الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأحول (1) الحسنى
هو عبد الله
الأحول الحسنى
، كان حسن الأخلاق عالما باللغة، ولما وقعت الحرب بين قومه وبين العلويين انحاز فيها إلى قومه وسلّ معهم سيفه، ونظم فيها أشعارا كثيرة ضد العلويين، وما زال حاملا سلاحه حتى قتل فى إحدى معاركها سنة 1250 هـ/1835 م وأنشد له الشنقيطى والدكتور محمد المختار قصائد ومقطوعات غزلية مختلفة منها قوله:
شدّوا المهارى بأكوار وأحداج
…
وأدلجوا تحت ليل أليل داج (2)
فأصبحت دورهم قفرا معطّلة
…
تبكى دواعى هديل شجوها شاج (3)
تلوح آثار من بانوا بمعهدها
…
مثل البرود وشتها كفّ نسّاج
فما علمت ولم أشعر ببينهم
…
إلا بجون من الغربان شحّاج (4)
تبّا لعيس نأت عنا بناعمة
…
غيداء ريّانة الحجلين مغناج (5)
والأحول يقول إن أهل صاحبته شدوا الإبل للرحيل ومعهن النساء فى الرحال والهوادج، وساروا فى ليل شديد الظلام وأصبحت دورهم خالية يبكى فيها الهديل وحماماته بكاء يثير الوجد والشجن، وآثارهم فى الديار وكأنها ثياب زيّنها نساج بما فيها من رسوم وخطوط. وما أعلمنى ببينهم وبعدهم إلا نعيب غراب شديد السواد. ويقول هلاكا لإبل بعدت عنا بحسناء ممتلئة الخلخالين ذات دلال يزيدها حسنا، ويقول:
أمست معاهد سعدى باللّوى درسا
…
من صوب ودق الغوادى بكرة ومسا (6)
كم حاورتنى. بها حوراء آنسة
…
غرّاء من حاورته منطقا أنسا (7)
ألهو بسعدى وسعدى لا يخبّبها
…
نمّ المريدين تخبيبا من الجلسا (8)
بيضاء من مدّ فيها العين فاقتبست
…
تحت الدّجى من سناها أنكر القبسا
بل لو رآها أهالى يوسف قطعت
…
منهم قلوب رجال لا أكفّ نسا
وهو يقول إن ديار سعدى صاحبته أصبحت عافية من طول ما انسكب عليها من أمطار السحب صباحا ومساء، ويذكر صاحبته اللطيفة الحسناء وأنسه بها وبأحاديثها حين كانت
(1) انظر فى ترجمة الأحول وشعره الشنقيطى ص 304 والدكتور محمد المختار ص 84 وفى مواضع مختلفة.
(2)
المهارى: الإبل. الأكوار: الرحال. الأحداج: الهوادج. أدلجوا: صاروا ليلا. أليل: شديد السواد.
(3)
هديل: ذكر الحمام. شجوها: حزنها. شاج: كثير الحزن.
(4)
ببينهم: ببعدهم. جون: أسود. شحاج: يكثر من النعيب والصياح.
(5)
العيس: الإبل. غيداء: حسناء. ريانة الحجلين: ممتلئة الخلخالين. مغناج: ذات دلال.
(6)
درسا: عافية. ودق: مطر. الغوادى: السحب.
(7)
حوراء: ذات حور فى عينيها وجمال. غراء: بيضاء.
(8)
يخببها: يخدعها. المريدين: المعجبين.
تلهو معه غير آبهة بكلام المعجبين النمّامين، ويقول إن من يرنو إليها طويلا يشعر كأنما قبس من جمالها المضيئ ما يفوق قبس النار حسنا وجمالا بل لو رآها رجال النسوة اللائى قطعن أيديهن حين أبصروا جمال يوسف لقطعوا قلوبهم افتتانا بها. ويقول:
غرّاء لا يرقب الراءون وجنتها
…
إلا ثنى النور منهم حدّة النّظر
لم تدر هل هى من شذر مركّبة
…
أم من صريف لجين أم سنا قمر (1)
كلّ تلابس إلا أن يميّزها
…
من ذا ومن ذين وسم الدّلّ والخفر
فهى بيضاء لا يرمق المبصرون وجنتها النيّرة إلا صرف نورها حدة النظر إليها لشدة سطوعه كسطوع ضوء الشمس. ويقول إن مبصرها لا يدرى هل هى مركبة من قطع ذهب أم من قطع فضة أم من ضوء قمر، وكأنما كل ذلك يلتبس بها إلا ما تتميز به من الدلال والحياء اللذين يزيدانها حسنا وبهاء.
محمد (2) بن الطلبة اليعقوبى
عشيرة اليعقوبيين أو قبيلتهم فى شنقيط ومراعى تيرس وريفها من سلالة عون بن عبد الله بن جعفر بن أبى طالب، وامتاز اليعقوبيون بالتعمق فى العلوم الفقهية واللغوية، وكانت لهم مدرسة تعنى بتدريس هذه العلوم، فتوارثوا التدريس فيها كما توارثوا القضاء، وكان أبو الشاعر وجده مدرسين، فهو من بيت علم، وعنى أبوه بتربيته، وكان يدرس للطلاب حينئذ المعلقات السبع ودواوين الشعراء الستة: امرئ القيس وزهير والنابغة وطرفة وعنترة وعلقمة، وديوان ذى الرمة. وأضاف إلى ذلك الطلاب النابهون من أمثال محمد بن الطلبة ديوان الشماخ والأعشى وغيرهما من القدماء. وتمثل ابن الطلبة الشعر الجاهلى والإسلامى تمثلا لا نكاد نجد له نظيرا بين شعراء البلاد المغربية على الأقل إن لم يكن بين شعراء العربية عامة، وتقرؤه وكأنك تقرأ لشعراء الجاهلية المفرطين فى استخدام الألفاظ الغريبة من مثل الحارث بن حلّزة والشماخ وأضرابهما من الجاهليين. وهيّأ لذلك عند محمد بن الطلبة وغيره من شعراء موريتانيا أن بيئتها كانت تشبه البيئة الجاهلية بصحاريها وبقبائلها الرّحّل وراء المراعى ومساقط الغيث، وبإبلها وأنعامها الراعية وبآبارها الآجنة وفى كل بقعة فى المراعى نجد أطلالا وآثارا لمن أقاموا بها فترة ثم زايلوها. وكما يكثر الشاعر الجاهلى من قطع المفاوز على ناقته كذلك يكثر الشاعر الموريتانى مستمدا من واقع حياته الذى لا يختلف عن واقع حياة الجاهليين، وكاد محمد بن الطلبة لا يترك موضعا
(1) شذر: قطع الذهب. صريف لجين: قطع فضه. سنا: ضوء.
(2)
انظر فى ترجمة محمد بن الطلبة الشنقيطى ص 94 وقد أنشد فى كتابه معارضاته جميعا وكثيرا من شعره، وراجع الشعر والشعراء فى موريتانيا ص 90 وما بعدها.
فى تيرس ومراعيها وريفها إلا تغنى به. وتغنى طويلا بمسيرة الظعن، وبين الظاعنات محبوبته، كما تغنى طويلا بحيوانات الصحراء من إبل وخيل وبقر وظباء ونعام وأتن وحشية مع حمارها، فالحياة الصحراوية الجاهلية بحذافيرها يتمثلها محمد بن الطلبة وغيره من شعراء موريتانيا، وكأنما أراد أن يثبت مدى صحراويته فى شعره فاختار قصيدتين للشماخ ولحميد بن ثور الصحابيين تكتظان بالغريب وبوصف الحياة الصحراوية وحيواناتها وظعنها وعارضهما معارضة رائعة. وبالمثل عارض قصيدة للأعشى، ولن نسوق أمثلة لغزله من هذه القصائد لكثرة الغريب فيها، إنما نسوق له أمثلة من غزلياته الأخرى منحّين ما ينظمه ممتلئا بالألفاظ الصحراوية الآبدة، فمن ذلك قوله مخاطبا محبوبته التى يسميها أم المؤمنين:
كيف التجلّد لا تجلّد بعد ما
…
شطّت بأمّ المؤمنين نواها (1)
عوجى قليلا ريثما أشكو الذى
…
قد شفّ نفسى منكم وبراها (2)
ما كان ضرّك لو رددت تحيّة
…
فيها لنفسى-لو رددت-شفاها
واها لما أبدى لنا يوم النّوى
…
منها الوداع وقلّ منّا واها (3)
يا ليت شعرى والفراق موكّل
…
بالعاشقين متى يكون لقاها
وهو يقول كيف التجلّد للأسى والصبر بعد ما أوغلت بها النّوى وبعد الدار، ويتمنى لو كانت وقفت له قليلا ليشكو لها شفوف نفسه وضنا جسمه بحبها، ويقول إنه حيّاها ولم تحيّه ولو حيته لشفت نفسه مما يضطرم فيها من الألم، ويتفجع لوداعها يوم الفراق ويتحسر متمنيا لقاءها بعد هذا الفراق. ويقول:
لا القلب عن ذكر أمّ المؤمنين سلا
…
ولا أرى عاذلاتى تترك العذلا (4)
بل لا أرى لوم من يلحو ومن عذلا
…
إلا يزيد علىّ الهمّ والخبلا
ولا أرانى أرى رسما ولا طللا
…
إلا وساءلت عنها الرسم والطّللا
هى التى أنا لا أبغى بها بدلا
…
ونيلى الوصل منها نيلى الأملا
فهو لن يسلو صاحبته مهما لامته اللائمات، بل إن لوم من يلومه إنما يزيده هما وجنونا بحبها، ويقول إنه لا يرى رسما ولا طللا إلا سأله عنها كأنما تملأ عليه جميع البقاع، ويؤكد أنه لا يبغى بها بدلا لها إذ نيل وصلها نيل أمله فى دنياه. ويقول فيها:
(1) التجلد: الاحتمال فى صبر. النوى: الفراق والبعد.
(2)
عوجى: توقفى وميلى. براها: نحلها.
(3)
واها: كلمة تقال فى التفجع وفى العجب.
(4)
العذل: اللوم، ومنه العاذلات.