الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال اقتلوا فالقتل يردع غيرهم
…
ولا رقّ ذاك القلب منه ولا لانا
تعالوا تروا ضلّيل فى زىّ ناسك
…
يطوّل من ثوب الضلالة أردانا
وقد قدّ ذاك الثوب من كل موضع
…
ومرّ بأبصار الخلائق عريانا
إذا شيم منه الخير فالبرق كاذب
…
وإن صال منه الرعد يهلك بلدانا
ويقول إنه أفتى بقتل من سفكت دماؤهم لزجر غيرهم وردعهم لا يرعى فيهم عهدا ولا ذمة، وكأنما قسا قلبه وخلا منه كل شعور حتى غدا كالحجر الصلد أو أشد قسوة، ويعجب أن يتظاهر بالنسك وعبادة ربه وهو يطوّل من ثوب الضلالة أردانه أو أكمامه، ويقول إن هذا الثوب قدّ وشقّق ومزّق حتى أصبح-رغم لبسه له-عريانا، وحتى لو رؤى منه برق خير فالبرق كاذب، أما إذا أرعد فهلاك للبلاد والعباد. ويهيب الشاعر بأهل تلمسان أن يثوروا بالعثمانيين ثورة عنيفة، ويتوعد ابن زاغو بما سيلقى عند ربه قائلا:
أيا آل دين الله مالى أراكم
…
نياما وكان الطّرف من قبل يقظانا
أما تذكرون الأهل والزمن الذى
…
عهدتم فذاك الوصل قد صار هجرانا
وهلا سألتم عن يتامى تفرّقت
…
أيادى سبا فى الغرب أنثى وذكرانا
فقل لابن زاغو رأس كلّ خطيئة
…
قلّى تحسبون الفتك بالأهل سلوانا
ألا إنك الدّجّال للناس فتنة
…
تأهّب لزوح الله فالحين قد حانا
وهو يستصرخ أهل تلمسان ليهبوا من نومهم الطويل ويذودوا عن أهلهم وحريمهم الذين قتل العثمانيون أزواجهن ويتموا أبناءهن وتفرقوا فى البلدان مزقا أناثا وذكورا، ويقول لابن زاغو رأس هذه الخطيئة قلى وبغضا لك حين تتخذ الفتك بالأهل سلوانا، إلا إنك الدجال الذى يموه الحق ويزين الباطل ويوقد الفتن، فتأهب واستعد لإزاحة الله لك من على وجه الأرض، فقد آن موتك ولم يعد لك مفر منه. وواضح أن سعيدا المنداسى كان شاعرا بارعا، ولم يكن يعيش بمعزل عن قومه، فقد كان يشاركهم فى ثوراتهم على ظلم الحكام العثمانيين فى أيام شبابه، وإن فاته أن يحمل السلاح فى وجوههم فإنه لم يفته أن يجعل من أبيات شعره الفصيح والعامى سهاما يسلطها على جباه العثمانيين ويقذفها على رءوسهم وصدورهم محاولا- بكل جهده-أن يستثير مواطنيه من أهل تلمسان ضدهم حتى يذيقوهم نكالا ووبالا.
5 -
الشعراء والشعر التعليمى
مرّ بنا فى الجزء الخاص بالعصر العباسى الأول أن رقى الحياة العقلية فيه هيأ لاستحداث الشعر التعليمى الذى يعنى بنظم التاريخ والعلوم والقصص التعليمية، وكان من السابقين إلى
ذلك أبان بن عبد الحميد ناظم قصص كليلة ودمنة شعرا، وله منظومات سقطت من يد الزمن فى تاريخ ملوك الفرس وأيضا له منظومة فى الفقه وأحكام الصلاة، ونظم فى هذا الفن التعليمى الأصمعى فى الملوك والأمم البائدة كما نظم إبراهيم الفزارى منظومة طويلة فى الفلك يقال إنها استوعبت عشر مجلدات.
ومنذ العصر العباسى الأول رسخ هذا الفن فى الشعر العربى وأصبح أحد موضوعاته، وقد اصطلح أبان وأصحابه فى العصر المذكور على أن ينظم من وزن الرجز، لأنه من أوفر أوزان الشعر العربى أنغاما ومن أكثرها قبولا للتغير. فى تفاعيله، وهو بذلك أكثرها مرونة لحمل المعارف العلمية. وأخذت الأقاليم العربية تسهم فى هذا الفن كلما اتسعت فيها الحركات العلمية وكثر علماؤها، إذ يرون أن يضعوا فى علومهم منظومات لمساعدة الناشئة على حفظ قواعدها.
وأقاليم عربية تسرع فى هذا الصنيع، وأقاليم أخرى تتأخر قليلا أو كثيرا، ونلتقى فى القرن الخامس الهجرى بابن أبى الرجال المتوفى سنة 426 هـ/1034 م وله أرجوزة فى الفلك والتنجيم، ويلقانا فى القرن السابع يحيى (1) بن عبد المعطى المولود سنة 564 هـ/1169 م وهو من قبيلة زواوة البجائية، وقد نشأ فى بجاية، وأتقن فيها علم النحو كما أتقن نظم الشعر، غير أنه اتجه به نحو التمرن على نظم بعض المعارف، ورحل إلى دمشق وسكنها وانتفع به خلق كثير، ورغبه السلطان الكامل الأيوبى فى الانتقال إلى مصر وانتقل إليها وتصدّر لإقراء الطلاب فى الجامع العتيق (جامع عمرو بن العاص) وكان يقرأ لهم ألفيته التى نظمها فى النحو ويفسر أبياتها لهم، ولا يعرف متى نظمها؟ هل نظمها قبل رحيله إلى دمشق أو بعد ذلك وما زال يقرئها الطلاب المصريين حتى توفى سنة 628 هـ/1231 م وعلى غرارها نظم ابن مالك ألفيته المشهورة فى النحو. ونمضى فى القرن السابع ونلتقى بأبى إسحاق (2) إبراهيم بن أبى بكر الأنصارى التلمسانى المتوفى سنة 697 هـ/1298 م وقد نظم فى الفرائض (علم الميراث) وهو ابن عشرين سنة أرجوزة اشتهرت باسم التلمسانية، وهى أرجوزة محكمة ضابطة لعلم الميراث عجيبة الوضع لم يصنّف فى فنها مثلها وقد طارت شهرتها فى الجزائر وغير الجزائر وشرحت مرارا. وممن كثر نظمهم فى الشعر التعليمى ابن (3) مرزوق الحفيد وله ألفية فى القراءات فى محاذاة ألفية الشاطبى: حرز الأمانى، وأرجوزتان فى علم الحديث: كبرى باسم الروضة وصغرى باسم الحديقة، وأرجوزة فى تلخيص كتاب المفتاح فى علوم البلاغة للقزوينى، وأرجوزة فى الميقات أو الفلك
(1) انظر ترجمته فى معجم الأدباء 20/ 35 وابن خلكان 6/ 193.
(2)
راجع ترجمته فى الديباج المذهب لابن فرحون (طبع القاهرة) بتحقيق د. محمد الأحمدى أبو النور 1/ 274 وبغية الرواد ليحيى بن خلدون 1/ 109.
(3)
انظر ترجمته فى البستان 201 - 214 وراجع تعريف الخلف برجال السلف للحفناوى 1/ 128 ونيل الابتهاج بتطريز الديباج لأحمد بابا ص 305.
فى ألف وسبعمائة بيت سماها المقنع الشافى، وله أرجوزة فى تلخيص أعمال الحساب لابن البناء، وأرجوزة فى نظم كتاب الجمل فى المنطق للخونجى. ومن ناظمى الشعر التعليمى فى القرن التاسع بين أصحاب علوم الأوائل الحباك (1) محمد بن أحمد المتوفى سنة 867 هـ/1463 م وله أرجوزة فى الأسطرلاب كانت ألفية هذا العلم فى العهد العثمانى، ومن أجل ذلك كثرت شروحها وقد سماها:«بغية الطلاب فى علم الأسطرلاب» وفيها تحدث عن رسوم الأسطرلاب وأجزائه ومطالع البروج والجهات الأربع إلى غير ذلك من موضوعات علم الفلك. ومن ناظمى هذا القرن أحمد (2) بن عبد الله الجزائرى المتوفى سنة 884 هـ/1479 م وله منظومة فى علم التوحيد أو علم الكلام استهلّها بقوله:
الحمد لله وهو الواحد الأزلى
…
سبحانه جلّ عن شبه وعن مثل
نظمها فى مقتبل عمره وسماها الجزائرية وأرسلها إلى العلامة محمد السنوسى فأعجب بها وشرحها، وقد دوّت شهرتها فى الجزائر وغير الجزائر، وبالمثل شرح السنوسى أرجوزة فى نفس العلم لتلميذه محمد (3) بن عبد الرحمن الحوضى، سماها واسطة السلوك افتتحها بقوله:
الحمد لله الذى دلّ عليه
…
إيجادنا ثم افتقارنا إليه
وبعد فالتوحيد أشرف العلوم
…
وهو أساسها الذى به تقوم
ولابن (4) زكرى معاصرهما المتوفى سنة 900 هـ/1494 م أرجوزة فى نفس الموضوع شرحها الورتلانى. وحرى بنا أن نعرف أن الجزائر وكل بلاد المغرب-كما قلنا فى غير هذا الموضع-كانت تعتنق مذهب الأشعرى فى قضايا العقيدة وعلم التوحيد. ونمضى فى القرن العاشر الهجرى ونلتقى بالفقيه أحمد (5) بن الحاج البجائى المتوفى سنة 930 هـ/1524 م وقد رأى للشيخ السنوسى كتابين فى علم التوحيد باسم العقيدة الكبرى والعقيدة الصغرى، فنظم الصغرى فى أرجوزة له ابتدأها بقوله:
الحمد لله الذى عرّفنا
…
بنفسه وبالهدى شرّفنا
وبعد فالمقصود من هذا النظام
…
نظم عقيدة السّنوسىّ الإمام
من غير تبديل ولا تغيير
…
سوى اختلاف اللفظ والتعبير
وله منظومات فى مسائل فقهية متعددة. ولكثيرين منظومات أو أراجيز فى علوم مختلفة، على نحو ما نرى عند عبد الرحمن الأخضرى وسنخصه بكلمة أو ترجمة، وكثيرا ما كانوا
(1) انظره فى البستان ص 219 وتاريخ الجزائر الثقافى لسعد الله 1/ 109 وما بعدها.
(2)
راجع تعريف الخلف 1/ 38 وسعد الله 1/ 84.
(3)
انظره فى البستان ص 252 وعند سعد الله 1/ 90.
(4)
انظر فى ابن زكرى البستان ص 38 وعند سعد الله 1/ 85.
(5)
راجع ابن الحاج فى البستان ص 8 - 24.