الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشهاب (1) بن الخلوف
هو شهاب الدين أحمد بن أبى القاسم بن عبد الرحمن بن الخلوف لقبا الحميرى نسبا، ولد لأبيه فى قسنطينة سنة 829 هـ/1425 م وقصد بابنه بعد ولادته توّا لأداء فريضة الحج، وظل مجاورا بمكة أربع سنوات، وبارحها إلى مدينة بيت المقدس واستقر بها حتى توفى سنة 859 هـ/1455 م. وفيها نشأ ابنه الشهاب، فحفظ القرآن واختلف-بعد حفظه-إلى حلقات الفقهاء واللغويين والقراء وغيرهم من العلماء، واستوعب كثيرا مما عندهم، وشغف- منذ صباه-بالأدب شعرا ونثرا كما يحكى الدكتور هشام بوقمرة محقق ديوانه فى مقدمته له، إذ ذكر أن الشاعر قال فى إحدى مخطوطات ديوانه:«كنت ممن ولع بعصفورى النظم والنثر فى الصبا، مستوهبا من دوحتيهما نسمتى القبول والصّبا، مقتطفا لزهرتيهما من رياض الآداب، ملتقطا لدرتيهما من أصداف الطّلاب (2)، لا أسلك واديا لم يترنم فيه حمامهما، ولا أعكف على حديقة لم يمطر فيها غمامهما، ولا أرقب سماء لم تلح فيها زواهرهما (3) ولا أخوض بحرا لم تتكون فيه جواهرهما إلى أن ظفرت من المطلوب بأوفى نصيب، واحتويت من كنانتيهما (4) على كل سهم مصيب» . وسرعان ما تفتحت موهبته الشعرية، وأعجب بشعره أبوه، فأمّل أن يكون له شأن بين شعراء تونس، فنصحه بالهجرة إليها فى تاريخ غير معروف، ويظن أنه هاجر إليها فى نحو الخامسة والعشرين من عمره، وأخذ يظفر بغير قليل من إعجاب الأدباء، مما أتاح له وهو فى السادسة والعشرين أن يكون فى مقدمة المهنئين لسلطان تونس عثمان الحفصى (838 - 893 هـ) باقتران ابنه وولى عهده المسعود من ابنة عمه سنة 855 هـ/1451 م وأعجب به السلطان وابنه المسعود فعاش فى حاشيتهما واتخذه المسعود كاتبا له، وكان يحسن الكتابة كما يحسن الشعر، ولذلك كان يلقب فى حياته بصاحب الصناعتين. ويشكو مرارا وتكرارا فى مدائحه للسلطان عثمان وابنه المسعود من حساده ومنافسيه، ومن أهمهم زميله فى الكتابة بديوان المسعود الشاعر محمد الخيّر المالقى الذى كان يكثر من معارضة أشعاره. وظل ابن مخلوف يلازم المسعود حتى سنة 877 هـ/1473 م إذ يعزم فيها على أداء فريضة الحج، ويؤديها ويظل فى القاهرة نحو أربع سنوات تنعقد فيها الصداقة بينه وبين مؤرخ مصر الكبير السخاوى صاحب كتاب الضوء اللامع فى أعيان القرن التاسع، وقد ترجم له فيه، ويقول عنه إنه:«حسن الشكل والأبهة ظاهر النعمة طلق العبارة بليغ بارع فى الأدب ومتعلقاته»
(1) انظر فى ترجمة
الشهاب بن الخلوف
رحلة عبد الباسط بن خليل المصرى إلى المغرب ودرة الحجال لابن القاضى والضوء اللامع فى أعيان القرن التاسع للسخاوى وشذرات الذهب لابن العماد ونيل الابتهاج للتنبكتى وإتحاف أهل الزمان لابن أبى الضياف وتاريخ الأدب التونسى لحسن حسنى عبد الوهاب ومقدمة محقق الديوان الدكتور هشام بوقمرة (طبع تونس) وله طبعة قديمة فى القرن الماضى غير محققة.
(2)
الطلاب: المطلوب.
(3)
زواهر: جمع زاهر: النجم المضيئ.
(4)
الكنانة: جعبة السهام.
ويصفه بالظرف وحسن الهيئة. وعاد إلى تونس سنة 881 هـ/1477 م ويعود إلى الكتابة عند المسعود، ويقول الدكتور هشام بوقرة إن المسعود جفاه سنة 888 هـ/1484 م ولم يلبث أن رضى عنه سنة 890 هـ/1486 م وظل كاتبا له حتى وفاته سنة 893 هـ/1488 م وفى نفس السنة توفى السلطان عثمان الحفصى، وخلفه حفيده يحيى بن المسعود بوصية منه، ولم يدر العام حتى قتل فى معركة مع ابن عمه عبد المؤمن والى بجاية، واستولى عبد المؤمن على صولجان الحكم فى تونس، ولم يهنأ به طويلا فقد ثأر منه زكريا بن السلطان يحيى المقتول فى أوائل خريف العام التالى سنة 895 هـ/1490 م واستولى على أزمة الحكم، وصوّر ذلك ابن الخلوف فى رائية له يمدحه بها قائلا:
حزت الخلافة عاصبا لا غاصبا
…
والحق ورّثك النفيس المدّخر
وهو يقول له إنك حزت الخلافة أو السلطنة عاصبا أى عن طريق الإرث عن الآباء لا غاصبا عن طريق الظلم والعدوان، واجتاح تونس سنة 899 هـ/1494 م طاعون توفى فيه السلطان زكريا وأيضا توفى فيه الشهاب بن الخلوف، وربما توفى قبله بقليل. ونجده لا يكتفى بما ينظم من الشعر فى أغراضه المعروفة من المديح والرثاء والغزل والخمريات والوصف وغير ذلك من الأغراض التى رتّب عليها الدكتور هشام بوقرة ديوانه، إذ نظم كثيرا من الشعر التعليمى وله فيه منظومات كثيرة، فقد نظم كتاب المغنى لابن هشام كما يقول مترجموه وله فى النحو أيضا منظومة فى صيغ الأفعال، ونظم كتاب التلخيص فى علوم البلاغة للقزوينى، وله بديعية صوّر فيها ألوان البديع ومحسناته لعصره، وله أرجوزة فى علم الفرائض، وله فى العروض تحرير الميزان لتصحيح الأوزان. وله بجانب ديوانه المذكور آنفا ديوان فى المدائح النبوية سماه «جنا الجنتين» ويشيد مترجموه به إشادة رائعة. ونراه يستهل ديوانه العام قبل أغراضه المختلفة ببعض قصائد وأزجال وموشح فى المديح النبوى، ويبدو أن له كثيرا من الأزجال فى أغراض مختلفة، وبالمثل له موشحات متعددة. وهو مداح كبير، وقد ظل طوال أربعين عاما يمدح السلطان عثمان الحفصى وابنه المسعود فى الأعياد والمناسبات المختلفة، ويلزمهما ملازمة المتنبى لسيف الدولة، ومن قوله فى السلطان عثمان:
إمام براه الله أولى عباده
…
بحقّ وأهداهم لأوضح حجّة
تؤمّل نعماه ويخشى انتقامه
…
لطالب سلم أو لطالب فتنة
يصول ويحمى شرعة نبويّة
…
بسمر رشاق أو ببيض جليّة (1)
له دولة أربت على كل دولة
…
بتأييد آراء وتأييد نصرة
يحنّ إلى المعروف حتى ينيله
…
كما حنّ مشتاق لوصل الأحيّة
(1) السمر: الرماح. البيض: السيوف.
وهو يقول إنه إمام اختاره الله لرعيته لأنه أولاهم بحق الخلافة وأهداهم لأوضح حجة دامغة، وإنه ليوزع نعماه وعطاياه على طلاب السلم المطيعين بينما ينزل نقمه على طلاب الفتن العاصين، وإنه ليحمى الشريعة النبوية ويذود عنها بالرماح والسيوف المصمية، وإن دولته لتسمو على كل الدول بالآراء الصائبة والانتصار الساحق، وإنه يصبو دائما إلى بذل المعروف والأعمال الخيّرة كما يصبو المحب إلى وصل محبوبته، ويقول فيه من أخرى:
تملّك رقّ الجود واستخدم الغنى
…
فلم يبق عان يشتكى ألم الفقر (1)
إذا ما دعاه العسر يا محيى الوفا
…
بدا فدعاه اليسر يا قاتل العسر
روى الفضل أخبار التّقى عن كماله
…
كما نمّ عن طيب الرّبى طيّب النّشر (2)
لقد ذكرت للأوّلين فضائل
…
ولكنّ هذا الفضل لم يجر فى ذكر
سخاء يد تروى الجداول ماءها
…
عن السّيل عن قطر الغمام عن البحر
ومجد كما تروى الأشعّة نورها
…
عن البرق عن زهر النجوم عن البدر
وحسبك يا فرع المكارم والعّلا
…
أصول زكت فى روضة المجد والفخر
وهو يصفه بأنه استرقّ الجود وامتلكه وأصبح الغنى أو الثراء له خادما يرسله ويوزعه كيف شاء حتى لم يبق بائس يشتكى ألم البؤس والفقر، ويتخيل أن العسر ناداه يا محيى الوفاء، ولم يكد يبدو ويظهر حتى ناداه اليسر يا قاتل العسر: كناية عن كرمه الفياض، ويقول إن الفضل والتقوى ينمان عن كماله ونبل خلقه وشمائله كما ينم الشّذى العطر عن طيب الرّبى وأزهارها الأرجة، وينوه بفضله ويقول إنه يفوق فضائل الأولين، فلم تنطق الألسنة بفضل يماثله، ويشيد بسخائه وكرمه، ويقول إن مياهه لتغمر أنحاء تونس وكأنما تفيض عن سيل، عن غمام منهمر، عن بحر تتدفق أمواجه، وهى مبالغة شديدة. ومثل ذلك قوله إن مجده كما تروى الأشعة نورها الساطع عن البرق عن النجوم المضيئة عن البدر، ويقول له حسبك الأصول التى نمت فى روضة المجد والفخر الذى ليس مثلهما فخر ولا مجد. وله ينشد فى إحدى مدائحه:
ملك إذا هزّ الحسام بكفّه
…
خرّت لبارق رعده الخرصان (3)
لو فرّقت عزماته وهباته
…
فى الناس لم يك باخل وجبان
ويرى العواقب فى صحيفة فكره
…
فكأنما أفكاره كهّان
تعزى إلى الغيث السّكوب هباته
…
هيهات أين الغيث والطوفان
يصغى الزمان لأمره ولنهيه
…
وتطيع الانس لحكمه والجان
(1) عان: بائس فقير.
(2)
النشر: الرائحة الذكية الساطعة.
(3)
الخرصان: السيوف يريد سيوف الأعداء.
وتراه ما بين الأسنّة سافرا
…
كالبدر دارت حوله الشّهبان (1)
أنت الإمام ومن عداك رعيّة
…
أنت المقدّم والورى أعوان
وهو يقول له إنه مفرط الشجاعة حتى إذا صال فى ميادين الحروب وهزّ حسامه سقطت السيوف من أيدى أعدائه هيبة ورهبة، ويمضى الشاعر فى مبالغاته فلو وزّعت هباته وعزماته فى الناس لم يبق بخيل ولا جبان، ويبلغ من نفاذ بصيرته أن يتنبأ بعواقب الأمور وأن تحدث طبق تنبؤه، حتى لكأن تنبؤاته أفكار كهان يبصرون الغيب ويخبرون به، وإن هباته لتعزى إلى الغيث المنهمر، بل أين الغيث منها والطوفان، وقد بلغ من عظم السلطان أن أصبح الزمان يصدر عن أمره ونهيه وأصبحت الإنس تطيع حكمه والجان، وإنه ليخوض الحروب بين السيوف والرماح بوجه مشرق كالبدر تحفّ به النجوم الساطعة، ويقول له إنك الإمام والرعية من حولك أعوان ونصراء. وله فى مديحه موشحة بديعة، يقول فى تضاعيفها:
قابل النور ظلمة الحلك
…
بمصباح منير (2)
ورقا النجم ذروة الفلك
…
خائفا مستجير
بأبى عمرو الرضا الملك
…
من سعير الهجير (3)
من روى المجد عن علا عمر
…
بطريق الصّحاح
وسرى فى النّهى على قدر
…
بمطايا الفلاح
لو رأى البدر وجهه الطّلقا
…
لاعتراه السجود
لو رأى الغيث جوده الغدقا
…
لاستحى أن يجود
فاق خلقا وقد حوى خلقا
…
قارنته السعود
بوّأ الملك رتبة الظّفر
…
بعوالى الرّماح
ومحى عزمه دجى الغير
…
بصباح الصّفاح (4)
والموشحة طريفة، وهو يستهلها بوصف الطبيعة وصفا بديعا ويخرج منه إلى مديح أبى عمرو عثمان الحفصى وكأنما يتخذ من نور الفجر رمزا لحكمه الرشيد، وكان الوقت صيفا والقيظ شديد الحرارة، فقال إن النجم علا ذروة الفلك مستجيرا بالسلطان أبى عمرو المحبوب من نار الهجير، ويقول إنه روى مجده عن آبائه المنتسبين إلى عمر بن الخطاب نسبة صحيحة أو بطريق الآثار الصحاح كما يقول، ويمضى فى مبالغاته فلو رأى البدر وجهه المستبشر لخرّ ساجدا ولو رأى الغيث جوده المدرار لعلاه الخجل والاستحياء ونوّه به خلقا وخلقا، ويدعو
(1) الشهبان جمع شهاب: النجم المضيئ والشعلة الساطعة.
(2)
الحلك: سواد الليل
(3)
الهجير: نصف النهار فى القيظ.
(4)
الصفاح: السيوف. الغير: الأحداث.