثيرة، وتتلى فيها الأوراد وتقام الأذكار، وقد تنعقد فيها بعض الدروس، فتكون دارا للتعليم والوعظ والنسك. ولما فسدت الحياة السياسية فى أواخر عهد الدولة المرينية وضعف الحكام عن مواجهة أعداء الوطن البرتغاليين فى القرن التاسع الهجرى أخذ أهل المغرب الأقصى يلوذون ببعض أصحاب هذه الطرق آملين أن يجدوا عندهم الحمية للذود عن دار الإسلام وإنقاذ الوطن من هذا البلاء المستطير، والتفّ كثيرون منهم حول صوفى شاذلى صالح هو الشيخ محمد بن سليمان الجزولى صاحب كتاب دلائل الخيرات المتوفى سنة 870 هـ/1465 م متوسمين فيه أن يستجيب لهم، واستجاب، وتقدم مع جموع كثيرة من مريديه الصوفية وغيرهم يتصدى للبرتغاليين وينازلهم منازلة ضارية. وبذلك حوّل الصوفية من جماعة تعيش للنسك وحده إلى جماعة مجاهدة فى سبيل الله تجاهد أعداء الدين والوطن من البرتغاليين النصارى، وانتصر عليهم بمن آزروه من الصوفية وغيرهم مرارا، غير أن خائنا اغتاله، ليقف جهاده. ولم تلبث الدولة السعدية أن قامت واستطاع حكامها البواسل أن يستردوا كل ما أخذه البرتغاليون واستولوا عليه من موانى المحيط الأطلسى ومدنه كما أسلفنا وقد نازلوهم فى معركة وادى المخازن كما مر بنا ولم تلبث المعركة أن استحالت إلى ما يشبه مذبحة كبرى للبرتغاليين، فردّوا إلى صوابهم ولم يعد يمر بخاطرهم أن يستولوا على أى ميناء مغربى على المحيط، بعد أن كادوا يستولون على الساحل جميعه بمدنه وموانيه. وخاب الأمل فى أبناء المنصور الثلاثة كما مر بنا فقد تنازعوا على العرش، وتنازل أحدهم-وهو المأمون-لإسبانيا عن مدينة العرائش جنوبى منطقة الهبط ولم يلبث الإسبان أن أسسوا لهم فى العام التالى بالقرب من مصب نهر سبو فى المحيط مدينة سميت المعمورة واسمها الآن المهدية وتنازل لهم البرتغاليون عن سبتة وطنجة فى الشمال وكذلك عن الجديدة فى منطقة دكالة وأزمّور. وشقّ ذلك على المغاربة. ولاذوا-من جديد-بالمتصوفة يأملون أن يرفع أحدهم لواء الجهاد للعدو الإسبانى فينضووا تحت لوائه، واتسعت الفتن واتسع اضطراب الأمور، وطمح كثيرون-حتى بين المتصوفة أصحاب الزوايا-أن يأخذوا بلادا أو أجزاء واسعة من الدولة التى توشك على

(1) انظر فى الطرق الصوفية ونشاطها السياسى ما كتبه الدكتور محمد حجى عن الزاوية الدلائية ودورها الدينى والعلمى والسياسى (طبع الدار البيضاء) والاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى للسخاوى ونشر المثانى لأهل القرن الحادى عشر والثانى للقادرى تحقيق محمد حجى وأحمد التوفيق (طبع دار الغرب).

ص: 294