الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - [السودان]
ومضيت إلى السودان وتحدثت عن جغرافيته وتاريخه القديم وعلاقته بمصر الفرعونية منذ عهد الأسرة الأولى، وكانت أراضى السودان فى حوض النيل تسمى أرض النوبة، وبها تكونت ثلاث دول: نوبية شمالية ووسطى باسم مقرة وجنوبية تحت الخرطوم باسم علوة، وتنصرت هذه الدول معتنقة المذهب اليعقوبى المصرى. وفى سنة 31 هـ/652 م أرسل إلى النوبة عبد الله بن سعد بن أبى سرح والى مصر لعثمان حملة توغلت حتى دنقلة. وأخذت تنزل إقليم البجّة شرقى السودان قبائل وعشائر عربية سيطرت على معدن الذهب بوادى العلاقى الممتد من أسوان إلى ميناء عيذاب، وتغلغل المسلمون فى أرض النوبة لعهد الفاطميين حتى علوة فى الجنوب. وتنشب حروب بين النوبة والمماليك وتقوم فى دنقلة أول دولة إسلامية سنة 716 هـ/1317 م وتأخذ المسيحية فى التضاؤل بإقليمها وإقليم علوة. وكان انتشار الإسلام فى غربى السودان أسرع منه فى بلاد النوبة، نشره هناك تجار الكانم والبرنو وكتلة ضخمة من قبيلة زواوة البربرية وعرب الشاوية، وتكونت فى إقليمى وادان ودارفور مملكة إسلامية منذ القرن الخامس الهجرى. وتقوم دولة الفونج الإسلامية فى سنار أوائل القرن العاشر الهجرى/السادس عشر الميلادى لمدة ثلاثة قرون، وتتخذ العربية لغة رسمية لها وتحدث فى البلاد نهضة علمية وأدبية وتضعف فى أواخر أيامها. ويفتح محمد على السودان سنة 1820 م ويضم إليه مينائى مصوّع وسواكن على البحر الأحمر، وأهم من خلفه الخديوى إسماعيل، وينشئ خمس مدارس فى العواصم الكبرى ويشرك السودانيين فى الحكم ويستولى على مرتفعات إريتريا، وأخطأ بتعيينه صموئيل بيكر ثم غردون الإنجليزيين حاكمين لإقليم منطقة البحيرات فى أعالى النيل. ويقوم المهدى بحركته الدينية الإصلاحية ويدين له السودان بجميع أرجائه، ويخرج منه الجيش المصرى، ويتوفى المهدى سريعا ويخلفه عبد الله التعايشى وينتصر على الحبشة مرارا، ويمد المصريون خطا حديديا من وادى حلفا إلى أبى حمد ليساعد جيشهم فى تحركاته ضد التعايشى، وكان يقوده كتشنر الإنجليزى، وانتصر على جيش التعايشى نصرا حاسما فى أم درمان، وتوفى التعايشى وقام فى البلاد الحكم الثنائى المصرى الإنجليزى فى أول سنة 1899 للميلاد، وبمقتضى وثيقة سياسية جمعت مقاليد الحكم فى السودان لحاكم إنجليزى كان أشبه بحاكم مستقل، ووضعت للسودان نظم جديدة للشئون المالية والإدارية والتعليم والقضاء والمصالح الحكومية، وأنشئت كلية غردون حتى إذا كانت سنة 1924 للميلاد قامت فى السودان ثورة ضخمة تعد بدءا لعصره الحديث.
ولا نصل إلى القرن العاشر الهجرى حتى يصبح السودان بلدا إسلاميا، وإن بقيت بعض جيوب مسيحية ووثنية، وفسحت دول الفونج الإسلامية للتصوف والصوفية وانتشرت الطريقتان القادرية والشاذلية وعمت النزعة الصوفية فى جميع أرجاء السودان. وكانت للمرأة السودانية
مكانة مهمة اجتماعية وروحية، فكانت تحضر دروس العلماء وحلقات الصوفية وتنتظم بين مريديهم وتنشد أحيانا فى حلقات الذكر. وكان بعض الصوفية يتشدد فى العهد الذى يلزم به أتباعه كعهد أحمد ود مريم الذى يدل على ما أتاح التصوف لأهل السودان من تربية خلقية قويمة. وشجع محمد على الطرق الصوفية المصرية على أن ترسل بعض دعاتها إلى السودان. وأرسل الشيخ أحمد بن إدريس الصوفى المكى أحد دعاته إلى السودان وهو محمد عثمان الأمير غنى، فنشر طريقته من وادى حلفا إلى دنقلة وفى كردفان. ونزلت السودان طرق صوفية كالطريقة السمانية، وهى فرع من القادرية. وظهر المهدى بطريقة جديدة دعا فيها إلى ستة مبادئ هى: الزهد، والعمل بالشريعة المحمدية، والأخذ بالبساطة فى الحياة ومتاعها، ونبذ جميع الطرق الصوفية، ونبذ كتب النحل الدينية وكتب فقهاء المذاهب الأربعة، والهجرة إلى مراكز دعوته. وظلت هذه المبادئ حية فى عهد خليفته التعايشى وانتهت الدعوة بوفاته. وعادت الطرق الصوفية إلى نشاطها القديم.
وكانت الناشئة فى السودان تحفظ القرآن الكريم فى الكتاتيب والخلوات، وتنتقل بعد ذلك إلى دراسة العلوم بالمساجد والزوايا على شيوخ بلغت حلقات بعضهم ألف طالب أو تزيد، وظلت الحركة العلمية فى عهد دولة الفونج نشيطة بل مزدهرة وأرّخ لها ود ضيف الله فى كتابه الطبقات، وفيه ترجم لنحو مائتين من أعلام الشريعة والعربية والتصوف، وأفاض فى ذكر من درسوا من علماء السودان فى الأزهر والمدينة بالحجاز كما أفاض فى ذكر علماء الأزهر الذين رحلوا إلى السودان لتعليم أبنائه شريعة الإسلام وعلوم العربية والكلام والأصول والمنطق. ولما فتح محمد على السودان شجّع علماء الأزهر على الهجرة إليه، ويقال إنه شجّع بعض الطلاب السودانيين على الالتحاق بمدرسة المبتديان، وأنشأ الجامع العتيق بالخرطوم ليكون معهدا دينيا كبيرا على غرار الأزهر، وأنشأ خليفته وحفيده عباس الأول مدرسة بالخرطوم جعل ناظرها رفاعة الطهطاوى، وأغلق المدرسة سعيد خليفته، غير أن إسماعيل أمر بإنشاء خمس مدارس فى عواصم المديريات ومدرسة سادسة فى مدينة سواكن. ووقف المهدى هذا النشاط التعليمى حتى إذا قام الحكم الثنائى المصرى الإنجليزى عاد وازداد إذ أنشئت كلية غردون وكثرت المدارس الحكومية وغير الحكومية وأنشئت مدارس أولية ووسطى فنية، وأنشئت مدرسة للبنات ثم أربع أخرى، وتعددت مدارس الإرساليات الدينية، وأنشئ معهد دينى فى أم درمان، ونما التعرف على الثقافة الغربية الحديثة وتعلم اللغات الأجنبية وخاصة الإنجليزية، وأنشئ ناد للخريجين تبارى فيه الخطباء، ينادون بالإصلاح الاجتماعى والسياسى.
وكان أول نزول للعرب المسلمين بالسودان فى حملة وجّه بها عبد الله بن سعد بن أبى سرح والى الخليفة عثمان على مصر، وتوغلت الحملة-كما ذكرنا-حتى دنقلة وأخذ كثير من قبائل
العرب وعشائرها ينزل بين قبائل البجّة فى شرقى السودان واسلمت منها قبيلة الحدارب كما ذكر ذلك المسعودى فى القرن الرابع الهجرى، وظل الإسلام-ومعه العربية-ينتشر فى قبائل البجّة ببطء، وبالمثل فى بلاد النوبة. أما فى الغرب فكان التعرب سريعا بفضل الكتلة الضخمة من قبائل زواوة البربرية وشاوة العربية النازلة فى دارفور بالقرن الخامس الهجرى. ونشرت دولة الفونج العربية فى ربوعها، وبالمثل مملكة تقلى فى جبال النوبا وسلطنة دارفور وفى كردفان. ولا نصل إلى أوائل القرن التاسع عشر الميلادى حتى يكون السودان تعرّب ما عدا بعض الجبال الشاهقة فى أقصى الغرب ومنطقة الغابة فى الجنوب وقبيلة الأمرأر البجاوية. وعرضت شعراء المديح وترجمت للشيخ حسين زهراء والشيخ محمد عمر البناء، وشعراء الفخر والحماسة وترجمت للشيخ يحيى السلاوى السودانى ولعثمان هاشم، كما عرضت شعراء رثاء الأفراد وترجمت للشيخ محمد سعيد العباسى وبالمثل شعراء رثاء المدن. وتحدثت عن شعراء الغزل وترجمت للشيخ أبى القاسم أحمد هاشم، وعن شعراء النقد العنيف والشكوى من الزمن، وترجمت للشيخ عبد الله البناء وصالح عبد القادر، وعرضت شعراء التصوف وشعراء المدائح النبوية، وترجمت للشيخ عمر الأزهرى والشيخ عبد الله الرحمن. ولم أؤرخ للنثر الأدبى السودانى قبل العصر الحديث إذ تكثر فيه الألفاظ العامية فى عصر الفونج، وكتبت بعض رسائل فصيحة فى القرن التاسع عشر، ولكنها من القلة بحيث لا تتيح لباحث دراسة خصبة فيها. وقد تأخرت نهضة النثر السودانى حتى عصر السودان الحديث إذ نشأت فيه المقالة الأدبية والأقصوصة والقصة والمسرحية.
ومصادر ومراجع كثيرة قديمة وحديثة أفدت منها فوائد شتى فى تأليف هذا الجزء، وخاصة ما كتبه الأعلام المعاصرون فى كل بلدة من البلدان عن الحياة الأدبية فيه، إذ كان لى منارات تهدينى الطريق. وبذلك انتهت هذه السلسلة المستوعبة بأجزائها العشرة دراسة تاريخ الأدب العربى وأعلامه من الشعراء والكتاب قبل العصر الحديث، وعنيت بأن أعرض لكل أديب روائع أدبه. وذكرت بجانب ذلك أعلام الفلسفة والعلوم المتنوعة من علوم الأوائل والعلوم الإسلامية وعلوم العربية والتاريخ فى كل بلد عربى على مر الزمن. وبذلك تحمل هذه الموسوعة تاريخ الأمة العربية الأدبى والفلسفى والعلمى والحضارى قبل العصر الحديث، مبتغيا بذلك خدمة العروبة والإسلام، والله ولى الهدى والتوفيق.
القاهرة فى أول سبتمبر سنة 1995 م
شوقى ضيف