المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الهوزالى (1) هو محمد بن على الهوزالى شارح ديوان المتنبى الملقب - تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف - جـ ١٠

[شوقي ضيف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة

- ‌1 - [الجزائر]

- ‌2 - [المغرب الأقصى]

- ‌3 - [موريتانيا]

- ‌4 - [السودان]

- ‌القسم الأولالجزائر

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌3 -الفتح والولاة-الأغالبة-الإباضية-تلمسان

- ‌(ب) الأغالبة

- ‌(ج) الإباضيون

- ‌(د) تلمسان

- ‌4 -الدولة العبيدية-الدولة الصنهاجية-بنو حماد

- ‌(أ) الدولة العبيدية

- ‌(ج) بنو حماد

- ‌5 -دولة الموحدين-الدولة الحفصية-بنو عبد الواد

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع الجزائرى

- ‌2 -المعيشة

- ‌(أ) الثراء

- ‌(ب) الرّفة

- ‌(ج) الموسيقى

- ‌4 -الدين-المالكية والحنفية-الإباضية-المعتزلة

- ‌(أ) الدين

- ‌(د) المعتزلة

- ‌الفصل الثالثالثقافة

- ‌1 -الحركة العلمية

- ‌(أ) فاتحون ناشرون للإسلام ومعلمون

- ‌(ب) دور العلم:‌‌ الكتاتيب-‌‌المساجد-المدارس-الزوايا-المكتبات

- ‌ الكتاتيب

- ‌المساجد

- ‌المدارس

- ‌الزوايا

- ‌المكتبات

- ‌(ج) نمو الحركة العلمية

- ‌5 -التاريخ

- ‌الفصل الرّابعنشاط الشعر والشعراء

- ‌2 -كثرة الشعراء

- ‌3 -شعراء المديح

- ‌ عبد الكريم النهشلى

- ‌ ابن خميس

- ‌ الشهاب بن الخلوف

- ‌ محمد القوجيلى

- ‌4 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) شعراء الفخر

- ‌(ب) شعراء الهجاء

- ‌ بكر بن حماد التاهرتى

- ‌ سعيد المنداسى

- ‌5 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌ عبد الرحمن الأخضرى

- ‌الفصل الخامسطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ ابن على

- ‌2 -شعراء وصف الطبيعة

- ‌ عبد الله بن محمد الجراوى

- ‌3 -شعراء الرثاء

- ‌4 -شعراء الزهد والتصوف

- ‌(أ) شعراء الزهد

- ‌(ب) شعراء التصوف

- ‌ إبراهيم التازى

- ‌5 -شعراء المدائح النبوية

- ‌الفصل السّادسالنثر وكتّابه

- ‌1 -الخطب والوصايا

- ‌2 -الرسائل الديوانية

- ‌3 -الرسائل الشخصية

- ‌4 -المقامات

- ‌5 -كبار الكتاب

- ‌[(ب)] الوهرانى

- ‌القسم الثانىالمغرب الأقصى

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌3 -الفتح والولاة-ثورة الصفرية-بنو مدرار-الأدارسة-بعد الأدارسة والمدراريين

- ‌(ب) ثورة الصفرية

- ‌(د) الأدارسة

- ‌4 -المرابطون-الموحدون-بنومرين

- ‌(أ) المرابطون

- ‌(ب) الموحدون

- ‌5 -السعديون-الطرق الصوفية-العلويون

- ‌(أ) السعديون

- ‌(ج) العلويون

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع المغربى

- ‌1 -عناصر السكان

- ‌2 -المعيشة

- ‌3 -الثراء-الرّفة-الموسيقى-المرأة

- ‌(أ) الثراء

- ‌(ب) الرّفة

- ‌(ج) الموسيقى

- ‌(د) المرأة

- ‌4 -المالكية-الصفرية-المعتزلة-الظاهرية

- ‌(أ) المالكية

- ‌(ب) الصفرية

- ‌(ج) المعتزلة

- ‌(د) الظاهرية

- ‌5 -الزهاد-المتصوفة

- ‌(أ) الزهاد

- ‌(ب) المتصوفة

- ‌الفصل الثالثالثقافة

- ‌1 -الحركة العلمية

- ‌(أ) فاتحون ناشرون للإسلام ومعلمون

- ‌ الكتاتيب

- ‌(ب) دور العلم: الكتاتيب-المساجد-المدارس-الزوايا-المكتبات

- ‌المساجد

- ‌المدارس

- ‌الزوايا

- ‌المكتبات

- ‌(ج) نمو الحركة العلمية

- ‌2 -علوم الأوائل

- ‌3 -علوم اللغة والنحو والعروض والبلاغة

- ‌5 -التاريخ

- ‌الفصل الرّابعنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 -تعرب المغرب الأقصى-كثرة الشعراء

- ‌(أ) تعرب المغرب الأقصى

- ‌(ب) كثرة الشعراء

- ‌2 -شعراء الموشحات والأزجال

- ‌(أ) شعراء الموشحات

- ‌ ابن غرلة

- ‌ ابن الصباغ

- ‌ ابن زاكور

- ‌(ب) شعراء الأزجال

- ‌ابن عمير

- ‌3 -شعراء المديح

- ‌ ابن زنباع

- ‌ ابن حبوس

- ‌الجراوى

- ‌ ابن عبد المنان

- ‌الهوزالى

- ‌الدغوغى

- ‌البوعنانى

- ‌4 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) الفخر

- ‌ الشاذلى

- ‌(ب) الهجاء

- ‌5 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌ عبد العزيز الملزوزى

- ‌ابن الونان

- ‌الفصل الخامسطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ أبو الربيع الموحدى

- ‌ عمر السلمى

- ‌2 -شعراء الوصف

- ‌3 -شعراء الرثاء

- ‌ ابن شعيب الجزنائى

- ‌4 -شعراء الزهد والتصوف

- ‌(أ) شعراء الزهد

- ‌(ب) شعراء التصوف

- ‌ ابن المحلى

- ‌5 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ميمون بن خبازة

- ‌ مالك بن المرحل

- ‌الفصل السادسالنثر وكتّابه

- ‌1 -الخطب والمواعظ

- ‌2 -الرسائل الديوانية

- ‌3 -الرسائل الشخصية

- ‌4 -المقامات والرحلات

- ‌(أ) المقامات

- ‌(ب) الرحلات

- ‌ رحلة ابن رشيد

- ‌ رحلة العياشى

- ‌ رحلة ابن ناصر

- ‌5 -كبار الكتّاب

- ‌(أ) القاضى عياض

- ‌القسم الثالثموريتانيا

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌2 -التاريخ

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع والثقافة

- ‌1 -المجتمع

- ‌(أ) صنهاجة وقبائل المعقل العربية

- ‌(ب) الزروع والمراعى

- ‌(ج) التجارة

- ‌(د) حياة يدوية

- ‌2 -الثقافة

- ‌(أ) نشاط دينى تعليمى كبير

- ‌(ب) التعليم والطلاب والشيوخ

- ‌(ج) أمهات الكتب والمتون والشروح المتداولة

- ‌(د) أعلام العلماء فى موريتانيا

- ‌(هـ) القراء والمفسرون والمحدثون والفقهاء

- ‌(و) أعلام النحاة والمتكلمين

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 -تعرّب موريتانيا

- ‌2 -شعراء المديح

- ‌ ابن رازكة

- ‌3 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) شعراء الفخر

- ‌ المختار بن بون

- ‌(ب) شعراء الهجاء

- ‌4 -شعراء الرثاء

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ الأحول الحسنى

- ‌ يقوى الفاضلى

- ‌2 -شعراء التصوف

- ‌ المختار الكنتى

- ‌الشيخ سيديّا

- ‌3 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ محمد بن محمد العلوى

- ‌4 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌القسم الرابعالسودان

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌2 -التاريخ

- ‌3 -(ج) دولة الفونج

- ‌4 -محمد على والسودان-عهد إسماعيل

- ‌5 -حركة المهدى-خليفته عبد الله التعايشى

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع السودانى-الثقافة

- ‌(أ) نزعة صوفية عامة

- ‌(ب) المرأة ومكانتها فى التصوف

- ‌(ج) التصوف والتربية الخلقية والدينية

- ‌(د) طرق صوفية جديدة

- ‌(هـ) دعوة المهدى ومبادئها الستة

- ‌2 -الثقافة

- ‌(أ) كتاتيب-زوايا-مساجد

- ‌(ب) حركة علمية نشيطة فى عهد الفونج

- ‌(ج) سودانيون أزهريون وعلماء مصريون

- ‌(د) التعليم المدنى الحديث وتوقفه

- ‌(هـ) إنشاء معهد دينى وعودة التعليم المدنى الحديث

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌2 -شعراء المديح

- ‌ الشيخ حسين زهراء

- ‌ الشيخ محمد عمر البناء

- ‌3 -شعراء الفخر والحماسة

- ‌ الشيخ يحيى السلاوى السودانى

- ‌ عثمان هاشم

- ‌4 -شعراء الرثاء

- ‌(أ) رثاء الأفراد

- ‌ الشيخ محمد سعيد العباسى

- ‌(ب) رثاء المدن

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل العفيف

- ‌2 -شعراء النقد العنيف والشكوى من الزمن

- ‌الشيخ عبد الله البناء

- ‌ صالح عبد القادر

- ‌3 -شعراء التصوف

- ‌4 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ الشيخ عمر الأزهرى

- ‌ الشيخ عبد الله عبد الرحمن

الفصل: ‌ ‌الهوزالى (1) هو محمد بن على الهوزالى شارح ديوان المتنبى الملقب

‌الهوزالى

(1)

هو محمد بن على الهوزالى شارح ديوان المتنبى الملقب بالنابغة، ترجم المقرى فى كتابه «روضة الآس» لأبيه على وقال إنه من كتاب الإنشاء بالحضرة الفاسية وبيته بيت صلاح ودين، وأنشد نبذة من أشعاره، وكأنه ورّث ابنه محمدا الشعر، وقد أكبّ فى شبابه على كتب الفقه والشعر، ولم يلبث أن أصبح من قضاة الدولة السعدية كما أصبح شاعر خليفتها المنصور، ومن تعريف درة الحجال به:«الأديب الناظم الناثر نابغة زمانه، أخذ عن أبى العباس المنجور، وله معرفة بالبيان والنحو وله نظم رائق، وهو قاضى سكتاتة» وذكره عبد العزيز الفشتالى فى كتابه المناهل مرارا، ويقول عنه:«صاحبنا الفقيه القاضى شاعر الدولة مفتى الحضرة» ويقول عنه محمد بن عيسى الصنهاجى فى مقامته التى عرف فيها بأدباء عصره: «أخو علقمة ولبيد، وذو المقول المحيى المبيد، جزالته فى وصف المهامه والقفار وذكر المرخ والعقار، وعلى ذلك فرمحه فى المدح مقوّم الأنابيب، لا يقصر فيه عن ابن الحسين (المتنبى) وحبيب (أبى تمام)» . وابن عيسى يرفعه إلى مرتبة علية فى الشعر، فهو أخو علقمة الشاعر الجاهلى الفحل ولبيد أحد شعراء المعلقات، وشعره يرفع ويضع أو كما يقول يحيى ويبيد، وأساليبه فيه جزلة رصينة ويتعلق بوصف الفيافى والقفار، ورمحه لذلك فى الشعر رمح متين لا يقصر فيه عن شاعرى العصر العباسى الكبيرين المتنبّى وحبيب. وجمهور شعره فى مديح المنصور، ويستهله بوصف بطولته فى واقعة وادى المخازن المشهورة ضد البرتغاليين التى مرت بنا وكانوا نحو مائة ألف-فيما يقال-فسحقهم جيشه المغربى بين قتيل وأسير بحيث كاد أن لا ينجو منهم أحد، ويصور المنصور فى المعركة وهو يصول ويجول مجندلا للبرتغاليين ومنظما لكتائب جيشه قائلا:

لعمرك لا أنساه يوما شهدته

وقد سفرت بين الكماة المداعس (2)

يربّس للإقدام كلّ كتيبة

كما ربّس المرجان فى السلك رابس (3)

وحسبك فى وادى المخازن وقعة

بها الشّرك حتى آخر الدهر تاعس

بها عرفت أبناء عيص بأنهم

عبيد العصا ما ناس فى الأرض نائس (4)

فدانوا له حتى توقّع بطشه

برمّتهم صلبانهم والكنائس

فلا زالت التثليث تقرع باسمه

فتخرس فى الأديار تلك النواقس (5)

(1) انظر فى ترجمة الهوزالى وأشعاره كتاب الدرة لابن القاضى 2/ 233 وكتابه المنتقى ص 672 وما بعدها والمناهل للفشتالى نشر كنون فى صفحات مختلفة (انظر الفهرس) والنبوغ المغربى لكنون 1/ 263 و 3/ 223 والوافى لابن تاويت 3/ 655، 3/ 672 والحركة الفكرية فى عهد السعديين لحجى 2/ 408.

(2)

الكماة: الشجعان. المداعس جمع مدعس. الرمح الغليظ الحاد

(3)

يربس: ينظم ويرتب.

(4)

أبناء عيص: يريد البرتغاليين. عبيد العصا: مسترقون أزلاء. نائس: متحرك.

(5)

التثليث: يريد عقيدة التثليث عند النصارى.

ص: 413

وللهوزالى فى هذه الموقعة التى أذاعت وأشاعت بطولة المنصور فى حرب البرتغاليين غير قصيدة يمجد فيها تلك البطولة من مثل قوله فى قصيدة عينية:

لم يأل بستيّان فى استصراخه

صهب الأعاجم من بلاد شسّع (1)

فتجشموا البحر المحيط وما دروا

بمحيط بحر من عوال شرّع (2)

وكتائب حفّته منصوريّة

تنقاد بالأسد الغضابّ الجوّع

صبّت على الكفار-صبّا-عارضا

هطلا ولكن بالسّموم النّقّع (3)

فتركن عبّاد المسيح كأنهم

أعجاز نخل بالسيول مقلّع

لا زلت فى أفق الخلافة نيّرا

تختال بين كواكب لك خضّع

والهوزالى يذكر أن ملك البرتغال «بستيان» ما زال يستصرخ الأعاجم من البلاد الأوربية الشاسعة، ولبّوه متجشمين المحيط الأطلسى إلى وادى المخازن، وما دروا أنهم سقطوا فى محيط من رماح شرّع مسدّدة، تحفّه كتائب المنصور يقودها أسد غضاب جوّع تريد أن تقضمهم قضما، صبّت عليهم سحابا هطلا من الرماح والسيوف، شربوا منه سما ناقعا قاتلا، وإن ساحة الحرب لتمتلئ بقتلى عبّاد المسيح، وكأنهم أعجاز نخل رمت بها سيول غزيرة، ويدعو للخليفة أن لا يزال بدرا ساطعا تحفّ به الكواكب من قواده وكماته. وبعد هذه الموقعة باثنتى عشرة سنة عام 698 جهز المنصور السعدى جيشا ضخما-كما مرّ بنا-لغزو السودان، واستولى على إقليم توات وأقاليم أخرى وجاءته سيول من الذهب كان لها أثر بعيد فى انتعاش البلاد اقتصاديا لعهده، ويهنئ الهوزالى المنصور بهذا الفتح العظيم منشدا فى وصف كتائبه:

غدت تحمل الموت الزؤام يحوطها

ويكنفها يمن يشيّعه نصر (4)

فحلّت بأرض السود لم يئن عزمها

مهالك صدّ عن مسالكها الذّعر

لقد ذكر الحبشان من وقعها بهم

وقيعة يوم الفيل لو ينفع الذكر

هنيئا أمير المؤمنين فقد قضى

على كل من ناواك أسيافك البتر (5)

ودم لفتوح يستحثّ لنيلها

إلى كل قطر منك ذو لجب مجر (6)

وهو يصور الكتائب تحمل إلى السودان الموت العاجل السريع يحوطها اليمن ويشيعها النصر، وقد مضت فى هذه البلاد السودانية ومسالكها الوعرة المخيفة لا يصد عزمها أى مهالك أو معوقات، وهى وقائع لا شك أن السودانيين-أو الأحباش كما يقول-يذكرون وقعة الفيلة حين وجهها أبرهة إلى مكة والكعبة، فأرسل الله عليهم طيرا ترميهم بحجارة من سجيل قضت

(1) بستيان: سيباستيان: ملك البرتغاليين.

(2)

عوال: رماح. شرع: مسددة.

(3)

عارضا: سحابا. السموم النقع: المهلكة.

(4)

الموت الزوام: العاجل السريع.

(5)

البتر: الحادة القاطعة.

(6)

ذو لجب مجر: جيش كثيف ذو ضجيج.

ص: 414

عليهم قضاء مبرما، وبالمثل قضى جيش المنصور على كل ما التقى به من جيوش السودانيين. ويهنئ المنصور بانتصار كماته وفرسانه، ويدعو له أن تدوم مثل هذه الفتوح العظيمة بما يوجه إليها من جيوشه الباسلة. وما يترك الهوزالى حادثة فى عهد المنصور إلا وينشده فيها قصيدة غرّاء، كما لا ينزل به مرض ويشفى منه إلا ويسارع بتهنئته، وهو بحق يعد شاعر المنصور السعدى فى عصره إلى وفاته سنة 1012 هـ/1604 م.

أحمد (1) بن القاضى

هو أحمد بن محمد بن أبى العافية المشهور بابن القاضى، من بيت علم وأدب، ولد سنة 960 للهجرة، وحفظ القرآن الكريم مثل لداته، وأكب على حلقات العلماء ببلدته فاس ينهل من حلقاتهم العلوم المختلفة من فقه ونحو ولغة وعروض وأدب وتاريخ وحساب وهندسة ومنطق وبلاغة، ولما بلغ السادسة والعشرين من عمره رحل إلى المشرق لأداء فريضة الحج ولقاء مشيخة العلوم والتلقى عن أئمتها، ونزل مصر وأقام بها فترة يأخذ عن علمائها ويحمل إجازاتهم، وعاد إلى المغرب ورجع إلى مستقره بفاس، ثم وفد على مراكش، وأثنى عليه للمنصور الذهبى عبد العزيز الفشتالى وغيره من حاشيته فألحقه بحضرته. وفى سنة 994 عاودته فكرة الرحلة إلى المشرق لينشر به مآثر المنصور ومفاخره وفتوحه، واستأذنه فى ذلك فأذن له، ورأى أن يسلك طريق البحر المتوسط من تطوان، ولم يلبث أن اعترضه هو ومن معه قراصنة الإسبان فأسروهم، ونقلوه إلى مالطة وظل بها أسيرا نحو عام فى بلاء عظيم من الجوع والبرد والتكليف بما لا يطاق. وعلم بأسره المنصور». فكتب إلى حاكم تطوان كى يعمل على فدائه، وافتداه بمال كثير، وعاد إلى حضرة المنصور وهو يحمل له هذا الجميل العظيم، وأداه نبله إلى أن يكتب عنه كتابه:«المنتقى المقصور على مآثر الخليفة المنصور» وهو سيرة له رائعة، نشرت فى مجلدين بتحقيق الأستاذ محمد زرّوق ولم يكتف بذلك، فقد ألف لخزانته كتاب درة الحجال فى أسماء الرجال ذيل به على كتاب وفيات الأعيان لابن خلكان حتى زمنه، وأيضا كتاب جذوة الاقتباس فيمن حل من الأعلام بمدينة فاس. وقد استقصى الأستاذ زروق مؤلفاته فى مختلف العلوم والفنون وبدأها بمجموعة كتب التاريخ والتراجم وتلاها بمجموعة ثانية فى مؤلفاته فى الفقه ومجموعة ثالثة فى مؤلفاته فى الحساب والهندسة ومجموعة رابعة بمؤلفاته فى المنطق. وجعله بصره بالفقه يتولى القضاء ملازما حضرة المنصور طوال حكمه حتى سنة 1012 للهجرة، وتفرغ بعد ذلك للتدريس حتى وفاته سنة 1025 هـ/1616 م وكما كان

(1) انظر فى ترجمة ابن القاضى وأشعاره روضة الآس للمقرى ص 239 ونشر المثانى 1/ 213 وصفوة من انتشر ص 77 ومناهل الصفا للفشتالى بتحقيق كنون وراجع المصادر الكثيرة التى ذكرها الأستاذ زروق فى دراسته له التى قدم بها تحقيقه للمنتقى وانظر الوافى بالأدب العربى فى المغرب الأقصى 3/ 706.

ص: 415

عالما بفنون كثيرة كان شاعرا، وخصّ المنصور الذهبى بكثير من شعره منذ أن كان فى الأسر، إذ أرسل إليه قصيدة حينئذ، يستعطفه بها لتخليصه من أسره، وفيها يقول:

بحق الذى أولاك ملكا فنجّنى

من الهلك يا قصد الأسير المكبّل

وكن يا إمام العدل فى عون خائر

أسير كسير ذى جناح مذلّل

ومنذ عاد ابن القاضى إلى حضرة المنصور الذهبى، وهو يلزمه ويقدم له مدائحه فى كل نصر لجيوشه وكل مناسبة. وكانت وقعة وادى المخازن لا تبرح ذاكرة البرتغاليين وكانوا لا يزالون يحتلون مدينة أصيلا على المحيط، وأحسوا أن المنصور يريد الاستيلاء عليها، فخشوا أن يواقعوه فيحدث لهم ما حدث فى وادى المخازن من تمزيقهم كل ممزق، قرءوا أن ينسحبوا منها ويتركوها للمنصور. ويهنئه ابن القاضى بهذا الفتح الذى أتاه دون أى حرب ودون أن يسلّ سيف وتراق الدماء، يقول:

يا أيها المنصور أبشر بالعلا

الله بلّغ فى العدا المأمولا

أنضاكم سيفا لحتف عداته

وبكم غدا سيف الرّدى مفلولا

وهزمتم الشرك المبين بعزمكم

من غير ما سيف يرى مسلولا

وأذبتم كيد الخبيث مهابة

وفتحتم آرامه آصيلا

وغدت من الناقوس صفرا بلقعا

يتلى بها قرآننا ترتيلا

أبشر لواء الفتح معقود لكم

واشكر إلهك بكرة وأصيلا

وهو يبشر المنصور بمعال لا تنتهى، فالله حافظه ويبلغه فى عداه كل ما يأمل من نصر وفتح، وقد منحكم سيفا لحتف الأعداء، وفلّ لكم سيف الردى والهلاك فهزمتم الشرك بعزمكم دون سيف سللتموه، وذاب كيد الخبيث الصليبى مهابة، ففتحتم عقر داره: أصيلا وأصبحت خلاء من ناقوس النصارى ترتّل فيها آى القرآن ترتيلا. ويفتح المنصور فتحه العظيم فى السودان سنة 998 للهجرة، ويهنئه بهذا الفتح فى قصيدة طويلة، وفيها ينشد:

بشراك بالفتح المبين المتاح

قطفته بين القنا والصّفاح

وليهنك النّصر الذى حزته

دون الملوك فى مغانى الكفاح

واسعد فقد دانت ملوك الورى

لما رأت فى الانقياد النجاح

والطاهر المنصور من هاشم

واسطة العقد وبحر السماح

رجّت بلاد السود من جنده

وافتتحت بالسيف أىّ افتتاح

فتح مبين هو تاريخه

ينمو على الأرض مديد الجناح

لا زالت الأقطار تعنو لكم

من سعدكم طول المدا تستباح

ص: 416