المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2 -الرسائل الديوانية - تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف - جـ ١٠

[شوقي ضيف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة

- ‌1 - [الجزائر]

- ‌2 - [المغرب الأقصى]

- ‌3 - [موريتانيا]

- ‌4 - [السودان]

- ‌القسم الأولالجزائر

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌3 -الفتح والولاة-الأغالبة-الإباضية-تلمسان

- ‌(ب) الأغالبة

- ‌(ج) الإباضيون

- ‌(د) تلمسان

- ‌4 -الدولة العبيدية-الدولة الصنهاجية-بنو حماد

- ‌(أ) الدولة العبيدية

- ‌(ج) بنو حماد

- ‌5 -دولة الموحدين-الدولة الحفصية-بنو عبد الواد

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع الجزائرى

- ‌2 -المعيشة

- ‌(أ) الثراء

- ‌(ب) الرّفة

- ‌(ج) الموسيقى

- ‌4 -الدين-المالكية والحنفية-الإباضية-المعتزلة

- ‌(أ) الدين

- ‌(د) المعتزلة

- ‌الفصل الثالثالثقافة

- ‌1 -الحركة العلمية

- ‌(أ) فاتحون ناشرون للإسلام ومعلمون

- ‌(ب) دور العلم:‌‌ الكتاتيب-‌‌المساجد-المدارس-الزوايا-المكتبات

- ‌ الكتاتيب

- ‌المساجد

- ‌المدارس

- ‌الزوايا

- ‌المكتبات

- ‌(ج) نمو الحركة العلمية

- ‌5 -التاريخ

- ‌الفصل الرّابعنشاط الشعر والشعراء

- ‌2 -كثرة الشعراء

- ‌3 -شعراء المديح

- ‌ عبد الكريم النهشلى

- ‌ ابن خميس

- ‌ الشهاب بن الخلوف

- ‌ محمد القوجيلى

- ‌4 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) شعراء الفخر

- ‌(ب) شعراء الهجاء

- ‌ بكر بن حماد التاهرتى

- ‌ سعيد المنداسى

- ‌5 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌ عبد الرحمن الأخضرى

- ‌الفصل الخامسطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ ابن على

- ‌2 -شعراء وصف الطبيعة

- ‌ عبد الله بن محمد الجراوى

- ‌3 -شعراء الرثاء

- ‌4 -شعراء الزهد والتصوف

- ‌(أ) شعراء الزهد

- ‌(ب) شعراء التصوف

- ‌ إبراهيم التازى

- ‌5 -شعراء المدائح النبوية

- ‌الفصل السّادسالنثر وكتّابه

- ‌1 -الخطب والوصايا

- ‌2 -الرسائل الديوانية

- ‌3 -الرسائل الشخصية

- ‌4 -المقامات

- ‌5 -كبار الكتاب

- ‌[(ب)] الوهرانى

- ‌القسم الثانىالمغرب الأقصى

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌3 -الفتح والولاة-ثورة الصفرية-بنو مدرار-الأدارسة-بعد الأدارسة والمدراريين

- ‌(ب) ثورة الصفرية

- ‌(د) الأدارسة

- ‌4 -المرابطون-الموحدون-بنومرين

- ‌(أ) المرابطون

- ‌(ب) الموحدون

- ‌5 -السعديون-الطرق الصوفية-العلويون

- ‌(أ) السعديون

- ‌(ج) العلويون

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع المغربى

- ‌1 -عناصر السكان

- ‌2 -المعيشة

- ‌3 -الثراء-الرّفة-الموسيقى-المرأة

- ‌(أ) الثراء

- ‌(ب) الرّفة

- ‌(ج) الموسيقى

- ‌(د) المرأة

- ‌4 -المالكية-الصفرية-المعتزلة-الظاهرية

- ‌(أ) المالكية

- ‌(ب) الصفرية

- ‌(ج) المعتزلة

- ‌(د) الظاهرية

- ‌5 -الزهاد-المتصوفة

- ‌(أ) الزهاد

- ‌(ب) المتصوفة

- ‌الفصل الثالثالثقافة

- ‌1 -الحركة العلمية

- ‌(أ) فاتحون ناشرون للإسلام ومعلمون

- ‌ الكتاتيب

- ‌(ب) دور العلم: الكتاتيب-المساجد-المدارس-الزوايا-المكتبات

- ‌المساجد

- ‌المدارس

- ‌الزوايا

- ‌المكتبات

- ‌(ج) نمو الحركة العلمية

- ‌2 -علوم الأوائل

- ‌3 -علوم اللغة والنحو والعروض والبلاغة

- ‌5 -التاريخ

- ‌الفصل الرّابعنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 -تعرب المغرب الأقصى-كثرة الشعراء

- ‌(أ) تعرب المغرب الأقصى

- ‌(ب) كثرة الشعراء

- ‌2 -شعراء الموشحات والأزجال

- ‌(أ) شعراء الموشحات

- ‌ ابن غرلة

- ‌ ابن الصباغ

- ‌ ابن زاكور

- ‌(ب) شعراء الأزجال

- ‌ابن عمير

- ‌3 -شعراء المديح

- ‌ ابن زنباع

- ‌ ابن حبوس

- ‌الجراوى

- ‌ ابن عبد المنان

- ‌الهوزالى

- ‌الدغوغى

- ‌البوعنانى

- ‌4 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) الفخر

- ‌ الشاذلى

- ‌(ب) الهجاء

- ‌5 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌ عبد العزيز الملزوزى

- ‌ابن الونان

- ‌الفصل الخامسطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ أبو الربيع الموحدى

- ‌ عمر السلمى

- ‌2 -شعراء الوصف

- ‌3 -شعراء الرثاء

- ‌ ابن شعيب الجزنائى

- ‌4 -شعراء الزهد والتصوف

- ‌(أ) شعراء الزهد

- ‌(ب) شعراء التصوف

- ‌ ابن المحلى

- ‌5 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ميمون بن خبازة

- ‌ مالك بن المرحل

- ‌الفصل السادسالنثر وكتّابه

- ‌1 -الخطب والمواعظ

- ‌2 -الرسائل الديوانية

- ‌3 -الرسائل الشخصية

- ‌4 -المقامات والرحلات

- ‌(أ) المقامات

- ‌(ب) الرحلات

- ‌ رحلة ابن رشيد

- ‌ رحلة العياشى

- ‌ رحلة ابن ناصر

- ‌5 -كبار الكتّاب

- ‌(أ) القاضى عياض

- ‌القسم الثالثموريتانيا

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌2 -التاريخ

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع والثقافة

- ‌1 -المجتمع

- ‌(أ) صنهاجة وقبائل المعقل العربية

- ‌(ب) الزروع والمراعى

- ‌(ج) التجارة

- ‌(د) حياة يدوية

- ‌2 -الثقافة

- ‌(أ) نشاط دينى تعليمى كبير

- ‌(ب) التعليم والطلاب والشيوخ

- ‌(ج) أمهات الكتب والمتون والشروح المتداولة

- ‌(د) أعلام العلماء فى موريتانيا

- ‌(هـ) القراء والمفسرون والمحدثون والفقهاء

- ‌(و) أعلام النحاة والمتكلمين

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 -تعرّب موريتانيا

- ‌2 -شعراء المديح

- ‌ ابن رازكة

- ‌3 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) شعراء الفخر

- ‌ المختار بن بون

- ‌(ب) شعراء الهجاء

- ‌4 -شعراء الرثاء

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ الأحول الحسنى

- ‌ يقوى الفاضلى

- ‌2 -شعراء التصوف

- ‌ المختار الكنتى

- ‌الشيخ سيديّا

- ‌3 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ محمد بن محمد العلوى

- ‌4 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌القسم الرابعالسودان

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌2 -التاريخ

- ‌3 -(ج) دولة الفونج

- ‌4 -محمد على والسودان-عهد إسماعيل

- ‌5 -حركة المهدى-خليفته عبد الله التعايشى

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع السودانى-الثقافة

- ‌(أ) نزعة صوفية عامة

- ‌(ب) المرأة ومكانتها فى التصوف

- ‌(ج) التصوف والتربية الخلقية والدينية

- ‌(د) طرق صوفية جديدة

- ‌(هـ) دعوة المهدى ومبادئها الستة

- ‌2 -الثقافة

- ‌(أ) كتاتيب-زوايا-مساجد

- ‌(ب) حركة علمية نشيطة فى عهد الفونج

- ‌(ج) سودانيون أزهريون وعلماء مصريون

- ‌(د) التعليم المدنى الحديث وتوقفه

- ‌(هـ) إنشاء معهد دينى وعودة التعليم المدنى الحديث

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌2 -شعراء المديح

- ‌ الشيخ حسين زهراء

- ‌ الشيخ محمد عمر البناء

- ‌3 -شعراء الفخر والحماسة

- ‌ الشيخ يحيى السلاوى السودانى

- ‌ عثمان هاشم

- ‌4 -شعراء الرثاء

- ‌(أ) رثاء الأفراد

- ‌ الشيخ محمد سعيد العباسى

- ‌(ب) رثاء المدن

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل العفيف

- ‌2 -شعراء النقد العنيف والشكوى من الزمن

- ‌الشيخ عبد الله البناء

- ‌ صالح عبد القادر

- ‌3 -شعراء التصوف

- ‌4 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ الشيخ عمر الأزهرى

- ‌ الشيخ عبد الله عبد الرحمن

الفصل: ‌2 -الرسائل الديوانية

وكان يؤثر بخطابته ووعظه فى سامعيه تأثيرا بعيدا، وهو خطيب مغربى من خطباء كثيرين كان لهم نفس هذه الروعة فى الخطابة والوعظ.

‌2 -

الرسائل الديوانية

أخذت الرسائل الديوانية تزدهر فى المغرب الأقصى منذ عهد يوسف بن تاشفين أمير دولة المرابطين واستدعائه أبا بكر بن القصيرة رئيس ديوان المعتمد بن عباد وتكليفه برياسة ديوانه فى مراكش عاصمته، وكان آية فى البيان والبلاغة، فأرسى فى الديوان المراكشى تقاليد الكتابة الديوانية الأندلسية، وظل رئيسا لهذا الديوان حتى وفاة يوسف بن تاشفين سنة 500 للهجرة، وظلت له رياسته فى عهد ابنه على حتى وفاته سنة 508 للهجرة. واحتفظت الذخيرة لابن بسام برسالتين (1) له كتبهما على لسان يوسف بن تاشفين، أولاهما موجهة إلى صاحب قلعة بنى حماد فى الجزائر، والثانية موجهة إلى ابن حمدين محمد بن على حين ولى القضاء بقرطبة سنة 490 هـ/1096 م، وله يقول فيها:

«استهد الله يهدك، واستعن بالله يعنك فى صدرك ووردك (2) وتولّ القضاء الذى ولاّكه الله بجدّ وحزم، وجلد وعزم، وأمض القضايا على ما أمضاها الله تعالى فى كتابه وسنّة نبيّه، ولا تبال برغم راغم، ولا تشفق من ملامة لائم، وآس (3) بين الناس فى وجهك وعدلك ومجلسك، حتى لا يطمع قوىّ فى حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك. ولا يكن عندك أقوى من الضعيف حتى تأخذ الحق له، ولا أضعف من القوى حتى تأخذ الحق منه، وانصح لله تعالى ولرسوله عليه السلام ولنا ولجماعة المسلمين. وقد عهدنا إلى جماعة المرابطين أن يسلّموا لك فى كل حق تمضيه، ولا يعترضوا عليك فى قضاء تقضيه. ونحن أولا وكلهم آخرا مذ صرت قاضيا سامعون منك غير معترضين عليك فى حق. والعمال والرعية كافة سواء فى الحق» .

وواضح أن ابن القصيرة يتأثر فى رسالته إلى القاضى ابن حمدين برسالة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى أبى موسى الأشعرى حين يدعوه إلى المساواة بين الناس فى وجهه وعدله ومجلسه حتى لا يطمع قوى فى حيفه ولا ييأس ضعيف من عدله، وحين يقول له:«لا يكن عندك أقوى من الضعيف حتى تأخذ الحق له، ولا أضعف من القوى حتى تأخذ الحق منه» . ومن الطريف فى الرسالة أن يوسف بن تاشفين يجعل القاضى فوقه وفوق الجنود والولاة المرابطين

(1) الذخيرة، القسم الثانى ص 257 وما بعدها.

(2)

صدرك: ما تصدر عنه. وردك: ما ترد إليه.

(3)

آس: سوّ.

ص: 490

وفوق الرعية، فليس لأحد من كل هؤلاء الحق فى أى اعتراض على القاضى فى حكم من الأحكام، فمنذ صار ابن حمدين قاضى الجماعة فى قرطبة أصبحوا جميعا خاضعين له. وهو جانب مشرق فى القضاء الإسلامى، نجده فى كل بلد وكل دولة، إذ كانت مكانة القاضى فوق مكانة الحاكم مهما بلغ من النفوذ والسلطان. وعنى الدكتور محمود مكى فى المجلد السابع من صحيفة معهد الدراسات الإسلامية بمدريد بتحقيق مجموعة من رسائل كتاب الديوان المرابطى فى عهد على بن يوسف بن تاشفين (500 - 537 هـ) بينها تسع رسائل لابن القصيرة من الرسالة الخامسة فى المجموعة إلى الرسالة الثالثة عشرة. والرسالة السابعة فى المجموعة أشبه بمنشور وجّهه على بن يوسف إلى أهل الأندلس بطاعة الوالى وأن لا يخالفوا عليه أو يعصوه فى أمر، إذ يقول فيها (1):

«إن الوالى النائب عنا فى تدبيركم وإقامة أموركم، وسياسة صغيركم وكبيركم، وقد فوّضنا إليه ذلك وأفردناه بالنظر فى دقّه وجلّه، وقلّه (2) وكثره، وما فعل من ذلك كله فنحن فعلناه، وما قال فيه فكأننا نحن قلناه، ولا نوقف ما أمضاه، ولا نمضى ما وقّعه وأباه، ولا نرى فى أحد منكم إلا ما يراه، ولا نتولاّه كائنا ما كان إلا أن يتولاّه، ولا نرضى من أحواله ما لا يرضاه: بلساننا يتكلم، وعمّا فى جناننا يترجم، وعلى ما يوافقنا يسدى ويلحم» (3).

وهذا التفويض للوالى فى الأحكام من حسن السياسة، فالحاكم الكبير-مثل على بن يوسف -يتضامن مع ولاته فى كل ما يفعلونه ويقولونه، حتى تنتظم أمور الرعية، ولا يتخذ الشذاذ الفرصة للخلاف مع الوالى مما قد يؤدى إلى الثورة. غير أنه كان ينبغى أن ينصح الولاة-مع ذلك-بالعدل مع الرعية ونصفة المظلوم والضعيف، وأن يفتحوا أبوابهم للرعية حتى يسمعوا شكوى كل مظلوم أو متظلم. ويقول عبد الواحد المراكشى فى حديثه عن أمير المسلمين يوسف بن تاشفين إنه اجتمع له ولابنه على من أعيان الكتاب وفرسان البلاغة ما لم يتفق اجتماعه فى عصر من الأعصار (4)، وفى حديثه عن أمير المسلمين على بن يوسف يقول: «لم يزل من أول إمارته يستدعى أعيان الكتاب من جزيرة الأندلس، وصرف عنايته إلى ذلك حتى اجتمع له منهم ما لم يجتمع لملك كأبى القاسم بن الجد المعروف بالأحدب أحد رجال البلاغة وأبى بكر محمد بن محمد المعروف بابن القبطرنة وأبى عبد الله بن أبى الخصال وأخيه أبى مروان وأبى محمد عبد المجيد بن عبدون فى جماعة يكثر ذكرهم، وكان من أنبههم عنده وأكبرهم مكانة لديه أبو عبد الله محمد بن أبى الخصال، وحقّ له ذلك إذ هو أحد من انتهى إليه علم

(1) المجلد السابع من صحيفة معهد الدراسات الإسلامية بمدريد.

(2)

الدق والقل: القليل. الجل: الكثير.

(3)

يسدى ويلحم: ينسج.

(4)

المعجب فى تلخيص أخبار المغرب ص 227.

ص: 491

الآداب، وله مع ذلك فى علم القرآن والحديث والأثر وما يتعلق بهذه العلوم الباع الأرحب واليد الطولى (1)، وله ديوان رسائل يدور بأيدى أدباء أهل الأندلس قد جعلوه مثالا يحتذونه ونصبوه إماما يقتفونه. وبمعهد المخطوطات بالقاهرة التابع للجامعة العربية نسخة من هذا الديوان، وله أربع رسائل ديوانية فى مقال د. محمود مكى فى المجلدين السابع والثامن من صحيفة معهد الدراسات الإسلامية بمدريد بعنوان:«وثائق تاريخية جديدة عن عصر المرابطين» ونذكر قطعة من إحدى هذه الرسائل كتبها سنة 507 للهجرة على لسان على بن يوسف بن تاشفين، وهى موجهة إلى أهل الأندلس لحثّهم على جهاد النصارى الإسبان وتعريفهم بأنه عزم على خوض معركة حامية الوطيس معهم، وفى أولها يقول:

«كتابنا-أعزّكم الله بتقواه، وكنفكم بظل ذراه، ووفّر حظوظكم من حسناه-من حضرة مراكش-حرسها الله-يوم الاثنين من منتصف شوال من سنة سبع وخمسمائة بين يدى حركتنا يمّن الله فاتحتها وعقباها. وقد قرعنا الظنابيب (2)، وأشرعنا الأنابيب (3)، وضمّرنا اليعاسيب (4)، واستنفرنا البعيد والقريب، مستشعرين إخلاص نيّة، وصدق حميّة، فى نصر دين الإسلام، ومنع جانبه أن يضام، أو يناله من عدوه اهتضام (5). ونحن-وإن كنا قد بالغنا فى الاحتشاد والاستعداد، واستنهضنا من الأجناد، ما يربى على الحصر والتعداد، فإنا نعتقد اعتقاد يقين بقول ربّ العالمين، فى كتابه المبين: {قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ}: إن استنفار الدعاء، واستفتاح أبواب السماء، بخالص الثناء، من أنفع الأشياء، وأنجح الدعاء، فيما أعضل (6) من الأدواء» .

ولعل فيما سبق من قيام كبار الكتاب فى الأندلس على الكتابة فى ديوان المرابطين بمراكش عشرات السنين ما يدل على أنهم وضعوا تقاليد الكتابة فى هذا الديوان وأرسوها فيه وظلت راسخة بعد عهدهم فى عهد الموحدين ومن جاء بعدهم، ويتوقف القلقشندى فى كتابه:«صبح الأعشى» ليذكر التقاليد المتبعة فى الكتب الصادرة عن الخلفاء الموحدين، ولا ريب فى أنها موروثة عن العهد السابق لهم عهد المرابطين، ويقول القلقشندى إنها كانت تتخذ أحد أسلوبين (7): إما أن تفتتح بلفظ من فلان إلى فلان، وكان الرسم فيها أن يقال:«من أمير المؤمنين فلان» ويدعى له بما يليق به، ثم يؤتى بالسلام، ثم يؤتى بالبعدية والتحميد والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم والترضية عن الصحابة ثم عن إمامهم المهدىّ، ثم يؤتى على المقصود، ويختم

(1) المعجب ص 237.

(2)

قرع الظنابيب كناية عن الإسراع إلى الحرب.

(3)

أشرعنا الأنابيب: سدّدنا الرماح.

(4)

ضمّرنا اليعاسيب: ذللنا الخيل للحرب.

(5)

اهتضام: ظلم.

(6)

أعضل: أعجز. الأدواء: الأمراض.

(7)

صبح الأعشى 6/ 443.

ص: 492

بالسلام. والخطاب فيه بنون الجمع عن الخليفة وميم الجمع عن المكتوب إليه». ويمثّل القلقشندى لهذا الأسلوب برسالة عن عبد المؤمن بقلم أبى جعفر بن عطية إلى محمد بن سعد المشهور باسم ابن مردنيش، وسنعود إليها عما قليل. والأسلوب الثانى فى المكاتبة لعهد الموحدين-كما يقول القلقشندى-أن تفتتح المكاتبة بلفظ أما بعد، والأمر فيه على نحو ما تقدم فى الأسلوب قبله بعد البعدية. ويمثل لهذا الأسلوب الثانى برسالة عن المستنصر بالله (609 - 620 هـ) إلى بعض نوابه، ومثلها رسالة عن يوسف ابن عبد المؤمن بقلم أبى الحسن بن عياض، وسنعرض لها عما قليل.

ويذكر عبد الواحد المراكشى فى كتابه: «المعجب» كتّاب الإنشاء لعبد المؤمن المؤسس الحقيقى لدولة الموحدين، وهم: أبو جعفر أحمد بن عطية، وسنخصه بترجمة، وكتب له بعده-كما يقول-أبو القاسم عبد الرحمن القالمى من أهل مدينة بجاية من ضيعة من أعمالها تعرف بقالم، وكتب له معه أبو محمد عياش بن عبد الملك بن عياش من أهل مدينة قرطبة (1). وكتاب الإنشاء فى عهد ابنه يوسف-كما يقول المراكشى-هم أبو محمد عياش بن عبد الملك بن عياش كاتب أبيه وأبو القاسم المعروف بالقالمى كاتب أبيه أيضا وأبو الفضل جعفر بن أحمد المعروف بابن محشرة، من أهل مدينة بجاية كان يخدم أبا القاسم القالمى إلى أن مات فكتب مكانه (2). وواضح أن ابن محشرة والقالمى من بجاية، ولذلك ترجمنا لهما فى الجزء الخاص بالجزائر. وكتّاب ابنه يعقوب-كما يقول المراكشى-أبو الفضل جعفر بن محشرة، وكتب له بعده أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن عياش من أهل برشانة من أعمال مدينة المرية، ولم يزل كاتبا له ولابنه محمد (الناصر) ولابن ابنه يوسف (3)(المستنصر) إلى أن توفى سنة 618 هـ/1220 م. وهؤلاء هم كتاب الدولة المهمين حتى العقد الثالث من القرن السابع قبل نشوب الخلاف والفتن والحروب بين أبناء أسرة عبد المؤمن وقبل خروج الأندلس من طاعتهم.

ونشر المستشرق بروفنصال مجموع رسائل موحدية من إنشاء كتاب الدولة المؤمنية، وهو مملوء بالتصحيف ويحتاج إلى تحقيق ويشتمل على سبع وثلاثين رسالة، منها ست عشرة لأبى جعفر أحمد بن عطية على لسان عبد المؤمن، وسنفرد له ترجمة، ومنها ثلاث لأخيه أبى عقيل عن عبد المؤمن، ولم يذكره المراكشى بين كتابه، وثلاث أخرى لأبى الحسن بن عياش أولاها عن عبد المؤمن والاثنتان الأخريان عن ابنه يوسف، ورسالة لأبى الحكم بن المرخى عن عبد المؤمن ولم يذكره المراكشى أيضا بين كتاب عبد المؤمن، وثمان رسائل لابن محشرة عن يوسف بن عبد المؤمن وابنه يعقوب، وثلاث رسائل لأبى عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن

(1) المعجب للمراكشى ص 267 وما بعدها.

(2)

المعجب للمراكشى ص 316 وما بعدها.

(3)

المعجب ص 338.

ص: 493

عياش من أهل برشانة كما أسلفنا: رسالة عن يعقوب واثنتان عن ابنه الناصر، ويقول ابن الأبار فى ترجمته له بكتابة التكملة إن السلطان (يعقوب) بالمغرب استكتبه فى سنة 586 فنال دنيا عريضة (1) إذ كان صاحب القلم الأعلى-كما يقول ابن الخطيب فى الإحاطة-على عهد المنصور وابنه الناصر ونضيف أيضا على عهد المستنصر حتى سنة 618 كما مرّ بنا، ويقول ابن الخطيب إنه كان لا يكلم أحدا من الناس إلا بكلام معرب. ويقول المراكشى فى المعجب: جرى الكتاب بعده على أسلوبه، وسلكوا مسلكه لما رأوا من استحسان خلفاء الموحدين لطريقته (2): وفى رأينا أنهم اتبعوا طريقته فى الكتابة هو وكبار الكتاب الأندلسيين المذكورين منذ عصر المرابطين كما قلنا آنفا. وذكرنا أن أبا الحسن بن عياش له فى مجموع الرسائل الموحدية ثلاث إحداها على لسان عبد المؤمن وهى تتبع الأسلوب الثانى الذى ذكره القلقشندى مبتدئة بالبعدية على هذا النحو (3):

«أما بعد حمد الله الذى عمّ بنواله، وخصّ أهل ولايته بقبوله وإقباله، والصلاة على محمد عبده ورسوله، وعلى صحبه الأكرمين وآله، والرضا عن الإمام المعصوم، المهدى المعلوم، القائم بإتمام أمر الله وإكماله، المؤيد بالآيات العصمية، والبيّنات الحكمية، فى كافّة أقواله وأعماله، فإنا كتبناه إليكم-كتب الله لكم أعمالا زاكية نامية، وآمالا فى بلوغ مرضاته مساعفة مؤاتية-من حضرة مراكش-حرسها الله-وكوافل العصمة لهذا الأمر العزيز تضرب بقدحها الأعلى (4)، وتوجب على [أهل] (5) الاتصال حظوة الامتثال (6) لأهل كلمة الله العليا، وتجمع لهم [وعدا (7)] حتما مقضيا، ووعدا [حتما (7)] مأتيّا بين خير الآخرة وخير الدنيا. وبثبوت هذه القاعدة تستوثق (8) أحوال هذا الأمر الكريم على مقتضى الأقدار المساعدة، وتستنّ اطرادا واتساقا على طريقة واحدة» .

وفى جميع الرسائل فى هذه المجموعة الموحّدية نجد الصلاة على ابن تومرت والإشادة به وأنه الإمام المهدى المعصوم مستعيرة هذه الألقاب كما مرّ بنا من الشيعة الإمامية، ويضيف أبو الحسن عبد الملك (بن عياش أنه قام بإتمام أمر الله وإكماله) يشير بذلك إلى المبدأين المتممين لدعوته: مبدأ الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ومبدأ التوحيد بمعنى تنزيه الله عن التشبيه بالمخلوقات. ويجعل أبو الحسن كوافل العصمة شاملة لعهد عبد المؤمن، ويسميه مع شيوخ الموحدين أهل كلمة الله العليا، وكلمته-فى رأيه-إنما هى دعوة الموحدين بمبادئها التى ذكرناها. والرسالة

(1) التكملة لابن الأبار (طبع مدريد) رقم 952.

(2)

المعجب ص 339.

(3)

مجموع رسائل موحدية (طبع الرباط) ص 93.

(4)

القدح الأعلى: الحظ الأوفر، وأصله أهم قداح الميسر.

(5)

زيادة للسياق.

(6)

فى الأصل: الاحتصال.

(7)

زيادة بدلالة السياق.

(8)

فى الأصل: تستوسق.

ص: 494

موجهة من عبد المؤمن إلى طلبة (دعاة) بعض مدن الأندلس يخبرهم بوصول رسالتهم فى غزواتهم للروم ويحرضهم على حربهم واستئصال شأفتهم وجذورهم. ولأبى الحسن عبد الملك بن عياش رسالة (1) عن يوسف بن عبد المؤمن إلى محمد بن سعد المعروف بابن مردنيش الثائر فى شرقى الأندلس يدعوه سنة 664 هـ/1264 م إلى الدخول فى طاعة الموحدين، وهى فى فاتحتها تتبع الأسلوب الأول الذى ذكره القلقشندى، وتستهل بهذه الصورة:

«من أمير المؤمنين بن أمير المؤمنين-أيّده الله بنصره، وأمدّه بمعونته-إلى أمير شرق الأندلس أبى عبد الله محمد بن سعد-أمدّه الله بتوفيقه، وأعزّه بطاعته وتقواه-سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد فإنا نحمد إليكم الله الذى لا إله إلا هو، ونشكره على آلائه ونعمه، ونصلّى على سيدنا محمد نبيّه ورسوله، والحمد لله الذى أقام لأمره الذى هو سفينة النجاة، وعصمة المحيا والممات، دعاة يأخذون بالحجز عن النار، ويقيمون لمن ضلّ السبيل، وعدم الدليل، من معالم الهداية إلى صراطه الواضح، ومنهجه اللائح، أهدى علم وأرفع منار، ويتقدمون فى إبلاغ حجته، وإيضاح محجّته (2)، ببوالغ الإنذار والإعذار، ويصرّفون بما أودعوا من سرّه المكنون، لبثّه فى الظهور والبطون، والسهول والحزون، وجوه العناية الآخذة بمجامع الأقطار، الموجهة بالإعراض عن الأعراض إلى ما يقضى بهذه الخليقة، من ركوب هذه الطريقة، إلى سعادة هذه الدار، وسعادة تلك الدار (الآخرة) وصلّى الله على محمد عبده ورسوله مشكاة الأضواء والأنوار، ولباب الاجتباء والاختيار، المحبو (3) بمعدن بيته الأشرف، ونسبه الأشهر الأعرف، سرّ هذا النبأ السيار وارث ذلك المقام الذى هبّت تباشيره بأسماع ذوى الإصاخة (4) لمواقع الاستبشار، ورضى الله عن الإمام المعصوم، المهدى المعلوم، القائم بأمر الله على أوفى الاعتقاد بتأييد الله وأتم الاستظهار، الماضى قدما فى التصميم وإنفاذ العزيم (5) على أمر طلق وأبعد مضمار، المعان فيما دعا إليه، ونبّه عليه، بالعصمة التى لا تضرّه معها إبائة أباة (6) ولا كفر كفار. وعن خليفته وصاحبه الإمام أمير المؤمنين، ممشّى أمره العزيز على ما له (7) من المراسم المحفوظة والآثار، ومقيمه على حدوده المكلوءة الملحوظة دون ونية ولا إقصار، والناصر له بكل معنى تتوجّه إليه داعية الاستبصار» .

وهو يحمد الله فى فاتحة الرسالة لإسناده الأمر إلى يوسف بن عبد المؤمن وشيوخ الموحدين، ويسميهم دعاة، ويقول إنهم يحجزون بدعوتهم الناس عن النار ويقيمون لهم أهدى علم وأرفع

(1) تنظر مجموع رسائل موحدية ص 141 وما بعدها.

(2)

فى الأصل: نجحته.

(3)

فى الأصل: المخبوء.

(4)

فى الأصل: الإضاحة.

(5)

فى الأصل: العريم.

(6)

فى الأصل: أبّاء.

(7)

فى الأصل مآله.

ص: 495

منار حتى لا يضلّوا الطريق السوى المستقيم عن الهداية الراشدة الصحيحة، وسرها المكنون، لنشرها فى السهول والحزون وكل مكان حتى يسعد الناس فى الدنيا والآخرة، ويشيد بالرسول الكريم ثم يدعو لابن تومرت الله ليرضى عنه، ويسميه الإمام المعصوم المهدى المعلوم. والرسائل الموحدية جميعا تذكره فى فاتحتها وتضفى عليه هذه الصفات التى أضفاها على نفسه مقترضا لها من بيئة الشيعة الإمامية، ويقول إنه قام بدعوته ونشرها فى الناس بتأييد الله، وإن عبد المؤمن خليفته سار على هداه وما وضع للدعوة من المبادئ والمراسم المحفوظة. ونراه يقول فى وصف ابن تومرت فى الرسالة:«إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشّر بعلامات المهدى وأخبر عن أماراته الشاهدة له الدالة عليه من الاسم والنسب والزمان والمكان والفعل» وكان ابن تومرت لفّق له نسبا- كما يقول المؤرخون-يصله بالرسول صلى الله عليه وسلم ويقول أيضا عنه: «القائم فى آخر الزمان بعد شمول الضلالة وتلدد (تلبث) الحيرة وتموّج الفتنة وارتفاع العلم وفشوّ الظلم. فظهر لما خصّه الله به من الهداية، وعلّمه من الحكمة، وأحلّه مقام العصمة ونوّله (1) من معقل الإمامة، وخرق له من العادات، وأجرى على يديه من الآيات، ما صدّق ما نطقت به الآثار، وتضمنته الأخبار، واحتوت عليه الصحف وتداولته النقلة، مما أعطى القلوب العارفة الطمأنينة» . ويشيد بدعوته وأنها ستظل قائمة إلى قيام الساعة، كما يشيد بيوسف خليفة أبيه عبد المؤمن الناشر لدعوة ابن تومرت والحامل العباد على طريقته المنصور المظفر دائما.

وتظل الرسائل الموحدية تبدئ وتعيد فى فواتحها بالإشادة بابن تومرت وأنه الإمام المهدى المعصوم إلى أن تولّى المأمون إدريس الخلافة سنة 626 هـ/1229 م، فأعلن إلغاء هذه الألقاب لابن تومرت وأزال اسمه من السكة وخطبة الجمعة، وأذاع فى الدولة رسالة بذلك من إنشائه، يقول فيها (2):

«من عبد الله إدريس أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين إلى الطلبة (دعاة الموحدين) والأعيان والكافّة ومن معهم من المؤمنين والمسلمين، أوزعهم (3) الله شكر نعمه الجسام، ولا أعدمهم طلاقة أوجه الأيام الوسام (4)، وإنا كتبناه إليكم-كتب الله لكم عملا منقادا، وسعدا وقّادا-وللحقّ لسان ساطع وحكم قاطع، وقضاء لا يردّ، وباب لا يسدّ، وظلال على الآفاق، تمحو النفاق، والذى نوصيكم به تقوى الله والاستعانة به، والتوكّل عليه، ولتعلموا أننا نبذنا الباطل وأظهرنا الحق، وأن لا مهدى إلا عيسى بن مريم (يقصد أنه تكلم فى المهد) الناطق بالصدق، وتلك بدعة قد أزلناها. . كما أزلنا لفظ العصمة عمن لا تثبت له عصمة، وأسقطنا عنه وصفه ورسمه. . وإذا كانت العصمة لم تثبت عند العلماء للصحابة،

(1) فى الأصل: نواه.

(2)

النبوغ المغربى 2/ 111.

(3)

أوزعهم: ألهمهم.

(4)

الوسام: الحسان.

ص: 496

فما الظن بمن لا يدرى بأى يد يأخذ كتابه، أفّ لهم قد ضلوا وأضلّوا، وسقطوا فى ذلك وزلّوا، اللهم اشهد أننا تبرّأنا منهم تبرؤ أهل الجنة من أهل النار».

غير أن عهد المأمون سرعان ما انقضى وعاد الخلفاء وشيوخ الموحدين إلى أن ابن تومرت هو الإمام المهدى المعصوم، وظلت دعوته حية إلى أن قضت عليها الدولة المرينية. ويقول القلقشندى بعد عرضه لأسلوبى الرسائل المستخدمين أيام الموحدين:«ثم طرأ بعد ذلك الإكثار من الألقاب لخلفائهم فى المكاتبات الصادرة عنهم والمبالغة فى مدحهم وإطرائهم (1)» وفات القلقشندى أن يذكر أيضا الإكثار من ألقاب المرسل إليه إذا كان حاكما كبيرا، ويوضح ذلك فى عصر الدولة المرينية رسالة للسلطان أبى الحسن المرينى كتبها إلى السلطان المصرى الناصر محمد بن قلاوون خادم الحرمين حينذاك فى شأن ركب الحجاج المغاربة ومصحف خطّه بيده ووقفه على الحرم النبوى الشريف، والرسالة تستهل على هذه الصورة (2):

«من عبد الله على أمير المسلمين ناصر الدين، المجاهد فى سبيل رب العالمين، ملك البرّين، مالك العدوتين (المغرب والأندلس) ابن مولانا أمير المسلمين، المجاهد فى سبيل رب العالمين، ملك البرّين، وسلطان العدوتين أبى سعيد بن مولانا أمير المسلمين، المجاهد فى سبيل رب العالمين، ملك البرّين وسلطان العدوتين أبى يوسف يعقوب بن عبد الحق، منح الله التأييد مقامه، وفسح-لفتح معاقل الكفر، وكسر جحافل الصّفر-أيامه. إلى السلطان الجليل الكبير الشهير العادل الفاضل الكامل الكافل الملك الناصر المجاهد المرابط المؤيّد المنصور الأسعد الأصعد الأرقى الأوفى الأمجد الأنجد الأفخم الأضخم الأوحد ناصر الدين عاضد كلمة المسلمين، محيى العدل فى العالمين، فاتح الأمصار، حائز ملك الأقطار، مفيد الأوطار، مبيد الكفار، هازم جيوش الأرمن والفرنج والكرج والتتار» .

ويستمر طويلا فى إضفاء مثل هذه الألقاب عليه مع ما يطوى فيها من مبالغات، ويذكر أن أباه قلاوون العظيم ويكيل له هو الآخر الألقاب. ويدعو له ويسلم عليه قائلا:«أبقى الله ملكه موصول الصولة والاقتدار، محمىّ الحوزة حاميا للديار، حميد المآثر المأثورة والآثار، عزيز الأولياء فى كل موطن والأنصار، سلام كريم، زاك عميم، تشرق إشراق النهار صفحاته، وتعبق عن شذا الروض المعطار نفحاته، يخصّ إخاءكم العلىّ، ورحمة الله وبركاته» . وتمضى الرسالة بعد ذلك مسجوعة من أولها إلى نهايتها، والسجع فى الرسائل بالمغرب قديم منذ عصر الموحدين.

ويظل فن الرسائل مزدهرا فى عصر السعديين، ويجمع الأستاذ عبد الله كنون طائفة كبيرة

(1) صبح الأعشى 6/ 446.

(2)

النبوغ المغربى 2/ 115.

ص: 497

منها وينشرها باسم رسائل سعدية، ومنها رسالة بقلم عبد العزيز الفشتالى صاحب القلم الأعلى ورئيس ديوان الإنشاء فى عهد المنصور الذهبى وهى موجّهة على لسانه إلى «سكية» أمير كاغو عاصمة السودان الغربى الذى تولى الحكم هناك سنة 996 هـ/1588 م قبل غزو المنصور لبلاده واستيلائه عليها وخلعه سنة 999 للهجرة، وفيها يقول (1):

«إلى كبير كاغو وأميرها، ومالك زمام أمورها وتدبيرها، والمرجوع إليه-عند خاصتها وجمهورها، الأمير الأجل، الأثيل (2) الأحفل-الأمر-سكيّة، وصل الله كرامته، وجعل التقى سمته وعلامته، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، أما بعد حمد الله مسهّل المرام، وميسّر أسباب الكمال والتمام، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد شفيع الأنام، المبعوث بالحنيفية السمحاء إلى الخاص والعام، والرضا عن آله الأئمة الأعلام، وخلفاء الإسلام، وعن أصحابه الذّابّين عن كلمته بالسنان والحسام، ومواصلة الدعاء لهذا الجناب الكريم (جناب المنصور الذهبى) بالعزّ السامى المقام، والنصر المنشور الرايات والأعلام، فإنا كتبناه إليكم من حضرة فاس المحروسة بالله، وعناية الله وارفة الظلال، ونواسم النصر والإقبال دائمة الهبوب بالبكر والآصال، ولله المنّة» .

ويذكر الفشتالى بعد ذلك الغرض من رسالته، وهو أن معدن الملح فى بتغازى (بين تمبوكتو ودرعة فى جنوبى المغرب الأقصى من إيالة المنصور الذهبى وفى حكم إمامته وأنه يختص ببيت مال المسلمين، ولذلك رأى المنصور أن يضع عليه خراجا ينفع المسلمين ويضر أعداء الله الكافرين، ويذكر له أنه جعل الخراج مثقالا على كل جمل من سائر الإبل التى تحمل هذا المعدن، ويقول له إن ما سنحصل عليه من الأموال سيصرف فى سبيل الغزو والجهاد وفى أرزاق العساكر الأجناد، التى جعلناها لنكاية عدو الدين بالمرصاد، واعتددناها لحياطة البلاد والعباد. ثم يقول محببا له فى الرضا عن دفع بتغازى لهذا الخراج: إن هؤلاء الجنود الذين سيأخذون أرزاقهم أو بعبارة أخرى رواتبهم من هذا الخراج هم «جنود الله التى لولاها- وما حجزت بينكم وبين طواغيت الشرك سيوفها القاصمة، وضربت فى وجه الكفر دونكم بأسوارها العاصمة، وخضدت من شوكة الشرك باستئصال حماته وأنصاره، ومنازلته على الدوام فى عقر داره-لفاض عليكم طوفانه السائل، وسال على أرضكم منه شؤبوب (3) هاطل، وكبحت عنكم عنان الكفر حتى نمتم فى كفالتها آمنين، وفى حياطتها وادعين ومطمئنين». ويطلب إلى سكيّة الإسعاف والإسعاد وأن لا يسعى فيما يبطل هذه الفريضة من الخراج التى تعود بالنفع على الإسلام وتؤيد حزب الله فى مواصلته لقتال عبدة الأصنام.

(1) راجع الرسالة فى كتاب رسائل سعدية لكنون ص 132.

(2)

الأثيل: الأصيل.

(3)

الشؤبوب: الدفعة من المطر.

ص: 498