المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ المختار بن بون - تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف - جـ ١٠

[شوقي ضيف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة

- ‌1 - [الجزائر]

- ‌2 - [المغرب الأقصى]

- ‌3 - [موريتانيا]

- ‌4 - [السودان]

- ‌القسم الأولالجزائر

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌3 -الفتح والولاة-الأغالبة-الإباضية-تلمسان

- ‌(ب) الأغالبة

- ‌(ج) الإباضيون

- ‌(د) تلمسان

- ‌4 -الدولة العبيدية-الدولة الصنهاجية-بنو حماد

- ‌(أ) الدولة العبيدية

- ‌(ج) بنو حماد

- ‌5 -دولة الموحدين-الدولة الحفصية-بنو عبد الواد

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع الجزائرى

- ‌2 -المعيشة

- ‌(أ) الثراء

- ‌(ب) الرّفة

- ‌(ج) الموسيقى

- ‌4 -الدين-المالكية والحنفية-الإباضية-المعتزلة

- ‌(أ) الدين

- ‌(د) المعتزلة

- ‌الفصل الثالثالثقافة

- ‌1 -الحركة العلمية

- ‌(أ) فاتحون ناشرون للإسلام ومعلمون

- ‌(ب) دور العلم:‌‌ الكتاتيب-‌‌المساجد-المدارس-الزوايا-المكتبات

- ‌ الكتاتيب

- ‌المساجد

- ‌المدارس

- ‌الزوايا

- ‌المكتبات

- ‌(ج) نمو الحركة العلمية

- ‌5 -التاريخ

- ‌الفصل الرّابعنشاط الشعر والشعراء

- ‌2 -كثرة الشعراء

- ‌3 -شعراء المديح

- ‌ عبد الكريم النهشلى

- ‌ ابن خميس

- ‌ الشهاب بن الخلوف

- ‌ محمد القوجيلى

- ‌4 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) شعراء الفخر

- ‌(ب) شعراء الهجاء

- ‌ بكر بن حماد التاهرتى

- ‌ سعيد المنداسى

- ‌5 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌ عبد الرحمن الأخضرى

- ‌الفصل الخامسطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ ابن على

- ‌2 -شعراء وصف الطبيعة

- ‌ عبد الله بن محمد الجراوى

- ‌3 -شعراء الرثاء

- ‌4 -شعراء الزهد والتصوف

- ‌(أ) شعراء الزهد

- ‌(ب) شعراء التصوف

- ‌ إبراهيم التازى

- ‌5 -شعراء المدائح النبوية

- ‌الفصل السّادسالنثر وكتّابه

- ‌1 -الخطب والوصايا

- ‌2 -الرسائل الديوانية

- ‌3 -الرسائل الشخصية

- ‌4 -المقامات

- ‌5 -كبار الكتاب

- ‌[(ب)] الوهرانى

- ‌القسم الثانىالمغرب الأقصى

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌3 -الفتح والولاة-ثورة الصفرية-بنو مدرار-الأدارسة-بعد الأدارسة والمدراريين

- ‌(ب) ثورة الصفرية

- ‌(د) الأدارسة

- ‌4 -المرابطون-الموحدون-بنومرين

- ‌(أ) المرابطون

- ‌(ب) الموحدون

- ‌5 -السعديون-الطرق الصوفية-العلويون

- ‌(أ) السعديون

- ‌(ج) العلويون

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع المغربى

- ‌1 -عناصر السكان

- ‌2 -المعيشة

- ‌3 -الثراء-الرّفة-الموسيقى-المرأة

- ‌(أ) الثراء

- ‌(ب) الرّفة

- ‌(ج) الموسيقى

- ‌(د) المرأة

- ‌4 -المالكية-الصفرية-المعتزلة-الظاهرية

- ‌(أ) المالكية

- ‌(ب) الصفرية

- ‌(ج) المعتزلة

- ‌(د) الظاهرية

- ‌5 -الزهاد-المتصوفة

- ‌(أ) الزهاد

- ‌(ب) المتصوفة

- ‌الفصل الثالثالثقافة

- ‌1 -الحركة العلمية

- ‌(أ) فاتحون ناشرون للإسلام ومعلمون

- ‌ الكتاتيب

- ‌(ب) دور العلم: الكتاتيب-المساجد-المدارس-الزوايا-المكتبات

- ‌المساجد

- ‌المدارس

- ‌الزوايا

- ‌المكتبات

- ‌(ج) نمو الحركة العلمية

- ‌2 -علوم الأوائل

- ‌3 -علوم اللغة والنحو والعروض والبلاغة

- ‌5 -التاريخ

- ‌الفصل الرّابعنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 -تعرب المغرب الأقصى-كثرة الشعراء

- ‌(أ) تعرب المغرب الأقصى

- ‌(ب) كثرة الشعراء

- ‌2 -شعراء الموشحات والأزجال

- ‌(أ) شعراء الموشحات

- ‌ ابن غرلة

- ‌ ابن الصباغ

- ‌ ابن زاكور

- ‌(ب) شعراء الأزجال

- ‌ابن عمير

- ‌3 -شعراء المديح

- ‌ ابن زنباع

- ‌ ابن حبوس

- ‌الجراوى

- ‌ ابن عبد المنان

- ‌الهوزالى

- ‌الدغوغى

- ‌البوعنانى

- ‌4 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) الفخر

- ‌ الشاذلى

- ‌(ب) الهجاء

- ‌5 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌ عبد العزيز الملزوزى

- ‌ابن الونان

- ‌الفصل الخامسطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ أبو الربيع الموحدى

- ‌ عمر السلمى

- ‌2 -شعراء الوصف

- ‌3 -شعراء الرثاء

- ‌ ابن شعيب الجزنائى

- ‌4 -شعراء الزهد والتصوف

- ‌(أ) شعراء الزهد

- ‌(ب) شعراء التصوف

- ‌ ابن المحلى

- ‌5 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ميمون بن خبازة

- ‌ مالك بن المرحل

- ‌الفصل السادسالنثر وكتّابه

- ‌1 -الخطب والمواعظ

- ‌2 -الرسائل الديوانية

- ‌3 -الرسائل الشخصية

- ‌4 -المقامات والرحلات

- ‌(أ) المقامات

- ‌(ب) الرحلات

- ‌ رحلة ابن رشيد

- ‌ رحلة العياشى

- ‌ رحلة ابن ناصر

- ‌5 -كبار الكتّاب

- ‌(أ) القاضى عياض

- ‌القسم الثالثموريتانيا

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌2 -التاريخ

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع والثقافة

- ‌1 -المجتمع

- ‌(أ) صنهاجة وقبائل المعقل العربية

- ‌(ب) الزروع والمراعى

- ‌(ج) التجارة

- ‌(د) حياة يدوية

- ‌2 -الثقافة

- ‌(أ) نشاط دينى تعليمى كبير

- ‌(ب) التعليم والطلاب والشيوخ

- ‌(ج) أمهات الكتب والمتون والشروح المتداولة

- ‌(د) أعلام العلماء فى موريتانيا

- ‌(هـ) القراء والمفسرون والمحدثون والفقهاء

- ‌(و) أعلام النحاة والمتكلمين

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 -تعرّب موريتانيا

- ‌2 -شعراء المديح

- ‌ ابن رازكة

- ‌3 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) شعراء الفخر

- ‌ المختار بن بون

- ‌(ب) شعراء الهجاء

- ‌4 -شعراء الرثاء

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ الأحول الحسنى

- ‌ يقوى الفاضلى

- ‌2 -شعراء التصوف

- ‌ المختار الكنتى

- ‌الشيخ سيديّا

- ‌3 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ محمد بن محمد العلوى

- ‌4 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌القسم الرابعالسودان

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌2 -التاريخ

- ‌3 -(ج) دولة الفونج

- ‌4 -محمد على والسودان-عهد إسماعيل

- ‌5 -حركة المهدى-خليفته عبد الله التعايشى

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع السودانى-الثقافة

- ‌(أ) نزعة صوفية عامة

- ‌(ب) المرأة ومكانتها فى التصوف

- ‌(ج) التصوف والتربية الخلقية والدينية

- ‌(د) طرق صوفية جديدة

- ‌(هـ) دعوة المهدى ومبادئها الستة

- ‌2 -الثقافة

- ‌(أ) كتاتيب-زوايا-مساجد

- ‌(ب) حركة علمية نشيطة فى عهد الفونج

- ‌(ج) سودانيون أزهريون وعلماء مصريون

- ‌(د) التعليم المدنى الحديث وتوقفه

- ‌(هـ) إنشاء معهد دينى وعودة التعليم المدنى الحديث

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌2 -شعراء المديح

- ‌ الشيخ حسين زهراء

- ‌ الشيخ محمد عمر البناء

- ‌3 -شعراء الفخر والحماسة

- ‌ الشيخ يحيى السلاوى السودانى

- ‌ عثمان هاشم

- ‌4 -شعراء الرثاء

- ‌(أ) رثاء الأفراد

- ‌ الشيخ محمد سعيد العباسى

- ‌(ب) رثاء المدن

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل العفيف

- ‌2 -شعراء النقد العنيف والشكوى من الزمن

- ‌الشيخ عبد الله البناء

- ‌ صالح عبد القادر

- ‌3 -شعراء التصوف

- ‌4 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ الشيخ عمر الأزهرى

- ‌ الشيخ عبد الله عبد الرحمن

الفصل: ‌ المختار بن بون

أعملت سيف الفكر نحو عويصها

فحنت علىّ خواضع الأعناق (1)

فتبوح لى بسرائر مكتومة

حتى عن الأسطار والأوراق

وهو يقول إن واقد الأشواق فى صدره ذهب بصبره، فإن الأحبة على وشك الفراق. ويأخذ فى الفخر بنفسه، فيقول لمن يسابقه وينافسه ويطلب عثرته وخطأه إنه سابق السباق، وإن المسائل إذا استصعبت وتمنّعت مشاكلها على الحذاق فلم يستطيعوا لها حلا أعمل سيف فكره فى عويصها فجاءته خاضعة تبوح له بأسرارها المكتومة عن ظاهر المكتوب فى السطور والأوراق. ونتوقف للحديث عن شاعرين من شعراء الفخر.

المختار (2) بن بون

ولد ونشأ فى منطقة تجكانت الموريتانية، وتتلمذ للمختار بن حبيب وأخذ كل ما عنده، وكان يتعثر فى أول أمره، ثم فتح الله عليه واشتهر بعلمه وخاصة فى العربية وجاءه الطلاب من كل فج، وسمعت به قبيلة إديقب اليعقوبية، وهى من أهم قبائل الزوايا فى مدارسة العلوم، فطلبت إليه أن ينزل بها ليأخذ عنه طلابها علم النحو وعلم الكلام أو التوحيد، وكان لا يجارى فيهما، وأقام عندهم مدة، ثم حدثت بينه وبينهم مناظرات فى بعض العلوم كان يقودها تلميذه محمد المجيدرى ومولود بن أحمد وعادوا إلى استسماحه، مستشهدين بقوله تعالى على لسان إخوة يوسف:{تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنّا لَخاطِئِينَ} فأجابهم بما أجاب به يوسف إخوته، إذ قال {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ} . وعاد إلى موطنه وانثال عليه الطلاب، وكان رفيقا بهم يجود لهم بما يملك، وكثروا فرحل بهم إلى بئر فى أرض تجكانت، فشرعوا يبنون الأخصاص لسكناهم، وكان لا يشتغل نهارا ولا ليلا إلا بتعليمهم. وله فى النحو منظومة تسمى الاحمرار جمع فيها بين ما ذكره ابن مالك فى الألفية وكتابه التسهيل وطبعت فى مصر، وله فى النحو أيضا مقدمة ألّفها-كما مرّ بنا- للمبتدئين، وتكونت له فى النحو مدرسة أهم تلاميذه فيها بلاّ الشقراوى جعلناها خاتمة حديثنا عن علماء العربية بموريتانيا. وله من قصيدة يعتب فيها على قبيلة إديقب اليعقوبية وتلميذه محمد المجيدرى ويفاخر بما أسدى إليه وإلى أبنائها من علم العربية قائلا:

فلا تنكرونى آل يعقوب واذكروا

ليالى أجلو ما على الناس أظلما

وحين أحلّى منكم كلّ عاطل

بدرّى وأسقى باردى كلّ أهيما (3)

(1) حنت: مالت وعطفت.

(2)

انظر فى ترجمة‌

‌ المختار بن بون

وشعره كتاب الوسيط ص 277 والشعر والشعراء فى موريتانيا ص 342.

(3)

الأهيم: العطشان عطشا شديدا.

ص: 580

وهو يقول لهم لا تنكرونى بعد ما قدمت لكم من جميل واذكروا حلّى لطلابكم المشكلات التى استصعبت وانبهمت، واذكروا ما زينت به من درر العلم أبناءكم وكيف أسقيتهم منه ما أطفئوا به ظمئهم إلى المعارف، ويقول مفاخرا بقبيلته وقومه:

ونحن ركب من الأشراف منتظم

أجلّ ذا الخلق قدرا دون أدنانا

نتلو كتاب إله العرش كلّ مسا

وكلّ يوم ومن نلقى توقّانا

ومن تكن همّة الأقدار نصرته

لم تقدر الناس أن توهى له شانا

وهمّة دونها هام السماء ومن

همّته دونها هام السّما دانا (1)

وهيبة ملئت منها القلوب فلو

نظرت شزرا إلى أقصى الورى حانا (2)

ولا ينهنهنى عن حاجة جزع

ولا ألين وإن ذو لوثة لانا (3)

وهو يفخر بقومه أو قبيلته فخرا مبالغا فيه إذ يجعل أعظم الناس قدرا دون أدنى شخص فيهم منزلة ومكانة، ويقول إنهم مكبون على كتاب الله يتلونه مساء وكل يوم، وينوه بشجاعتهم وأن القبائل تحذرهم وتتوقاهم، ويذكر أن الأقدار دائما تنصرهم على أعدائهم، ومن تنصره لا يستطيع أحد ولا قبيل أن يضعفا له شأنا وهم مهابون هيبة ملئت منها القلوب مخافة، حتى إنه لو نظر إلى عدو مغضبا هلك خوفا وفزعا، ولا يعتريه إزاء حاجة يريدها جزع، وإنه صلب لا يلين، إنما يلين الضعيف الواهن. توفى سنة 1220 هـ/1806 م وقبل بل قبل ذلك بسنوات.

محمد (4) بن سيدىّ الايبيرىّ

كان أبوه سيدىّ جوادا جودا عظيما إذ كان غيثا مدرارا، وكان عالما تتلمذ لحرم بن عبد الجليل وبذّ أقرانه، وشغف بالتصوف فشد رحاله إلى الشيخ المختار الكنتى الصوفى ولازمه ستة أشهر، توفى عقبها، فلازم ابنه محمدا حتى برع فى التصوف ومعرفة طريقه. ويقول الشنقيطى عن محمد بن سيدىّ إنه نشأ فى نعمة عظيمة ورعاية من والده جسيمة، ويقول إنه العلامة الأريب اللغوى الأديب، ويتوسع فى ترجمته إلى أكثر من عشرين صفحة، ينشد فيها طرائف شعره، ومما أنشده قصيدة له يسخر فيها ممن يردّدون موضوعات الشعر القديمة وخاصة الوقوف بالأطلال والبكاء بالديار ونعت المرأة والخمر ويعيب عليهم كثرة السرقات الشعرية. ومن قصائده قصيدة يدعو فيها للجهاد ضد أعداء الإسلام المغيرين على السواحل الإفريقية

(1) دان: عزّ.

(2)

شزرا هنا: مغضبا. حان: هلك.

(3)

ينهنهنى: يكفّنى-لوثة: ضعف وحمق.

(4)

انظر فى ترجمة محمد بن سيدىّ الوسيط للشنقيطى ص 243 والشعر والشعراء فى موريتانيا ص 57، 189.

ص: 581

المغربية، وكأنه كان يعدّ شباب قومه لمنازلة فرنسا قبل فرضها الحماية على موريتانيا سنة 1320 هـ/1903 م وفيها يفخر بشجاعة قومه وحمايتهم للإسلام قائلا:

وفتيان يرون الضيّم صابا

وطعم الموت خرطوما عقارا (1)

أحبّوا الملّة البيضا فكانوا

عليها من مراودها غيارا

بأيديهم مذرّبة طوال

ترى الأقران أعمارا قصارا (2)

جموع تهزم الأعداء قهرا

فتتركهم جديسا أو وبارا (3)

بنصر الله واثقة يقينا

فلا تخشى من الخلق الحذارا

لها إعلاء كلمته مرام

فلا غنما تروم ولا افتخارا

وهو يقول إن شباب قومه فتيان أشداء يرون الذل مرا لا يطاق شرابه، أما الموت فى ميدان الحروب فيرونه لذيذا لذة الخمر أو أعظم لذة. وقد أحبوا الدين الحنيف حتى إنهم ليغارون عليه غيرة العاشق على معشوقته، وإنهم لشجعان بواسل بأيديهم سيوف ماضية، ترى الأقران أن أعمارهم قصار بما تقطع من رقابهم، وإنهم لجموع تعوّدوا النصر على أعدائهم حتى ليبيدوهم عن آخرهم فيصبحوا فى عداد الأمم البائدة مثل جديس ووبار، ودائما يثقون فى نصر الله لا يخشون أحدا، وقصدهم إعلاء كلمة الله ودينه القويم دائما، ولا غنما يريدون ولا افتخارا. ويعرض فى قصيدة طويلة مذاكرته لزملاء أدباء يقفون على مذاهب الفقهاء المختلفة ومذهبى الأشعرى وإمام الحرمين الجوينى ومنازع الفرق الصوفية وأقوال الخليل وسيبوبه والكوفيين وغيرهم فى النحو، ويتدارسون شعراء الجاهلية الستة المشهورين: امرأ القيس وزهيرا والنابغة وعلقمة وطرفة وعنترة، والمرقشين الأكبر والأصغر والأعشيين: أعشى قيس وأعشى باهلة والأعميين: بشارا وأبا العلاء، وأبا نواس والمتنبى. وهى وثيقة مهمة بما كان يتدارسه الشباب الموريتانى من العلوم والشعر والشعراء جاهليين وإسلاميين وعباسيين، ثم يقول مفاخرا بشمائله:

ومن يك راغبا فى القرب منى

يجدنى دون ماء المقلتين

ومن يؤثر قلاى فليس شئ

يواصل بينه أبدا وبينى

ألاحظ من خليطى كلّ زين

كما أغضبى له عن كلّ شين

ولا أصغى إلى العوراء حتى

يرى أنّى أصمّ المسمعين (4)

وما جهل الجهول بمستفزّى

ومالى بالدنيّة من يدين

(1) الضيم: الهوان. الصاب: المر. الخرطوم والعقار: الخمر.

(2)

مذربة: من ذرب السيف والرمح: صار ماضيا.

(3)

جديس ووبار: قبيلتان من العرب البائدة.

(4)

العوراء: الكلمة السيئة. المسمعين مثنى مسمع: الأذن.

ص: 582