الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاحتضار. ونكتفى بالحديث عن أحدهم وهو الشيخ محمد بن أبى بكر الدلائى مؤسس الزاوية الدلائية بتادلة سنة 974 هـ/1567 م وقد اتسعت حتى شملت مبانى كثيرة، وتكاثر بها العلماء المدرسون والطلاب، وقد ثار الشيخ محمد الحاج على الدولة السعدية فى جبال الأطلس الوسطى سنة 1042 هـ/1633 م وتبعه كثيرون من البربر واستولى على سلا سنة 1045 هـ/1636 م وزحف إلى مكناس وفاس سنة 1050 هـ/1641 م وتملكهما وأقام الدولة الدلائية، وقاومه محمد بن الشريف رأس الدولة التالية، وسنتم فيها الحديث عنه، وعلى شاكلته صوفية من زوايا أخرى ثاروا على السعديين. وخير منهم جميعا وأعظم الشيخ الصوفى المجاهد البطل أبو عبد الله محمد العياشى الذى لجأ إليه أهل منطقة الهبط، فتصدّى للإسبان حتى خلّص منهم مدينة العرائش، كما خلّص منهم مدينة آزمّور فى جنوبى تامسنة وخلّص منهم الجديدة سنة 1049 هـ/1639 م، ومع هذه الأعمال المجيدة امتدت إليه يد آثمة سنة 1051 هـ/1642 م فقتلت البطل المنعدم النظير. ومن أهم رجاله وأعوانه الخضر غيلان الذى أرسله إلى منطقة الهبط لجهاد أعداء الله، واستطاع الاستيلاء على مدينة القصر الكبير سنة 1063 هـ/1652 م.
(ج) العلويون
(1)
هذه ثالث دولة علوية فى المغرب الأقصى بعد دولتى الأدارسة والسعديين، ومؤسسوها مثل مؤسسى هاتين الدولتين من سلالة الحسن بن على بن أبى طالب، وكانت أسرتهم تعيش من قديم فى منطقة سجلماسة، وكان أهل المنطقة يرحبون بهم ويوسعون لهم فى العيش معهم لنسبهم الشريف. وعند ما ثار أبو الحسن (بو حسون) السملالى فى مناطق الصحراء الجنوبية بالمغرب الأقصى واستولى على سجلماسة ودرعة والسوس أذعن له بالطاعة أبرز أفراد الأسرة حينئذ الشريف ابن على ولم يلبث ابنه محمد أن رفض هذه الطاعة، وحاربه السملالى فأسره وظل فى أسره حتى افتكّه ابنه محمد المسمى باسمه. وعاد الأب فى سنة 1050 هـ/1640 م إلى حرب السملالى واستطاع هزيمته فى سجلماسة وتعقبه فى درعة وإقليم السوس حتى قضى على شره وشغبه. ولم يلبث الأب محمد بن الشريف أن هاجم محمدا الحاج رئيس زاوية الدلاء ورجاله، وكان مستوليا على فاس ومكناس وحوض نهر سبو، واستطاع محمد الحاج هزيمته سنة 1056 هـ/1646 م وعقد بينهما صلح على أن تكون منطقة الصحراء (سجلماسة ودرعة) إلى جبل بنى عياش لمحمد بن الشريف، وما يقع إلى الشمال من ذلك إلى حوض نهر أم الربيع إلى الغرب يكون لزاوية الدلاء ورئيسها محمد الحاج الدلائى. وحاول محمد بن الشريف
(1) انظر فى العلويين أو الدولة العلوية الدرر الفاخرة بمآثر الملوك العلويين بفاس الزاهرة لابن زيدان ونزهة الحادى بأخبار ملوك القرن الحادى للأفرانى وتاريخ الدولة العلوية بالمغرب لكرول وكولان (طبع باريس) ونشر المثانى لأهل القرن الحادى عشر والثانى، والاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى للسلاوى.
الاستيلاء على تلمسان، وسرعان مارده الأتراك العثمانيون حكام الجزائر. وتوفى سنة 1069 هـ/1659 م وخلفه ابنه محمد، وحدث شقاق بينه وبين أخيه الرشيد، وتحاربا وتوفى محمد فى أثناء الحرب، فخلص الأمر للرشيد وتمت بيعته سنة 1075 هـ/1665 م وكان قد تولى لابيه وأخيه على مكناس فاتخذها عاصمته واستولى على سجلماسة، ولم يلبث أن استولى على فاس ومنطقتها فى سنة 1076 هـ/1666 م من يد محمد الحاج رئيس الزاوية الدلائية وحلفائه من أعراب الأثبج، وفتح منطقى الهبط ونودى به سلطانا على المغرب جميعه فى السنة التالية. وصمم على هدم الزاوية الدلائية فى منطقة فازاز شرقى ممر تازا ودخلتها جنوده سنة 1078 هـ/1667 م وهدموها ولم يبقوا منها باقية، واستسلم له محمد بن الحاج الدلائى فأرسل به مع أسرته إلى فاس حيث عاشوا فى رعايته، وتلطف مع شيوخ الزاوية فأرسل بهم إلى معاهد فاس وغيرها ليزاولوا نشاطهم العلمى. واستولى سنة 1079 هـ/1668 م على مراكش من يد أعراب الشبانات، ولم يلبث أن فتح مدينة ترودنت وبقية مدن السوس، وأذعن بالطاعة له أعراب المغرب الأقصى جميعهم من الهلالية فى الشرق وقبائل حسان والمعقل فى منطقة درعة، وأعلنت منطقة الريف فى الشمال طاعتها له، ما عدا مليلة وسبتة اللتين كانتا قد استولى عليهما الإسبان، وما عدا طنجة التى انتقلت إلى الإنجليز وبذلك أعاد الرشيد إلى المغرب الأقصى وحدته، وهو يعد المؤسس الحقيقى لتلك الدولة العلوية.
وتوفى الرشيد سنة 1082 هـ/1672 م وخلفه أخوه إسماعيل وهو من أعظم سلاطين العلويين وطال حكمه نحو سبعة وخمسين عاما حتى سنة 1139 هـ/1727 م وكانت سنوات رخاء وخير وبركة للمغرب الأقصى، وقد مدّ حدوده شرقى نهر الملوية حتى مدينة وجدة، وثبتت تلك الحدود إلى اليوم، كما مدّ حدوده جنوبا متوغلا فى بلاد السودان الغربى. وكوّن للمغرب الأقصى جيشا ضخما من البربر والأعراب والسود وكان يأتى بهم من فتوحه فى السودان الغربى وحوض النّيجر، واتخذ لهم معسكرا يدربون فيه تدريبا عسكريا متقنا وبلغوا فى حياته مائة وخمسين ألفا، ووزعهم على القلاع بجميع أنحاء المغرب الأقصى للحراسة وأمن الطرق. وعاشت البلاد لعهده فى رخاء وطمأنينة وأمان وسخت الأرض بالخيرات. وأخذ إسماعيل يستكمل عدته لمنازلة الأجانب المحتلين لشواطئ المغرب الأقصى فى الشمال والغرب، وكانت كاترينا وارثة عرش البرتغال قدمت مدينة طنجة صداقا إلى زوجها شارل الثانى ملك إنجلترا سنة 1072 هـ/1661 م فانتقلت طنجة من أيدى الإسبان إلى أيدى الإنجليز، واستطاع طرد الإنجليز منها سنة 1095 هـ/1684 م كما استطاع طرد الإسبان من المعمورة (المهدية) شمالى مدينة سلا، حتى إذا كانت سنة 1101 هـ/1689 م طردهم من مدينة العرائش، وكان قد خلصها منهم العياشى، وعادوا فاستولوا عليها، ودق الشعب فى المغرب الأقصى الطبول ابتهاجا بعودتها، إذ كان قد أعلن من أجلها الحداد، واتخذ لذلك شعارا أن يلبس
أحذية سوداء فلما استردّها إسماعيل نزعوا تلك الأحذية من أقدامهم وعادوا إلى لبس نعالهم الصفراء المغربية. وفى سنة 1104 هـ/1692 م طرد إسماعيل الإسبان من مدينتى أصيلا والعرائش، وبذلك استرد للمغرب الأقصى ساحل المحيط جميعه وصدقت فراسة المغاربة للالتفاف حول أسرة علوية شريفة لإنقاذ المغرب الأقصى مما دهاه من كوارث مفجعة. وحاول السلطان إسماعيل فتح سبتة ومليلة وحاصر سبتة طويلا يريد أخذها من يد الإسبان ولكنهم ثبتوا فيها يعاونهم أسطولهم فى البحر وقربها من ديارهم.
وتوفى-كما أسلفنا-سنة 1139 هـ/1727 م وتلاه عهد اضطرابات وفتن لتنازع أبنائه على الحكم وتدخل الجيش وأخذ يختل الأمن وينتشر الفساد وتشيع الفوضى وتسوء حالة البلاد الاقتصادية واستمر ذلك نحو ثلاثين عاما إلى أن أنقذ البلاد حفيد للسلطان إسماعيل، هو محمد بن عبد الله الذى خلف أباه سنة 1171 هـ/1757 م وكان قد أظهر فى عهد أبيه قدرة سياسية حين عينه حاكما لمنطقتى مراكش وآسفى فى دكالة، ثم عينه قائدا فنظم الجيش وأقرّ الأمن فى السوس، وتابع بعد استيلائه على صولجان الحكم نشر الأمن فى ربوع البلاد، وتجوّل فيها متفقدا لشئونها وحصّن المدن الكبرى والثغور وشيّد بهما الأبراج والحصون وزوّدهما بالمدافع والقوات العسكرية لحفظ الأمن والنظام فى أنحاء البلاد، وعنى بالأسطول فأمدّه بكل ما يلزمه من عتاد حربى، وأضاف إليه طائفة من السفن، وأمر أن يواصل البحارة والجنود فيه تدريبات ومناورات منتظمة على المتوسط والزقاق والمحيط. وكان البرتغاليون قد نزلوا فى ميناء الجديدة (المعمورة) شمالى سلا سنة 1182 هـ/1769 م فطردهم منها وابتنى ميناء الصويرة فى منطقة حاحة غربى مراكش. ووثق علاقات دولته بالدولة العثمانية وتبادل معها الهدايا تأكيدا للمودة.
وتوفى سنة 1204 هـ/1789 م وعادت البلاد إلى الاضطراب والفوضى فى عهد ابنه اليزيد ولم يلبث أن توفى سنة 1206 هـ/1792 م وتولاها أخوه سليمان لنحو ثلاثين عاما، ومنى فى أوائل عهده بحروب متصلة بينه وبين أخويه هشام ومسلمة، وخرج منها بعد طول عناء، ليظل بقية أيامه ينازل بربر الأطلس التلى أو الأطلس المتوسط، وولى بعده ابن أخيه عبد الرحمن بن هشام حتى سنة 1276 هـ/1859 م وشغل بثورات داخلية واحتل تلمسان حين احتلت فرنسا الجزائر، وهزم فى موقعة إيسلى. وخلفه ابنه محمد حتى سنة 1290 هـ/1874 م وقضى على ثورة الجيلالى الزرهونى واحتلت إسبانيا تطوان ثم انسحبت منها بمقتضى معاهدة. وتلاه ابنه الحسن وهو من أهم سلاطين الدولة العلوية وقد نشر الأمن فى ربوع البلاد، وأخذ يفتحها على الغرب فأرسل البعوث إلى أوربا وأخذ يرقى بالبلاد حضاريا وفكريا، وعهده الزاهر يعد-فى رأينا-افتتاح العصر الحديث فى المغرب الأقصى.