الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأطلال والآثار الرومانية كثيرة فى مدن الجزائر الداخلية. وأرهق الرومان الجزائريين طوال حكمهم بصور شتّى من العسف والظلم والضرائب الفادحة مع نهب طيبات الأرض من الحبوب والزيتون. ولما اعتنقت روما الديانة المسيحية واتخذتها دينها الرسمى أخذت فى نشرها بإمبراطوريتها والجزائر، وساعد على انتشارها فيها الجاليات والأسر الرومانية التى استوطنت المدن الجزائرية، فبنيت الكنائس والأسقفيات فى غير مدينة لا فى المدن الساحلية فحسب، بل أيضا فى المدن الداخلية مثل قالمة جنوبى عنابة (بونة قديما) وبها آثار رومانية، ومثل بسكرة وكان بها أسقفية، واشتهر فى تلك المدن بعض القديسيين مثل أو غسطين قديس بونة فى القرن الرابع الميلادى، ويعدّ بمواعظه ومؤلفاته من أكبر آباء الكنيسة ووعاظها البارعين. ومع نهاية العقد الثالث للقرن الخامس الميلادى تكتسح البلاد موجات الوندال التى قضت على الدولة الرومانية الغربية، وتظل نحو مائة عام تخرب فى الجزائر وتدمر كل ما أسسه بها الفينيقيون والرومان من منشئات العمران والحضارة إلى أن خلصتها منهم الدولة البيزنطية سنة 534 للميلاد على يد القائد البيزنطى المشهور بليزير، وأصبحت الجزائر-من حينئذ-تابعة لتلك الدولة، ولم تحاول أن تنشر بها لغتها اليونانية على نحو ما نشر بها الرومان لغتهم اللاتينية وظلت هى المسيطرة فى البلاد طوال العهد البيزنطى. وكان عهدهم لا يقل عسفا وظلما عن عهد الوندال ومن قبلهم الرومان، وكانوا يحكمون الجزائر بولاة تابعين لحاكم قرطاجة الكبير الملقب بالبطريق، وكان اسمه بأخرة من عهدهم جريجوريوس، وسماه العرب جرجير، وحين رأى ضعف الدولة البيزنطية واستيلاء العرب منها على أكبر درّتين فى تاجها: الشأم ومصر صمّم على الاستقلال عنها بما تحت يده من إفريقية التونسية والجزائر وقامت خصومة عنيفة بينه وبين الدولة البيزنطية وخلع طاعتها وضرب الدنانير باسمه.
3 -
الفتح والولاة-الأغالبة-الإباضية-تلمسان
(أ) الفتح (1) والولاة
بينما جريحوريوس غارق فى حلمه بتكوين دولة له مستقلة فى البلاد المغربية إذا عمرو بن العاص والى مصر لعمر بن الخطاب يقدم على رأس جيش عربى مجاهد فى سبيل الله لتعقب الروم فى برقة وديار المغرب تأمينا لحدود مصر فى أواخر سنة 21 للهجرة، وسرعان ما يستولى على برقة وزويلة حاضرة فزان سنة 22 هـ/642 م وبعد أن رتب شئون الحكم فيهما تقدم غربا
(1) انظر فى الفتح والولاة: فتوح مصر والمغرب لابن عبد الحكم والكامل فى التاريخ لابن الأثير، والبيان المغرب لابن عذارى، وتاريخ ابن خلدون، وفتوح البلدان للبلاذرى ومقدمات كتاب رياض النفوس للمالكى، والجزء الثانى من تاريخ المغرب الكبير لمحمد على دبوز وتاريخ الجزائر فى القديم والحديث لمبارك بن محمد الميلى.
ففتح طرابلس سنة 23 هـ/643 م. ويعود عمرو إلى مصر ويتوفى الخليفة عمر ويخلفه عثمان فيولى على مصر عبد الله بن سعد بن أبى سرح ويستأذن عثمان فى غزو إفريقية التونسية، واذن له، وانضم إلى جيشه بعض أبناء كبار الصحابة، ودق الجيش أبواب إفريقية التونسية سنة 27 هـ/647 م واستولى على مدينة قابس. وكان جريجوريوس قد عرف أن العرب لا بد أن يغزوا دياره وكان قد ترك عاصمته قرطاجة واحتمى بحصن أنشأه الروم فى الداخل جنوبى القيروان يسمى سبيطلة خوفا من أن يهاجمه بقرطاجة أسطول الروم، وجمع إليه جيشا ضخما من الروم وغيرهم استعدادا لمنازلة العرب وسرعان ما أداروا معه معركة حامية، ودارت عليه وعلى جيشه الدوائر وقتل فى المعركة، قتله عبد الله بن الزبير، وكانت معركة حاسمة، قضت على الروم فى إفريقية التونسية وفتحت بلدانها أبوابها للجيش العربى إلا ما كان من قرطاجة فقد ظلت بها حامية رومية، ورجع ابن أبى سرح إلى مصر وترك عليها نافع بن عبد القيس الفهرى، ويولى عليها عثمان سنة 34 للهجرة معاوية بن حديج، ويبدو أنه عاد منها أيام فتنة عثمان، وأعاده إليها معاوية بن أبى سفيان، فنازل الروم فى بنزرت وركبوا البحر فارّين، وولاها بعده معاوية عقبة بن نافع سنة 50 هـ/671 م وكان قد شهد فتح برقة وطرابلس وقابس والديار التونسية، وكان قائدا حربيّا ممتازا بعيد النظر، فرأى أن يتخذ لجيشه العربى مدينة تكون مستقرا له ودارا لا يبرحها، وأخذ توا فى بناء مدينة القيروان أى المعسكر وأتمها سنة 55 هـ /676 م وبنى بها المسجد الجامع ودار الإمارة ودورا لقواده وجنوده، وبنى حولها سورا منيعا، وأصبحت عاصمة للمغرب. غير أنه لم يلبث أن عزل وولى المغرب بعده أو بعبارة أدق إفريقية التونسية أبو المهاجر، وصمم على فتح نوميديا أو القسم الشرقى من الجزائر، وتقدم فيه بجيشه حتى بجاية، وواصل سيره إلى موريتانيا الشرقية حتى تلمسان، وهو ينشر الإسلام، وسكان الجزائر يقبلون عليه.
ومضى يتغلغل فيها وكانت الزعامة بها حينئذ لقبيلة أوربة ورئيسها كسيلة، وكان قد جمع الجموع من البربر والروم، والتقى به أبو المهاجر فى تلمسان ودارت بينهما معركة حامية الوطيس انهزم فيها جيش كسيلة، ووقع فى الأسر، فعامله أبو المهاجر معاملة كريمة جعلته يعتنق الإسلام، وأخذت أفواج من قبيلته الكبيرة تدخل فيه. وعزل أبو المهاجر سنة 62 هـ/683 م وتولّى مكانه عقبة بن نافع، وكان قائدا حربيا باسلا، غير أنه لم يكن سيوسا، فأساء إلى كسيلة مما جعله يصرّ على الانتقام منه، واستخلف عقبة على القيروان زهير بن قيس البلوى وخرج إلى الجهاد فى سبيل الله، فاقتحم بلاد الزاب فى وسط الجزائر يحالفه النصر، ومضى يفتح بقية الجزائر والمغرب الأقصى حتى طنجة قاعدته، وفتح السوس الأدنى والأقصى واتجه إلى المحيط فبلّ قوائم فرسه منه، ونادى ربه قائلا:«اللهم إنّي أشهدك أنى وصلت براية الإسلام إلى آخر المعمورة حتى لا يعبد أحد سواك» وفى عودته رصده كسيلة وقومه، حتى
إذا تقدم جيشه وبقى فى جمع قليل حاصره واستشهد البطل المغوار هو ومن معه سنة 63 هـ. ومضى كسيلة بجموعه حتى استولى على القيروان ونصب نفسه ملكا على البلاد، وتراجع زهير بن قيس إلى برقة منتظرا لمدد ضخم، وكان قد توفى يزيد بن معاوية واضطربت الأمور حتى إذا أصبح زمام الخلافة بيد عبد الملك بن مروان أرسل إليه جيشا وولاه على المغرب سنة 69 هـ/690 م وواقع كسيلة، وأنزل الله نصره عليه وعلى المسلمين وقتل فى الواقعة كسيلة المرتد الباغى الأثيم. ورأى زهير بعد هذا النصر العظيم أن يعود إلى المشرق، وبينما هو فى نفر قليل من أصحابه عند برقة-وقيل عند طرابلس-إذ هو يرى بعض سفن للروم وهم يسوقون أمامهم بعض المسلمين فنازلهم وكتبت له عند ربه الشهادة.
وفى سنة 71 يرسل عبد الملك بن مروان إلى المغرب حسان بن النعمان أحد ولاة القيروان العظام فى القرن الأول الهجرى ورأى فى بدء حكمه بثاقب بصيرته أن البلاد لن تهدأ ما دامت قرطاجة لم تستسلم وما دامت بها الجالية الرومية الكبيرة التى تنزلها، والتى تتجسس منها لحساب بيزنطة والتى تعيث وتفسد فى البلاد موغرة صدور البربر على العرب بكل وسيلة، فحاصرها وافتتحها وفرّت كثرة الروم إلى البحر المتوسط وما وراءه، وهدم أسوارها حتى لا يتجمعوا فيها مختبئين مرة ثانية، وطهّر ميناء بنزرت وشمال إفريقية التونسية من الروم، وفرض الجزية على من بقى على دينه المسيحى منهم ومن البربر. ومنذ أوائل عهده اشتعلت فتنة كبرى بقبيلة جراوة من قبائل زنانة بجبال أوراس فى الجزائر بزعامة كاهنة هناك، ونازلها بجيش جرار قرب باغاية شمالى جبال الأوراس وانهزم المسلمون وطاردتهم حتى قابس، ومكث بمدينة سرت فى ليبيا خمس سنوات ينتظر المدد من الخليفة عبد الملك، وجاءه مدد ضخم سنة 80 واشتبك مع الكاهنة فى حرب ضروس بجبال الأوراس، حتى كانت الموقعة الفاصلة فانهزمت الكاهنة مع جيشها، وولّت وجهها نحو تبسّه هاربة ولحقتها كتيبة فتكت بها، واستأمن إليه من بقى من جيشها على الإسلام فأمّنهم وأمّن سكان أوراس الجزائريين جميعا على أن يكون منهم اثنا عشر ألفا مجاهدين معه، فأجابوا وأسلموا وحسن إسلامهم وولّى أكبر أبناء الكاهنة على قومه من جراوة وعلى جبل أوراس، وأكرمهم وأكرم أبناء الكاهنة، فملك قلوب الجزائريين وساد الأمن والهدوء. وكان حسان سيوسا، فنظم البلاد تنظيما إداريا وماليّا محكما إذ دوّن الدواوين: ديوان الجند وديوان الخراج وديوان الرسائل. وأصلح القنوات للرىّ، وأقام لإفريقية التونسية ميناء جديدا ليكون قاعدة لأسطول لها يحمى السواحل من غزوات الروم، مما جعله ينشئ مدينة تونس، ويلحق بها دار صناعة كبرى، وسرعان ما أنشأ أسطولا ضخما وضرب للبلاد سكة جديدة.
وخلفه موسى بن نصير سنة 86 فعمل على استكمال نشر الإسلام فى ربوع المغرب، وأرسل حملات إلى أنحاء كثيرة ثم قام بحملته الكبرى فاكتسح بلاد المغرب حتى طنجة وإقليم
السوس، وولى على طنجة طارق بن زياد مولاه البربرى. وكان يترك فى النواحى التى لم يتم إسلامها من يعلمون أهلها فرائض الإسلام ويحفظونهم القرآن الكريم، وأسلم كثير من البربر فى أيامه. وأتم التنظيم الإدارى لبلدان المغرب، فقسمه إلى ولايات ولكل ولاية قاعدتها وحاكمها، فالمغرب الأقصى عاصمته طنجة، وغربى المغرب الأوسط (الجزائر) عاصمته تلمسان، وشرقى المغرب الأوسط (إفريقية التونسية ونوميديا الجزائرية وطرابلس) عاصمته القيروان، وجعل لبلاد السوس جنوبى المغرب الأقصى ولاية مستقلة عاصمتها سجلماسة، وجعل إقليم برقة ولاية مستقلة عاصمته برقة. وقام بعمل عظيم مع مولاه طارق والى طنجة إذ فتحا إسبانيا ونشرا الإسلام بها فى إقليمها الجنوبى والأوسط المسمى-فيما بعد-باسم الأندلس، وهو شرف للبطلين لا يماثله شرف.
وعزل الخليفة سليمان بن عبد الملك قصير النظر موسى بن نصير. ويعد عهد موسى بن نصير نهاية الفتح العربى للربوع المغربية ونشر الإسلام فى جميع أرجائها. وقد خلفه محمد بن يزيد مولى قريش سنة 97 للهجرة وكان حسن السيرة-كما يقول الرقيق القيروانى-عادلا رفيقا كل الرفق بالرعية. ويصبح عمر بن عبد العزيز خليفة المسلمين سنة 99 فيصلح أداة الحكم فى الدولة، ويرسل إلى إفريقية والقيروان بعثة من عشرة فقهاء ليعملوا على نشر الدين الحنيف فى الديار المغربية واختار أحدهم وهو إسماعيل بن عبيد الله حفيد أبى المهاجر والى القيروان بين فترتى عقبة بن نافع الذى فتح المغرب الأقصى ونشر به الدين الحنيف، وكان الحفيد مثل جده تقوى وسياسة حكيمة، فأصلح الجباية بالمغرب وسوّى فيها-كما أمر عمر بن عبد العزيز- بين البربر والعرب، وعمل بقوة-مع زملائه الفقهاء التسعة الذين أرسلهم معه عمر-على نشر الدين الحنيف فى المغرب، ودخله منهم أفواج لا تكاد تحصى. وتوفى الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز سنة 101 للهجرة، وخلفه يزيد بن عبد الملك، فعاد ولاته إلى الخسف والظلم فى جمع الضرائب والأموال من الولايات المغربية، وقد اختار للمغرب يزيد بن أبى مسلم صاحب شرطة الحجاج سنة 102 فساس المغرب بسياسة الحجاج الغاشمة التى قامت على التفرقة بين العرب والموالى المسلمين فى العراق، غير ملاحظ أن أهل المغرب من البربر انتظموا فى سلك الجيوش التى أتمت فتح المغربين الأوسط والأقصى وأنهم كانوا الأكثرية فى الجيش الذى فتح إيبيريا وأدخل الشطر الأعظم منها فى الدين الحنيف، وبذلك أصبحوا- بالقياس إلى العرب-رفقاء سلاح وجهاد، ولم يلبث البربر أن أجمعوا على قتله، فقتلوه سنة 103 للهجرة، وكان ذلك درسا ليزيد بن عبد الملك، فولّى على المغرب فى نفس السنة بشر ابن صفوان الكلبى، وكان رءوفا بالرعية، وأرسل حملة من العرب وإخوانهم البربر لغزو صقلية سنة 107 وعادت الحملة بغنائم وفيرة، وتوفى سنة 109 للهجرة، فولّى هشام بن عبد الملك عبيدة بن عبد الرحمن السلمى سنة 110 وأخذ البربر بالرفق والمعاملة الحسنة، وأرسلت
حملة إلى صقلية وعادت فى ريح عاصفة فغرقت كثرة منها. وتولّى بعده عبيد الله بن الحبحاب سنة 114 للهجرة، فأعاد بناء جامع الزيتونة بتونس الذى بناه حسان، ولم يلبث أن أساء السيرة هو وعماله فى جميع أنحاء المغرب، إذ تشددوا فى جمع الخراج وجباية الأموال من البربر، ورفضوا-فى إصرار غريب-التسوية بين العرب والبربر فى الشئون المالية كما تقضى بذلك شريعة الإسلام، وبلغ من تهور عامل طنجة عمر بن عبيد الله المرادى وسفهه أن أعلن أنه عازم على تخميس أراضى البربر زاعما زعما آثما أنها فيء للعرب وغنائم حرب لهم.
وكان طبيعيا أن يثور البربر على هذه السياسة الغاشمة الظالمة، وكان دعاة الخوارج صفريّة وإباضيّة قد أخذوا ينشرون فى المغرب مبادئهم التى تحتّم التسوية بين العرب والموالى المسلمين فى جميع الشئون المالية وفى الخلافة فهى حق لجميع المسلمين بحيث يتولاها أكفأهم جميعا عربا وموالى. واعتنق البربر فى جبل نفوسة بليبيا العقيدة الإباضية المعتدلة التى لا يكفّر أصحابها إخوانهم المسلمين ولا يقاتلونهم إلا إذا بادروهم بالقتال، بينما اعتنق المغرب الأقصى عقيدة الصّفريّة الذين يكفّرون غيرهم من المسلمين ويوجبون على أنفسهم حربهم، وتزعّم الدعوة لتلك العقيدة بالقرب من طنجة على المحيط بربرى من قبيلة مضغرة البتريّة يدعى ميسرة، وبايعه البربر واتخذوه إماما لهم، وكوّن منهم جيشا ضخما احتلّ به طنجة سنة 122 هـ/736 م وقتل عاملها الغشوم عمر بن عبيد الله المرادى. ولم يلبث أن هزم فى بعض معاركه مع جيوش ابن الحبحاب فظن به بعض أنصاره الخيانة فقتلوه، وولت الصفرية فى المغرب الأقصى عليها خالد بن حميد الزناتى سنة 123 إماما لها وقائدا، وأخذ يعدّ العدة للقاء جيش ابن الحبحاب، والتقى به فى الجزائر على نهر شلف شمالى تيهرت، ونشبت بين الطرفين معركة عنيفة كان النصر به فى الجزائر على نهر شلف شمالى تيهرت، ونشبت بين الطرفين معركة عنيفة كان النصر فيها حليف الصفرية وقتل فيها كثيرون من أشراف العرب، ولذلك سمّيت معركة الأشراف. ويعزل هشام بن عبد الملك ابن الحبحاب، ويولّى المغرب كلثوم بن عياض القشيرى وشدّ أزره بابن أخيه بلج بن بشر، ويقدمان إلى المغرب الأقصى فى جيش ضخم، ويديران مع خالد بن حميد إمام الصفرية جنوبى طنجة معركة ضارية، ويهزمان ويتوفّى كلثوم، فينسحب بلج ببقية جيشه إلى مدينة سبتة، وتحاصره الصفرية فيها وتشدد الحصار ويضطر إلى العبور بجيشه إلى الأندلس، ويثور البربر فى المغرب بجميع دياره. ويولى هشام عليه حنظلة بن صفوان سنة 124 هـ/741 م وأمدّه بجيش جرّار. وعرف أن قائدين صفريين هما عكاشة بن محصن الفزارى وعبد الواحد بن يزيد الهوارى حشدا جموع الصفرية فى الزاب بالجزائر لحربه، واتفقا أن يسيرا فى طريقين لمهاجمة القيروان: عبد الواحد من الشمال وعكاشة من الجنوب، وعلم حنظلة بخطتهما فأسرع بلقاء عكاشة ومزّق جيشه، وأخذ يستعد فى القيروان لمنازلة عبد الواحد، واستثار الفقهاء لحربه، فانضموا إلى جيشه ووزّع عليهم السلاح، وبرزت النساء مع الجيش حاملات السلاح وامتلأ الجيش حمية، ودارت المعركة فسحق جيش عبد الواحد
وحملت رأسه إلى حنظلة فخرّ لله ساجدا. وقتل الوليد بن يزيد الخليفة الأموى سنة 126 فأحسّ عبد الرحمن بن حبيب حفيد عقبة بدنوّ أجل الدولة الأموية فأعلن الثورة سنة 127 هـ/744 م وكان حنظلة تقيا فكره أن يتقاتل المسلمون وعاد إلى المشرق. ولما أصبح صولجان الخلافة بيد مروان بن محمد سنة 129 هـ/746 م أقر ولاية عبد الرحمن بن حبيب على المغرب درءا للفتن هناك، ولأنه أعلم من غيره بشئونها إذ هى داره ودار جده عقبة بن نافع، وثارت الإباضية بطرابلس سنة 130 بقيادة عبد الله بن مسعود التجيبى وأخمد الثورة، وبايع الإباضية هناك الحارث بن تليد بالإمامة واتخذ عبد الجبار بن قيس المرادى وزيرا له ومستشارا، وأدارا الحرب مع جيوش عبد الرحمن واغتيلا سنة 132 هـ/749 م. وفى نفس السنة تحولت الخلافة إلى العباسيين فأقروا عبد الرحمن بن حبيب فى ولايته، وسمع بتجمع للصفرية بتلمسان فى الجزائر سنة 135 ففاجأهم وكتب له النصر عليهم. وأرسل حملة إلى صقلية رجعت بكثير من الغنائم، واستولى على جزيرة قوصرة التى تبعد عن الشاطئ التونسى نحو ثلاثين ميلا، وتنازل عنها- فيما بعد-أبو زكريا مؤسس الدولة الحفصية بتونس لفردريك الثانى إمبراطور الدولة الرومانية المقدسة «ملك صقلية» سنة 628 هـ/1230 م. وتآمر على عبد الرحمن أخواه إلياس وعبد الوارث فقتلاه سنة 137 وتولى بعده إلياس، وقتله ابن أخيه: حبيب بن عبد الرحمن وتولّى مكانه، ولم تلبث قبيلة ورفجومة النفزاوية الصفرية الغالية أن هاجمته واستولت على القيروان واستباحتها سنة 138 هـ/755 م وحاول حبيب أن يستردها سنة 140 هـ/757 م ففتكت به ورفجومة. وكانت قد استحلت المحارم فى القيروان فغضب لأهلها أبو الخطاب عبد الأعلى إمام الإباضية بطرابلس وجبل نفوسة، فهاجم ورفجومة وخلّص منها القيروان سنة 141 هـ/758 م وولّى عليها عبد الرحمن بن رستم أحد قواده، ولم يلبث محمد بن الأشعث والى مصر أن قدم على رأس جيش ضخم، فاشتبك مع أبى الخطاب فى معركة ضارية قتل فيها أبو الخطاب، وفرّ واليه على القيروان عبد الرحمن بن رستم إلى الزاب فى الجزائر وأسس فى شمالية دولة للإباضية بمدينة تاهرت ظلت بعده حتى سنة 296. وولّى ابن الأشعث على الزاب الأغلب بن سالم التميمى ولم يلبث أن تولّى على المغرب الأدنى سنة 148 هـ/762 م ويقتل فى بعض حروبه سنة 150 هـ/767 م ويتولى على المغرب عمرو بن حفص المهلبى (هزار مرد) بانى طبنة بالزاب، ونازل فى الجزائر الصفرية والإباضية بتاهرت، وثارت عليه إباضية طرابلس وحاصرت القيروان وخرج إليها واستشهد فى المعركة سنة 153 هـ/770 م. وخلفه ابن عمه بزيد بن حاتم المهلبى سنة 154 ويقول عنه الرقيق القيروانى: «كان كثير الشّبه بجدّه المهلب فى حروبه ودهائه وكرمه وسخائه وكان خبيرا بشئون الإدارة فرتّب القيروان وسوقها، كما كان خبيرا بشئون السياسة والحرب، فقلم أظفار الصفرية فى الجزائر ولم يعد لهم نشاط إلا فى ديار زنانة بالصحراء، وقلّم بالمثل أظفار الإباضية، فلم يعد لهم نشاط إلا فى تاهرت وجبل نفوسة،