المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1 -الخطب والوصايا - تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف - جـ ١٠

[شوقي ضيف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة

- ‌1 - [الجزائر]

- ‌2 - [المغرب الأقصى]

- ‌3 - [موريتانيا]

- ‌4 - [السودان]

- ‌القسم الأولالجزائر

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌3 -الفتح والولاة-الأغالبة-الإباضية-تلمسان

- ‌(ب) الأغالبة

- ‌(ج) الإباضيون

- ‌(د) تلمسان

- ‌4 -الدولة العبيدية-الدولة الصنهاجية-بنو حماد

- ‌(أ) الدولة العبيدية

- ‌(ج) بنو حماد

- ‌5 -دولة الموحدين-الدولة الحفصية-بنو عبد الواد

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع الجزائرى

- ‌2 -المعيشة

- ‌(أ) الثراء

- ‌(ب) الرّفة

- ‌(ج) الموسيقى

- ‌4 -الدين-المالكية والحنفية-الإباضية-المعتزلة

- ‌(أ) الدين

- ‌(د) المعتزلة

- ‌الفصل الثالثالثقافة

- ‌1 -الحركة العلمية

- ‌(أ) فاتحون ناشرون للإسلام ومعلمون

- ‌(ب) دور العلم:‌‌ الكتاتيب-‌‌المساجد-المدارس-الزوايا-المكتبات

- ‌ الكتاتيب

- ‌المساجد

- ‌المدارس

- ‌الزوايا

- ‌المكتبات

- ‌(ج) نمو الحركة العلمية

- ‌5 -التاريخ

- ‌الفصل الرّابعنشاط الشعر والشعراء

- ‌2 -كثرة الشعراء

- ‌3 -شعراء المديح

- ‌ عبد الكريم النهشلى

- ‌ ابن خميس

- ‌ الشهاب بن الخلوف

- ‌ محمد القوجيلى

- ‌4 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) شعراء الفخر

- ‌(ب) شعراء الهجاء

- ‌ بكر بن حماد التاهرتى

- ‌ سعيد المنداسى

- ‌5 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌ عبد الرحمن الأخضرى

- ‌الفصل الخامسطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ ابن على

- ‌2 -شعراء وصف الطبيعة

- ‌ عبد الله بن محمد الجراوى

- ‌3 -شعراء الرثاء

- ‌4 -شعراء الزهد والتصوف

- ‌(أ) شعراء الزهد

- ‌(ب) شعراء التصوف

- ‌ إبراهيم التازى

- ‌5 -شعراء المدائح النبوية

- ‌الفصل السّادسالنثر وكتّابه

- ‌1 -الخطب والوصايا

- ‌2 -الرسائل الديوانية

- ‌3 -الرسائل الشخصية

- ‌4 -المقامات

- ‌5 -كبار الكتاب

- ‌[(ب)] الوهرانى

- ‌القسم الثانىالمغرب الأقصى

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌3 -الفتح والولاة-ثورة الصفرية-بنو مدرار-الأدارسة-بعد الأدارسة والمدراريين

- ‌(ب) ثورة الصفرية

- ‌(د) الأدارسة

- ‌4 -المرابطون-الموحدون-بنومرين

- ‌(أ) المرابطون

- ‌(ب) الموحدون

- ‌5 -السعديون-الطرق الصوفية-العلويون

- ‌(أ) السعديون

- ‌(ج) العلويون

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع المغربى

- ‌1 -عناصر السكان

- ‌2 -المعيشة

- ‌3 -الثراء-الرّفة-الموسيقى-المرأة

- ‌(أ) الثراء

- ‌(ب) الرّفة

- ‌(ج) الموسيقى

- ‌(د) المرأة

- ‌4 -المالكية-الصفرية-المعتزلة-الظاهرية

- ‌(أ) المالكية

- ‌(ب) الصفرية

- ‌(ج) المعتزلة

- ‌(د) الظاهرية

- ‌5 -الزهاد-المتصوفة

- ‌(أ) الزهاد

- ‌(ب) المتصوفة

- ‌الفصل الثالثالثقافة

- ‌1 -الحركة العلمية

- ‌(أ) فاتحون ناشرون للإسلام ومعلمون

- ‌ الكتاتيب

- ‌(ب) دور العلم: الكتاتيب-المساجد-المدارس-الزوايا-المكتبات

- ‌المساجد

- ‌المدارس

- ‌الزوايا

- ‌المكتبات

- ‌(ج) نمو الحركة العلمية

- ‌2 -علوم الأوائل

- ‌3 -علوم اللغة والنحو والعروض والبلاغة

- ‌5 -التاريخ

- ‌الفصل الرّابعنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 -تعرب المغرب الأقصى-كثرة الشعراء

- ‌(أ) تعرب المغرب الأقصى

- ‌(ب) كثرة الشعراء

- ‌2 -شعراء الموشحات والأزجال

- ‌(أ) شعراء الموشحات

- ‌ ابن غرلة

- ‌ ابن الصباغ

- ‌ ابن زاكور

- ‌(ب) شعراء الأزجال

- ‌ابن عمير

- ‌3 -شعراء المديح

- ‌ ابن زنباع

- ‌ ابن حبوس

- ‌الجراوى

- ‌ ابن عبد المنان

- ‌الهوزالى

- ‌الدغوغى

- ‌البوعنانى

- ‌4 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) الفخر

- ‌ الشاذلى

- ‌(ب) الهجاء

- ‌5 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌ عبد العزيز الملزوزى

- ‌ابن الونان

- ‌الفصل الخامسطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ أبو الربيع الموحدى

- ‌ عمر السلمى

- ‌2 -شعراء الوصف

- ‌3 -شعراء الرثاء

- ‌ ابن شعيب الجزنائى

- ‌4 -شعراء الزهد والتصوف

- ‌(أ) شعراء الزهد

- ‌(ب) شعراء التصوف

- ‌ ابن المحلى

- ‌5 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ميمون بن خبازة

- ‌ مالك بن المرحل

- ‌الفصل السادسالنثر وكتّابه

- ‌1 -الخطب والمواعظ

- ‌2 -الرسائل الديوانية

- ‌3 -الرسائل الشخصية

- ‌4 -المقامات والرحلات

- ‌(أ) المقامات

- ‌(ب) الرحلات

- ‌ رحلة ابن رشيد

- ‌ رحلة العياشى

- ‌ رحلة ابن ناصر

- ‌5 -كبار الكتّاب

- ‌(أ) القاضى عياض

- ‌القسم الثالثموريتانيا

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌2 -التاريخ

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع والثقافة

- ‌1 -المجتمع

- ‌(أ) صنهاجة وقبائل المعقل العربية

- ‌(ب) الزروع والمراعى

- ‌(ج) التجارة

- ‌(د) حياة يدوية

- ‌2 -الثقافة

- ‌(أ) نشاط دينى تعليمى كبير

- ‌(ب) التعليم والطلاب والشيوخ

- ‌(ج) أمهات الكتب والمتون والشروح المتداولة

- ‌(د) أعلام العلماء فى موريتانيا

- ‌(هـ) القراء والمفسرون والمحدثون والفقهاء

- ‌(و) أعلام النحاة والمتكلمين

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 -تعرّب موريتانيا

- ‌2 -شعراء المديح

- ‌ ابن رازكة

- ‌3 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) شعراء الفخر

- ‌ المختار بن بون

- ‌(ب) شعراء الهجاء

- ‌4 -شعراء الرثاء

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ الأحول الحسنى

- ‌ يقوى الفاضلى

- ‌2 -شعراء التصوف

- ‌ المختار الكنتى

- ‌الشيخ سيديّا

- ‌3 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ محمد بن محمد العلوى

- ‌4 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌القسم الرابعالسودان

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌2 -التاريخ

- ‌3 -(ج) دولة الفونج

- ‌4 -محمد على والسودان-عهد إسماعيل

- ‌5 -حركة المهدى-خليفته عبد الله التعايشى

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع السودانى-الثقافة

- ‌(أ) نزعة صوفية عامة

- ‌(ب) المرأة ومكانتها فى التصوف

- ‌(ج) التصوف والتربية الخلقية والدينية

- ‌(د) طرق صوفية جديدة

- ‌(هـ) دعوة المهدى ومبادئها الستة

- ‌2 -الثقافة

- ‌(أ) كتاتيب-زوايا-مساجد

- ‌(ب) حركة علمية نشيطة فى عهد الفونج

- ‌(ج) سودانيون أزهريون وعلماء مصريون

- ‌(د) التعليم المدنى الحديث وتوقفه

- ‌(هـ) إنشاء معهد دينى وعودة التعليم المدنى الحديث

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌2 -شعراء المديح

- ‌ الشيخ حسين زهراء

- ‌ الشيخ محمد عمر البناء

- ‌3 -شعراء الفخر والحماسة

- ‌ الشيخ يحيى السلاوى السودانى

- ‌ عثمان هاشم

- ‌4 -شعراء الرثاء

- ‌(أ) رثاء الأفراد

- ‌ الشيخ محمد سعيد العباسى

- ‌(ب) رثاء المدن

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل العفيف

- ‌2 -شعراء النقد العنيف والشكوى من الزمن

- ‌الشيخ عبد الله البناء

- ‌ صالح عبد القادر

- ‌3 -شعراء التصوف

- ‌4 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ الشيخ عمر الأزهرى

- ‌ الشيخ عبد الله عبد الرحمن

الفصل: ‌1 -الخطب والوصايا

‌الفصل السّادس

النثر وكتّابه

‌1 -

الخطب والوصايا

طبيعى أن تكثر الخطب والوصايا مع الدولة الرستمية منذ تأسيسها سنة 160 هـ/776 م إلى انتهاء مدة حكمها سنة 296 هـ/908 م إذ كانت دولة إباضية، وكان أئمتها لا يزالون يدعون رعيتهم فى محيطها بتاهرت وخارج محيطها إلى امتثال دعوتهم مع تقوى الله وخشيته والقيام بفروضه الدينية، وقد يطلبون إليهم فى بعض خطبهم طاعة من يولونهم عليهم من ولاتهم، كما يلقانا عند إمامهم عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم (171 - 211 هـ) حين ولّى على تاهرت فى غيبته عنها السمح بن أبى الخطاب نائبا عنه، فقد جمع زعماء تاهرت وأهلها وخطبهم قائلا (1):

«قد علمتم-معشر المسلمين-أن السمح وزيرى وأخص الناس بى وأحبهم إلىّ وأنصحهم لدولتى وأنى لا أصبر على فراقه، وقد آثرتكم على نفسى، تتميما لرغبتكم، وها أنا ذا قد وليته عليكم فأحسنوا الطاعة والانقياد لأمره ما سار فيكم سيرة المسلمين، ولم يحد عن جادّة العدل والإنصاف، ولم يرتكب ما يؤذن بسخط الرب أو بمخالفتنا» .

وهذا المأثور من الخطبة ليس فيه تكلف لضروب السجع ولا لألوان البديع، وهو بلغة جزلة مقبولة كلغة الخطب فى الصدر الإسلامى الأول. وعلى شاكلة هذه الخطبة كانت الوصايا فى أيام هذه الدولة كوصية عبد الله اللواتى وزير أفلح بن عبد الوهاب (211 - 240 هـ) وهى تطرد على هذه الصورة (2):

«إنّي موصيكم إخوانى ونفسى بتقوى الله العظيم فى السر والإعلان، وباتباع آثار أهل دعوة المسلمين، فإن الاتباع أولى من الابتداع وعليكم بالائتمار لما أمر الله به من طاعته، والانتهاء عما نهى عنه من معصيته، فاقتفوا آثار المسلمين فإن الله أوعد بالنار من خالفهم، كما أوعد بها من خالفه وخالف رسوله، إذ قال تبارك وتعالى:{وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ}

(1) انظر المغرب العربى: تاريخه وثقافته للأستاذ رابح بونار ص 55.

(2)

النشاط الثقافى فى ليبيا للدكتور أحمد مختار عمر ص 181.

ص: 222

{ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً} . فاتقوا الله إخوانى واحذروا مخالفة آثار أئمتكم فى القليل والجليل. . وعليكم بالحذر من الانهماك فى الشر والخلاف بعد الزجر عنه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وغضب منه وقال: أمنهمكون أنتم فيها (أى الدنيا) بعد ما جئتكم بها (أى الرسالة) بيضاء نقية حنيفية سمحة سهلة».

وهو يوصى بالتقوى واتباع أهل الدعوة من أئمة الإباضية، فإن الاتباع كما يقول أولى من الابتداع، ولغته رصينة قوية، يحتج بالقرآن والحديث النبوى ملوحا بهما من بعيد على صحة معتقده. ويذكر صاحب الأزهار الرياضية عظة عامة للإمام أبى اليقظان محمد بن أفلح بن عبد الوهاب (241 - 281 هـ) وجّهها إلى جميع رعاياه فى تاهرت وجبل نفوسة، وفيها يقول (1):

«إن أفضل ما تتواصى به العباد ويتحاضّون عليه تقوى الله ولزوم طاعته، والزّجر عن معصيته، والترغيب فيما يورث الثواب من القول الطيب والعمل الصالح. وعليكم معاشر المسلمين بالتهيؤ للقدوم على الله والتأهب والاستعداد ليوم تشخص فيه الأبصار وتتغير فيه الألوان، ويشيب فيه الولدان، و {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أَرْضَعَتْ، وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ}. واعلموا-رحمكم الله-أن أهل العلم القائمين بهذه الدعوة قد انقرضوا وقلّت الخلوف منهم، فرحم الله امرءا مسلما احتسب نفسه، وأرصدها لله فى طلب العلم والنقض على من ضادّ الله وعدل عن منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم وضادّ المحققين من عباده، حتى تكون كلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم هى العليا والباطل زهوقا. وعليكم معاشر المسلمين اتباع الماضين من أسلافكم والمتقدمين من أئمتكم الصالحين من أهل دعوتكم، فاقتفوا آثارهم، واهتدوا بهداهم، واحذروا الزيغ عن طريقهم والميل عن مناهجم» .

وواضح أن الإمام أبا اليقظان محمد بن أفلح يدعو فى عظته صراحة أهل دعوته من الإباضية أن يرصدوا انفسهم ويحتسبوها للدفاع عنها، ضد خصومها الذين عدلوا فى رأيه عن منهاج رسول الله ومنهاج أهل الحق من أئمتهم، ويدعوهم إلى اتباع ما تواضع عليه هؤلاء الأئمة من مبادئ آمنوا بها مخالفين الجماعة. ولابنه أبى حاتم يوسف (281 - 294 هـ) عظة بديعة كان يخطب بها الخوارج الإباضية فى عهده أيام الجمعة وفيها يقول (2):

(1) الأزهار الرياضية للبارونى ص 240.

(2)

النشاط الثقافى فى ليبيا للدكتور أحمد مختار عمر ص 179.

ص: 223

«الحمد لله الذى ابتدأ الخلق بنعمائه، وتغمّدهم جميعا بحسن بلائه، لا يشتمل عليه زمان ولا يحيط به مكان، خلق الأماكن والأزمان {ثُمَّ اِسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ} فقدّرها أحسن تقدير، واخترعها من غير نظير، لم يرفعها بأعمدة تدرك بالمعاينة، ولم يستعن عليها بأحد استكبارا عن الشركة والمعاونة، وزيّنها للناظرين، وجعل فيها رجوما للشياطين {(فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ)} جعل القرآن إماما للمتقين، وهدى للمؤمنين، وملجأ للمتنازعين، وحكما بين المتخالفين، ودعا أولياءه المؤمنين إلى اتباع تنزيله، وأمرهم عند التنازع فى تأويله بالرجوع إلى قول رسوله، فقال الله عز وجل:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} .

وهذه الخطبة أو العظة تصور نهاية تطور كبير حدث فى كتابة النثر الأدبى، فقد بدأ بسيطا عند الإمام أبى اليقظان محمد بن أفلح، واتسع هذا الرقى عند ابنه الإمام أبى حاتم يوسف لا من حيث انتخاب الألفاظ فحسب، بل أيضا من حيث ما يشيع فيها من السجع ومن التوازن فى العبارات والمقابلات الدقيقة. وتمضى بجاية وشرقى الجزائر فى عصر الحماديين والموحدين ثم الحفصيين بالعناية فى الخطابة والعظات، وتتردد فى الكتب أسماء خطباء فى الجامع الأعظم ببجاية أو بقسنطينة ولكن الكتب لا تحتفظ حتى بشظايا من خطبهم، سوى أن يقال مثلا إن فلانا ولى خطابة الجامع الأعظم ببجاية أو جامع القصبة بها أو جامع الموحدين وكان فصيح القلم واللسان. ويكتفون بذلك دون أن يذكروا شيئا من خطبه الفصيحة أو البليغة، أو يقولون مثلا إن أبا تمام الواعظ الوهرانى سكن بجاية واشتغل فيها بالتذكير واستدعاء الخلق لباب الله تعالى، ولا تذكر لنا كلمة من مواعظه. ويمكن أن نجد صورا من العظات فى نثر الأذكار والأوراد التى كان يرددها المتصوفة عقب الصلوات، ونقتطف كلمات مما كان يردده على بن أحمد الحرالى عقب صلاة الصبح إذ كان يجلس فى مصلاّه متربعا ويردد بعض أقوال له منها (1):

«سبحان من سبقت رحمته غضبه، سبحان من لا منجى ولا ملجأ إلا إليه، يا مثبّت القلوب ثبّت قلبى. العقل أصل دينى، الحب أساسى، ذكر الله أنسى، الثقة كنزى، العلم سراجى، الصبر ردائى، الرضا غنيمتى، الزهد حرفتى، اليقين قوتى، الطاعة حسبى، الجهاد خلقى، قرة عينى فى الصلاة» .

والمئات بل الآلاف من مواعظ الخطباء والأوراد والأذكار كانت تقرع أسماع الناس كل يوم فى بجاية وقسنطينة وغيرهما من بلاد الجزائر. وكان النساك وأهل الصلاح يكتبون أحيانا

(1) عنوان الدراية ص 152.

ص: 224

وصية لربهم أن يرعى ذريتهم وأهليهم وما استودعوه من أموالهم صيانة للورثة والمال، من ذلك وصية رواها صاحب عنوان الدراية لابن نعيم الحضرمىّ المتوفى بقسنطينة سنة 636 وفيها يقول (1):

«هذا ما أودع العبد الله الذى خلق الأشياء، ورزق الأحياء، وملك العالمين، وحفظ السموات والأرضين، أودعه جميع ولد أبيه وأهله وأهل أخيه وجميع ما خوّلهم من نعمه ظاهرا وباطنا، وصيّر ذلك إلى أمانته، وأسلمه إلى رعايته، واستحفظه فى ذلك كله، وتبرّأ إليه من حوله وقوته، ولم يرج سوى فضله وطوله (أفضاله) هو الحفيظ الذى لا يهمل، الوكيل الذى لا يغفل، الجواد الذى لا يبخل، الأول الذى ينعم ويتطول، والأخير الذى لا يزال ولا يتحول» .

وألفاظ الوصية مثل ألفاظ الحرالى ألفاظ منتخبة مصفّاة، وقد يجئ فيها السجع عفوا دون قصد، وهى تدل على أن النثر كان قد أخذ يتطور، وأخذ أصحابه يعنون بالملاءمة بين اللفظة واللفظة إرضاء للسمع وإمتاعا للسامع بما يسمع أو يقرأ من الكلم.

وإذا تركنا بجاية والقسم الشرقى من الجزائر إلى قسمها الغربى وتلمسان خاصة رأينا صاحب بغية الرواد يسوق فى ذكر الملوك من بنى عبد الواد بجزئها الأول طائفة من مشاهير خطبائها ووعاظها مثل أبى عبد الله محمد بن أحمد الحجام المار ذكره بين شعراء المتصوفة والمتوفى سنة 614 ويسميه يحيى بن خلدون فى البغية: واعظ أهل زمانه، ويذكر له-كما مر بنا- كتابا فى الوعظ اسمه «حجة الحافظين ومحجة الواعظين» . ومن كبار الخطباء الوعاظ الذين يذكرهم صاحب بغية الرواد عبد الرحيم بن أبى العيش الخزرجى المترجم لأبيه بين شعراء الصوفية، وكان خطيب الجامع الأعظم بتلمسان وإمامه، وكان يعاصره أبو محمد عبد الله المجاصى المتوفى سنة 641 هـ/1243 م وكان كثير البكاء فى وعظه حتى اشتهر بذلك، وكان لا يرفع طرفه إلى السماء حياء من الله تعالى وخشية منه، وكانت له مواعظ قيمة. ومن الوعاظ بعده سعيد العقبانى المتوفى سنة 811 هـ/1408 م خطيب الجامع الأعظم بتلسمان. ونقرأ أخبارا عن روعة مواعظ هؤلاء الخطباء وأن منهم من كانت تقشعر من وعظه الجلود لما يعرض له من عذاب الآخرة وكأنه يرى الجحيم تحت بصره، ومنهم من كان يبكى سامعيه بمواعظه وما يورد من زواجره. ومع ذلك لم تحتفظ العصور السالفة بشظايا-ولو قليلة- من خطبهم ومواعظهم.

ولم تصلنا وصايا عن تلمسان لا من حكام الدولة الزيانية لأبنائهم ولا من شيوخ تلمسان

(1) عنوان الدراية ص 332.

ص: 225

لتلاميذهم فيما عدا وصية كبيرة استحالت إلى كتاب أوصى بها السلطان أبو حمو موسى الثانى (760 - 791 هـ) ابنه أبا تاشفين وسماها «واسطة السلوك فى سياسة الملوك» وقد جعلها فى أربعة أبواب بين يديها مقدمة عن السياسة العملية، والباب الأول نصائح فيما ينبغى على المالك أو الحاكم من العدل والتقوى وصيانة المال والعناية بالجيش، والباب الثانى خاص بقواعد الملك أو الحكم وأركانه، وهى العقل والعدل وحسن السياسة والعناية بالمال والجيش، والباب الثالث خاص بالصفات التى تزين الملك والحكم، وهى الشجاعة والكرم والحلم والعفو، ويصرّح فى خاتمة الكتاب بأنه وضعه لابنه أبى تاشفين ليتبع نصائحه فيه، ويستقيم حكمه وملكه، ونقتطف من هذه الوصية الكبرى بعض وصاياه لابنه عن الشجاعة (1) فى الحروب.

«يا بنىّ إذا كان الملك شجاعا، كان منصورا مطاعا، ترهبه الأعداء، وتطمئن إليه الأولياء، يعتد به جيشه فى مواقع الحروب، ويخاف سطوته الطالب والمطلوب. وإذا اقتحمت القتال، واختلطت الأبطال بالأبطال، فغايتك أن تكون حاكما على نفسك، صابرا ثابتا فى جأشك (2)، ناظرا إلى ساقتك التى هى قلب جيشك، فلتلزم بها الثبات، ولا تتزحزح إلى جهة من الجهات، ولتشدّ بثباتك الأنجاد (3) والحماة، والمقاتلين الكماة (4)، وإن انكسر أحد الجناحين من جيشك فلا تهتم به، ولا تنتقل بسببه، فإن انكسار الجناحين مع ثبات القلب لا يضر، والصبر فى مثل هذا عائد عليك بما يسر، لأنه إذا كانت رايات القلب تخفق وطبوله تزار كان ذلك حصنا للجناحين، وأمانا للعسكر من الحين (5)، وأرجى للظفر بالعدو عند رجوع الجانبين» .

وهو ينصح ابنه حين تلتحم المعركة أن يثبت فى قلب جيشه، وإذا رأى فى أحد الجناحين انكسارا لا يميل إليه بمن معه من العساكر، حتى لا يتشوش الموقف ويظنّ أنه منهزم، وحتى لو انكسر الجناحان فإن ثبات القلب يردهما إلى المعركة ويكتب للجيش النصر. ويوصى ابنه ان تظل رايات الجيش فى قلبه تخفق وطبوله تزأر ليكون قدوة لقواد الجناحين ويعودوا إلى مواقعهم من المعركة. ويستمر أبو حمو موضحا لابنه أن الشجاعة لا تكون صحيحة إلا مع الرأى السديد، أما بدونه فتكون مذمومة بل قد تصبح تهورا يؤدى إلى الهلك وإلى زوال الملك. ولا يلفتنا فى هذه الوصية الطويلة ما تحمل من فكر دقيق ولفظ منتخب رشيق فحسب، بل يلفتنا فيها أيضا أنها مسجوعة سجعا محكما، وهى شهادة قوية بأن النثر الأدبى رقى بالجزائر فى القرن الثامن الهجرى، بحيث أصبح الكاتب يفكر فى جرس كلامه الذى يخلب به سامعه،

(1) انظر قاعدة الشجاعة من الباب الثالث من كتاب واسطة السلوك.

(2)

جأشك: قلبك.

(3)

الأنجاد جمع نجد: الشجاع.

(4)

الكماة جمع كمى: المقدام المسلح.

(5)

الحين: الهلاك.

ص: 226