الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحياء عن طلبه من الناس. ونتوقف لنترجم للشيخ عبد الله البناء أحد شعراء النقد العنيف لأمته، ولصالح عبد القادر المشارك فى النقد العنيف والشكوى من الزمن.
الشيخ عبد الله (1) البناء
هو نجل الشاعر الشيخ محمد عمر البناء المترجم له بين شعراء المديح، رزق به سنة 1308 هـ/1891 م وحفظ القرآن الكريم فى بيته، ثم انتظم فى مدرسة رفاعة الأولية، وتخرج فيها فالتحق بقسم المعلمين فى كلية غردون وتخرج فيه سنة 1912 واشتغل مدرسا بالكلية فترة ثم عمل فى مدرسة أم درمان. ويقول الأستاذ على الملك محقق ديوانه:«آخر عهده أنه كان رئيس شعبة اللغة العربية فى المدارس العليا» . وقد تفتحت ملكته الشعرية مبكرة، وسرعان ما تألق اسمه مع علمين فى الشعر هما محمد سعيد العباسى وعبد الله عبد الرحمن وهم شعراء أفذاذ وتسنّم الثلاثة ذروة الشعر السودانى فى النصف الأول من القرن الحالى، ولكل منهم ديوان منشور يدل على شاعرية فذة. وكما تقيدنا فى الشاعر الشيخ محمد سعيد العباسى بما نشر من شعره قبل نهاية هذا العصر الذى نؤرخ له حتى سنة 1924 للميلاد كذلك سنصنع ب
الشيخ عبد الله البناء
مع أن له فرائد كثيرة مثل زميليه بعد هذا العصر. ومن أروع ما أنشده له صاحب شعراء السودان ومحمد عبد الرحيم فى كتابه نفئات اليراع قصيدته (2) فى ذكرى الهجرة النبوية التى دوّت شهرتها، وهى فى مخاطبة الهلال الذى أهلّ ليلة رأس السنة الهجرية، وله يقول:
يا ذا الهلال عن الدنيا أو الدين
…
حدّث فإن حديثا منك يشفينى
خبّر عن الأعصر الأولى لتضحكنى
…
فإن أخبار هذا العصر تبكينى
وهو يسأل الهلال أن يحدثه عن الدين أو الدنيا حتى يشفى نفسه من آلامها إزاء السودان وشعبه وأحواله، وحتى يدخل السرور على نفسه المكلومة الباكية من أخبار السودان وأبنائه. ويرفع أمام أبصار السودانيين سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعمر الفاروق ودمشق وبغداد وخلفائهما الذين أتاحوا للإسلام والعروبة مجدا عظيما، لعل شيئا من سيرتهم يعود، ويظهر من يحقق للأمة السودانية أو للأمة العربية عامة شيئا من هذا المجد، ويتجه بالخطاب إلى الشعب السودانى منشدا:
(1) انظر فى ترجمة الشيخ عبد الله البناء وشعره كتاب شعراء السودان ص 157 وكتاب نفثات اليراع ص 129 وكتاب الشعر الحديث فى السودان للدكتور محمد إبراهيم الشوش ص 51 وفى مواضع مختلفة وكتاب تاريخ الثقافة العربية فى السودان فى مواضع متعددة (انظر الفهرس). وله ديوان باسم ديوان البناء (طبع الخرطوم).
(2)
انظر القصيدة أيضا فى كتاب شعراء الوطنية فى السودان ص 341 والديوان 1/ 64.
أحبّتى ودعاء الحبّ مرحمة
…
لا يحزننّكم بالنّصح تلقينى
ترضون بالدّون والعلياء تقسم لا
…
تدين يوما لراضى النفس بالدون
والمجد ينأى فلا تدنو مراكبه
…
من الجبان ولا ينقاد بالهون (1)
تفرق وتوان واتباع هوى
…
إن الهوى لهوان غير مأمون
ولا اعتبار ولا رقبى لنازلة
…
ولا احتياط ولا رحمى لمغبون
وهو ينادى قومه قبل تقديم النقد العنيف لهم بقوله: «أحبتى» تلطفا وجذبا لهم كى يستمعوا إلى نقده لهم ونصحه ويصدروا عنه، ويقول لهم إنه قول غليظ ولكن باطنه الرحمة ويسجل عليهم أنهم يرضون بالدون، والعلياء لا تخضع لمن يرضى به، والمجد يبعد عنه إذ لا تقرب مراكبه من الجبان ولا ممن يرضى بالهون والهوان، وهل شأنكم إلا تفرق وتشتت وتوان، والرجوع إلى الهوى فى حياتكم، وما الهوى إلا ذل ما بعده ذل، ولا اعتبار ولا عظة ولا مراقبة لنازلة نزلت بكم، ولا احتياط ولا حذر، ولا رحمة لمغبون أو ضعيف واهن. ويهتف بأمته:
يا أمة جهلت طرق العلاء فلم
…
تسبق لغاية معقول ومخزون
وللمدارس هجران وسخرية
…
وللمتاجر ضعف غير موزون
وللمفاسد إسراع وتلبية
…
ولا التفات لمفروض ومسنون
والناس فى القطر أشياء ملفّقة
…
فإن تكشّف فعن ضعف وتوهين
فمن غنىّ فقير فى مروءته
…
ومن قوىّ بضعف النفس مرهون
ومن طليق حبيس الرأى منقبض
…
فاعجب لمنطلق فى الأرض مسجون
وهو يقول لأمته إنك جهلت طرق العلاء والشرف، فلم تجر فيها للوصول إلى غاية معقولة أو مخزونه تنتظرك، وإنك لتهجرين المدارس بل تسخرين منها، ولا تهتمين بمزاولة التجارة، فالمتاجر ضعيفة ضعفا شديدا، وتسرعين إلى المفاسد، بل ما أشد تلبيتك لها، دون أى التفات لواجباتك الدينية وما عليك من الفروض والنوافل. ويبلغ بالشاعر السخط أن يسمى أهل السودان أشياء ملفقة، وكلما تكشف جانب منها ظهر فيه الوهن والضعف، وهل بها إلا غنى فقير أشد الفقر فى مروءته فلا يمد يدا إلى البؤساء وإلا قوى ضعيف النفس ذليل مهين، وحتى الحر الطليق يحبس رأيه عن أمته، وكأنه ليس حرا طليقا بل سجينا مكبلا بالأغلال. ويكثر مثل هذا النقد يوجهه الشيخ عبد الله البناء إلى قومه السودانيين معبرا عن نفسه السودانية الطامحة إلى أن تأخذ أمته السودانية مكانتها فى العالمين. وهو مهما قرّع وصوّر من عيوب المجتمع السودانى إنما يريد أن يستثير حمية السودانيين لكى يتحدوا ويطلبوا كل ما تطلبه النفوس
(1) الهون: الهوان.