الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الميلادى وأخذت تسود الفوضى وتعم الثورات فى الإمبراطورية الرومانية والبلاد المغربية، وتفاقم ذلك فى القرن الرابع الميلادى. وطمعت شعوب أوربا الشمالية فى اقتسام أراضى الإمبراطورية الرومانية الغربية، وأخذت تكتسح أجزاء أوربية منها حتى إذا كانت سنة 434 للميلاد اكتسح الوندال كل ما تملكه روما فى إفريقية التونسية والجزائر ونوميديا ورحب بهم المغاربة وأعانوهم ضد الرومان ومكنوهم من الانتصار عليهم، لما ظنوا فيهم من وقف الظلم الرومانى ورفعه عن كواهلهم غير أنهم لم يلبثوا أن ذاقوا الأمرّين فى عهدهم الذى امتد نحو مائة عام إلى أن قضى على جموعهم القائد البيزنطى:«بليزير» سنة 539 للميلاد. وكانوا شعبا حربيا فلم يخلفوا فى المغرب علما ولا فنا ولا صناعة ولا أخلاقا ولا نظما. وخلفتهم فيه بيزنطة لنحو مائة عام أخرى، واتسم عهدهم بالعسف والظلم كعهد الوندال والرومان. على أن الرومان حاولوا نشر المسيحية فى البلاد المغربية ونجحوا فى بعض المدن الساحلية كما مر بنا فى الجزائر وتونس، كما نجحوا فى نشر لغتهم اللاتينية وخاصة فى المدن الساحلية، أما بيزنطة فلم تحاول نشر لغتها ولا شئ من ثقافتها فى البلاد المغربية. وكانت تمد ذراعها على بعض المدن مثل سبتة على ساحل البحر المتوسط وربما مدته أيضا على بعض المدن على ساحل الأطلسى. وأكبر الظن أن الوندال لم يستطيعوا وضع أيديهم على المغرب الأقصى لبعده الشديد عن مراكز انتشارهم فى تونس والجزائر، ونظن ظنا أن قوط إسبانيا انتهزوا الفرصة فى أيامهم وأيام بيزنطة فاستولوا على أجزاء من ساحل البحر المتوسط، وبنوا عليها مدينتى باديس وترغة بجانب مليلة الفينيقية التى كانت خاضعة لهم قبل الفتح العربى، وبجانب سبتة وطنجة فى الشمال ومدن الساحل الغربى الفينيقية والرومانية مثل أصيلا-سلا-أنفة بنوا مدينة كونتى جنوبى مدينة آسفى فى منطقة دكّاله كما بنوا مدينة مرامر فى الداخل على مسافة نحو عشرين ميلا من كونتى. والقوط مثل الواندال لم يكونوا أصحاب حضارة ينشرونها فى البلاد التى نزلوها أو بنوا لهم فيها بعض المدن.
3 -
الفتح والولاة-ثورة الصفرية-بنو مدرار-الأدارسة-بعد الأدارسة والمدراريين
(أ) فتح (1) المغرب الأقصى وعصر الولاة
بدأت أولى محاولات فتح البلاد المغربية فى عهد الخليفة عمر بن الخطاب، إذ رأى عمرو بن العاص واليه على مصر فى أواخر سنة 21 للهجرة تأمينا لحدود مصر الغربية أن يتعقب الروم
(1) انظر فى فتح المغرب الأقصى: فتوح البلدان للبلاذرى وفتوح مصر والمغرب لابن عبد الحكم والاستقصاء فى أخبار دول المغرب الأقصى والكامل لابن الأثير وتاريخ ابن خلدون والبيان المغرب لابن عذارى.
فى برقة وديار المغرب، واستولى سريعا على برقة وزويلة عاصمة فزان سنة 22 هـ/642 م ودار العام ففتحت له طرابلس أبوابها سنة 23 هـ/643 م. وتوفى الخليفة عمر بن الخطاب وخلفه عثمان بن عفان فعزل عن مصر عمرو بن العاص، وولى مكانه عبد الله بن سعد بن أبى سرح، فاستأذنه فى معاودة فتح ديار المغرب، وأمدّه بجيش كبير كان به عدد من الصحابة، فاقتحم به ديار المغرب سنة 27 هـ/647 م ونازل والى بيزنطة جريجوريوس فى حصن داخل الإقليم التونسى يسمى «سبطلة» وسحق جيشه سحقا، وقتل جريجوريوس فى ساحة المعركة، وفتحت جميع البلاد التونسية أبوابها لابن أبى سرح ما عدا قرطاجة إذ ظلت بها حامية رومية. وتتبع إفريقية التونسية الخلافة الأموية ويتعاقب عليها الولاة، حتى إذا وليها عقبة بن نافع سنة 50 هـ/671 م أنشأ مدينة القيروان أى المعسكر وأتمها سنة 55 هـ/674 م واتخذها قاعدة للجيوش العربية الفاتحة للمغرب ودارا لحكومته وتدبير شئونها، وبعبارة أخرى اتخذها عاصمة للمغرب وبنى فيها جامعا كبيرا ودارا للحكومة وسرعان ما أصبحت مدينة كبرى، وعزل، وخلفه أبو المهاجر سنة 55 هـ/674 م فصمم على فتح نوميديا فى المغرب الأوسط وما وراءها من الصحارى وظل يفتح البلدان حتى انتهى إلى موريتانيا الشرقية وتلمسان، ولقيته قبيلة أوربة ورئيسها كسيلة، فهزمها وأسر كسيلة واعتنق الإسلام واعتنقه معه كثيرون من قبيلته. وعزل أبو المهاجرين سنة 62 هـ/681 م وولى مكانه عقبة بن نافع ثانية، وهو يعد الفاتح الحقيقى لديار المغرب الأقصى ونشر الإسلام فيه، إذ قام بعمليات عسكرية واسعة النطاق، وبدأ بالمغرب الأوسط فانتزع ما كان لا يزال بأيدى البيزنطيين من الحصون فى إقليم الزاب، وأوغل غربا، وأعلنت له قبيلة غمارة فى شمالى المغرب الأقصى بالريف والهبط ولاءها وهادنته وسالمته، وأخضع وليلى فى منطقة فاس، وسار إلى قبيلة مصمودة فى مناطق مراكش وحاحة وجزولة ونازلها واستسلمت. ثم سار إلى السوس آخر معاقل البربر فى المغرب الأقصى، والنصر يواكبه حتى بلغ ماسة على المحيط، وأدخل فرسه فيه حتى بلغ الماء تلابيب (طوق) الفرس وهتف قائلا:«اللهم إنّي أشهدك أنى وصلت براية الإسلام إلى آخر المعمورة حتى لا يعبد رب سواك» . وكان قد أوغر صدر كسيلة فرصده فى طريق عودته، حتى إذا سبقه الجيش فى الزاب بالجزائر وكان فى فئة قليلة حاصره، واستشهد البطل العظيم هو ومن كانوا معه سنة 64 هـ/683 م واستولى كسيلة بجموعه على القيروان، وتراجع زهير بن قيس خليفة عقبة عليها إلى برقة انتظارا لمدد يأتيه، وأتاه المدد مع توليته على المغرب سنة 69 هـ/688 م وينازل كسيلة ويهزمه ويقتل فى المعركة. ويتولى القيروان والبلاد المغربية بعده حسان بن النعمان سنة 71 هـ/690 م وكان سياسيا قديرا يحسن تدبير الحكم فدوّن دواوين للجند وللخراج وللرسائل، وافتتح قرطاجة وطرد منها جالية الروم التى كانت تتجسس لحساب بيزنطة وبذلك أصبحت إفريقية التونسية خالصة للعرب، وأنشأ مدينة تونس لتكون قاعدة لأسطوله، وبنى بها دار صناعة تمد الأسطول
بما يلزمه من السفن، ونشبت فى أيامه ثورة عنيفة لقبيلة جراوة الزناتية بجبال أوراس، وكانت تقودها كاهنة، فنازلها ولم يكتب له النصر، واضطر إلى الانسحاب إلى «سرت» انتظارا لمدد، وجاءه جيش جرار فهزمها وقتلت فى أثناء فرارها، وصالحهم على أن يكون ابنها الأكبر الوالى عليهم وأن يجنّدوا منهم اثنى عشر ألفا ليكونوا جزءا لا يتجزأ من جيشه، وكانت سياسة حكيمة فقد أصبح أهل المغرب رفقاء سلاح وأصبح منهم ولاة لا فرق بينهم وبين العرب فى شئ. وبذلك ملك قلوب المغاربة، وأخذ انتشار الإسلام يتسع فى المغرب الأقصى وفى كل مكان بالديار المغربية. وخلفه على القيروان وبلاد المغرب موسى بن نصير سنة 86 هـ/705 م فوضع نصب عينيه استكمال نشر الإسلام فى ربوع المغرب الأوسط والأقصى وأرسل حملات إلى أنحاء كثيرة ومعها فقهاء يعلمون الناس قواعد الإسلام وشريعته ثم نهض على رأس حملة كبرى اكتسحت البلاد المغربية حتى أقصى الغرب شمالا فى طنجة وجنوبا فى إقليم السوس، وخلّف فى النواحى التى لم يتم إسلامها فقهاء يعلمونهم شئون دينهم وفروضه ويحفظونهم القرآن الكريم، وأسلم فى أيامه كثيرون من البربر وأتم التنظيم الإدارى للديار المغربية، فولاية لبرقة هى عاصمتها، وولاية ثانية لإفريقية التونسية وشرقى المغرب الأوسط عاصمتها القيروان، وولاية لغربى المغرب الأوسط عاصمتها تلمسان، وولاية لبلاد السوس فى المغرب الأقصى عاصمتها سجلماسة، وولاية لبقية المغرب الأقصى حتى شماليّه عاصمتها طنجة، ولكل ولاية حاكمها من العرب أو البربر، وجعل حاكم طنجة بربريا هو طارق بن زياد، وأكثر من ذلك جعله قائدا لفتح الأندلس، وكان أكثر جيشه من البربر، ومعنى ذلك أنه ألغيت كل تفرقة بين العرب والبربر بحيث أصبحوا سواسية فى حكم المدن وفى قيادة الجيوش وفى الجهاد نصرة لدين الله وابتغاء نشره فى أطباق الأرض طلبا لما عند الله من الثواب. وبذلك لم يعد هناك أى فارق بين العربى والبربرى، فهما أخوان مسلمان يعملان على إعلاء كلمة الله. ونستطيع أن نقول إن فتح العرب للمغرب الأقصى والديار المغربية تم فى القرن الأول الهجرى وكان تمامه على يد موسى بن نصير والفاتحين العظيمين اللذين سبقاه حسان بن النعمان وعقبة بن نافع ولم يجعلوه فتحا حربيا بل جعلوه فتحا عقائديا أخويا لأمة وثنية أصبحت تدين بوحدانية الله، وأصبحت تستشعر اخوة للعرب أصحاب هذا الدين، فهى تشاركهم فى العمل تحت لوائه جهادا فى سبيله ونصرة لعقيدته وتعاليمه.
وتوفى الخليفة الوليد بن عبد الملك سنة 96 هـ/714 م وخلفه أخوه سليمان بن عبد الملك وكان قصير النظر فعزل البطلين العظيمين: موسى بن نصير وطارق بن زياد عن عملهما فى الأندلس وغير الأندلس، وتوقف الفتح العربى فى شمال إسبانيا وجنوبى فرنسا، وخلفه عمر بن عبد العزيز الخليفة الصالح، فحاول أن يصلح أداة الحكم فى الدولة، وولّى على القيروان وديار المغرب فقيها هو إسماعيل بن عبيد الله حفيد أبى المهاجر الوالى فى فترتى عقبة