الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المراكشى حين يؤلف كتابه الذيل والتكملة لكتابى الموصول والصلة يجعله قسمة بين الأندلسيين والمغاربة، وللأندلسيين الشطر الأكبر. وأخذت تتسع الهجرة من الأندلس، حتى إذا كانت سنة 897 هـ وسقطت غرناطة بدأت هجرة أندلسية كبرى إلى مدن المغرب الأقصى. وتلتها الهجرة أيام فيليب الثالث حين أمر سنة 1018 هـ/1609 م بطرد الموريسكيين من جزيرة الأندلس. وكان لهذه الهجرات الأندلسية الجماعية فى أواخر أيام المرينيين وزمن السعديين أثر بعيد فى نمو الحركة العلمية بالمغرب الأقصى، ولذلك نرى خطأ كبيرا فى قياس المغرب الأقصى على بلدان الدولة العثمانية فى المشرق العربى وخمود الحركة العلمية بتلك البلدان لأن فوارق كانت تفرق بين المغرب الأقصى وبينها، أهمها ما ظل ينزله من جموع الأندلسيين بعد سقوط غرناطة على مدى سنوات طويلة متعاقبة. وينوه ابن القاضى فى كتابه عن المنصور الذهبى السعدى (986 هـ/1578 م-1012 هـ/1603 م) بشغفه الشديد بالعلوم على اختلافها ورعايته للعلماء والأدباء. وينوّه الأستاذ عبد الله كنون فى الجزء الأول من كتابه النبوغ المغربى بالخلفاء العلويين: الرشيد (1075 هـ/1664 م-1084 هـ/1672 م) وإسماعيل (1082 هـ/1672 م-1139 هـ/1727 م) ومحمد بن عبد الله (1171 هـ/1757 م-1204 هـ/1789 م) ونهضتهم العلمية بالمغرب الأقصى. وفى كل ما قدمناه ما يدل-بوضوح-على أن الحركة العلمية المغربية كانت دائما بأعين الحكام المغاربة، فهم يتعهدونها ويقدمون لها كل ما يستطيعون من عون مادى ومعنوى.
2 -
علوم الأوائل
ليس بين أيدينا معلومات واضحة عن علوم الأوائل ونشاط علماء المغرب الأقصى فيها زمن المرابطين إلا ما ذكر من أن بعض الأطباء الأندلسيين نزلوا مراكش لرعاية يوسف بن تاشفين وابنه على رعاية طبية، ومنهم أبو العلاء (1) بن عبد الملك بن زهر، وله فى الطب تصانيف متعددة وقد أمر السلطان على بن يوسف حين توفى سنة 525 هـ/1130 م بجمع كتبه الطبية ونسخها فى السنة التالية لوفاته، ومن أهمها كتاب التذكرة ونشره جبرييل كولان بالعربية والفرنسية فى باريس سنة 1911 للميلاد، ونظن ظنا أن بعض المغاربة تتلمذ عليه حين نزوله فى مراكش وربما تبعه إلى بلدته إشبيلية ليكمل تعلمه عليه.
ولا يلبث الموحدون أن يستولوا من المرابطين على صولجان الحكم وتزدهر علوم الأوائل
(1) انظر فيه كتابنا عن الأندلس ص 79.
فى عهدهم، مما يدل على أن المغاربة كانوا قد أخذوا يدرسونها منذ عهد المرابطين، وقاد حركة ازدهار هذه العلوم فى المغرب الأقصى يوسف (1) بن عبد المؤمن الموحدى (558 هـ/1162 م -580 هـ/1185 م)، إذ تعلم الفلسفة منذ أن كان حاكما لإشبيلية فى عهد أبيه عبد المؤمن، واصطفى لنفسه حينذاك طبيبه الفيلسوف أبا بكر بن طفيل واصطحبه معه إلى مراكش حين استولى على صولجان الحكم، وكان لا يكاد يفارقه، ورغبه فى جمع كتب الفلسفة فاجتمع له منها-كما يقول صاحب المعجب-ما يقرب مما جمعه الخليفة الأموى المستنصر (350 هـ/ 961 م-365 هـ/975 م) فى الأندلس، وكانت مكتبته تعد أغنى مكتبة فى زمنه تحوى كتب الفلسفة. وكما كان ابن طفيل يجلب إليه الكتب الفلسفية وما يتصل بها من علوم الأوائل كان يجلب إليه العلماء من جميع الأقطار وينبّه عليهم-كما يقول صاحب المعجب-ويحضه على إكرامهم والتنويه بهم، وله فى الفلسفة والطب والفلك كتب مختلفة. وشكا إليه يوسف قلق عبارات أرسطو فى كتبه وحاجتها إلى الشرح والتلخيص وسأله أن يقوم بذلك فاعتذر بعلو سنه، وأشار عليه أن يطلب ذلك من ابن رشد-وكان قاضى إشبيلية حينذاك-فاستدعاه وطلب إليه أن ينهض بهذا العمل، فنهض به على خير صورة ممكنة، إذ وضع شروحا مطولة ومتوسطة ومختصرة لكثير من مؤلفات أرسطو.
وكل هذه الشروح ترجمت إلى اللاتينية وترجمت معها مؤلفاته الفلسفية مثل تهافت التهافت الذى ردّ فيه على تهافت الفلاسفة للغزالى، والكشف عن مناهج الأدلة فى عقائد الملة، وفصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال. وأخذت كتبه تدرس فى الجامعات الأوربية منذ القرن الثالث عشر الميلادى، ولولاها لما فهم الغرب فلسفة أرسطو بالإضافة إلى ما كان لمؤلفيه الأخيرين من أثر عميق فى حركة التحرر الدينى الأوربى. وهى يد لابن رشد لا على الفكر الأوربى وحده بل على الفكر العالمى جميعه.
وكل آثار ابن رشد وابن طفيل وغيرهما من فلاسفة الأندلس مثل ابن باجة أستاذ ابن طفيل أحدثت فى المغرب الأقصى نهضة علمية فى مختلف علوم الأوائل وخاصة فى الرياضيات التى شغف بها المغاربة، وفى مقدمتهم عبد الله بن محمد بن حجاج المشهور باسم ابن الياسمين (2) المتوفى سنة 601 هـ/1205 م وله منظومة فى الجبر والمقابلة وأخرى فى أعمال الجذور، وكان يعاصره على بن محمد بن فرجون القيسى القرطبى نزيل فاس المتوفى مثله سنة 601 وله كتاب (3) لباب اللباب فى بيان مسائل الحساب. وتدل القصور المختلفة التى بناها المنصور
(1) انظر فى يوسف وأخباره مع ابن طفيل وابن رشد المعجب فى مواضع متفرقة (راجع الفهرس).
(2)
انظر حضارة الموحدين للمنونى ص 74.
(3)
راجع الذيل والتكملة لابن عبد الملك المراكشى 5/ 375.
يعقوب الموحدى فى قصبة مراكش والمسجد الذى بدأه جده عبد المؤمن وأضاف إليه زينات وإضافات وعمد وغير عمد ومأذنته البديعة على أنه كان بمدينة مراكش حينئذ كثير من المهندسين المواطنين والمجلويين من الأندلس المستوطنين فيها، ومما أحدثوه فى المسجد الكبير مقصورة يجلس فيها الخليفة وحواشيه يوم الجمعة وكانت ميكانيكية مثبتة بعجلات فى أسفلها ولها ست أذرع وتمتد بفواصل متحركة (1).
ومن كبار الرياضيين الفلكيين حينئذ أبو على الحسن المراكشى مؤلف كتاب المبادئ والغايات فى علم الميقات ويذكر صاحب كشف الظنون أنه أعظم ما ألف فى هذا الفن، وينقل عنه الأستاذ عبد الله كنون أن أبا على المراكشى رتب هذا الكتاب على أربعة فنون هى الحسابيات فى نحو ثمانين فصلا، ووضع آلات الأسطرلاب ولها سبعة أقسام، وللعمل بها خمسة عشر فصلا، والدربة عليها فى أربعة أبواب أو فصول (2).
ونمضى إلى عصر المرينيين ونلتقى فى علم الفرائض أو المواريث-وكانوا يلحقونه بالرياضيات-بإبراهيم بن أبى بكر التلمسانى نزيل سبتة الذى مر بنا فى الجزائر وله فى الفرائض أرجوزة سميت التلمسانية شرحت فى سبتة وغير سبتة مرارا، ولابن الشاط المتوفى سنة 723 هـ/1323 م «غنية الرائض فى علم الفرائض» . ونلتقى بمفخرة المغرب فى الرياضيات ابن البناء (3) أبى العباس أحمد بن محمد بن عثمان الأزدى المراكشى المولود بمراكش سنة 653 هـ/1256 م والمتوفى سنة 721 هـ/1322 م وقد بلغ الغاية فى مختلف العلوم الدينية واللغوية والبلاغية وبرع إلى الغاية فى العلوم الفلسفية ولا سيما فى الرياضيات والفلك، وله فى الحساب والجبر التلخيص فى أعمال الحساب وعليه يعتمد الطلاب فى جامع أو جامعة القرويين بفاس إلى اليوم، وشرحه بكتاب سماه رفع الحجاب. وطارت شهرته فى حياته وقصده الطلاب من كل فج، وتخرج رياضيون ماهرون على يديه مغاربة وجزائريون مثل الآبلى محمد بن إبراهيم التلمسانى، المتوفى سنة 757 هـ/1356 م. ولابن البناء فى الفلك كتاب اشتهر فى عصره وبعد عصره سماه اليسارة فى تعديل السيارة وله المدخل إلى علم النجوم. ويلمع اسم اللجائى الفاسى عبد (4) الرحمن بن أبى الربيع المتوفى سنة 773 هـ/1372 م فى الرياضيات والهيئة أو الفلك وقد ابتكر أسطرلابا يلصق فى جدار، والماء يدير شبكته على الصفيحة بحيث يعرف منه مدى ارتفاع الشمس وما مضى من النهار كما يعرف مدى ارتفاع أى كوكب ليلا.
(1) انظر المنونى ص 76، 80.
(2)
راجع الجزء الأول من النبوغ المغربى لكنون ص 166.
(3)
لابن البناء ترجمات كثيرة فى الكتب السالفة مثل جذوة الاقتباس ونيل الابتهاج ودرة الحجال وأزهار الرياض. وانظر فى مؤلفاته النبوغ المغربى 1/ 231.
(4)
انظره فى الدرة لابن القاضى 3/ 82 والجذوة 2/ 402 وكنون 1/ 224.
ويلقانا بعده عبد (1) الرحمن الجادرى المتوفى سنة 839 هـ/1435 م مؤقت جامع القرويين بفاس، وله روضة الأزهار فى علم الليل والنهار، وكتاب ثان جمع فيه بين العمل بآلة الأسطرلاب وبالصفيحة الشكازية وبربع الدائرة وطريقة العمل بالحساب والجداول. ومن علماء الهندسة فى العصر المرينى ابن لبون التجيبى المتوفى سنة 750 هـ/1350 م وله كتاب الإكسير فى الأشكال الهندسية.
وكان الخليفة المنصور الذهبى السعدى مكبّا على كتاب اقليدس يحل أشكاله، ولأحمد بن القاضى المتوفى سنة 1025 هـ/1616 م شرح باسم فتح الخبير بحسن التدبير لفك رموز الإكسير لابن لبون السالف (2). وللبعقيلى (3) أبى زيد عبد الرحمن الجزولى المتوفى سنة 1006 هـ/1597 م شروح فلكية على اليسارة فى تعديل السيارة لابن البناء وروضة الأزهار للجاردى وهو الذى أحدث الساعة الرخامية بجامع تارودنت. ولمحمد (4) بن قاسم بن القاضى المتوفى سنة 1040 هـ/1630 م كتاب البرق الوامض فى الحساب والفرائض. وأهم الرياضيين فى عصر العلويين الرودانى محمد بن سليمان المتوفى سنة 1094 هـ/1683 م وله أسطرلاب مبتكر مكون من كرتين، وفى كتاب النبوغ المغربى وصف (5) مفصل له. ولعل فى كل ما قدمت ما يدل على أن المغرب الأقصى ظل ناشطا فى الدراسات الرياضية والفلكية والهندسية طوال الحقب الماضية.
وطبيعى أن ينشط المغرب الأقصى فى الطب والصيدلة لضرورتهما فى العناية بحياة الناس، ومرّ بنا أن أبا العلاء (6) بن زهر الطبيب كان طبيبا ليوسف بن تاشفين وخليفته من بعده ابنه على، مما يؤكد نزوله فى مراكش لرعايتهما الصحية، ونزلها بعده ابنه عبد الملك الذى كان طبيبا للمرابطين ثم للموحدين إذ توفى سنة 557 هـ/1162 م وهو أهم طبيب عربى كلينيكى أو عملى بعد الرازى.
واتخذ الخليفة يوسف بن عبد المؤمن الموحدى الفيلسوف ابن طفيل طبيبا بينما اتخذ ابنه يعقوب أبا بكر بن زهر طبيبه الخاص، وكانت أخته أم عمرو طبيبة ماهرة وكانت تعنى صحيا بزوجة يعقوب ونساء الأسرة الموحدية، وكان ابنه عبد الله طبيب الناصر بن يعقوب الموحدى. وأحصى الأستاذ المنونى فى كتابه «حضارة الموحدين» نحو عشرين (7) طبيبا وصيدليا أندلسيا
(1) انظر مظاهر الثقافة المغربية للدكتور ابن شقرون ص 220.
(2)
راجع الحركة الفكرية بالمغرب فى عهد السعديين 1/ 157.
(3)
نفس المصدر 1/ 158 وانظر النبوغ المغربى للأستاذ عبد الله كنون 1/ 264.
(4)
النبوغ 1/ 270.
(5)
انظر وصف هذا الأسطرلاب عند الأستاذ كنون 1/ 294.
(6)
انظر فى أطباء أسرة بنى زهر كتابنا عن الأندلس ص 79.
(7)
راجع حضارة الموحدين للأستاذ المنونى ص 88 وما بعدها.
نزلوا مراكش لخدمة الخلفاء الموحدين. ويذكر بالمثل الأطباء المغاربة الذين أتقنوا الطب والصيدلة فى عصر الموحدين، ومنهم يحيى بن محمد السلوى المتوفى سنة 563 هـ/1167 م، والشريف الإدريسى المتوفى حوالى سنة 570 هـ/1174 م وله كتاب فى الصيدلة أو مفردات الأدوية، وأحمد بن عبد الملك الجذامى الناشئ بسبتة والمتوفى بمراكش سنة 650 هـ/1253 م. وقد أفاض المراكشى فى كتابه المعجب فى وصف البيمارستان الذى شيّده المنصور، ويقول إنه أجرى عليه ثلاثين دينارا كل يوم للإنفاق، وإنه كان به قسم للصيدلة وعمل الأشربة والأدهان والأكحال، ويذكر أن يعقوب كان يعود مرضى المارستان كل أسبوع بعد صلاة الجمعة. ويبدو أن أبا إسحاق إبراهيم الدانى البجائى كان أول رئيس للبيمارستان كما يفهم من ترجمة ابن أبى أصيبعة له فى كتابه طبقات الأطباء وأن رياسته ظلت فى بيته فترة.
ويذكر الدكتور شقرون فى كتابه مظاهر الثقافة المغربية ستة (1) من الأطباء المشهورين فى العصر المرينى ربما كان أهمهم أبو العباس أحمد بن شعيب الفاسى الذى اشتهر بتعمقه فى الفلسفة والرياضيات وعلوم الأوائل، وكان طبيبا فى البلاط المرينى زمن السلطان أبى سعيد عثمان وابنه أبى الحسن وقد اصطحبه معه حين غزا تونس، وبها توفى بالطاعون سنة 749 هـ/1349 م وكان طبيبا بارعا كما كان شاعرا بارعا. ومن أكبر الدلالة على كثرة الأطباء فى العصر المرينى أن نجد مؤلفا مجهولا لكتاب «بلغة الأمنية ومقصد اللبيب فيمن كان بسبتة فى الدولة المرينية من مدرس وأستاذ وطبيب» الذى نشره الأستاذ محمد بن تاويت فى العدد التاسع من مجلة تطوان يذكر سبعة من الأطباء بمدينة سبتة، بينهم طبيبة بارعة هى عائشة (2) بنت الجيار، ويقول:
«قد كان بسبتة فى هذه الطبقة جماعة من الأطباء والشجّارين-يريد الصيادلة العشّايين- سوى من ذكرناه لم يبلغوا فى العلم والمكانة مبلغ هؤلاء (السبعة) تركت ذكرهم» ، وإذا كان هذا العدد من الأطباء بإحدى مدن المغرب الأقصى فما بالنا بمن كان بفاس من الأطباء والصيادلة، ولا بد أن كانوا كثيرين، إذ يذكر الحسن الوزان أنه كان بفاس فى الداخل أو فى داخلها مارستانات بديعة وعدة مارستانات أخرى خارج أبوابها، وعلى الأقل كان يحتاج كل مارستان إلى صيدلى وطبيب إن لم يكن يحتاج إلى عدد من الأطباء والصيادلة.
ويعرض الدكتور محمد حجى مؤلفات (3) الأطباء والصيادلة، ويبدأ بالوزير الغسانى المتوفى سنة 1019 هـ/1610 م ومما يذكر له حديقة الأزهار فى شرح ماهية العشب والعقار وهو
(1) مظاهر الثقافة المغربية: دراسة فى الأدب المغربى فى العصر المرينى ص 227.
(2)
النبوغ المغربى 1/ 225.
(3)
الحركة الفكرية بالمغرب فى عهد السعديين 1/ 160 وما بعدها.
معجم صيدلى نباتى، ويذكر للطبيب عبد الغنى بن مسعود الزمورى كتابا فى الطب بعنوان: القول المفيد فى علاج الحصى بقول سديد، وكتابا فى الصيدلة بعنوان خواصّ النباتات، شرح فيه الأدوية باللسان اليونانى والسريانى والفارسى والعجمى، كما يذكر للطبيب أبى الغول الفشتالى أرجوزة طبية فى ألف بيت وأربعمائة وعشرة، ويذكر أيضا للطبيب على بن إبراهيم أرجوزة فى علاج العيون وأدوائها وأخرى فى الأعشاب وخواصها فى شفاء الأمراض.
ونبغ فى عصر العلويين غير صيدلى وطبيب، منهم عبد (1) القادر بن شقرون المتوفى بعد سنة 1140 هـ/1728 م وله فى الصيدلة مؤلفات متعددة سوى منظومة سميت بالشقرونية فى 700 بيت فى الأغذية والأدوية، ومنهم عبد (2) الوهاب أدرّاق المتوفى سنة 1159 هـ/1746 م وهو من أسرة فاسية اشتغلت بالطب، وإليه انتهت رياسة الطب فى زمنه، وله مؤلفات ومنظومات طبية مختلفة، ومنهم عبد (3) الله بن عزوز المراكشى المتوفى سنة 1204 هـ/1789 م وله فى الصيدلة كتاب باسم كشف الرموز فى الأعشاب الطبية وكتاب فى الطب باسم ذهاب الكسوف. ولعل فى كل ما ذكرت ما يصور-بوضوح-عناية المغاربة ببحوث الطب والصيدلة طوال العصور السالفة.
ويلحق بعلوم الأوائل علم المنطق الذى يعرف به الصحيح من الفاسد فى التعاريف والبراهين والأقيسة، وهو يشترك فى العلوم كلها، فليس هناك علم لا يأخذ منه بحظ. والمنطق علم يونانى الأصل وضعه أرسطو ورتب فصوله وقضاياه ترتيبا محكما، ونقله العرب منذ القرن الثانى الهجرى وتداوله علماؤهم وأقطارهم، وأصبح يدرس فى جوامعها الكبيرة أو جامعاتها، حتى إذا نشأت المدارس فى القرن الخامس الهجرى أخذت تتدارسه ويضع فيه أفضل الدين الخونجى المتوفى سنة 648 هـ/1251 م كتابا موجزا باسم الجمل وتطير شهرته فى العالم العربى بجميع أقطاره شرقا وغربا ويأخذ علماء المغرب-كعلماء المشرق-فى مدارسته وشرحه لطلابهم. وممن عرفوا بدراسة المنطق بأخرة من عصر الموحدين، وربما لحق عصر المرينيين، عبد (4) الله بن محمد الأغماتى من أهل أغمات من المغرب الأقصى من علماء القرن السابع الهجرى، وينعته الغبرينى بأنه المنطقى النحوى ويقول عنه: كان أعلم الناس بكتاب سيبويه ومقاصده، وله تحصيل لعلم المنطق.
ونلتقى فى أوائل عهد المرينيين بمحمد (5) بن على بن يحيى المدعو بالشريف قاضى الجماعة
(1) النبوغ المغربى 1/ 299 والحياة الأدبية بالمغرب فى عهد الدولة العلوية للدكتور الأخضر ص 207.
(2)
النبوغ المغربى 1/ 300 والأخضر ص 239.
(3)
الأخضر ص 366.
(4)
انظر الأغماتى فى عنوان الدراية للغبرينى ص 223.
(5)
الإعلام بمن حل بمراكش وأغمات من الأعلام 4/ 281 وانظره فى بغية الوعاة للسيوطى.