الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ينظمون فى بعض مسائل العلوم الدينية واللغوية، ولمحمد بن على بهلول المجاجى فى ألقاب الإعراب والبناء (1):
من يبتغ العزّ يرفعنّ همّته
…
بالضمّ عن كل مخلوق يرى عجبا
وبين عينيه ينصبن منيّته
…
بفتح باب لليث الموت قد نصبا
ويخفض النّفس لا يبغى لها شرفا
…
بكسر شهوتها ينال ما طلبا
بذا يجرّ لها النّفع مجاهدها
…
فإن عصته رمى بسهمه عطبا
واجزم على اللهو نفسا طالما اضطربت
…
وبالسكون يكون الجزم خذ أدبا
وواضح أن ألقاب الإعراب تتوالى فى الأبيات، وهى الرفع والنصب والجر والجزم، وبالمثل تتوالى ألقاب البناء، وهى الضم والفتح والكسر والسكون. ونظم خليفة بن حسن القمارى الأجرومية فى قصيدة تسمى اللامية فى نظم الأجرومية فى النحو لابن آجروم الصنهاجى. ونلتقى بأحمد (2) البونى المولود سنة 1063 هـ/1653 م والمتوفى سنة 1140 هـ/1728 م وذكر له الحفناوى فى تعريف الخلف برجال السلف نحو ستين منظومة نقلها عن رسالته:«التعريف بما للفقير من التأليف» منها نظم السيرة المحمدية، ومما يتعلق بالقرآن الكريم نظم غريب القرآن فى تفسير ابن عباس، ونظم غريب العزيزى للقرآن العظيم المسمى تحفة الأريب بأشرف غريب، ونظم الخصائص الكبرى للسيوطى وأكبر الظن أنها شمائل رسول لله، ونظم تحفة الفكر لابن حجر، ونظم الفرائض (علم الميراث) فى رسالة ابن أبى زيد القيروانى، ونظم الوغليسية فى الفقه لعبد الرحمن الوغليسى المتوفى ببجاية سنة 786 هـ/1385 م ونظم مختصر الشيخ خليل بن إسحاق المصرى حامل لواء المذهب المالكى المتوفى سنة 769 هـ/1368 م فى عشرة آلاف بيت، ونظم كتابه الجامع فى ألف بيت ونظم الأجرومية فى تسعين بيتا، أما علم الكلام أو كما يسمى علم العقيدة فى الجزائر فكاد لا يترك فيه كلاما لإمام مشرقى أو مغربى إلا نظمه، فله نظم فى عقيدة الماتريدى والطحاوى والغزالى وعبد القادر الجيلانى وابن عربى وأبى الحسن الشاذلى والعز بن عبد السلام والتفتازانى والنسفى وابن الحاجب وعبد الكريم الفكون، ونظم العقيدة الوسطى والصغرى للسنوسى وعقيدة أبى مدين، وكاد لا يترك كلاما لإمام من الأئمة الماضين سنيين أو صوفيين إلا وضع فيه منظومة. وحرى بنا الآن أن نخص
عبد الرحمن الأخضرى
أحد أصحاب هذا الشعر التعليمى بكلمة.
عبد (3) الرحمن الأخضرى
ولد عبد الرحمن الأخضرى فى بنطيوس من قرى بسكرة فى الزاب حوالى سنة
(1) تعريف الخلف 2/ 448.
(2)
انظر فى ترجمته تعريف الخلف برجال السلف 2/ 522.
(3)
راجع ترجمته عند سعد الله 1/ 507 وما بعدها و 2/ 159، 417 وما بعدها.
1020 هـ/1611 م وبها حفظ القرآن الكريم، وبعد حفظه تتلمذ لشيوخها ولأبيه محمد وله حاشية على مختصر الشيخ خليل بن إسحاق المصرى فى الفقه المالكى. وبعد أن أخذ كل ما عند أبيه وأقرانه من فقه ولغة ارتحل إلى قسنطينة، فأكبّ على حلقات شيوخها، واستوعب كل ما أخذه عنهم من علوم أوائل وآداب تصوف وعلوم بلاغة ومنطق، وعاد إلى موطنه يدرس لطلابه كل ما فقهه وتمثله من علوم مختلفة، ويشيد مترجموه برسوخه فى المعقول والمنقول، وظل يرعى طلابه إلى أن توفى سنة 1053 هـ/1643 م. وشغف بنظم العلوم، فألّف مجموعة من المتون يتدارسها الطلاب والعلماء شرقا وغربا، منها فى الفلك منظومة السراج وقد شرحها سحنون بن عثمان معاصره، ومنها الدرة البيضاء فى الحساب وعلم الفرائض وجعلها فى ثلاثة أقسام: قسم خاص بالحساب، وقسم خاص بالفرائض (علم الميراث) وقسم خاص بقسمة التركات. وطبعت مع شرحها فى القاهرة ونصّ فى الطبعة على أن شرح قسم الفرائض من عمل المؤلف الأخضرى. وله فى التصوف منظومة سماها القدسية، وهى فى آداب السلوك ونكران البدع، وشرحها حسين الورتلانى المتوفى سنة 1210 هـ/1795 م وسمى شرحه الكواكب العرفانية والشوارق الإنسية فى شرح ألفاظ القدسية، ونظم الأخضرى تلخيص المفتاح فى علوم البلاغة للقزوينى وسمى منظومته الجوهر المكنون فى الثلاثة فنون: المعانى والبيان والبديع، وشرحها فى القاهرة الشيخ أحمد الدمنهورى فى القرن الماضى.
وأهم منظومات الأخضرى فى العلوم منظومته فى علم المنطق، وقد سماها:«السلم المرونق فى علم المنطق» وهى أرجوزة فى مائة وثلاثة وأربعين بيتا، ويقول فى آخرها أنه نظمها وهو فى الحادية والعشرين من عمره، وشرحها، وطارت شهرتها ووضعت عليها شروح كثيرة، ويستهلها بقوله:
الحمد لله الذى قد أخرجا
…
نتائج الفكر لأرباب الحجا
وحطّ عنهم من سماء العقل
…
كلّ حجاب من سحاب الجهل
حتى بدت لهم شموس المعرفه
…
رأوا مخدّراتها منكشفه
نحمده جلّ على الإنعام
…
بنعمة الإيمان والإسلام
من خصّنا بخير من قد أرسلا
…
وخير من حاز المقامات العلا
محمد سيّد كل مقتفى
…
العربى الهاشمى المصطفى
وقد بدأ أرجوزته بالحمد لله والثناء عليه. والحجا: العقل، وفى البيت الأول براعة استهلال إذ أشار بنتائج الفكر لأرباب العقل إلى موضوع الأرجوزة وهو علم المنطق، ومضى فى البيتين الثانى والثالث يكمل معنى البيت الأول بما رفع الله من الحجاب عن قلوب أولى الألباب حتى ظهرت لهم شموس المعرفة ورأوا مخدراتها وعرائسها المستورة منكشفة. ويحمد الله
على إنعامه بنعمة الإيمان والإسلام، وأن جعله من أمة محمد سيد المرسلين العربى القرشى المصطفى من بنى هاشم لرسالته العظمى. ويمضى فى هذه المقدمة قائلا إن المنطق زمام للعقل كما أن النحو زمام للسان، ويوزع الأرجوزة على فصول متوالية، وأولها فصل عن جواز الاشتغال بالمنطق كما قال الغزالى خلافا لابن الصلاح والنواوى، إذ به تصحّح الأفكار ويهتدى فيها إلى الصواب. ويضع عنوانا: أنواع العلم الحادث أى العلم الإنسانى لا العلم الربانى وينشد:
إدراك مفرد تصورا علم
…
ودرك نسبة بتصديق وسم
وقدّم الأول عند الوضع
…
لأنه مقدّم بالطّبع
والنظرى ما احتاج للتأمل
…
وعكسه هو الضرورىّ الجلى
وهو يقول إن العلم قسمان: إدراك مفرد ويسمى تصورا كإدراكنا معنى الحيوان أو الإنسان أو الإخلاص، وإدراك نسبة ويسمى تصديقا مثل «العالم حادث» فنسبة الحدوث إلى العالم تصديق وإدراك العالم فى نفسه وكذلك الحدوث تصور، فالتصور يسبق دائما التصديق على وجه الإثبات كما فى المثال السالف أو على وجه النفى كقولنا:«العالم غير حادث» . والتصديق إما جازم وهو التصديق اليقينى مثل «الشمس تطلع كل يوم» وهو حكم لا يتغير، وإما غير جازم مثل:«السماء تمطر غدا» وهو حكم يقارنه احتمال: ظن أووهم. والعلم الحادث قسمان: ضرورى ونظرى، والضرورى ما يدرك بداهة بلا تأمل كقولنا:«الكل أعظم من الجزء» و «الواحد نصف الاثنين» والنظرى ما يحتاج إلى نظر واستدلال كقولنا: «الأرض كروية» و «الصبر مفتاح الفرج» . ويجمل الأخضرى الدلالة الوضعية أو اللفظية بقوله:
دلالة اللفظ على ما وافقه
…
يدعونها دلالة المطابقه
وجزئه تضمنا وما لزم
…
فهو التزام إن بعقل التزم
وهو يقول إن الدلالة إما دلالة مطابقة كدلالة الحيوان المفترس على الأسد. وإما دلالة جزئية أى دلالة الجزء فى ضمن الكل كدلالة الأسد على الحيوان لأنه من أفراده. وإما دلالة التزام كدلالة العمى على البصر ودلالة الدخان على النار. ويوجز بيان الكل والكلية والجزء والجزئية فى فصل على هذا النمط:
الكلّ حكمنا على المجموع
…
ككل ذاك ليس ذا وقوع
وحيثما لكل فرد حكما
…
فإنه كلّية قد علما
والحكم للبعض هو الجزئيه
…
والجزء معرفته جليّه
وهو يذكر أن الكل هو المجموع المحكوم عليه كقولك «طلاب الجامعة مجتهدون،
ففيهم من ليس مجتهدا، والكلية الحكم الشامل لكل فرد فى المجموع كقولك:«كل إنسان قابل للعمل» . والجزئية الحكم على بعض الأفراد كقولك: «بعض طلاب الجامعة مجتهدون» والجزء ما تركب منه ومن غيره كالسمار والخيط للحصير والمبتدأ والخبر للجملة الاسمية. ويعقد فصلا للتعريفات والحدود قائلا:
معرّف إلى ثلاثة قسم
…
حدّ ورسمىّ ولفظىّ علم
فالحدّ بالجنس وفصل وقعا
…
والرسم بالجنس وخاصّة معا
وناقص الحدّ بفصل أو معا
…
جنس بعيد لا قريب وقعا
وناقص الرسم بخاصة فقط
…
أو مع جنس أبعدن قد ارتبط
وما بلفظىّ لديهم شهرا
…
تبديل لفظ برديف أشهرا
والأخضرى يقول إن التعريفات خمسة أقسام: حدّ تام وهو التعريف بالجنس والفصل وهو الصفة الملازمة التى لا يشترك فيها أحد مع المعرف مثل: «الإنسان حيوان ناطق» أى ذو عقل مفكر. والحد الناقص هو التعريف بالفصل وحده مثل ناطق أو بالفصل مع الجنس البعيد مثلى: «الإنسان جسم ناطق» . والرسم التام التعريف بالجنس القريب والخاصة وهى صفة غالبة غير ملازمة وقد تكون مشتركة كتعريف الإنسان بأنه حيوان ضاحك لأن من النسانيس والقردة ما قد يضحك. والرسم الناقص إما بالخاصة فقط مثل ضاحك أو مع جنس بعيد مثل الإنسان جسم ضاحك. والتعريف اللفظى أو باللفظ التعريف بالمرادف الأشهر مثل تعريف الغضنفر بأنه الأسد. وواضح مدى إحكام عبد الرحمن الأخضرى للتعبير عن مسائل علم المنطق وقواعده بمنتهى الوضوح ومنتهى الدقة فى الإيجاز والاختصار. وهو-بحق- يعد فى طليعة المجيدين لنظم العلوم لا فى الجزائر وحدها بل فى العالم العربى جميعه. وقد أكب كثيرون على شرح هذا المتن البديع فى علم المنطق فشرحه سعيد قدورة فى الجزائر وشرحه فى مصر الملوى شرحين كبيرا وصغيرا ووضع عليه حاشية الشيخ إبراهيم الباجورى سنة 1226 هـ/1816 م وطبعت مع تقرير عليها للشيخ محمد الإنبابى سنة 1297 هـ/1880 م. وشرحه الشيخ أحمد الدمنهورى وطبع شرحه مع شرح الناظم الأخضرى سنة 1314 هـ/1897 م وهى صورة من التواصل العلمى بين مصر والجزائر. ومرّ بنا أن الجزائر ظلت تعنى طويلا بكتابات ابن الحاجب وخليل بن إسحاق المصريين فى الفقه المالكى.