الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وستترجم له، ويذكر منهم أيضا الكفيف الزرهونى المكناسى ويقول إنه أبدع فى مذاهب هذا الفن، ويذكر له زجلا فى رحلة السلطان أبى الحسن المرينى بجيشه إلى فتح إفريقية يريد أن يضم المغرب بعضه إلى بعض فى وحدة مغربية، وفتحها ونزل تونس ولم يلبث أعراب بنى سليم وإخوتهم من بنى هلال أن نصبوا لجيشه شركا فى القيروان ودارت عليه الدوائر وعمّى أمره على شعبه، وانبرى الكفيف الزرهونى يعيب عليه فى زجله غزوته إلى إفريقية التونسية وما كان من هزيمة الجيش فى القيروان، ويعزّى الشعب عنها بما وقع لغيرهم من الشعوب، وفيه يقول (1):
عسكر فاس المنيرة الغرّا
…
وين سارت بو عزائم السلطان
أحجّاجا تخلّلوا الصحرا
…
ودّوا سرح البلاد مع السّكان (2)
عن جيش الغرب جيت نسألكم
…
المتلوف فى افريقيا السودا
لو كان ما بين تونس الغربا
…
وبلاد الغرب سدّ الاسكندر
لا بد للطير كان يجى بنبا
…
أو يأتى الرّيح عنهم بفرد خبر
ما اعوصها من أمور وما شرّا
…
لو تقرأ كل يوم على الويدان (3)
لجرت بالدّم وانصدع حجرا
…
وهوت الاجراف وجفّت الغدران
وهو يبكى عسكر فاس الغراء وتغرير السلطان ويسأل الحجاج الذين جابوا الصحارى عن الجيش التالف فى إفريقية التونسية السوداء ويقول لو كان بين تونس وبلاد المغرب الأقصى سدّ الإسكندر أو سد يأجوج ومأجوج لحمل الطير الخبر عن هذا الجيش المرينى الذى انبهم أمره، وما أصعبها وشرّها من أمور لو تقرأ على الآذان لجرت العيون بالدم وتشققت الأحجار وهوت أجراف الهضاب والجبال وجفت الغدران في الهول المصاب ويا لفداحة الفاجعة المؤلمة. ولم يرزق المغرب الأقصى فى هذا العصر الوسيط الذى نعنى بدرسه بزجال كبير بعد الكفيف الزرهونى، وحرى بنا أن نترجم ل
ابن عمير
وابن شجاع التازى.
ابن (4) عمير
ليس بين أيدينا عن حياة ابن عمير إلا ما ذكره ابن خلدون فى مقدمته إذ قال: إنه رجل من أهل الأندلس نزل بفاس واستحدث لهم فنا من الشعر فى أعاريض مزدوجة كالموشح نظموا فيه بلغتهم الحضرية واستحسنه أهل فاس وولعوا به ونظموا على طريقته وتركوا الإعراب الذى ليس من شأنهم وكثر شيوعه بينهم واستفحل فيه كثير منهم، ونظموا بجانب المزدوج أنواعا
(1) المقدمة ص 1360 وانظر النبوغ المغربى 3/ 337.
(2)
ودّوا: أرسلوا. السرح: الزروع ودوابها.
(3)
الويدان: يريد الآذان.
(4)
انظر فى ابن عمير العاطل الحالى (راجع الفهرس) ومقدمة ابن خلدون ص 1357 وما بعدها.
أخرى، وكلها صور من الأزجال وأشكال. ونجد المصادر التاريخية والأدبية لا تعنى بابن عمير إلا ما كان من صفى الدين الحلى فقد ذكره مرارا فى كتابه العاطل الحالى، وذكر مطالع خمسة أزجال له وجزءا من زجل ليس مطلعا ونعتقد أنه كان أمامه ديوان ابن عمير الزجلى وأخذ منه الأمثلة التى ضمنها كتابه، ومن مطالعه التى ذكرها فى ص 32:
أنكرت شيبى من بليت بيها
…
كل من عاش يشيب
إنما هى ملاحة البستان
…
بالنّوار العجيب
ولا حظ صفى الدين أنه خفف الواو فى كلمة «النّوار» فلم ينطقها مشددة كما فى أصلها، بل نطقها مفتوحة مخففة. ومن مطالع أزجاله التى أنشدها له فى ص 56 قوله:
يا حبيب قلبى تعطّف
…
بعض هذا الهجر يكفا
دموع عينى ما ترقا
…
ولهيب قلبى ما يطفا
ولا حظ صفىّ الدين أن كلمة يكفا محرّفة عن «يكفى» بقلب الياء ألفا لتماثل الألف فى كلمة «يطفا» . وأنشد ابن خلدون له زجلا طويلا لعله مما سماه عروض البلد يقول فى مطلعه:
أبكانى بشاطى النّهر نوح الحمام
…
على الغصن فى البستان قريب الصباح
وكفّ السّحر تمحو مداد الظلام
…
وماء النّدى يجرى بثغر الأقاح
باكرت الرّياض والطّل فيه افتراق
…
سرّ الجواهر فى نحور الجوار
ودمع النّواعر ينهرق انهراق
…
يحاكى ثعابين حلّقت بالثّمار
لووا بالغصون خلخال على كل ساق
…
ودار الجميع بالروض دور السّوار
وأيدى النّدى تخرق جيوب الكمام
…
وتحمل نسيم المسك عنها رياح
وعاج الضّيا يطلى بمسك الغمام
…
وجرّ النسيم ذيلو عليها وفاح
والزجل مكتظ بصور فريدة من ابتكار ابن عمير، فمداد الظلام الأسود يمحوه كف السحر الأبيض، ويشبه الشعراء الأقحوان بالثغر فيضيف ابن عمير أن ماء الندى يجرى فيه، ويقول باكرت الرياض والطل يتساقط والجواهر كأنها مسرورة بمكانها من نحور الجوارى الفاتنات، والسواقى تذرف الدمع مدرارا وكأنما يحاكى الماء فى قنواته أفاعى تريد أن تحلق بالثمار وقد استوت الغصون خلاخيل على سيقان الأشجار، ودار كل ذلك فى الروض دور السوار، وينفذ إلى تصوير مبتكر فأيدى النّدى فى الصباح الباكر كأنما تخرق كمام الزهر بل جيوبه، وتحمل عنها الرياح نسيم المسك العاطر، وأخذ الضياء يعمه الغمام، أو كما يقول، يطلى بمسك الغمام، وجرّ النسيم ذيل ردائه عليه وفاح وسطعت رائحته سطوعا شديدا. وتمتلئ بقية الزجل بمثل هذه الصور البديعة فى حوار رائع بين ابن عمير والحمام. وبحق
كما يقول ابن خلدون استحسن أهل فاس أزجال ابن عمير وشغفوا بها وفتنوا فتنة شديدة ومضوا ينظمون على نهجه وطريقته.
ابن (1) شجاع التازى
لم يذكر عنه ابن خلدون شيئا إلا أنه من فحول الزجالين بالمغرب الأقصى وقال إنه من أهل تازا ثم أنشد له زجلين، والزجل الأول أشبه بنقد اجتماعى، وفيه يقول:
المال زينة الدّنيا وعزّ النفوس
…
يبهى وجوها ليست هى باهيا
فها كلّ من هو كتير الفلوس
…
ولّوه الكلام والرّتبة العاليا
يكبّروا من كثر ما لو ولو كان صغير
…
ويصغّروا عزيز القوم إذا يفتقر
حتى يلتقى من هو فى قومه كبير
…
بمن لا أصل عند ولا لو خطر
أدى صارت الأذناب أمام الرءوس
…
وصار يستمدّ الواد من الساقيا
ضعف الناس عمل ذا أو فساد الزمان
…
ما ندريو على من نكثروا ذا العتاب
أدى صار فلان اليوم يصبح بوفلان
…
ولو ريت وكيف حتى يردّ الجواب
وواضح أنه يقول إن الموازين الاجتماعية اختلت، فأصبح المال هو كل شئ: زينة الدنيا وعز النفوس حتى ليضفى البهاء على الوجوه غير البهية، وها أنت ترى الناس يقدمون الثرىّ فى الكلام ويولونه الرتبة العليا ويكبرونه ولو كان صغيرا ويصغرون عزيز القوم إذا افتقر، حتى اختلطت المقاييس وأصبح كبير القوم يقرن بمن لا أصل له ولا خطر من الأثرياء، وبذلك تقدمت الأذناب الرءوس وترى هل هذا من ضعف الناس أمام الثراء أم من فساد الزمان، لقد أصبح من لم يكن له لقبا يمنح الألقاب ويقال له أبو فلان إجلالا وتوقيرا، وقد امتلأ غرورا حتى إنه لا يرد الجواب. والزجل الثانى الذى ذكره ابن خلدون موضوعه الغزل، ويستهله على هذه الصورة:
تعب من تبّع قلبو ملاح ذا الزمان
…
اهمل يا فلان لا يلعب الحسن بيك
ما منهم مليح عاهد إلا وخان
…
قليل من عليه تحبس ويحبس عليك
يتيهوا على العشّاق ويتمنّعوا
…
يتعمّدوا تقطيع قلوب الرجال
وان واصلوا من حينهم يقطعوا
…
وان عاهدوا خانوا على كلّ حال
ومهّدت لو من وسط قلبى مكان
…
وقلت لقلبى اكرم لمن حلّ فيك
وهوّن عليك ما يعتريك من هوان
…
فلا بد من هول الهوى يعتريك
(1) انظر فى ابن شجاع مقدمة ابن خلدون ص 1358 وما بعدها والنبوغ المغربى ص 335 وما بعدها.