المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(أ) شعراء الزهد - تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف - جـ ١٠

[شوقي ضيف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة

- ‌1 - [الجزائر]

- ‌2 - [المغرب الأقصى]

- ‌3 - [موريتانيا]

- ‌4 - [السودان]

- ‌القسم الأولالجزائر

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌3 -الفتح والولاة-الأغالبة-الإباضية-تلمسان

- ‌(ب) الأغالبة

- ‌(ج) الإباضيون

- ‌(د) تلمسان

- ‌4 -الدولة العبيدية-الدولة الصنهاجية-بنو حماد

- ‌(أ) الدولة العبيدية

- ‌(ج) بنو حماد

- ‌5 -دولة الموحدين-الدولة الحفصية-بنو عبد الواد

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع الجزائرى

- ‌2 -المعيشة

- ‌(أ) الثراء

- ‌(ب) الرّفة

- ‌(ج) الموسيقى

- ‌4 -الدين-المالكية والحنفية-الإباضية-المعتزلة

- ‌(أ) الدين

- ‌(د) المعتزلة

- ‌الفصل الثالثالثقافة

- ‌1 -الحركة العلمية

- ‌(أ) فاتحون ناشرون للإسلام ومعلمون

- ‌(ب) دور العلم:‌‌ الكتاتيب-‌‌المساجد-المدارس-الزوايا-المكتبات

- ‌ الكتاتيب

- ‌المساجد

- ‌المدارس

- ‌الزوايا

- ‌المكتبات

- ‌(ج) نمو الحركة العلمية

- ‌5 -التاريخ

- ‌الفصل الرّابعنشاط الشعر والشعراء

- ‌2 -كثرة الشعراء

- ‌3 -شعراء المديح

- ‌ عبد الكريم النهشلى

- ‌ ابن خميس

- ‌ الشهاب بن الخلوف

- ‌ محمد القوجيلى

- ‌4 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) شعراء الفخر

- ‌(ب) شعراء الهجاء

- ‌ بكر بن حماد التاهرتى

- ‌ سعيد المنداسى

- ‌5 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌ عبد الرحمن الأخضرى

- ‌الفصل الخامسطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ ابن على

- ‌2 -شعراء وصف الطبيعة

- ‌ عبد الله بن محمد الجراوى

- ‌3 -شعراء الرثاء

- ‌4 -شعراء الزهد والتصوف

- ‌(أ) شعراء الزهد

- ‌(ب) شعراء التصوف

- ‌ إبراهيم التازى

- ‌5 -شعراء المدائح النبوية

- ‌الفصل السّادسالنثر وكتّابه

- ‌1 -الخطب والوصايا

- ‌2 -الرسائل الديوانية

- ‌3 -الرسائل الشخصية

- ‌4 -المقامات

- ‌5 -كبار الكتاب

- ‌[(ب)] الوهرانى

- ‌القسم الثانىالمغرب الأقصى

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌3 -الفتح والولاة-ثورة الصفرية-بنو مدرار-الأدارسة-بعد الأدارسة والمدراريين

- ‌(ب) ثورة الصفرية

- ‌(د) الأدارسة

- ‌4 -المرابطون-الموحدون-بنومرين

- ‌(أ) المرابطون

- ‌(ب) الموحدون

- ‌5 -السعديون-الطرق الصوفية-العلويون

- ‌(أ) السعديون

- ‌(ج) العلويون

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع المغربى

- ‌1 -عناصر السكان

- ‌2 -المعيشة

- ‌3 -الثراء-الرّفة-الموسيقى-المرأة

- ‌(أ) الثراء

- ‌(ب) الرّفة

- ‌(ج) الموسيقى

- ‌(د) المرأة

- ‌4 -المالكية-الصفرية-المعتزلة-الظاهرية

- ‌(أ) المالكية

- ‌(ب) الصفرية

- ‌(ج) المعتزلة

- ‌(د) الظاهرية

- ‌5 -الزهاد-المتصوفة

- ‌(أ) الزهاد

- ‌(ب) المتصوفة

- ‌الفصل الثالثالثقافة

- ‌1 -الحركة العلمية

- ‌(أ) فاتحون ناشرون للإسلام ومعلمون

- ‌ الكتاتيب

- ‌(ب) دور العلم: الكتاتيب-المساجد-المدارس-الزوايا-المكتبات

- ‌المساجد

- ‌المدارس

- ‌الزوايا

- ‌المكتبات

- ‌(ج) نمو الحركة العلمية

- ‌2 -علوم الأوائل

- ‌3 -علوم اللغة والنحو والعروض والبلاغة

- ‌5 -التاريخ

- ‌الفصل الرّابعنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 -تعرب المغرب الأقصى-كثرة الشعراء

- ‌(أ) تعرب المغرب الأقصى

- ‌(ب) كثرة الشعراء

- ‌2 -شعراء الموشحات والأزجال

- ‌(أ) شعراء الموشحات

- ‌ ابن غرلة

- ‌ ابن الصباغ

- ‌ ابن زاكور

- ‌(ب) شعراء الأزجال

- ‌ابن عمير

- ‌3 -شعراء المديح

- ‌ ابن زنباع

- ‌ ابن حبوس

- ‌الجراوى

- ‌ ابن عبد المنان

- ‌الهوزالى

- ‌الدغوغى

- ‌البوعنانى

- ‌4 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) الفخر

- ‌ الشاذلى

- ‌(ب) الهجاء

- ‌5 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌ عبد العزيز الملزوزى

- ‌ابن الونان

- ‌الفصل الخامسطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ أبو الربيع الموحدى

- ‌ عمر السلمى

- ‌2 -شعراء الوصف

- ‌3 -شعراء الرثاء

- ‌ ابن شعيب الجزنائى

- ‌4 -شعراء الزهد والتصوف

- ‌(أ) شعراء الزهد

- ‌(ب) شعراء التصوف

- ‌ ابن المحلى

- ‌5 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ميمون بن خبازة

- ‌ مالك بن المرحل

- ‌الفصل السادسالنثر وكتّابه

- ‌1 -الخطب والمواعظ

- ‌2 -الرسائل الديوانية

- ‌3 -الرسائل الشخصية

- ‌4 -المقامات والرحلات

- ‌(أ) المقامات

- ‌(ب) الرحلات

- ‌ رحلة ابن رشيد

- ‌ رحلة العياشى

- ‌ رحلة ابن ناصر

- ‌5 -كبار الكتّاب

- ‌(أ) القاضى عياض

- ‌القسم الثالثموريتانيا

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌2 -التاريخ

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع والثقافة

- ‌1 -المجتمع

- ‌(أ) صنهاجة وقبائل المعقل العربية

- ‌(ب) الزروع والمراعى

- ‌(ج) التجارة

- ‌(د) حياة يدوية

- ‌2 -الثقافة

- ‌(أ) نشاط دينى تعليمى كبير

- ‌(ب) التعليم والطلاب والشيوخ

- ‌(ج) أمهات الكتب والمتون والشروح المتداولة

- ‌(د) أعلام العلماء فى موريتانيا

- ‌(هـ) القراء والمفسرون والمحدثون والفقهاء

- ‌(و) أعلام النحاة والمتكلمين

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 -تعرّب موريتانيا

- ‌2 -شعراء المديح

- ‌ ابن رازكة

- ‌3 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) شعراء الفخر

- ‌ المختار بن بون

- ‌(ب) شعراء الهجاء

- ‌4 -شعراء الرثاء

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ الأحول الحسنى

- ‌ يقوى الفاضلى

- ‌2 -شعراء التصوف

- ‌ المختار الكنتى

- ‌الشيخ سيديّا

- ‌3 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ محمد بن محمد العلوى

- ‌4 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌القسم الرابعالسودان

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌2 -التاريخ

- ‌3 -(ج) دولة الفونج

- ‌4 -محمد على والسودان-عهد إسماعيل

- ‌5 -حركة المهدى-خليفته عبد الله التعايشى

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع السودانى-الثقافة

- ‌(أ) نزعة صوفية عامة

- ‌(ب) المرأة ومكانتها فى التصوف

- ‌(ج) التصوف والتربية الخلقية والدينية

- ‌(د) طرق صوفية جديدة

- ‌(هـ) دعوة المهدى ومبادئها الستة

- ‌2 -الثقافة

- ‌(أ) كتاتيب-زوايا-مساجد

- ‌(ب) حركة علمية نشيطة فى عهد الفونج

- ‌(ج) سودانيون أزهريون وعلماء مصريون

- ‌(د) التعليم المدنى الحديث وتوقفه

- ‌(هـ) إنشاء معهد دينى وعودة التعليم المدنى الحديث

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌2 -شعراء المديح

- ‌ الشيخ حسين زهراء

- ‌ الشيخ محمد عمر البناء

- ‌3 -شعراء الفخر والحماسة

- ‌ الشيخ يحيى السلاوى السودانى

- ‌ عثمان هاشم

- ‌4 -شعراء الرثاء

- ‌(أ) رثاء الأفراد

- ‌ الشيخ محمد سعيد العباسى

- ‌(ب) رثاء المدن

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل العفيف

- ‌2 -شعراء النقد العنيف والشكوى من الزمن

- ‌الشيخ عبد الله البناء

- ‌ صالح عبد القادر

- ‌3 -شعراء التصوف

- ‌4 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ الشيخ عمر الأزهرى

- ‌ الشيخ عبد الله عبد الرحمن

الفصل: ‌(أ) شعراء الزهد

ولا يضق صدره بما يسمع من الألفاظ القبيحة. وأعظم ما يدخره الإنسان لنفسه تقوى الله، إذ يحمد الناس تقواه ويؤجر عليها خير أجر، ويقول إن الغنى الحقيقى هو الغنى بحمد الله لا الغنى بالفضة والذهب. وإنما سقنا بعض أبيات من هذه القصيدة، وهى تشهد لصاحبها ببراعة فائقة فى الشعر ونظمه.

‌4 -

شعراء الزهد والتصوف

(أ) شعراء الزهد

الزهد أساس كبير فى الدين الحنيف، وزاهد الأمة الأول الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ عاش عيشة تقشف وزهد فى متاع الحياة الدنيا، وتبعه فى هذه المعيشة كثيرون من الصحابة، وهم مع ذلك يكسبون ما يعولهم هم وأسرهم، حتى لا يكونوا عالة وعبئا على المجتمع. وأخذ كثيرون من التابعين يؤثرون هذا الزهد وما يتبعه من التقشف. وكان-ولا يزال-مما أضرم جذوته وعظ الوعاظ الكثيرين الذين لم يخل منهم بلد إسلامى، فهم ينذرون ويخوّفون من عذاب الجحيم، ويبشرون الأتقياء والصالحين بأن لهم عند ربهم الفردوس جزاء لرفضهم المتاع الدنيوى وإقبالهم على العبادة والنسك ابتغاء لما عند الله من الثواب والرضوان الأكبر.

والمغرب الأقصى مثله مثل البلاد الإسلامية كثر فيه الزهاد والعبّاد، وكان مما عمل على كثرة الزهاد فيه والنساك الجبال الكثيرة التى كانت تتيح لهم العزلة عن الناس للعبادة كما تتيح لهم كثيرا من الثمار التى يقتاتون بها، ويحدثنا الحسن الوزان عن كثيرين منهم، رآهم منهمكين فى العبادة لربهم على رءوس الجبال كالجبل (1) الأخضر قرب آزمور، ورأى فى قلعة أغمات ناسكا ومعه مائة من تلاميذه، ويقول إنه نزل بضيافته ثمانية أيام. وأيضا مما ساعد على كثرة الزهاد هناك كثرة الملاجئ للعبادة، تبنيها لهم الدول المختلفة، مع كثرة ما كانت تبنى لهم من الزوايا، ومع كثرة ما كانت تبنى من مؤسسات المدارس ملحقة بها مبانى للشيوخ والطلاب وتكفيهم مئونتهم، فكان كثيرون منهم يتحولون زهاد ونساكا.

وذكرنا فى حديثنا عن الزهد فى فصل المجتمع المغربى أسماء طائفة من الزهاد الأولين قبل عصر المرابطين، وفيه وبعده. ويهمنا الآن أن نعرض لشعرائهم، وربما كان أهمهم فى عصر المرابطين السلالجى عبد الله بن عثمان المتوفى-كما فى روض القرطاس-سنة 564 للهجرة وهو إمام أهل المغرب فى علوم الاعتقاد، وأنشد له صاحب الوافى هذه الأبيات (2):

(1) وصف إفريقيا للوزان ص 169.

(2)

الوافى 1/ 315.

ص: 462

إذا العلم لا تغشى غرائبه قلبى

ولا شاقنى منه إلى المنهل العذب

ولا أنا ممن جاوز الدّرب ناهضا

إليه، ولا أرضى مقامى من ربىّ

ولا كان حظى منه إلا حكاية

على الناس أتلوها فحسبى إذن حسبى

ولا ترض بالحظّ الخسيس سفاهة

فمثلك من قد حلّ فى المنزل الرّحب

تجافوا عن الدار التى أصبحوا بها

على غربة واستوطنوا حضرة القرب

وإن كان لا ينجيك إلا ركوبها

فماذا التجافى عن مجاورة الرّبّ

وهو يقول إن العلم الذى يلوكه لطلابه من الفقه وغير الفقه لا يتغلغل فى قلبه ولا يدفعه إلى منهل النسك العذب، ويقول إننى بعيد عن درب النساك وإنه لا يرضى مقامه من ربه وما العلم الذى يلقيه الشيوخ على الطلاب إلا روايات عن الأسلاف، فلا ترض بهذا العلم وحده واطلب العلم-أو بعبارة أدق-النسك الذى يحياه العباد النساك الذين انصرفوا عن الدار الأولى: الدنيا إلى حضرة القرب من الرب. ولعل فى هذه الأبيات ما يدل على أن حركة الزهد فى المغرب الأقصى كانت إرهاصا لما سيشيع فيه من الحركة الصوفية. وممن كان ينزع إلى الزهد فى عصر المرابطين القاضى عياض، وله يقول مبتهلا إلى ربه (1):

إليك بؤت بذنبى

فاغفر خطاياى ربّى

وامنن علىّ بلطف

تجبر به صدع قلبى

فقد ركبت ذنوبا

سوّدت منهنّ كتبى

وجئت أطلب توبا

إذ ضاق بالذنب رحبى

فاقبل بفضلك توبى

واغفر برحماك ذنبى

وعافنى واعف عنّى

فأنت يا ربّ حسبى

وهو يعترف لربه بأنه يرجع إليه مذنبا آملا فى أن يغفر له خطاياه، إنه غفار الذنوب، ويدعو أن يمنّ عليه بلطفه المعهود حتى يجبر به ما حدث فى قلبه من صدع، فقد ارتكب ذنوبا كثيرة، سوّدت كتبه التى سيتلقاها يوم القيامة. ويقول إنه جاء ضارعا إلى ربه يطلب منه أن يقبل توبته، ويغفر ذنبه برحماه، فهو أرحم الراحمين. ويسأله العافية والعفو عنه، فإنه ربه قابل التوب وغافر الذنب. ونمضى إلى عصر الموحدين، ونقرأ عند القاضى عمر الفاسى المار ذكره فى الغزلين (2):

أيّها المغتر بالزمن

فى هواه خالع الرّسن

حبّك الدنيا وزينتها

فتنة عمّتك بالفتن

ظلت والحالة شاهدة

عاكفا منها على وثن

(1) التعريف بالقاضى عياض ص 97.

(2)

الوافى 1/ 179.

ص: 463

فاهجرنها إن زينتها

زينة شانت ولم تزن

خدعتنا إنها قبحت

باطنا فى ظاهر حسن

ولتقدّم ما تسرّ به

قبل طول البثّ والحزن

فكأن أخراك ما برحت

وكأن دنياك لم تكن

وهو يخاطب الذى غره الزمن وغرته الأيام، فأكبّ-غير مرعو ولا مزدجر-على اللهو والمجون خالع الرسن، والكلمة كناية عن إكبابه عليهما، ويقول له إن حبك الدنيا ومتاعها وزينتها وكل ما يعجبك فيها فتنة أصابتك بما لا يحصى من فتن الدنيا، ويذكر له أنه ظل عاكفا على الدنيا عكوف عابد الوثن عليه، وينصحه أن يهجرها وأن لا تغرّه زينتها، فهى زينة قبيحة تشين صاحبها، وقد خدعنا ظاهرها البرّاق، وهى فى غاية القبح، وإن واجبك أن تقدم إلى ربك ما تسرّ به فى المستقبل لا ما يحزنك ويملؤك هما فى آخرتك، فتلاف شأنك قبل مبارحتك دنياك إلى الدار الآخرة. ويقول أبو الربيع الموحدى المترجم له بين الغزلين يخاطب نفسه (1):

يا نفس حسبك ما فرّطت فازدجرى

عن الذنوب فإن القبر مثواك

خافى الإله لما قدّمت من زلل

واعصى هواك فإن الله يرعاك

إنّ الهوى قلما تجدى هوادته

وهو الذى عن سبيل الرشد أقصاك

لشدّ ما تعلمين الفرق بينهما

ما كان أحراك بالأجدى وأولاك

إلى م تلهين عن قولى مغالطة

وتوقنين بأنى غير أفّاك (2)

أصغى إلى فما فى الأرض من أحد

ألقى إليه صريح النّصح إلاّك

توبى إلى الله إن الله يقبلها

واسعى بجهدك فى تحسين عقباك

وهو يقول لنفسه: يكفيك ما فرّطت من الذنوب، وينبغى أن تقلعى عنها فإن مثواك الأخير القبر، وخافى ربك لما قدمت من عثرات، واعصى هواك فإن الله يراقبك ويعلم ما ارتكبت من الخطيئات، وإياك وطاعة هواك لما يقدم لك من متاع، فإنه هو الذى أضلك وأبعدك عن طريق الرشاد، وما أعظم الفرق بين الضلال والهدى، وما أحراك أن تتمسكى بالهدى، وحتى متى لا تسمعين لنصحى وأنى لا أكذبك، إنه جدير بك أن تصغى إلىّ وإلى نصحى، فإنك أقرب شئ إلىّ وليس فى الأرض من أسدى إليه النصح سواك، فتوبى إلى الله توبة حقة حتى يقبلها منك، واعملى بجهدك على أن تحسنى عقباك وترضى ربك. ومن كبار الزهاد عمر بن محمد القيسى المراكشى الفاسى الأصل المتوفى سنة 626 للهجرة وكان أديبا

(1) الوافى 1/ 249.

(2)

أفاك: كذّاب.

ص: 464

بارع الكتابة طيب النفس نفاعا بجاهه وذات يده، وكان شاعرا مجيدا، وجمع دفترا فيما نظم فى التهجد وقيام الليل أجاد فيه الاختيار، ومن نظمه فيه قوله (1):

ذهب الظلام وأنت جذع راقد

وأتى الصباح وأنت صخر جامد

وخلت على الإظلام منك مناسك

وخلت على الإصباح منك مساجد

وأولو التهجّد ليلهم ما منهم

لله إلا راكع أو ساجد

وهجعت-يا مغرور-ليلك كلّه

وعليك من عين الإله شواهد

فانظر لنفسك قبل حين مماتها

إن الممات على البريّة وافد

وتذكّر السّفر البعيد وطوله

من غير زاد والمجال فدافد (2)

واذكر نشورك بعد موتك فجأة

وصحائف الأعمال منك تشاهد (3)

وهو يهيب بالغافل عن نسك التهجد أن يقوم شطرا من الليل مصليا لربه مسبحا له ذاكرا، ويقول له إنك تنام طوال الليل كجذع راقد ممدود حتى الصباح، وكأنك صخر جامد لا حس ولا حركة، وتلك المناسك: مناسك التهجد خالية منك مساء، وتلك المساجد خالية منك صباحا، وأصحاب التهجد يحيون ليلهم بالركوع والسجود لربهم بينما أنت هاجع فى فراشك أيها المغرور المذموم، وإنه لحرىّ بك أن تنظر لنفسك وتتعهدها بالتقوى قبل مماتك، إذ كل من عليها فان، وتذكر سفرك البعيد إلى يوم القيامة ورحلتك فيه دون زاد، فى مجال مقفر: واذكر بعثك بعد موتك وعرض صحائف أعمالك على ربك العلى القدير. وكان يعاصره وتوفى بعده بعام واحد عام 627 للهجرة ابن الزيات يوسف بن يحيى التادلى صاحب أول كتاب تحدث عن زهاد المغرب الأقصى ومتصوفته وهو كتاب «التشوف لمعرفة أهل التصوف» وقد اتسع فى تصوره لأهل التصوف، إذ جعل كتابه-كما يقول فى مقدمته «يشتمل على أضراب من أفاضل العلماء والفقهاء والعباد والزهاد والورعين وغير ذلك من ضروب أهل الفضل» مما جعل تراجم الكتاب تتسع لتشمل الزهاد والمتصوفة وأهل الصلاح من العلماء والفقهاء، وبذلك نفهم كثرة التراجم فيه، إذ بلغوا كما يقول مائتين وسبعة وسبعين شخصا، ويقول إنه سيخصه بمراكش وأعمالها، غير أنه حين مضى فيه رأى أن يضم فيه كثيرين من بلدان المغرب المختلفة. والكتاب مهم لأنه يعطى صورة واضحة عن أوائل زهاد المغرب ومتصوفته حتى نهاية القرن السادس الهجرى مثل من سميناهم فى حديثنا عن الزهد فى المجتمع المغربى، مثل أبى الحسن بن حرزهم وأبى يعزى بلنور بن ميمون، ويذكر بعض أشعارهم كهذه الأبيات التى ذكرها لابن تاخميست المتوفى سنة 608 للهجرة.

(1) الذيل والتكملة لابن عبد الملك المراكشى 8/ 1/236.

(2)

فدافد جمع فدفد: الفلاة.

(3)

نشورك: بعثك.

ص: 465

ولما ركبت البحر نحوك قاصدا

ولم أر غير الله مالا ولا أهلا

دعوتك بالإخلاص والموج طامح

بصدق وداد لم يكن قبل معتلاّ

أيا منقذ الغرقى ويا ملهم التّقى

ويا صمدا يبقى إذا أذهب الكلاّ

لوجهك ذلّ البرّ والبحر خاضع

وحقّ لهذا الخلق أن يألف الذلا

وهو يبتهل لربه ذاكرا أنه حين ركب البحر أسلم نفسه له ولم يعد يذكر أهلا ولا مالا سواه، وحين هاج البحر وهاجت أمواجه دعا ربه مخلصا صادق الوداد أن ينجيه ضارعا إليه قائلا: يا منقذ الغرقى ليس سواك ينجى يا ملهم المتقين تقواهم، ويا مقصودا يبقى بعد أن يفنى كل من على الأرض، لوجهك يا ذا الجلال ذلت الأرض وخضع البحر، وحق للناس أن يتذللوا لك تذللا ما بعده تذلل فأنت المنجى والمنقذ ومغيث المستغيثين.

ونلتقى فى أواخر القرن السابع بعبد الحق بن إسماعيل وكتابه عن صلحاء منطقة الريف المحاذية للبحر المتوسط شمالى المغرب الأقصى، وكأن كتابه عنهم يكمل كتاب التشوف لمعرفة أهل التصوف الذى عنى-فى الأعم الأغلب-بمنطقة مراكش كما أسلفنا، وقد جعله فى ثلاثة أقسام قسم عن المقامات الصوفية، وقسم عن الخضر عليه السلام، وقسم عرّف فيه بصلحاء الريف، وهم عنده ستة وأربعون ترجم لهم، وأتبع كل شيخ بأبيات يصف فبها زهده أو تصوفه، ومن قوله فى ترجمة سعيد المسطاسى يصف زهده وزهد أمثاله (1):

زهدوا يريدون النجاة وأصبحوا

وطعامهم فى الأرض نبت يابس

مالوا عن الشهوات فى الدنيا فما

لهم سوى التوفيق شئ حابس

فجنانهم من كلّ سهو سالم

ولسانهم عن كل عيب نابس

فهم قد زهدوا فى الدنيا ومتاعها يريدون النجاة فى الآخرة من عذاب النار، وطعامهم مما تنبت الأرض من النباتات، لا يفكرون فى لحوم ولا فى طعام مطبوخ، فحسبهم ما يجدونه على وجه الأرض من النّبات، وقد رفضوا الشهوات جميعا فى دنياهم، ولا شئ يحبسهم سوى عبادة ربهم، وأذهانهم بريئة من كل سهو ولسانهم لا ينبس بعيب. وبجانب هذه المقطوعة من نظم عبد الحق بن إسماعيل مقطوعات تبدو فيها الروح الصوفية سنعود إليها فى حديثنا عن التصوف ويلقانا أبو العباس الشريف السبتى المتوفى سنة 776 للهجرة وقوله فى ثقته بربه (2):

وثقت بالله ربّى

وحسبى الله حسبى

والله كاف وواق

دافع كلّ خطب

ولست أخشى إذا ما

وثقت بالله ربى

بلغت فيها مرادى

مهنّأ مع صحبى

(1) الوافى 2/ 506.

(2)

الوافى 2/ 484.

ص: 466

وهو يقول إنه وثق بالله ربه، وحسبه هذه الثقة فليس فوقها ولا بعدها ثقة والله كافينى وحامينى وواقينى ودافع عنى كل خطب وكل بلاء أتعرض له، ولذا لا أخشى أحدا ولا أخشى شيئا، فقد وثقت بالله ثقة لا حدّ لها، ثقة بلغت فيها كل مرادى وكل ما أؤمله فى حياتى، مما يحق لى أن أهنّا بها مع صحبى الذين يثقون فى ربهم. ونلتقى بأبى عبد الله محمد بن عبد الرحمن المعروف بابن يجيش المتوفى سنة 920 للهجرة، وله فى معارضة قصيدة ابن النحوى المذكور فى تونس (1):

اشتدّى أزمة تنفرجى

قد أبدل ضيقك بالفرج

مهما اشتدت بك نازلة

فاصبر فعسى التفريج يجى

مولاك ارغب فإجابته

للمضطرين على درج

وألحّ عليه بمسألة

فهو الجواد فسل وهج

أخلص فيما تدعوه وقل

يسّر عسرى وأزل حرجى

لا حيلة لى لا قوّة لى

إلا بك يا محيى المهج

وهو مؤمل فى رأيه ولا ييأس أبدا، ولذلك يقول أيتها الأزمة المارة بى اشتدى ومهما اشتددت فلا بد من الفرج وانحسارك عنى، ويتجه إلى قارئه، فمهما اشتد بك خطب أو حادثة فادحة فلتصبر فعسى الفرج يأتيك سريعا. واقصد مولاك بالسؤال أن يلطف بك فإجابته للمضطرين قريبة المنال، ولتدعه ولتلح عليه فى الدعاء، إذ هو الكريم الذى لا حد لكرمه، فسله وكرر السؤال، فإنه يجيب المضطر إذا دعاه، وأخلص فى دعائك والزلفى إليه، وقل رب يسّر عسرى وأزل ما أنا فيه من حرج وضيق واكشف غمتى، إنه لا حيلة لى ولا قدرة إلا بك يا محيى المهج والأرواح ومغيث المضطرين المكروبين. ويقول أحمد دادوش مناجيا ربه (2):

تستر العيب تغفر الذنب تعطى

تمنع العبد، كلّ حكمك عدل

تجبر الكسر تبدل العسر يسرا

تكشف الضرّ كلّ ذلك بذل

لم تزل محسنا غنيّا كريما

أنت هو الخالق المعزّ المذلّ

فقراء وأغنياء على البا

ب وقوف لهم خضوع وذلّ

وهو يذكر لله صفاته الربانية، فهو يستر العيب ويغفر الذنب ويعطى من غير حساب ويمنع لا رادّ له، وكل أفعاله عدل مطلق، إنه يجبر الكسر الذى لا يمكن جبره، ويبدل العسر يسرا ويكشف الضر، وكل ذلك كرم ليس وراءه كرم، وسبحانك ما أعظم شأنك لم

(1) الوافى 2/ 605.

(2)

الوافى 3/ 835.

ص: 467